الإجهاض في القانون الجزائي
اجهاض في قانون جزايي
abortion in the penal code - avortement dans le code pénal
منال منجد
مفهوم الإجهاض |
صور جريمة الإجهاض |
الأعذار القانونية المخففة في جريمة الإجهاض |
الظروف المشددة في جريمة الإجهاض |
مشروعية الإجهاض (أسباب التبرير في جريمة الإجهاض) |
يعد الإجهاض abortion من الموضوعات المهمة والحيوية التي تستحوذ على اهتمام العلماء والفقهاء في شتى الفروع والاختصاصات، فالأطباء وعلماء الاجتماع وفقهاء الشريعة الإسلامية ورجال القانون كلٌ يبحث في الإجهاض من الزاوية التي تهمه، فقد انكب الأطباء على دراسة أسباب الإجهاض وعلاجه ومسوغاته. في حين يبحث علماء الاجتماع في الإجهاض بوصفه وسيلة من وسائل تحديد النسل والمحافظة على التوافق الاجتماعي والتحكم في معدلات النمو و التزايد السكاني. أما فقهاء الشريعة الإسلامية فهم دائمو البحث عن الحلول والفتاوى للاستفسارات الهائلة والمشكلات العملية التي أفرزها التطور العلمي الكبير والمتعلقة بالإجهاض ومنها على سبيل المثال: إتلاف البويضات الملقحة (الأجنة) والمحفوظة في بنوك النطف والأجنة. أما رجال القانون فقد اهتموا بالإجهاض بوصفه جريمة فبحثوا في أركان وجودها والظروف المتعلقة بها، كما بحثوا في أسباب التبرير المتعلقة بالإجهاض والتي تجعل منه عملاً مشروعاً. ولابد هنا من التمييز بين أنواع الإجهاض المختلفة، فهناك الإجهاض العفوي أو الطبيعي الذي يقع من دون تدخل إرادي وإنما يكون لأسباب طبيعية تتعلق بالأم أو بالجنين كارتفاع حرارة المرأة الحامل أو القصور الهرموني ولاسيما المتعلق بالبروجستيرون أو التطور الشاذ للبيضة الملقحة وغير ذلك من الأسباب. وهناك الإجهاض الطبي أو العلاجي الذي يقع بتدخل إرادي إذ يتم إنهاء الحمل قبل أن يصبح قابلاً للحياة لأسباب طبية تتعلق بصحة الأم أو الجنين، وغالباً ما ينظم هذا الإجهاض بنصوص القانون ولاسيما المتعلقة منها بتنظيم مزاولة مهنة الطب. وهناك الإجهاض الإرادي وفيه يتم إنهاء الحمل من دون ضرورة الحفاظ على صحة الأم أو حياتها. وقد يقع من المرأة الحامل نفسها وقد يقع من الغير على المرأة الحامل برضاها أو من دون رضاها، وتتعدد أساليب ارتكاب هذا النوع من الإجهاض، فقد يقع بالعنف وقد يقع عن طريق تناول الأدوية والعقاقير المسببة للإجهاض، وهذا النوع من الإجهاض هو الذي اهتم به رجال القانون ونصت على تجريمه قوانين العقوبات المختلفة تحت عنوان «جريمة الإجهاض»، ولابد لقيام هذه الجريمة من توافر أركان محددة حتى يكون الجاني مستحقاً للعقوبة القانونية.
عالج المشرع السوري جريمة الإجهاض في الفصل الثالث من الباب السابع (المتعلق بالجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامة) من القسم الخاص من قانون العقوبات في المواد (527-532) حيث حدد أركان هذه الجريمة والعقوبات المستحقة لمرتكبيها والظروف المشددة والمخففة المتعلقة بها.
والمشرع السوري شأنه شأن غيره من المشرعين لم يعرّف الإجهاض تاركاً هذه المهمة للفقه والقضاء، وقد عرفه بعض الفقهاء العرب بأنه: إخراج الجنين عمداً من الرحم قبل الموعد الطبيعي لولادته، أو قتله عمداً في الرحم. في حين عرفه البعض الآخر: بأنه استعمال وسيلة صناعية تؤدي إلى طرد الجنين قبل موعد الولادة إذا تم بقصد إحداث هذه النتيجة. ويعرفه القضاء السوري بأنه: عمل عمدي يقصد به تحقيق نتيجة معينة هي إسقاط الجنين قبل الميعاد المحدد للولادة.
ميّز المشرع السوري في الإجهاض بين ثلاث جرائم لكل منها أركانها المختلفة والعقوبة الخاصة بها، وهذه الجرائم هي:
1- إجهاض الحامل لنفسها.
2- إجهاض الغير للحامل برضاها.
3- إجهاض الغير للحامل بغير رضاها.
1- إجهاض المرأة الحامل لنفسها: نصت المادة (527) من قانون العقوبات على ما يلي:
كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
أ- أركان الجريمة: يتطلب قيام هذه الجريمة ركناً مفترضاً يتمثل بوجود الحمل أو الجنين وقت اقتراف الفعل، والجنين هو الإنسان في المرحلة الجنينية التي تبدأ مع بداية الحمل وتنتهي بنهاية الحمل وانتقاله إلى الحياة الإنسانية، فالكائن البشري يعيش حياة جنينية داخل الرحم وحياة إنسانية تبدأ بانتهاء حياته الجنينية، وقد اختلف الفقهاء حول بداية الحمل ونهاية الحمل ولكن الراجح من القول أن بداية الحمل تكون بتمام تلقيح البويضة المؤنثة ونهاية الحمل تكون ببدء آلام المخاض في الولادة الطبيعية؛ ويفضي تطبيق الأساليب الفنية في الولادة غير الطبيعية - سواء كانت جراحية أم غير جراحية - مباشرة إلى إخراج الجنين خارج الرحم فيعادل ذلك في الأهمية لحظة بدء المخاض والإحساس بالألم التي تنبئ عن أن الجنين أصبح جاهزاً للانفصال عن جسد أمه.
أما ركن الجريمة المادي فيتمثل بإحدى صورتين:
إجهاض المرأة نفسها بوسيلة ما أو تمكين الغير من إجهاض حملها بوسيلة ما:
الملاحظ أن المشرع السوري لم يحدد السلوك الجرمي في جريمة الإجهاض، فالإجهاض يمكن أن يقع بسلوك إيجابي وهو الصورة الغالبة كتناول المرأة دواءً أو عقاراً من شأنه أن يسبب الإجهاض، كما يمكن أن يقع الإجهاض بسلوك سلبي كامتناع المرأة الحامل عن رعاية نفسها وعن تناول الدواء الموصوف لها للمحافظة على الحمل بقصد الإجهاض، والحقيقة أنه من الصعوبة بمكان في الحالة الأخيرة إثبات القصد الجرمي الذي لا تقوم جريمة الإجهاض إلا به.
ولم يعول المشرع على الوسيلة التي يقع بها الإجهاض، إذ جاء النص مطلقاً «بما استعملته من الوسائل أو استعمله غيرها برضاها»، ويترتب على ذلك أن أي وسيلة تستعمل للإجهاض سواء كانت مادية أم معنوية فهي تصلح لقيام هذه الجريمة؛ وإن كانت صعوبة إثبات علاقة السببية وصعوبة إثبات القصد الجرمي في الإجهاض تقف حائلاً أمام المساءلة في حال الإجهاض بوسيلة معنوية كالضغط النفسي أو الإفزاع. ووسائل الإجهاض منها وسائل مجهضة بطبيعتها ومنها وسائل مجهضة باستخدامها، فالعقاقير والأدوية المسببة للإجهاض تعد وسائل مجهضة بطبيعتها في حين أن ركوب الخيل أو الدراجة أو الرياضة العنيفة تعد من الوسائل المجهضة باستخدامها، وكما سلف القول إن أي وسيلة تلجأ إليها الحامل وتتسبب بالإجهاض تقوم معها جريمة الإجهاض إذا اكتملت باقي أركانها.
وجريمة إجهاض الحامل لنفسها تقوم بحق المرأة سواء كانت هي من أجهضت نفسها بالوسائل التي استعملتها أم مكنت الغير من استعمال تلك الوسائل من أجل إجهاض حملها، فهذا الموقف السلبي يجعل منها فاعلاً في جريمة الإجهاض لأن عليها واجباً قانونياً هو حماية الجنين المستقر في أحشائها والمحافظة على حياته، فإن هي مكنت الغير من إجهاض الحمل عُدّت فاعلاً في جريمة إجهاض الحامل لنفسها وليست متدخلاً في هذه الجريمة.
ولكي تكتمل أركان الجريمة تطلب المشرع ركناً معنوياً يتمثل بصورة القصد الجرمي العام وعنصريه العلم والإرادة، فالمرأة حتى تسأل عن إجهاض الحمل يجب أن تعلم أن ما تلجأ إليه من الوسائل من شأنه إجهاض الحمل وأن تتجه إرادتها إلى الفعل والنتيجة، وإذا كانت قد مكنت الغير من إجهاض الحمل فيجب أن تقف الموقف السلبي وهي على علم أن تمكينها للغير من استعمال الوسائل سيؤدي إلى الإجهاض، وأن تتجه إرادتها إلى الموقف السلبي والنتيجة الجرمية، ويترتب على ما سبق أنه إذا أقدمت المرأة على إجهاض الحمل خطأً كما لو تناولت عقاراً مجهضاً وهي تجهل طبيعته فإنها لا تسأل عن الإجهاض؛ لأن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إلا إذا وقع مقصوداً.
ب- العقوبة: في حال توافرت أركان جريمة الإجهاض بحق المرأة المنصوص عليها في المادة (527) فإن العقوبة هي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، ولا عقاب على مجرد الشروع في هذه الحالة لعلة عدم ورود النص الخاص، والقاعدة العامة في العقاب على الشروع في الجنح أنه: لا عقاب على الشروع في الجنحة والجنحة الناقصة إلا إذا ورد نص خاص (م201) ق.ع.
2- جريمة إجهاض الغير للحامل برضاها: ويطلق بعض الفقهاء على هذه الجريمة «الإجهاض الاختياري»؛ لأن المرأة تلجأ إلى الغير برضاها في سبيل التخلص من الحمل.
وقد عالجت المادة (528) من قانون العقوبات هذا النوع من الإجهاض حيث نصت على ما يلي:
1- من أقدم بأي وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
2- وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات.
3- وتكون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا تسبب الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة.
أ- أركان الجريمة: يتطلب قيام الجريمة التي نحن بصددها ركناً مادياً قوامه الإقدام على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاض حملها بوسيلة ما، فالمشرع السوري لا يعول على صورة السلوك الجرمي ولا يعول على الوسيلة المستعملة في الإجهاض سواء وقع من المرأة على نفسها أم من الغير برضاها أم بغير رضاها، وكذلك لابد من وجود الركن المعنوي المتمثل في صورة القصد الجرمي، فالجاني يجب أن يعلم أنه بفعله يجهض امرأة حاملاً، وأن تتجه إرادته إلى الفعل والنتيجة، وهي إنهاء حالة الحمل قبل الأوان. وقد اختلف الفقهاء حول النتيجة الجرمية في الإجهاض، فالبعض يرى أن الجريمة لا تتحقق إلا إذا نزل الجنين ميتاً، في حين يرى البعض الآخر أن النتيجة الجرمية في الإجهاض هي إنهاء حالة الحمل قبل الأوان سواء نزل الجنين ميتاً أم حياً، فالمشرع الجزائي لا يحمي بنصوص الإجهاض حق الجنين في الحياة فقط وإنما يحمي عدة حقوق منها: حق الجنين في البقاء داخل الرحم والنمو الطبيعي إلى أن يحين موعد الولادة الطبيعية، وحق المرأة في استمرار حملها وفي المحافظة على صحتها الإنجابية.
ويعاقب الفاعل سواء أجهض المرأة الحامل فعلاً أو حاول إجهاضها لأن المادة (528) نصت على ذلك صراحة، كما يعاقب سواء كانت المرأة حاملاً أم غير حامل حيث صرحت المادة (530) بأنه: «تطبق المادتان (528 -529) ولو كانت المرأة التي أجريت عليها وسائل الإجهاض غير حامل»، وبالتالي فإن وجود الحمل لا يعد ركناً أساسياً لقيام جريمة إجهاض الغير للمرأة، ويترتب على ذلك أنه إذا أقدم شخص على إجهاض امرأة ظنّ أنها حامل - برضاها أو بغير رضاها - يسأل عن جريمة إجهاض ويعاقب بالعقوبة المحددة لهذه الجريمة، وهذا الموقف الذي تبناه المشرع السوري ينسجم مع خطة المشرع في العقاب على الجريمة المستحيلة؛ إذ نبذ المشرع السوري فكرة الجريمة المستحيلة وعاقب الفاعل الذي عبّر بفعله عن خطورة إجرامية لا يستهان بها.
ولا يُعدّ رضاء الحامل بالإجهاض سبباً لتبرير فعل الفاعل، ويعود ذلك إلى أن موضوع الحماية ليس للأم حتى يكون لرضائها بالاعتداء عليه ما يبيحه، وإنما هو للجنين فهي غير ذات صفة للتصرف فيه، إضافة إلى أن للأم رسالة اجتماعية فرضها الشارع عليها ومن عناصرها أن تتحمل الأم متاعب الحمل والولادة، ومن ثم لا يكون من حقها أن تتخلى عنها برضائها بالإجهاض.
ب- العقوبة والظروف المشددة في جريمة إجهاض المرأة الحامل برضاها: إذا توافرت أركان جريمة إجهاض الغير للمرأة برضاها كانت عقوبة الفاعل الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وقد عدّ المشرع موت المرأة نتيجة الإجهاض أو نتيجة الوسائل التي استخدمت في الإجهاض ظرفاً مشدداً للعقوبة إذ تصبح العقوبة الأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات، وإذا كانت الوسائل التي استخدمها الجاني وأدت إلى موت المرأة أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة شددت العقوبة لتصبح الأشغال الشاقة من خمس إلى عشر سنوات.
3- جريمة إجهاض الغير للمرأة بغير رضاها: عالجت هذه الجريمةَ المادةُ (529) من قانون العقوبات حيث نصت على أنه:
1- من تسبب عن قصد بإجهاض امرأة من دون رضاها عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل.
2- ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات إذا أفضى الإجهاض أو الوسائل المستعملة إلى موت المرأة.
أ- أركان الجريمة: يتطلب قيام هذه الجريمة توافر ثلاثة أركان: ركن مادي: ويتمثل بالإقدام على إجهاض امرأة من دون رضاها ولا أهمية للوسيلة المستخدمة، وركن معنوي يتمثل بصورة القصد الجرمي العام، ويُعدّ انعدام رضاء الحامل في هذه الجريمة ركناً أساسياً يميزها من جريمة إجهاض الغير للمرأة برضاها، ولا يشترط في انعدام الرضاء أن يقع الفعل الجرمي المكون لجريمة الإجهاض بالإكراه المادي أو المعنوي، بل يكفي أن يقع الفعل من دون رضاء صحيح من المرأة، فانعدام الرضاء يتسع للعديد من الحالات، منها: الإكراه المادي والمعنوي، والرضاء الصادر عن غير المميزة كالمصابة بالجنون، أو المرأة في حالة السكر مع انعدام الإدراك، وكذلك المرأة تحت تأثير المواد المخدرة.
وفيما يتعلق بالركن المعنوي فجريمة إجهاض الغير للمرأة الحامل - سواء كان برضاها أم بغير رضاها - في التشريع السوري جريمة مقصودة يتطلب قيامها توافر القصد الجرمي العام وعناصره العلم والإرادة، فالجاني يجب أن يعلم طبيعة فعله والنتيجة التي ستترتب على هذا الفعل ويجب أن تتجه إرادته إلى الفعل والنتيجة معاً، أما إذا وقع الإجهاض خطأً وبغير قصد فإن المشرع السوري لا يعاقب على الإجهاض في هذه الحالة؛ فلو أن أحد الأشخاص صدم امرأة حاملاً بمركبته فأدى ذلك إلى إجهاض حملها فإنه لا يسأل عن إجهاض غير مقصود، وإنما يسأل فقط عن الإيذاء الحاصل للمرأة الذي تحدده النتيجة الجرمية أو مدة التعطيل عن العمل بحسب المواد (540- 543) من قانون العقوبات، فالمشرع السوري لا يعاقب على الإجهاض إلا إذا كان مقصوداً.
ب- العقوبة والظروف المشددة في جريمة إجهاض المرأة الحامل بغير رضاها: إذا توافرت أركان الجريمة كانت عقوبة الفاعل الأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، ويعد هذا النوع من الإجهاض معاقباً على الشروع فيه؛ لأن عقوبته جنائية الوصف، والقاعدة أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دائماً. وقد شدد المشرع عقوبة الفاعل لتصبح الأشغال الشاقة المؤقتة من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة في حال أدى هذا الاعتداء إلى وفاة المرأة سواء كان السبب هو الإجهاض ذاته أم الوسائل المستعملة فيه، فالمشرع شدد العقوبة بالنظر إلى النتيجة التي تعدت قصد الفاعل وهي وفاة المرأة.
ثالثاً- الأعذار القانونية المخففة في جريمة الإجهاض:
نصت المادة (531) من قانون العقوبات على ما يلي:
«تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها، ويستفيد كذلك من العذر نفسه من ارتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين (528) و(529) للمحافظة على شرف إحدى فروعه أو قريباته حتى الدرجة الثانية».
وبالاطلاع على هذا النص نجد أن المشرع السوري قد منح المرأة التي تجهض نفسها عذراً قانونياً مخففاً ضمن شروط معينة، وهذه الشروط هي: أن يكون الحمل ناشئاً من علاقة غير شرعية سواء كانت رضائية أم غير رضائية، وأن يكون دافع المرأة إلى الإجهاض هو المحافظة على شرفها، فالمشرع قدّر حالة الحرج الاجتماعي والألم النفسي اللذين تقع فيهما المرأة التي تحمل من علاقة غير شرعية فتمتلكها الرغبة في التخلص من الجنين الذي بات يهددها بالفضيحة والعار.
ويستفيد من هذا العذر المخفف أقرباء المرأة حتى الدرجة الثانية بشرط أن يكون الحمل غير شرعي وأن يكون الدافع هو المحافظة على شرف المرأة.
رابعاً- الظروف المشددة في جريمة الإجهاض:
شدد المشرع السوري عقوبة الفاعل في جريمة الإجهاض بالاستناد إلى سببين:
الأول: وفاة المرأة الحامل نتيجة الإجهاض أو الوسائل المستعملة فيه: حيث تعد الوفاة سواء في جريمة إجهاض المرأة برضاها أم بغير رضاها ظرفاً مادياً مشدداً للعقوبة، وذلك على النحو السابق بيانه.
الثاني: صفة الفاعل في جريمة الإجهاض: عدّ المشرع السوري أن توافر صفة معينة في الفاعل وقت اقتراف الفعل يؤدي إلى تشديد العقوبة، وهذه الصفة هي صفة الطبيب أو الجرّاح أو القابلة أو العقار أو الصيدلي أو أحد مستخدميهم، وأياً كانت صفة المساهم في الجريمة فهو فاعل أو شريك أو محرض أو متدخل في الجريمة، والحكمة من تشديد العقوبة في هذه الحالة تكمن في سهولة ارتكاب هذه الفئة من الأشخاص جريمة الإجهاض؛ إذ لديها من الخبرة الفنية ما يجعل من ارتكاب الجريمة وإخفاء آثارها أمراً غاية في السهولة، ومن ناحية أخرى فإن الإقدام على هذا الفعل فيه إخلال بآداب مهنة الطب أو الصيدلة وشرفهما ولاسيما إذا أصبح هذا النشاط سبباً للكسب السريع.
خامساً- مشروعية الإجهاض (أسباب التبرير في جريمة الإجهاض):
إن البحث في أسباب التبرير الخاصة بالإجهاض (أسباب الإباحة) واسع جداً، ويعود ذلك إلى الاختلاف الكبير في مواقف التشريعات الجزائية، فبعض القوانين تجرّم الإجهاض في كل صوره وحالاته كالتشريع المصري، وبعضها الآخر يجعل الإجهاض حقاً شخصياً بيد المرأة لا يملك أي كان منعها من ممارسته؛ ولكن ضمن بعض الشروط الموضوعية والشكلية التي تضمن سلامة المرأة الحامل كالقانون التونسي والقانون الفرنسي، فالقانون الفرنسي على سبيل المثال يجعل الإجهاض حقاً للمرأة ضمن الأسابيع الاثني عشر الأولى من الحمل ولا يملك أي شخص عرقلة إسقاط الحمل تحت طائلة العقوبة الجزائية.
أما عن أسباب التبرير في التشريع السوري فقد أجاز المشرع السوري إنهاء حالة الحمل (أي الإجهاض) إذا كان استمرار الحمل خطراً على حياة المرأة وذلك ضمن شروط معينة:
> أن يتم الإجهاض من قبل طبيب مختص وبموافقة طبيب آخر.
> أن يحرر محضر بتقرير الحاجة المبرمة لإجراء الإجهاض.
> أن تنظم أربع نسخ أو أكثر بحسب الحاجة وتحتفظ الأسرة وكل من الأطباء بواحدة منها يوقعها الأطباء والمريضة أو زوجها أو وليها.
وهذه هي الحالة الوحيدة التي يسوغ فيها المشرع السوري إنهاء حالة الحمل، أما ما دون ذلك فيكون بالعودة إلى الأحكام العامة.
مراجع للاستزادة: - عبد الرحيم صدقي، إجهاض المرأة لنفسها (دار النهضة العربية، القاهرة 1997). - حسن محمد ربيع، الإجهاض في نظر المشرع الجنائي، دراسة مقارنة (دار النهضة العربية، القاهرة 1995). - محمد عبد الوهاب الخولي، المسؤولية الجنائية للأطباء (دار النهضة العربية، القاهرة 1997). - مصطفى عبد الفتاح لبنة، جريمة إجهاض الحوامل (دار أولي النهي، بيروت 1996). - هلالي عبد اللاه أحمد، الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة (دار النهضة العربية، القاهرة 1989). |
- التصنيف : القانون الجزائي - النوع : القانون الجزائي - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 45 مشاركة :