الأحداث الجانحون
احداث جانحون
juvenile delinquents - délinquants juvéniles
عبد الجبار الحنيص
مفهوم جناح الأحداث |
تدرج المسؤولية الجزائية للحدث |
الأحكام الإجرائية للأحداث |
المؤسسات المساعدة لقضاء الأحداث |
تعد الجريمة من الظواهر الاجتماعية الخطرة التي وجدت بوجود الإنسان، ولا يكمن خطر الجريمة في أشخاص المجرمين البالغين وأفعالهم فحسب، بل يكمن عند الصغار أيضاً الذين لم يشتد عودهم بعد، وما زالوا كالأغصان الغضة بحاجة إلى من يرعاها ويعتني بها لتنمو وتكبر، وتصبح قادرة على المشاركة في بناء المجتمع وتقدمه. فإن أحسن المجتمع القيام بهذه المهمة سلموا وسلم بسلامتهم، وإن أخفق وأساء فهمهم انقلبوا عليه، وقضوا مضجعه وعاثوا به فساداً وإجراماً.
وإن ازدياد حجم ظاهرة انحراف الأحداث في العالم دفع دوله مجتمعة أو منفردة إلى توجيه جل اهتمامها نحو دراسة هذه المشكلة الاجتماعية المعقدة، وبذل كل ما في وسعها لإيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها أو للحد منها ما أمكن.
وقد عقدت من أجلها المؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية، ورصدت لها الأموال بهدف دراستها ومعالجتها. فانكب الأختصاصيون في مختلف العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية على بحثها من جميع جوانبها، ووضع الحلول لمعالجتها.
ووضعت للأحداث تشريعات جزائية خاصة في مختلف الدول، وهي تهدف إلى ضمان الحماية والرعاية القضائية لهم عن طريق دراسة حالاتهم وعلاجها. فيشكل شخص الحدث محور السياسة الجزائية لهذه التشريعات، ولا ينظر إلى فعله الجرمي إلا بوصفه مؤشراً على انحرافه فحسب.
وفي سورية أفرد المشرع أحكاماً خاصة بالأحداث الجانحين، حيث كانت في البداية موزعة بين قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لسنة 1949 وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 112 لسنة 1950، ثم بعد ذلك تم جمعها في قانون الأحداث الجانحين Les mineurs délinquants رقم 58 لسنة 1953، الذي استبدل بالقانون رقم 18 لسنة 1974 المعدل بالقانونين: رقم 51 لسنة 1979، ورقم 52 لسنة 2003.
وهذه التعديلات التشريعية تبين إرادة المشرع السوري في تجسيد سياسة اجتماعية هدفها تقويم الأحداث الجانحين عن طريق إصلاحهم بإعادة تأهيلهم تربوياً واجتماعياً ومهنياً.
وقد تجلت هذه الإرادة التشريعية في إفراد قواعد خاصة تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين تختلف عن تلك التي تحكم مسؤولية البالغين، وفي تخصيصهم بإجراءات ومحاكم تهدف إلى بحث حالاتهم وكشف انحرافاتهم وتحديد التدبير الإصلاحي الملائم لكل حالة على انفراد، وذلك بمساعدة مؤسسات اجتماعية متخصصة.
أولاً- مفهوم جناح الأحداث:
إن مفهوم جناح الأحداث يقتضي بيان المقصود بالجناح، وتعريف الحدث.
أ- جناح الحدث: درجت تشريعات الأحداث في مختلف الدول على استخدام تعبير جناح الحدث أو جنوحه، ولكنها لم تعرّف هذا الجناح أو الجنوح. ونظرياً هناك اتجاهان رئيسيان في تحديد المقصود بجناح الحدث أو جنوحه:
الاتجاه الأول: يميل أنصاره إلى استخدام مفهوم الجناح أو الجنوح ضمن مجال ضيق يقتصر على الأفعال التي تعد جريمة معاقباً عليها في قانون العقوبات فيما لو ارتكبها البالغون، ويخرجون من نطاقه أفعال التشرد والتسول وغيرها من الأفعال التي تتطلب رعاية اجتماعية لحماية الحدث من خطر الانحراف. وذلك وفقاً لما أكدته الحلقة الدراسية الثانية التي نظمتها الأمم المتحدة للدول العربية في كوبنهاجن سنة 1959.
الاتجاه الثاني: ويميل أنصاره إلى تفسير مفهوم الجناح أو الجنوح تفسيراً موسعاً بحيث يشمل الأحداث الذين يرتكبون الجرائم والأحداث الذين بحاجة إلى اتخاذ تدابير نافعة لحمايتهم من خطر الانحراف؛ أي لا ينبغي التفريق بين من يرتكب فعلاً يعد جريمة بنظر قانون العقوبات و من يكون معرضاً لخطر الانحراف. هذا ما أقرته الحلقة الدراسية الأولى التي نظمتها الأمم المتحدة للدول العربية في القاهرة سنة 1953.
ويعرف الجنوح بحسب هذا المفهوم بأنه: «انحراف الحدث الحاد عن السلوك الاجتماعي السوي، بحيث لو قام به البالغ لاعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. كما يمكن أن يلحق به الانحراف الذي ينطوي على مجرد مظهر من مظاهر السلوك السيئ الذي يمكن أن ينقلب إلى انحرافات حادة ينطبق عليها وصف الجنوح».
وتتضمن معظم تشريعات الأحداث الجانحين في الدول العربية أحكاماً تتعلق بكلتا الفئتين معاً، فئة الجانحين وفئة المعرضين للانحراف. ويمكن تفسير ذلك في كونها أُعطيت بعداً رعائياً ووقائياً إضافة إلى بعدها الإصلاحي، كما أنيط بمحاكم الأحداث أمر النظر في مشاكل الأحداث المهددين بخطر الانحراف، فضلاً عن النظر في قضايا الأحداث الجانحين، وذلك بعدها مؤسسات قضائية اتخذت الصفة الرعائية والوقائية. وهذا يؤكد أنه ليس هناك من الناحية العملية أي تمييز بين الفئتين المذكورتين.
2- تعريف الحدث: يختلف تعريف الحدث وفق المفهوم الاجتماعي والنفسي عنه في قانون الأحداث. فالحدث في المفهوم الاجتماعي والنفسي: «هو الصغير منذ ولادته حتى يتم نضوجه الاجتماعي والنفسي، وتتكامل لديه عناصر الرشد المتمثلة في الإدراك التام للأشياء والمواقف والظروف التي تحيط به».
أما من الناحية القانونية فيُعرّف الحدث بأنه: «كل ذكر أو أنثى لم يتم الثامنة عشرة من عمره». ولكن إذا نُظر إلى مسؤولية الإنسان الجزائية فإنه يعّرف بأنه: «الصغير الذي بلغ السن التي حددها القانون للتمييز ولم يتجاوز السن التي حددها لبلوغ الرشد الجزائي»، فالقصر في قانون الأحداث السوري رقم 18 لسنة 1974 المعدل بالقانون رقم 52 لسنة 2003 يحدد بإتمام العاشرة وعدم تجاوز الثامنة عشرة من العمر، أي أنه استبعد من دائرة القانون الجزائي الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره لانتفاء التمييز لديه.
والمعول في تحديد سن الحدث هي تاريخ ارتكابه الجرم، كما نصت المادة الثانية من قانون الأحداث أن اعتماد تاريخ ارتكاب الفعل الإجرامي أساساً في تعيين سن الحدث يتفق مع مقتضيات العدالة ومبدأ الشرعية. ويعود القاضي أو محكمة الأحداث في تحديد السن إلى الأوراق الرسمية من واقع قيود الأحوال المدنية إذا كان الحدث مسجلاً فور ولادته، أي ضمن المدة القانونية المنصوص عليها في قانون الأحوال المدنية (شهادة الميلاد، أو الهوية الشخصية، أو دفتر العائلة). أما إذا لم يكن مسجلاً في قيود الأحوال المدنية أو كان مسجلاً بعد انقضاء المدة القانونية للتسجيل فيمكن تقدير سنه بالاستعانة بأهل الخبرة.
ثانياً- تدرج المسؤولية الجزائية للحدث:
قسّم قانون الأحداث رقم 18 لعام 1974 المعّدل بالقانون رقم 52 لعام 2003 سن الحدث إلى ثلاث مراحل، وجعل لكل مرحلة منها أحكاماً خاصة بها. وقد اتخذ المشرع نوع المسؤولية التي يتحملها الحدث أساساً في تحديد كل مرحلة، وذلك تبعاً لتقدم عمره واكتمال وعيه وإدراكه والقدرة على توجيه إرادته. وهذه المراحل هي:
1- مرحلة انعدام المسؤولية: وتمتد هذه المرحلة منذ الولادة حتى يبلغ الحدث سن التمييز. وقد حدد المشرع السوري سن التمييز الجزائي بتمام العاشرة، وعلى ذلك نصت المادة الثانية من قانون الأحداث لعام 1974 المُعدّلة بموجب القانون رقم 52 لعام 2003 بقولها: «لا يلاحق جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره حين ارتكاب الفعل». ويقرر هذا النص سناً معينة، وهي تمام العاشرة، تفصل بين مرحلتي انعدام الأهلية وتوافرها في صورة ناقصة بعد ذلك.
في حين حدد المشرع سن التمييز المدني ببلوغ السابعة، حيث تنص المادة 47/2 من القانون المدني على أن: «كل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقد التمييز».
ولا يسأل جزائياً الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره إذا ارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون؛ لأنه في هذه المرحلة لا يتوافر لديه الإدراك. فأفعاله لا تعني القانون الجزائي في شيء. وانعدام المسؤولية هنا تستند إلى أساس قرينة قانونية قاطعة لمصلحة الحدث لا يجوز إثبات نقيضها. ويترتب على ذلك أنه إذا تبين للنيابة العامة أن الفاعل لم يتم العاشرة وقت ارتكاب الفعل فعليها أن تتخذ قراراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى العامة لانعدام مسؤوليته جزائياً، وعلى المحقق أن يقرر منع المحاكمة؛ وإذا لم يتضح ذلك إلا أمام المحكمة فلا يجوز لها أن تحكم بالبراءة وإنما بعدم جواز إقامة الدعوى؛ لأن الحكم بالبراءة يعني النظر في الدعوى والفصل فيها، وهذا يخالف نص المادة الثانية من قانون الأحداث المذكورة فيما سبق.
وانعدام مسؤولية الحدث غير المميز الجزائية لا تؤثر في مسؤولية شركائه من البالغين.
ولكن ما هو أثر انعدام مسؤولية الحدث الجزائية في مسؤوليته المدنية؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي التميز بين حالتين: حالة الحدث الذي لم يبلغ السابعة من عمره، أي سن التمييز المدني، وحالة الحدث الذي بلغ هذه السن. ففي الحالة الأولى لا يسأل الصغير لا جزائياً ولا مدنياً، وللمضرور أن يعود بالتعويض على من يجب عليه قانوناً أو اتفاقاً رقابة هذا الصغير أمام القضاء المدني. وأساس مسؤولية متولي الرقابة هو افتراض إهماله الرقابة على الصغير غير المميز، أو افتراض إساءة تربيته، أو افتراض الخطأين معاً. والمسؤول عن رقابة الصغير هو ولي النفس من أب أو جد أو عم أو غيرهم. وتنتقل الرقابة إلى معلمه في المدرسة أو المشرف في الحرف ما دام تحت إشراف المعلم أو المشرف.
ولا يستطيع المضرور الرجوع على الصغير الذي تسبب له بالضرر جراء فعله غير المشروع إلا إذا لم يكن ثمة شخص تقع عليه تبعة عمل الصغير، أو كان هذا الشخص غير مليء، أو انتفاء مسؤوليته إذا أثبت أنه قام بواجب رقابة الصغير أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية؛ فيقدر القاضي في هذه الحالات العطل والضرر مراعياً مركز الفريقين من حيث الغنى والفقر.
ولا يحق للمسؤول عن الصغير الذي لم يبلغ السابعة من عمره الرجوع عليه بما دفعه إلى المضرور؛ لأن مسؤوليته هنا أصلية وليست تبعية.
أما في الحالة الثانية وهي بلوغ السابعة يسأل الحدث في هذه المرحلة عن تعويض الأضرار التي حاقت بالمضرور من جراء فعله غير المشروع، أي إن مسؤوليته المدنية عن أفعاله غير المشروعة تغدو كاملة إذا لم يعرض له ما يفقده التمييز. ويحق للمضرور أن يعود بالتعويض إما على الحدث، وإما على المسؤول عنه بصفته متولياً رقابته، وإما عليهما معاً لأنهما مسؤولان أمامه بالتضامن.
ومسؤولية متولي الرقابة في هذه الحالة هي مسؤولية تبعية وليست أصلية، فلا تقوم إلا تبعاً لقيام مسؤولية الحدث الذي بلغ السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة من عمره. ويترتب على ذلك أنه في حال رجع المضرور على متولي الرقابة بالتعويض فإن هذا الأخير يستطيع الرجوع على الحدث.
2- الأحداث من العاشرة إلى الخامسة عشرة: إذا ارتكب الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الخامسة عشرة من عمره أي جريمة فإنه يلاحق جزائياً، ولكن لا يجوز للمحكمة أن تفرض عليه أي عقوبة مهما كانت جريمته، سواء أكانت جناية أم جنحة أم مخالفة. وإنما لها أن تحكم عليه بتدبير أو أكثر من التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في قانون الأحداث؛ فالحدث في هذه المرحلة يكون قابلاً للإصلاح والتهذيب من جهة، وأن وضعه في السجن مع المجرمين سيكون خطراً على أخلاقه من جهة ثانية. ولا يجوز للقاضي بحث إدراك الحدث الذي تجاوز سن التمييز؛ لأنه لا يتضمن القانون ما يجيز له ذلك. فالمشرع افترض فيه أنه مميز ويجب أن تطاله أحكام القانون، فمن غير المنطق عده منعدم الأهلية كما في المرحلة السابقة، بل تتخذ في مواجهته التدابير الإصلاحية الملائمة لحالته. ويمكن القول إن مسؤولية الحدث هنا هي مسؤولية علاجية وقائية، وليست جزائية أو عقابية، فينشأ عن ارتكابه للجريمة في هذه السن التزامه بالخضوع للوسائل الإصلاحية العلاجية المقررة في القانون.
3- الأحداث من الخامسة عشرة إلى الثامنة عشرة: وهي المرحلة الثالثة من مراحل الحداثة والخاصة بالأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم. نصت المادة 3 من قانون الأحداث رقم 18 لعام 1974 وتعديلاته على ما يلي:
«أ- إذا ارتكب الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره أية جريمة فلا تفرض سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في القانون.
ب- أما في الجنايات التي يرتكبها الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة من عمرهم فتطبق العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون».
يستفاد من هذا النص أن من يرتكب جنحة أو مخالفة من الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة لا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في المادة الرابعة، وهي بذاتها التي تفرض على الأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الخامسة عشرة.
لكن المشرع رأى أن يواجه الحدث الذي يرتكب جناية بعقوبات مخفضه؛ لأن الجنايات تعد من أخطر الجرائم التي تثير الرأي العام والتي لا ينفع معها سوى ألم العقوبة. أي إنه ارتأى لاعتبارات خاصة معاقبة الحدث الذي أتم الخامسة عشرة من عمره في حال ارتكابه جناية، ولكنه في الوقت ذاته لم يشأ فرض العقوبات المقررة للبالغين على هذا الحدث. إذ إنه راعى أن الحدث في مثل هذه السن لم يكتمل لديه الرشد بعد، وقساوة العقوبة ربما لا يناسب حالته، لذلك خفضها كي تكون منسجمة مع الغاية التشريعية لإصلاحه وتقويمه.
وقد بينت المادة 29 من قانون الأحداث طريقة تخفيض العقوبات التي توقع على الحدث، كما أجازت للمحكمة الجمع بينها وبين بعض التدابير، فتفرض على من يرتكب جناية من الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة العقوبات التالية:
إذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الإعدام يحبس مع التشغيل من ست سنوات إلى اثنتي عشرة سنة، وإذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد يحبس مع التشغيل من خمس إلى عشر سنوات، وإذا كانت جريمته من الجنايات المستحقة عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو الاعتقال المؤقت يحبس مع التشغيل من سنة إلى خمس سنوات.
ويسأل الحدث الذي بلغ الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بالتعويض على من لحقه الضرر من جراء فعله غير المشروع لكونه مميزاً، وتكون مسؤوليته في هذا الشأن كاملة؛ وذلك بشرط أن يكون قد تحرر تماماً من قيود الرقابة واستقل في معيشته. إذاً لا يحق للمضرور العودة بالتعويض على المسؤول عن الحدث إلا إذا كان الحدث ما يزال في كنف القائم على تربيته. فإذا بلغ الحدث سن الخامسة عشرة ولكنه لم يتحرر من رقابة المسؤول عنه يبقى هذا الأخير مسؤولاً عنه إلى أن يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره. ويمكن للمضرور في هذه الحالة أن يعود بالتعويض على الحدث أو المسؤول عنه أو عليهما معاً بالتضامن والتكافل. وإذا عاد المضرور على المسؤول عن الحدث بعدّه متولي الرقابة فإنه يحق لهذا العودة على الحدث بما دفعه للمضرور؛ لأن مسؤولية متولي الرقابة هنا تبعية ومسؤولية الحدث أصلية.
ثالثاً- الأحكام الإجرائية للأحداث:
1- قضاء الأحداث: يقوم النظام القضائي السوري على مبدأ الفصل بين وظائف الملاحقة والتحقيق والمحاكمة. وقد حافظ المشرع على هذا المبدأ في قضايا الأحداث الجانحين، حيث أسند مهمة الملاحقة إلى النيابة العامة والتحقيق الابتدائي إلى قاضي التحقيق، ولكنه لجأ إلى فكرة التخصص في هذا المجال، فأوجب تخصيص قاضي نيابة و قاضي تحقيق للنظر في القضايا المتعلقة بالأحداث. وقد أفرد أيضاً لهؤلاء الأحداث محاكم خاصة تسمى محاكمالأحداث، وتتكون من:
أ- محاكم جماعية: وهي تتألف من قاضٍ رئيس وعضوية اثنين من حملة الشهادة العالية ينتقيهم وزير العدل من بين العاملين في الدولة ممن ترشحهم وزارت الشؤون الاجتماعية والعمل والتربية والتعليم العالي، ومنظمة الاتحاد النسائي؛ ويتم تسميتهم بمرسوم بناء على اقتراح وزير العدل. وتختص المحاكم الجماعية بالنظر في القضايا الجنائية والقضايا الجنحية التي تتجاوز فيها عقوبة الحبس سنة واحدة. وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة.
ب- محاكم منفردة: وهي محاكم الصلح للنظر - بوصفها محاكم أحداث - في باقي القضايا الجنحية والمخالفات.
ويعين الاختصاص المكاني لمحاكم الأحداث وفقاً للترتيب التالي: محل وقوع الجرم- موطن الحدث أو موطن أبويه أو وليه- معهد الإصلاح أو مركز الملاحظة الذي وضع فيه الحدث. ويجوز لقضاء الأحداث النظر في دعوى الحق الشخصي تبعاً لدعوى الحق العام، وإذا أسقط المدعي الشخصي دعواه تتخلى محكمة الأحداث عن النظر في الدعوى إلى محكمة الأحداث التي يوجد فيها موطن الحدث أو موطن أبويه أو وليّه.
2- الإجراءات الخاصة بالأحداث: أفرد المشرع للأحداث إجراءات خاصة، وهي تهدف إلى حماية الحدث في كل مراحل الدعوى؛ لذا فإن هذه الإجراءات تتصف بعدم الإفراط بالشكليات، وسرعة البت في قضايا الأحداث حرصاً على مصلحتهم؛ وهي تتعلق بالملاحقة أو الادعاء، والتحقيق الابتدائي، والمحاكمة،وطرق الطعن.
أ- الملاحقة أو الادعاء: نص قانون الأحداث على قواعد خاصة بتحريك الدعوى العامة في الجرائم التي يرتكبها الأحداث، ويمكن إيجازها بما يلي:
¯ في الجرائم التي تدخل في الاختصاص النوعي لمحكمة الأحداث الجماعية، أي في الجنايات إطلاقاً وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة سنة فأكثر لا يجوز إقامة الدعوى العامة مباشرة أمامها، ولا بد للنيابة العامة من تقديم ادعاء أولي أمام قاضي التحقيق المختص بقضايا الأحداث.
¯ في الجرائم التي تدخل في الاختصاص النوعي لمحكمة الأحداث المنفردة، أي في الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس مدة لا تتجاوز السنة، وفي المخالفات للنيابة العامة الخيار بين أن تقيم الدعوى العامة أمام قاضي التحقيق بادعاء أولي، أو إقامتها أمام محكمة الأحداث المنفردة عن طريق الدعوى المباشرة.
¯ عدم جواز تطبيق أصول الجنح المشهودة على الأحداث، إذ لا يجوز للنيابة العامة أن تقرر توقيف الحدث وإحالته موقوفاً أمام محكمة الأحداث المنفردة أو قاضي التحقيق في هذه الجرائم.
¯ إجبار النيابة العامة على تحريك الدعوى العامة: للمضرور من جراء الجريمة المرتكبة من قبل حدث إجبار النيابة العامة على تحريك الدعوى الجزائية إذا نصب نفسه مدعياً شخصياً بادعاء أولي أمام قاضي التحقيق في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس أكثر من سنة، أو بادعاء مباشر أمام محكمة الأحداث المنفردة.
¯ حالة اشتراك أحداث وغير أحداث في جريمة واحدة لابد من التفصيل الآتي: في الجناية التي يشترك فيها أحداث وراشدون، أو في جنح الأحداث المتلازمة مع جناية الراشد يقوم قاضي الإحالة بالتفريق بينهم عند إصداره قرار الاتهام، ولكنه لا يطبق معاملات الاتهام المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية على الأحداث؛ وذلك وفق ما استقرت عليه محكمة النقض في قراراتها الأخيرة. وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس أكثر من سنة إذا قررت النيابة العامة استخدام إجراءات الجنحة المشهودة أو إجراءات الدعوى المباشرة فيما يخص البالغين وجب عليها التفريق بينهم، وتنظيم إضبارة خاصة بالأحداث وإحالتهم أمام قاضي التحقيق المختص بقضايا الأحداث. أما إذا قررت لزوم التحقيق للجميع فإنها تحيلهم أمام قاضي التحقيق المختص بقضايا الأحداث الذي يفرق بينهم بعد الانتهاء من التحقيق في قرار الظن.
وفي المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس مدة لا تتجاوز السنة تقوم النيابة العامة بالتفريق بينهم، وتنظيم إضبارة خاصة بالأحداث وتحيلهم أمام محكمة الأحداث المنفردة.
وتسقط دعوى الحق العام ودعوى الحق الشخصي في جرائم الأحداث بمرور خمس سنوات في الجنايات، وسنة ونصف في الجنح، وستة أشهر في المخالفات، وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 55 من قانون الأحداث.
ب- التحقيق الابتدائي: يتبين من نص المادة 41 من قانون الأحداث رقم 18 لعام 1974 وتعديلاته أن التحقيق إلزامي في الجنايات إطلاقاً وفي الجنح المعاقب عليها قانوناً بالحبس مدة تزيد على السنة؛ في حين أن المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس مدة لا تتجاوز السنة أو بالعقوبتين معاً فإن التحقيق فيها جوازي، حيث إنه يجوز للنيابة العامة في هذه الجرائم إحالة الحدث مباشرة أمام محكمة الأحداث المنفردة، أو إحالته أمام قاضي التحقيق المختص بقضايا الأحداث بادعاء أولي.
هذا وحرصاً على مصلحة الحدث فقد أوجبت المادة 44/ب من قانون الأحداث تعيين محامٍ له في الجنايات والجنح، وألزم قاضي التحقيق أن يبلغ ولي الحدث أو الشخص المسلم إليه وجوب تعيين محامٍ للحدث، وإذا تعذر ذلك تولى قاضي التحقيق هذا التعيين. ويترتب على عدم تعيين محامٍ للحدث في الجنايات والجنح بطلان إجراءات التحقيق الابتدائي والمحاكمة، وهو من النظام العام لمساسه بحقوق الدفاع.
وقد أجاز المشرع توقيف الحدث احتياطياً على ذمة التحقيق أو المحاكمة، ولكن شريطة أن يتم هذا التوقيف من قبل قاضي التحقيق المختص بقضايا الأحداث أو محكمة الأحداث، وينفذ في مراكز الملاحظة التي أنشأتها أو اعترفت بها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وفي حال عدم وجود هذه المراكز يوضع الحدث في محل توقيف خاص بالأحداث؛ وذلك من أجل تلافي المخاطر التي سيتعرض لها الحدث فيما لو أوقف في السجن من جراء اختلاطه بمن هم أكبر منه من المجرمين البالغين.
وبعد الانتهاء من التحقيق، و قيام أدلة كافية على وقوع الجريمة ونسبتها إلى المدعى عليه يحيل قاضي التحقيق الحدث أمام محكمة الأحداث الجماعية أو محكمة الأحداث المنفردة، وذلك بحسب نوع الجريمة. ولكن في حال اشترك في الجناية أحداث وغير أحداث فإنه يتوجب على قاضي التحقيق إحالتهم جميعاً أمام قاضي الإحالة الذي يفرق بينهم عند إصداره قرار الاتهام على النحو المشار إليه سابقاً.
ج- المحاكمة: لقد خص المشرع إجراءات المحاكمة بقواعد خاصة، تختلف عن تلك المتبعة في محاكمة المدعى عليهم من غير الأحداث، وهي تتجلى فيما يلي:
¯ سرية المحاكمة: نصت المادة 49/أ من قانون الأحداث على أن:« مع مراعاة أحكام الفقرة ج من المادة 44 من هذا القانون تجري محاكمة الأحداث سراً بحضور الحدث ووليّه أو وصيّه أو الشخص المسلم إليه والمدعي الشخصي ووكلائهم ومندوب الخدمة الاجتماعية أو مركز الملاحظة ومراقب السلوك». فتعد الجلسة علنية لهؤلاء الأشخاص حصراً فضلاً عن ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط لكونهما من هيئة المحكمة، وتكون سرية لغيرهم. ويترتب ذلك نقض الحكم إذا حضر الجلسةَ أحدٌ من غير الأشخاص الذين سمح لهم القانون حصراً بالحضور، والتقيد بسرية المحاكمة من النظام العام. وينبغي على المحكمة أن تشير في محضر الجلسة أو الحكم إلى أنه تم اتخاذ الإجراءات التي تضمن سرية المحاكمة تحت طائلة نقض الحكم.
وكذلك تقتضي سرية المحاكمة حظر نشر صور المدعى عليه الحدث، ونشر وقائع المحاكمة أو ملخصها أو خلاصة الحكم في الكتب والصحف والسينما، وبأي طريقة كانت ما لم تسمح المحكمة بذلك. وكل مخالفة لهذه الأحكام تؤدي إلى مساءلة المخالف بموجب أحكام المادة 410 من قانون العقوبات.
¯الأشخاص الواجب دعوتهم: يتوجب على محكمة الأحداث أن تدعو في جميع أدوار الدعوى ولي الحدث أو وصيّه أو الشخص المسلم إليه أو ممثل الجهة المسلم إليها، ومندوب مكتب الخدمة الاجتماعية إن وجد وإلا مراقب السلوك، وتستمع إلى من تدعوه مع الحدث؛ وتعفى محكمة الصلح بوصفها محكمة أحداث من دعوة مندوب مكتب الخدمة الاجتماعية ومركز الملاحظة ومراقب السلوك. ويجوز للمحكمة عند الاقتضاء أن تجري المحاكمة بمعزل عن ولي الحدث أو وصيه أو الشخص المسلم إليه، كأن تدعوه فلا يحضر أو تقدر أن في ذلك مصلحة الحدث.
¯حضور الحدث المحاكمة: أجاز المشرع لمحكمة الأحداث أن تعفي الحدث من حضور المحاكمة بنفسه إذا رأت أن مصلحته تقتضي ذلك، ويكتفى بحضور وليّه أو وصيّه أو محاميه، وتعد المحاكمة وجاهية بحق الحدث. ولكن ليس لها أن تعفي الحدث المدعى عليه من الحضور إلا بعد أن يحضر أمامها ويجري استجوابه وسؤاله عما يعزى إليه، ثم لها بعد ذلك أن تعفيه من الحضور إذا اقتضت مصلحته ذلك. وأباح لها أيضاً أن تأمر بإخراج الحدث من الجلسة بعد استجوابه إذا وجدت ضرورة لذلك، ويمكن تفسير هذا الخروج على القواعد العامة برغبة المشرع بضمان الحماية الكافية للحدث والحرص على مصلحته، لأن الأصل هو حضور المدعى عليه جزائياً بنفسه جلسات المحاكمة.
¯دراسة حالة الحدث: تعدّ شخصية الحدث المحور الأساسي لحكم محكمة الأحداث؛ لأن الحدث يحاكم من أجل إصلاحه عن طريق إعادة تأهيله تربوياً واجتماعياً ليصبح عنصراً فاعلاً في المجتمع، وليس من أجل فرض عقوبة مقابل جريمة. وهذا يتطلب أن يكون الهدف الأساسي لمعرفة حالة الحدث هو الوقوف على شخصيته ذاتها من جوانبها كافة: تكوينه الطبيعي والنفسي، وحالته الاجتماعية؛ لهذا ينبغي على محكمة الأحداث أن تحصل - بواسطة مكتب الخدمة الاجتماعية أو مراقب السلوك أو بواسطة مركز الملاحظة في حال عدم وجود المكتب أو بطريق التحقيق العادي الذي تجريه مباشرة أو عن طريق شرطة الأحداث - على جميع المعلومات الممكن الحصول عليها المتعلقة بأحوال ذوي الحدث المادية والاجتماعية، وبأخلاقه وبدرجة ذكائه، وبالبيئة والمدرسة اللتين نشأ فيهما، وبحالته الصحية وبأفعاله السابقة، وبالتدابير الناجعة في إصلاحه. ويمكن الاستغناء عن التحقيق الاجتماعي في الجرائم التي هي من نوع المخالفات أو الجنح، ويترتب على إغفاله في القضايا الجنائية نقض الحكم وهو من النظام العام. ويمكن لها أن تأمر بفحص الحدث جسدياً ونفسياً من قبل طبيب مختص إذا اقتضى الحال ذلك. وإذا رأت المحكمة أن حالته تستلزم دراسة وملاحظة واسعة جاز لها أن تقرر وضعه في مركز الملاحظة مدة لا تتجاوز ستة أشهر. ويؤجل البت بالقضية إلى ما بعد انتهاء مدة الملاحظة والدراسة.
¯إصدار الأحكام: بعد الانتهاء من التحقيق النهائي تصدر محكمة الأحداث حكمها في الدعوى. وإن كانت تجري المحاكمة سراً فإن الأحكام ينبغي النطق بها في جلسة علنية؛ وفي حال صدور الحكم في جلسة سرية فإنه يكون عرضة للنقض لمخالفته نص المادة 49/ج من قانون الأحداث.
¯إعفاء الحدث من الرسوم القضائية: أعفى المشرع الأحداث من أداء الرسوم والتأمينات القضائية والطوابع في جميع القضايا التي تنظر فيها محاكم الأحداث، وهذا يشمل دوائر التحقيق والنيابة أيضاً، وذلك بموجب المادة 52 من قانون الأحداث؛ وإن هذا الإعفاء قاصر على الأحداث دون سواهم.
د- طرق الطعن: لم ينص قانون الأحداث على قواعد خاصة بالطعن في قرارات قاضي التحقيق، وفي هذه الحالة لا بد من الرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في المواد 139-142 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك تطبيقاً للمادة 39 من قانون الأحداث. وبناء على ذلك فإن قرارات قاضي التحقيق تخضع للاستئناف أمام قاضي الإحالة بعدّه درجة ثانية من درجات التحقيق، من قبل النيابة العامة والمدعي الشخصي والمدعى عليه الحدث ضمن الشروط العامة.
ويجوز الطعن بالنقض في أحكام محاكم الأحداث النهائية الصادرة في موضوع الدعوى، ولا يقبل الطعن بالنقض ما دام الطعن بطريق الاعتراض ممكناً. ويقبل الطعن من ولي الحدث أو وصيّه أو الشخص المسلم إليه، أيهم دعي إلى المحكمة، والنيابة العامة والمدعي الشخصي. وميعاد طلب النقض ثلاثون يوماً. ويبدأ هذا الميعاد بحق النيابة العامة من اليوم الذي يلي تاريخ صدور الأحكام الصادرة بحضور ممثلها، ومن اليوم الذي يلي تاريخ وصول الأحكام الخاضعة للمشاهدة إلى ديوانها إذا لم يكن هذا الممثل حاضراً جلسة تفهيم الحكم. ويبدأ في الحكم الوجاهي من اليوم الذي يلي تاريخ صدوره بمواجهته أو تبليغه إليه إذا كان بمنزلة الوجاهي؛ ويبدأ في الحكم الغيابي في الجنح والمخالفات من اليوم الذي يلي تاريخ انقضاء الاعتراض.
ويترتب على تسجيل استدعاء الطعن بالنقض وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ولكن المشرع أجاز لمحاكم الأحداث أن تصدر أحكاماً معجلة التنفيذ إذا كانت مصلحة الحدث تقتضي ذلك.
وتنظر في الطعن بالنقض غرفة الأحداث في محكمة النقض، وتتشكل من ثلاثة مستشارين.
أما القرارات التي لا يجوز الطعن فيها فهي: قرارات محاكم الأحداث الصادرة في طلبات إخلاء السبيل، سواء أكانت بالرفض أم بالإيجاب، وهذه القرارات تصدر مبرمة لا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن، إلا إذا كانت صادرة عن محكمة الصلح بوصفها محكمة أحداث فتقبل الطعن بطريق الاستئناف وفق أحكام المادة 167 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. والقرارات الصادرة بتعديل التدابير الإصلاحية المحكوم بها تصدر مبرمة لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة القضائية، وإنما يجوز تقديم طلب جديد إلى المحكمة ذاتها مصدرة القرار بعد مرور ثلاثة أشهر على صدور القرار المذكور.
ويجوز طلب إعادة المحاكمة في الدعاوى الجنائية والجنحية في الحالات والشروط المنصوص عليها في المواد 367-387 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وذلك عملاً بأحكام المادة 39 من قانون الأحداث.
وأجاز أيضاً المشرع لمحكمة الأحداث إعادة النظر في التدابير الإصلاحية المحكوم بها بتبديلها أو تعديلها؛ وذلك بعد مرور ستة أشهر على الأقل من تنفيذها، باستثناء حالات التسول والتشرد. ويمكن لها القيام بذلك من تلقاء ذاتها أو بناء على طلب الحدث أو وليّه أو وصيّه أو محاميه أو مراقب السلوك.
رابعاً- المؤسسات المساعدة لقضاء الأحداث:
إن الغاية الأساسية لقانون الأحدث تكمن في توفير الحماية والرعاية القضائية للأحداث الجانحين من أجل تقويم اعوجاجهم وضمان ائتلافهم مع المجتمع. وهذا يتطلب أن يساند محاكمَ الأحداث مؤسساتٌ اجتماعية تربوية لتساعدها على النهوض بالوظيفة التي أناطها بها قانون الأحداث، وهذه المؤسسات هي:
1- مراقب السلوك: هو الموظف الذي تكلفه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمراقبة تربية الحدث وتقديم التوجيهات والإرشادات له وللقائمين على تربيته. ويتم اختياره من بين موظفي هذه الوزارة ممن لديهم الخبرة والممارسة في مجال الخدمة الاجتماعية؛ ويتوجب عليه أن يقسم عند تعيينه يميناً أمام محكمة الأحداث المختصة بأن يؤدي واجبات وظيفته بأمانة وصدق وإخلاص؛ ويقوم مراقب السلوك بجميع المهام المنوطة به بموجب قانون الأحداث، وبالاختصاصات التي يحددها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بعد أخذ رأي وزير العدل.
2- مكاتب الخدمة الاجتماعية: أجاز المشرع لوزارة العدل إنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية لمؤازرة محاكم الأحداث؛ ويرأس كلَّ مكتب منها أحدُ المختصين في التربية أو علم النفس أو الخدمة الاجتماعية أو الحقوق.
ويقوم مكتب الخدمة الاجتماعية بالمهام الآتية:
أ- إجراء التحقيق الاجتماعي مباشرة أو بواسطة مركز الملاحظة الموقوف فيه الحدث إن وجد.
ب- تنظيم سجلات بالحالات التي تعرض على محكمة الأحداث، وتعرف حالات التكرار وإعلام المحكمة بذلك.
ج- دراسة التقارير المقدمة من مراقبي السلوك عن الأحداث المكلفين بمراقبتهم، ورفعها إلى محكمة الأحداث المختصة مع بيان المطالعة بشأنها.
د- أي مهمة أخرى في هذا الشأن تسند إليه في مرسوم إحداثه.
3- مراكز الملاحظة: يُعرف مركز الملاحظة بأنه المركز المخصص للأحداث الذي يقرر القاضي توقيفهم أو وضعهم فيه مؤقتاً لدراسة حالتهم الجسمية أو النفسية، وذلك قبل صدور الحكم النهائي بشأنهم.
وتقوم هذه المراكز بإجراء التحقيق الاجتماعي في المحافظات التي ليس فيها مكتب للخدمة الاجتماعية مؤازر لمحكمة الأحداث. وتكون مهمته كما يلي:
أ- جمع المعلومات المتعلقة بماضي الحدث (السوابق الوراثية والشخصية والاجتماعية).
ب- دراسة خصائص شخصيته وخاصة ما يتعلق منها بحالته الصحية والنفسية، وقابليته الدراسية، واستعداداته المهنية.
ج- الوقوف على العوامل التي أدت به إلى الجنوح.
د- تنظيم تقرير اجتماعي يتضمن كل المعلومات المتعلقة بشخصية الحدث، وبيئته وسوابقه وسلوكه وعلاقاته الاجتماعية، وملخص مشكلته، واقتراح التدابير المناسبة لإصلاحه؛ وإرسال هذا التقرير إلى محكمة الأحداث المختصة، والاحتفاظ بنسخة عنه في إضبارة الحدث.
4- معاهد إصلاح الأحداث: يُعرف معهد الإصلاح بأنه مؤسسة تربوية مخصصة للأحداث المحكومين، والمقرر وضعهم فيها من قبل محكمة الأحداث. وقد أحدثت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل معاهد متخصصة للأحداث تطبيقاً للقانون رقم 60 لسنة 1950ووضعت نظامها الداخلي، وهي: معهد الغزالي بدمشق - معهد خالد بن الوليد بدمشق - معهد ابن رشد لتربية الفتيان - معهد تربية الفتيات بدمشق - معهد سيف الدولة بحلب - معهد آذار لتربية الفتيان بحلب.
والهدف الرئيسي لهذه المعاهد إبعاد الأحداث عن السجون العامة وإصلاحهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه في الحياة من تعليم أساسي ومهني، وتربيتهم فكرياً وخلقياً وبدنياً، وتنمية شعورهم القومي ليصبحوا مواطنين صالحين.
ويتلقى الأحداث في معاهد الإصلاح الرعاية الصحية والنفسانية والاجتماعية، وذلك فضلاً عن التعليم اللازم لتأهيلهم تربوياً واجتماعياً ومهنياً.
مراجع للاستزادة: - حسن جوخدار، شرح قانون الأحداث الجانحين (منشورات جامعة دمشق، 1993-1994). - عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الأول (الطبعة الثانية، القاهرة 1964). - علي محمد جعفر، حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر الانحراف «دراسة مقارنة» (الطبعة الأولى، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 2004). - محمد رياض الخاني، انحراف الأحداث في دولة الإمارات العربية المتحدة (عجمان 1989). - وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، الجزء الأول، مصادر الالتزام (دمشق1975-1976). - قانون الأحداث رقم 18 لسنة 1974 المعدّل بالقانونين رقم 51 لسنة1979 ورقم 52 لسنة2003. - مجموعة القوانين الخاصة للأستاذ أديب استانبولي، الجزء الأول (دمشق 1995). |
- التصنيف : القانون الجزائي - النوع : القانون الجزائي - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 59 مشاركة :