الإيرادات العامة
ايرادات عامه
public revenue - NULL
محمد خير العكام
التطور التاريخي للإيرادات العامة
الإيرادات العامة في الجمهورية العربية السورية
من المعلوم أن المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي هو إشباع الحاجات المادية للأفراد، وأن إنتاج السلع والخدمات هو وسيلة تحقيق ذلك، ويمكن أن تقسم هذه الحاجات من حيث طريقة إشباعها إلى قسمين: قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص وهو ما يعرف بالحاجات الفردية، وآخر يقوم بإشباعه النشاط العام وهو ما يُعرف بالحاجات العامة. والحاجات العامة هي التي تحدد نطاق النشاط المالي للدولة، وتشكّل المحور الرئيس لنشأة علم المالية العامة بعناصره الرئيسة، فأي نشاط إنساني يستهدف إشباع حاجات عامة تقوم الدولة بإشباعها يتطلب المال اللازم للقيام بذلك، هذه الأموال هي النفقات العامة، ويتطلب من الدولة تأمين المال اللازم لتغطيتها بعد اقتطاعها من الناتج القومي، وهذا ما يسمى بالإيرادات العامة.
أولاً - مفهوم الإيرادات العامة:
الإيرادات العامة هي أحد عناصر علم المالية العامة الثلاثة إضافة إلى النفقات العامة والموازنة العامة، فقيام الدولة بوظيفتها المالية تتطلب أن تعمل على تدبير الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها العامة، وكانت أهمية الإيرادات العامة تقتصر في ظل الدولة الحارسة على تزويد الخزينة العامة بالأموال اللازمة لتغطية نفقاتها، وعلى الرغم من ذلك اهتم علماء المالية العامة الأوائل بدراسة الموارد العامة للدولة؛ لأن تأمين المال اللازم للإنفاق والسماح للدولة بتسيير المصالح الإدارية يتوقف عليها. وكان الهدف الأساسي لعلم المالية العامة في ظلها يتمحور حول تدبير الإيرادات اللازمة لتغطية نفقات الدولة العامة لقيامها بوظائفها المحدودة من دفاع وأمن داخلي وعدالة.
ومع تطور دور الدولة وانتقالها لمفهوم الدولة الراعية المتدخلة تطورت نظرية الإيرادات العامة، فازدادت أهميتها لسببين رئيسيين: أولهما أن الغاية من الإيرادات لم تعد جمع المال لتغطية نفقات الدولة العامة فحسب بل أضحت ـ شأنها شأن عناصر المالية العامة الأخرى ـ أداة للتأثير في الحياة العامة بجميع مجالاتها تستخدمها الدولة لتحقيق أهداف سياستها العامة إلى جانب هدفها المالي، والسبب الثاني أن وظائف الدولة قد ازدادت فتطور حجم النفقات العامة مما أدى إلى زيادة حجم الإيرادات العامة، فزاد من ضرورة العناية بدراستها ودراسة آثارها، وأدى إلى تعدد أنواعها وأهدافها فتنوعت أساليبها واختلفت طبيعتها في العصر الحديث تبعاً لنوع الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة والهدف منها. ويختلف مدى اعتماد الدولة على كل نوع من هذه الإيرادات تبعاً لنظامها الاقتصادي والسياسي الذي تعتنقه كل دولة والموارد الاقتصادية التي تملكها، فبينما كان متوسط الإيرادات الضريبية العربية عام (2000) يساوي 27.7% من إيراداتها العامة كانت تساوي أكثر من 80% في تونس، ولم تتعدَّ 3% في الكويت بسبب اعتماد هذه الأخيرة في إيراداتها العامة على إيراداتها النفطية، وتعتمد الدول الاشتراكية في إيراداتها العامة على إيراداتها من أملاكها الخاصة واستثمارات قطاعها العام، في حين أن الدول التي تعتنق مبدأ اقتصاد السوق مازالت الضريبة هي الإيراد الرئيس فيها.
ثانيا - التطور التاريخي للإيرادات العامة:
يشير التاريخ المالي إلى أن الملك في عصر الإقطاع والملكية المطلقة كان يعتمد على السخرة والاستيلاء والمصادرة للحصول على ما يريده من سلع وخدمات، إضافة لما كان ينجم عن أملاك الدولة المعروفة باسم الدومين العام، وكانت هذه الأملاك تختلط بأملاك الملك على مستوى الدولة وبأملاك الأمير على مستوى المقاطعات، إذ إن الملوك كانوا قد تنازلوا لأمراء الإقطاعات في بداية العهود الإقطاعية في أوربا عن حق فرض الضرائب الأمر الذي استلزم اعتماد الدولة وبصورة أساسية على إيراداتها من أملاكها، ولم تكن تلجأ إلى فرض الضرائب إلا استثناءً، لذلك ظهرت في ذلك الوقت التفرقة بين المالية العامة العادية المتمثلة في إيراداتها من أملاكها الخاصة وبين المالية غير العادية المتمثلة آنذاك في الضرائب والقروض.
ومع بداية العصور الحديثة عادت السلطة المركزية وبالتالي استردت ما تنازلت عنه لأمراء الإقطاع من حيث فرض الضرائب، فلما ازدادت نفقات الملكية والجهاز الإداري للدولة بدءاً من القرن السادس عشر زادت الدولة من لجوئها إلى فرض الضرائب التي غدت في ذلك الوقت مورداً عادياً، بعد أن كانت مورداً غير عادي قبل ذلك. ولكن زيادة الضغط على الدولة بسبب الحروب ومستلزمات النفقات الحربية التي كانت أكبر من إيراداتها المتاحة جعلها تلجأ إلى إيرادات أخرى تمثلت في القروض العامة التي عدتها آنذاك إيرادات غير عادية؛ مما أعاد التفريق بين المالية العادية والمالية غير العادية إلى الواجهة، إذ عدّ في ذلك الوقت إيرادات الدولة من أملاكها الخاصة والضرائب إيرادات عادية وإيراداتها من القروض ومن ثم من الإصدار النقدي إيرادات غير عادية، وكانت الغاية من ذلك التفريق هي الحفاظ على مبدأ توازن الموازنة الذي كان من المبادئ الأساسية للفكر المالي التقليدي، فكانت الإيرادات العادية تغطي النفقات العادية وكانت الإيرادات غير العادية تغطي النفقات غير العادية، وهذا أدى بدوره إلى ظهور مبدأ تعدد الموازنات لدى بعض الدول، فالنفقات والإيرادات العادية كانت تشكل الموازنة العادية، والنفقات والإيرادات غير العادية كانت تشكل الموازنة غير العادية فيها، وهذا ما كانت تطبقه سورية قبل صدور القانون المالي الأساسي رقم 92 لعام 1967.
لكن بعد زيادة نشاطات الدولة ودورها الاقتصادي والاجتماعي أصبحت القروض العامة لها صفة الإيرادات العادية التي تستخدمها الدولة لتغطية مختلف أنواع نفقاتها العامة، وأصبحت معها كل الإيرادات السابق ذكرها إيرادات عادية ويمكن أن تستخدمها الدول تبعاً للآثار التي تنجم عنها وفق نظرية التحليل الاقتصادي الكلي لتحقيق أهدافها العامة.
ثالثاً - أنواع الإيرادات العامة:
في الواقع يمكن القول إن المعايير السابق ذكرها لا تسلم جميعاً من النقد نظراً لما يشوبها من تداخل بل تضارب أحياناً، الأمر الذي يجعل كل تقسيم منها يحمل طابعاً نسبياً ينبغي ضبط مضمونه بما يفرضه التقدم الاقتصادي والاجتماعي من مقتضيات، ولكن على الرغم من ذلك يشير هذا التقسيم إلى أهم أنواع الإيرادات العامة التي يمكن للدول أن تعتمد عليها في تمويل نفقاتها العامة، ولعل أهم أنواع الإيرادات العامة تبعاً لذلك هي:
1 - إيرادات أملاك الدولة:
تشمل إيرادات أملاك الدولة في معناها الضيق جميع الإيرادات التي تدخل الخزينة العامة من إدارة أموال الدولة المنقولة وغير المنقولة واستثمارها كموارد المناجم والغابات والمصائد، وتدل في معناها الواسع - إضافة إلى الموارد السابقة - على كل ما يدخل خزينة الدولة نتيجة استثمار مؤسساتها الصناعية والتجارية والمالية.
هذه الأملاك قد تكون أملاك دولة عامة وقد تكون أملاك دولة خاصة، والأملاك العامة هي المخصصة لاستعمال الجميع تحقيقاً للمنفعة العامة، كالشوارع والساحات والشواطئ ومجاري المياه… إلخ، وهذه الأموال لا تعطي إيراداً للدولة إلا فيما ندر كما في حال السماح بتعليق بعض الإعلانات في الشوارع أو وضع بعض الأكشاك على الأرصفة. أما الأموال الخاصة فهي الأموال التي تملكها الدولة ملكية خاصة وهي شبيهة بملكية الأفراد للأموال المماثلة، وتتولى بهذه الصفة إدارتها واستثمارها كالأفراد، ومنها الأراضي والغابات والمناجم والمصانع والآثار والثروات الباطنية والمطارات والمرافئ والأوراق المالية والمؤسسات العامة، مالية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، وغيرها من الأموال المنقولة وغير المنقولة. وهذه الأموال تعطي إيراداً للدولة نتيجة لاستثمارها.
وقد تطورت أهمية إيرادات الدولة من أملاكها الخاصة في مختلف العصور، فكانت في العصور القديمة المصدر الرئيس لإيرادات الدولة العامة، ثم تقلصت أهميتها في القرنين الثامن والتاسع عشر نتيجة انتشار مبدأ الحرية الاقتصادية الفردية وظهور الضرائب بحسبانها المورد الأساسي للدول، ثم عادت هذه الأملاك إلى الواجهة في القرن العشرين نتيجة تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وتعددت أنواعها إلى صناعية وتجارية ومالية وأصبحت تدر مورداً مهماً على الدول تبعاً لعقيدتها السياسية والاقتصادية ودرجة تقدمها الاقتصادي.
2 - الرسوم:
عندما أصبحت الدول تقوم بتوفير بعض الخدمات إلى الأفراد التي لها صفة النفع العام والخاص فرضت مقابل توفير ذلك بعض الرسوم، تضيق وتتسع تبعاً للنفع الخاص المباشر الذي توفره لبعض الأشخاص إضافة إلى نفعها العام، كالرسوم القضائية ورسوم التعليم الرمزية ورسوم الترخيص لمزاولة بعض المهن والأعمال والرسوم القنصلية ورسوم التسجيل العقاري وغيرها.
فالرسم هو مبلغ من المال يغلب عليه الطابع النقدي الذي يدفعه المنتفع في كل مرة يطلب فيها خدمة معينة تعود عليه بالنفع الخاص إضافة إلى منفعتها العامة.
وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى ضرورة التناسب بين قيمة الرسم المفروض على المنتفع والخدمة التي تؤديها الدولة له بالمقابل، فإذا فقد هذا التناسب يغدو الرسم المفروض ضريبة، وعلى النقيض من ذلك قد نجد قيمة هذا الرسم متدنيةٍ عن قيمة الخدمة التي يحصل عليها المنتفع نتيجة المنفعة العامة الكبيرة التي تجنيها الدولة للمجتمع عند تقديمها كرسوم التعليم مما يجعلها رسوماً رمزية، إذ تتحمل الدولة الفرق بين التكلفة الحقيقية وبين قيمة الرسم الذي يدفعه المنتفع.
وقد يكون هذا الرسم مقابل تحسين أو أتاوة يدفعه المنتفع للدولة نتيجة ارتفاع قيمة أرضه بسبب قيام الدولة بتنفيذ مشروعات أشغال عامة حولها أو فيها كشق الطرق وتخطيط المدن وتوصيل الخدمات الأساسية إليها.
أما عن أهمية هذا الإيراد فقد كانت الرسوم أسبق بالظهور من الاقتطاعات النقدية الأخرى، فقد انتشرت الرسوم في العصور الوسطى وكانت أهم إيرادات الدولة العامة بعد إيراداتها من أملاكها الخاصة، إلا أن أهميتها أخذت بالتضاؤل مع تقدم الوقت حتى غدت في العصر الحديث قليلة جداً بحسبان أنها غير مسوغة وتناقض دور الدولة الرعوي الجديد، كما أنها لم تعد تحقق المفهوم الحديث لفكرة العدالة بين المنتفعين التي تعني المساواة في التضحية وليس المساواة الحسابية بين الأفراد، فحجم الرسوم لم يعد يكون إلا جزءاً ضئيلاً من حجم الإيرادات العامة، فقد ألغي معظمها، وتحول بعضها إلى ضريبة.
وقد يتحول الرسم إلى ثمن عندما تتضاءل نسبة النفع العام في الخدمة المقدمة للمنتفعين إلى حد كبير، فالثمن العام هو مقابل الخدمة التي تؤديها هيئة عامة أو مقابل احتكارها تقديم هذه الخدمة، وتختلف عن الثمن الخاص أن دافع الدولة من توفير الخدمة فيه هو قضاء حاجة عامة وليس الربح.
3 - الغرامات:
الغرامة هي عقوبة مالية رادعة يدفعها المخالف الذي يرتكب المخالفات القانونية، الهدف منها توقيع الجزاء وليس الحصيلة بحسبانها إيراداً مالياً عاماً للدولة؛ لذلك كلما حققت الغرامة أهدافها الرادعة قلّت المخالفات المرتكبة وبالتالي انخفضت حصيلتها المالية، وعلى النقيض من ذلك تزداد حصيلتها كلما أخفقت الدولة في تحقيق الردع المطلوب منها، كالغرامات المفروضة على مرتكبي المخالفات المرورية التي يهدف المشرع منها إلى منع الأفراد من ارتكابها وتنظيم حركة المرور وليس الهدف المالي، لذلك من الصعوبة الاعتماد عليها بوصفها إيراداً مالياً عاماً لتمويل نفقات الدولة العامة، فحصيلتها غير ثابتة نظراً لارتباطها بالمخالفات وجوداً وعدماً، ويصعب التنبوء بها وتكون حصيلتها ضئيلة وتزداد ضآلتها كلما ازداد قانون العقوبات قرباً من تحقيق الهدف الردعي من وجوده.
4 - الهبات والمنح والإعانات:
تتلقى بعض الدول بين الحين والأخر بعض الهدايا والتبرعات من مواطنيها لمساعدتها على تمويل النفقات العامة، ولكن من الصعب على الدول الاعتماد عليها نظراً لضآلة حصيلتها وعدم ضمان دوريتها وإن كان لها دور مهم في تمويل بعض النفقات كبناء المشافي أو المدارس أو دور العبادة أو القيام بالأبحاث العلمية والطبية.
كما يمكن أن تتلقى بعض الدول وخاصة الدول النامية بين الحين والأخر بعض المنح والإعانات من الدول الأجنبية، وهذه المنح تكون على أشكال متعددة، فقد تكون منحاً نقدية وقد تكون في صورة عينية، كالسلع الاستهلاكية والإنتاجية، وقد تكون المنحة في صورة خدمات، كإيفاد الخبراء والفنيين والمدربين من مواطني الدول المانحة لتقديم خبراتهم وخدماتهم للدول الممنوحة، وتقديم المنح التعليمية للحصول على الدرجات العلمية في جامعاتها ومعاهدها العلمية المتخصصة أو المنح التدريبية فيها، وقد ترتبط هذه المنح والإعانات بتنفيذ برنامج أو مشروع معين. ولكن خطورتها أنها غالباً ما تكون مشروطة وتؤدي إلى الارتباط والتبعية الاقتصادية والسياسية بين الدولة المانحة والممنوحة إن كانت غير متبادلة أو غير مقدمة عن طريق المنظمات الدولية، كما أنه لا يمكن الاعتماد عليها في تمويل بعض النفقات؛ فالعلاقات السياسية تؤدي دوراً رئيساً في تحديد حجمها ومعدل تدفقها.
5 - إيرادات الدولة النقدية:
تجني الدولة من خلال ممارستها لسلطتها النقدية إيرادات نقدية، وتختلف الإدارة التي تمارس السلطة النقدية باختلاف النظم القانونية والاقتصادية في العالم، ولكن غالباً تكون من اختصاص المصرف المركزي. وقد ازدادت أهمية السلطة النقدية في العصر الحديث وأصبحت السياسة النقدية تعمل مع السياسة المالية للدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فأصبحت تستخدم في السوق المالية والقطاع المصرفي للتأثير في حجم السيولة، كما أصبح من مهماتها مراقبة سعر صرف العملة المحلية؛ لذلك ازدادت إيرادات الدولة النقدية، وأهم الإيرادات النقدية هي:
أ - سندات الخزينة: وتصدرها الدولة لتأمين المال اللازم لنفقاتها العاجلة ريثما تتم جباية الضرائب والرسوم وإيجاد السيولة الكافية لذلك، فهي إيراد مؤقت، وكان يقصر الاكتتاب عليها في السابق على المصارف، إلا أنها أصبحت متاحة للجميع، وبالتالي أصبحت أقرب إلى القروض قصيرة الأجل.
ب - الإصدار النقدي: قد تلجأ الدولة - لسلطتها النقدية - إلى تغطية الفرق بين نفقاتها وإيراداتها بأن تطلب من المصرف المركزي إصدار نقود جديدة تعادل قيمة العجز، تقوم الخزينة العامة بتغطية هذا الإصدار بأسناد دين عام قابلة للوفاء نظرياً، ولكنها مع تكرار العجز سنوياً تتراكم من دون وفاء وخاصة في الدول النامية، كما حدث في سورية في النصف الثاني من الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، مما يؤدي إلى التضخم؛ لذلك تعد هذه الوسيلة لتدبر الإيرادات آخر وسيلة يمكن أن تلجأ إليها الدول، وأصبح هنالك قواعد وقيود تلتزمها الدول عند اللجوء إلى الإصدار النقدي للحفاظ على قيمة العملة المحلية. ولم يعد يقبل طبع النقود إلا لأسباب اقتصادية ومن أجل تدبير السيولة اللازمة مقابل الإنتاج المحلي المتزايد ما عدا حالات الحروب والأزمات الحادة.
ويعد إصدار النقد إيراداً نقدياً للدولة؛ لأن الدولة تستفيد من الفرق بين سعر تكلفة طبعها والقيمة الاعتبارية لها، وقد تلجأ الدول أحياناً إلى تخفيض قيمة عملتها ويعد الفرق بين قيمة النقد قبل التخفيض وبعده إيراداً نقدياً للدولة أيضاً، وفي كلتا الحالتين أصبحت الدولة تستخدم ذلك للتأثير في الحياة الاقتصادية والمالية والاجتماعية في المجتمع، ففي عصر الأسواق المفتوحة الذي نعيشه اليوم أصبحت سياسة رفع قيمة العملة وتخفيضها وسيلة مهمة للتحكم بحجم صادرات الدولة الذي يؤثر في كل من ميزانها التجاري وميزان مدفوعاتها ويخفف من البطالة.
6 - شبه الضريبة:
برزت أهمية شبه الضريبة بعد الحرب العالمية الثانية بوصفها إيراداً عاماً للدولة، ولكن تبقى أهمية هذا الإيراد ضئيلة، فبعد ترسخ مفهوم الضريبة والرسوم وضوابط كل منهما أصبحت الدولة بحاجة إلى إيرادات مخصصة لتحقيق أهداف بعينها، وهذه الإيرادات لا يمكن وصفها بالضرائب ولا يمكن عدها رسوماً مقابل خدمات؛ فهي إيرادات تختلف في نوعيتها وأهدافها عن كل من الضرائب والرسوم، ومع ذلك مازال مفهومها حتى اليوم غير واضح المعالم وضوح مفهوم الضرائب أو غيرها من إيرادات الدولة، فقد تكون على شكل إضافات ضريبية، أي ضريبة بمناسبة فرض ضريبة معينة كنسبة المجهود الحربي الذي يفرض إضافة لبعض الضرائب في سورية أو رسوم المدارس، وقد تكون على شكل مساهمات أو اقتطاعات أو اشتراكات، كالاشتراكات التي يدفعها رب العمل عن عماله إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ومع ذلك يبقى هذا الإيراد أقرب إلى مفهوم الضريبة؛ لذلك سمي بشبه الضريبة، فهو فريضة مالية كالضريبة ولكن إيراداتها مخصصة لتحقيق أهداف محددة، وبالتالي لابد أن يكون لكل منها ومن أجل تحقيق هذه الأهداف قواعد محاسبية خاصة بها ومع ذلك عدها البعض ضريبة.
7 - القروض العامة:
القرض العام هو مبلغ من المال يدفعه أحد أشخاص القانون العام أو الخاص للدولة بموجب عقد يستند إلى صك تشريعي ويتضمن مقابل وفاء.
فالقرض العام يعد حالياً من إيرادات الدولة المهمة والخطيرة لتمويل الإنفاق العام، وقد نشأت القروض العامة في حياة الدولة المالية بعدّها إيرادات استثنائية لتمويل الحروب والظروف الطارئة في ظل النظرية المالية التقليدية، ولكنها غدت اليوم وفي ظل النظرية المالية «الكينزية» الحديثة إيراداً عادياً ووسيلة مالية بيد الدولة للتأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمالية للمجتمع، لذلك ازدادت أهمية القروض العامة وأصبحت مورداً مهماً لإحداث التوازن الاقتصادي، وأصبحت ظاهرة مالية تؤثر في الاقتصاد العام سواء بالدور الذي تؤديه في السوق المالية أم النقدية أم بإعادة توزيع رأس المال والدخل بين الطبقات الاجتماعية.
وكانت منذ الأربعينات من القرن الماضي الوسيلة المالية الجاذبة للدولة النامية من أجل تغطية العجز في موازناتها ووسيلة مهمة للنهوض بتنميتها، ولكنها تبقى وسيلة خطرة، فقد كانت القروض الخارجية في السابق وسيلة سياسية للتدخل في شؤون الدول الداخلية وسبباً من أسباب احتلال بعض الدول، ومازالت في العصر الحالي سبباً من أسباب تدخل الدول المتقدمة في شؤون الدول المتخلفة وخاصة بعد ظهور أزمة المديونية العالمية بدءاً من منتصف ثمانينات القرن الماضي، لذلك على الرغم من إقرار الفكر المالي الحديث لأهمية هذا المورد المالي المؤقت للدول لابد من استخدامه بحذر شديد ومن أجل تمويل نفقات استثمارية فقط في الأحوال العادية.
8 - الضرائب:
تعد الضرائب من أهم إيرادات الدولة العامة في العصر الحديث، ولا تقتصر أهميتها على ما تشكل من حجم مهم من مجموع إيرادات الدولة، بل لأنها أكثر وسائل الدولة المالية التي يمكن أن تستخدمها للتأثير في أوضاعها السياسية والاقتصادية والسياسية وتحقيق أهدافها العامة.
والضريبة هي فريضة مالية تضامنية تقتطعها الدولة بصورة نهائية ومباشرة، وتستخدمها لتحقيق أهدافها العامة، ولكنها لم تصل إلى هذا المفهوم الحالي إلا عبر تطور تاريخي طويل، فقد ظهرت اختيارياً بحسبانها خدمة شخصية تقدم للملك، ثم أصبحت إعانة مالية تقدم من الرعايا إلى الحاكم، ومن ثم فقدت صفتها الاختيارية وأصبحت فريضة إجبارية يدفعها الأفراد بعدّها واجباً تضامنياً من دون الحصول على خدمة أو منفعة خاصة، وبالتالي أصبحت فريضة ذات هدف مالي، ومن ثم غدت أهم الوسائل المالية في العصر الحديث للتأثير في أوضاع الدول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها إضافة إلى هدفها المالي، فالضريبة معقدة في مفهومها بسبب المشكلات المختلفة التي تثيرها عملية تطبيقها، وتعد في الوقت الحالي الإيراد العام المالي الذي تستخدمه الدول لتحقيق أهدافها العامة وتمويل نفقاتها.
رابعاً - الإيرادات العامة في الجمهورية العربية السورية:
تعتمد الجمهورية العربية السورية في تمويل نفقاتها العامة على كل أنواع الإيرادات السابق ذكرها، ولكن لا يمثل كل منها الأهمية نفسها التي يمكن أن يمثلها في دول أخرى، وبما أن سورية دولة نامية وتؤمن بدور الدولة التدخلي وأخذت مؤخراً بتطبيق مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي، فقد بدأت تزداد أهمية بعض الرسوم وبدل الخدمات عما كانت عليه في السابق، كما أن إيراداتها من استثمارات قطاعها العام واسعة ومتنوعة ولديها الإيرادات الزراعية والصناعية والتجارية والمالية، ولديها الكثير من المرافق الخدمية التي تحقق أرباحاً، إلا أن إيراداتها العقارية ولاسيما النفطية منها وبسبب تناقص معدل إنتاجها النفطي أصبحت لا تسهم هذه الإيرادات سوى في 15% من إيراداتها العامة بعد أن كانت تسهم في أكثر من 50% منها قبل سنوات قليلة.
¦ ويعدّ الفائض المتاح في سورية أكثر إيرادات الدولة تمويلاً للموازنة، ويتألف من فائض (فرق) الموازنة وفائض السيولة وإيرادات البلديات والدوائر الوقفية والعمل الشعبي وإيرادات الفنادق، إذ بلغت 40% منها، ومن ثم تأتي الضرائب والرسوم التي بلغت نحو 34.2 منها، وبعدها تأتي الإيرادات الاستثنائية كالقروض الداخلية والخارجية والمأخوذ من الاحتياطي التي بلغت حوالي 14.3% منها، ثم تأتي إيرادات بدل الخدمات وإيرادات أملاك الدولة واستثماراها العامة من بدل خدمات صحية ورسوم مدرسية وجامعية والإضافات على الضرائب والرسوم لمصلحة أبنية التعليم وإيرادات الدولة الزراعية والصناعية والتجارية والمالية وحقها من حقولها النفطية وغيرها… إلخ التي بلغت نحو 8% منها، وأخيراً تأتي الإيرادات المتنوعة المؤلفة من عوائد المرور وإيراد البدل النقدي والعوائد التقاعدية والهبات والإعانات والودائع والأمانات وغيرها… إلخ التي لم تسهم سوى في 2.5% منها، وذلك وفقاً للأرقام التقديرية لموازنة عام 2007.
ولكن كما ذُكر سابقاً على الرغم من أن الضرائب والرسوم تأتي في المرتبة الثانية من حيث أهمية التمويل، لكنها في المرتبة الأهم من حيث كونها وسيلة التدخل الأولى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ووسيلة ناجعة في سبيل تحقيق الدولة لأهدافها العامة لما تحدثه من آثار تغير من سلوك الأفراد.
خامساً - تبويب الإيرادات العامة:
إن الإيرادات العامة تتعدد مصادرها وأنواعها وتتنوع أساليب فرضها وتختلف طبيعتها تبعاً لنوع الخدمة العامة التي تقوم بها الدولة والهدف منها، ومع هذا التعدد والتنوع قد حفل الفكر المالي بالعديد من المحاولات لتقسيم الإيرادات العامة، على أساس التمييز بين أنواعها المختلفة تبعاً لعامل مشترك يجمع بينها من أجل تصنيفها ضمن زمر متشابهة تضم كل زمرة منها الإيرادات المتحدة في طبيعتها المتشابهة في خصائصها، في حين بوبت كل دولة إيراداتها على نحو يبين أهمية هذه الإيرادات من جهة ويظهر مبادئ هذه الدولة السياسية ومذهبها الاقتصادي من جهة أخرى؛ لذلك لابد من دراسة التبويب الفقهي للإيرادات ومن ثم دراسة تبويبها في سورية.
1 - التبويب الفقهي للإيرادات العامة:
اهتم بعض فقهاء المالية العامة بتقسيم الإيرادات العامة، فقد قسّم الفقيه سيليغمان Seligmàn هذه الإيرادات إلى ثلاثة أنواع هي الإيرادات من دون مقابل، والإيرادات التعاقدية، والإيرادات الإجبارية، وقسمها الفقيه آدمز Adams إلى إيرادات مباشرة، وإيرادات تحويلية، وإيرادات مستقبلية، أما الفقيه تروتابا Trotabas فقد قسمها إلى إيرادات أصلية، وإيرادات مختلفة، وإيرادات ضريبية، وميز الفقيه لوفنبرجر Laufenburger بين أربعة أنواع من الإيرادات العامة هي: إيرادات الدولة من أملاكها الخاصة والرسوم والضرائب والإيرادات المختلفة، ويمكن ذكر أكثرتبويبات الإيرادات العامة شيوعاً من الناحية الفقهية وفق ما يلي:
أ- الإيرادات العامة والإيرادات الاستثنائية:
وذلك بتقسيم الإيرادات من حيث استمرارها ودوريتها إلى إيرادات عادية يمكن أن تتكرر خلال فترات زمنية متعاقبة كإيرادات أملاك الدولة التي تتكرر بطبيعتها والضرائب والرسوم التي غالباً ما تتكرر خلال السنة المالية بناءً على النص التشريعي لفرضها، وإلى إيرادات استثنائية كالقروض العامة التي لا تتكرر عادة ويمكن اللجوء إليها عادة لمواجهة ظروف اقتصادية أو مالية طارئة. والإيرادات العادية تموّل النفقات العادية والإيرادات الاستثنائية تمول النفقات غير العادية، غير أن هذا التبويب فقد أهميته في العصر الحاضر ومنذ أن انتقلت المالية العامة من مفهوم المالية العامة التقليدي ذي الهدف المالي البحت إلى مفهوم المالية العامة الحديث الذي أصبحت فيه أهدافها الاقتصادية والاجتماعية أكثر أهمية من هدفها المالي البحت، ففقد عنصر الدورية أهميته في التمييز عندما انتقلت الكثير من النفقات وفق المفهوم الجديد للمالية العامة من الصفة غير المتكررة إلى صفة الدورية كالقروض العامة.
ب- الإيرادات الإلزامية والإيرادات الاختيارية: اعتمد هذا المعيار التفريق بين الإيرادات وفق عنصر الإكراه أو الإلزام بين إيرادات إلزامية وأخرى اختيارية. فما تجبيه الدولة من خلال استعمال سلطتها القانونية هو إيراد إلزامي كالضرائب التي تفرضها على المكلفين لكونهم أعضاء متضامنين في المجتمع، والغرامات المالية التي تجبيها بعدّها عقوبة على المخالفين بموجب نصوص تشريعية. أما الإيرادات الاختيارية فهي الإيرادات التي يدفعها الأفراد برضاهم للحصول على مقابل من دون إكراه أو إجبار قانوني أو أدبي كالقروض العامة وإيرادات الدولة من استثماراتها، أو من دون الحصول على مقابل كالتبرعات والهبات والوصايا، ويؤخذ على هذا التصنيف أن هنالك بعض إيرادات يصعب تصنيفها ضمن أحد هذين النوعين السابقين للإيرادات، كالإيرادات الناجمة عن الإصدار النقدي.
جـ- الإيرادات الاقتصادية والإيرادات السيادية: فالإيرادات الاقتصادية هي التي تحصل عليها الدولة بصفتها مالكة أو مستثمرة، كالإيرادات الناجمة عن أملاكها واستثماراتها العامة عندما تكون الجهة العامة التي تديرها ذات طابع اقتصادي وتتشابه طرق إدارتها مع طرق إدارة الأفراد لمشروعاتهم الخاصة، والإيرادات السيادية هي التي تفرضها وتجبيها بوصفها شخصاً عاماً اعتبارياً يتمتع بسلطات وامتيازات تخوله هذا الحق كالإيرادات الضريبية. ولكن هذا التقسيم لا يخلو من الانتقاد أيضاً، إذ يمكن للدولة أن تستخدم في بعض الأحيان سلطاتها وامتيازاتها عند الحصول على بعض الإيرادات الاقتصادية كأثمان بعض المنتجات التي تفرض الدولة تسعيرتها الإجبارية.
ولكن في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن هنالك إيرادات عامة إسلامية الطابع، فهي مورد مالي خاص بالدول الإسلامية وحدها كالزكاة والغنائم والفيء، وهنالك إيرادات عامة يحرم على الدولة الإسلامية اللجوء إليها كالعوائد المصرفية واليانصيب، وهنالك مجموعة ثالثة من الإيرادات العامة يمكن استخدامها في كل من الدول الإسلامية والدول غير الإسلامية كالضرائب.
في الواقع إن التقسيمات السابقة لم تسلم جميعها من النقد، الأمر الذي يجعل كل تقسيم منها يحمل طابعاً نسبياً ينبغي ضبط مضمونه بالنزول عنه بما يفرضه التطور الاقتصادي والاجتماعي من مقتضيات، لذلك يمكن استنتاج أنه لا يمكن وضع تصنيف شامل قطعي للإيرادات العامة صالح لكل زمان ولكل دولة، غير أن أهمية هذه التصنيفات تأتي من كونها أداة لدراسة أنواع هذه الإيرادات وتأثيرها في الأفراد على ضوء الطبيعة الخاصة لكل منها ومدى اعتماد هذه الدولة أو تلك على نوع دون آخر منها تبعاً لظروفها والأحوال التي تواجهها، لذلك يتبين أن كل دولة تحدد أنواع الإيرادات العامة التي تستطيع الاعتماد عليها بالنظر إلى ما يلزمها لتغطية نفقاتها العامة ولأداء دورها في مختلف المجالات. وعملية الاختيار هذه تعدّ جزءاً من سياستها المالية التي لابد أن تكون متناسقة مع سياستها وهيكلها الاقتصادي والاجتماعية والسياسي.
2 - تبويب الإيرادات العامة في الجمهورية العربية السورية:
لم يهتم المشرع السوري بتبويب الإيرادات العامة كاهتمامه بتبويب النفقات العامة شأنه شأن التشريعات الوضعية الأخرى، فقد جرت العادة على الاهتمام بتبويب النفقات العامة وبيان أنواع الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين من دون التفصيل في إيضاح أنواع الأعباء العامة التي يتحملها المواطن كون ذلك ليس من مصلحة الحكومة، فالحكومة لم تهتم إلا بتقسيم الإيرادات العامة نوعياً على الرغم أن القانون أتاح تبويبها وظيفياً وإدارياً وإقليمياً واقتصادياً، إلا أن هذه التبويبات لم تستخدمها الحكومة حتى الآن. ولكن عند دراسة تبويب الإيرادات العامة في سورية لابد من التمييز بين مرحلتين وفق ما يلي:
أ- تبويب الإيرادات العامة قبل الإصلاح المالي:
يُقصد بمرحلة الإصلاح المالي تلك المرحلة التي أعقبت ثورة آذار/مارس عام 1963 والتي أدت إلى توسع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وبدء تحويل المجتمع العربي السوري نحو الاشتراكية مما عجّل في إصلاح تبويب الموازنة العامة في سورية وإصدار مجموعة من التشريعات المالية، فصدر القانون المالي الأساسي رقم 92 لعام 1967 الذي غيّر الكثير من المبادئ التي تسير عليها الموازنة العامة ومنها طرق تبويب الإيرادات العامة ليناسب الدور الاقتصادي والاجتماعي الجديد للدولة.
¦حدد نظام المحاسبة العامة الصادر بالقرار رقم 2231 تاريخ 16/10/1923 القواعد المتعلقة بالموازنة العامة السورية ومنها تبويب إيراداتها العامة، حيث ميّز بين إيرادات الموازنة العادية وإيرادات الموازنة الإنمائية بعد أن أخذ بنظام تعدد الموازنات، فنصت المادة السادسة من نظام المحاسبة العامة أنه «تقسم الميزانية فيما يختص بالإيرادات إلى أبواب يوافق كل باب منها الإيرادات المناسبة والتي هي من نوع واحد». وكانت إيرادات الميزانية العادية قد اعتمدت التبويب النوعي وقسمت الإيرادات إلى عشرة أبواب تختلف في طبيعتها وتناسب دور الدولة التقليدي الذي كان سائداً في العالم حتى الأربعينات من القرن الماضي، وذلك لمعرفة حصيلة كل نوع من هذه الإيرادات بصورة مستقلة، وقسّم كل باب منها إلى عدد من البنود. وهذه الأبواب هي:
الباب الأول: التكاليف التي تستهدف الدخل والإنتاج، كريع العقارات.
الباب الثاني: التكاليف التي تستهدف رأس المال والثروة، كالتركات.
الباب الثالث: التكاليف التي تستهدف الإنفاق، كرسوم السيارات.
الباب الرابع: التكاليف التي تستهدف الصفقات والمعاملات، كرسوم الطوابع.
الباب الخامس: بدلات الخدمات، كالرسوم المدرسية والصحية.
الباب السادس: بدلات إيرادات من أملاك الدولة وأموالها، كحاصلات الحراج.
الباب السابع: إيرادات الاستثمار، كإيرادات المطبعة الرسمية.
الباب الثامن: الإيرادات المتنوعة، كعوائد البترول.
الباب التاسع: إيرادات مخففة للنفقات، كالمبالغ المستردة.
الباب العاشر: إيرادات استثنائية، كفائض حساب بعض المؤسسات العامة.
أما تبويب الميزانية الإنمائية فكان يعتمد التبويب الوظيفي والتبويب الإداري، والتبويب الوظيفي هو «التبويب الذي يظهر وظائف الدولة على أساس القطاع حيث قسمت وظائف الدولة قطاعياً إلى عشرة قطاعات متماثلة كل واحد منهم يهتم بتأمين وظيفة من هذه الوظائف». والتبويب الإداري هو «التبويب الذي يظهر إيرادات كل وحدة إدارية على حدة»، ويتألف من فائض المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي المتاح للتنمية، ويتم على النحو التالي:
¦ إيرادات قطاع معين يشار إليها برقم عام.
¦إيرادات فعالية معينة في القطاع يشار إليها برقم خاص.
¦عناصر الفعالية المعينة في القطاع يشار إليها برقم فرعي. ومثال ذلك:
رقم عام | رقم خاص | رقم فرعي |
|
1 |
|
| القطاع المالي |
| 2 |
| المؤسسات المالية |
|
| 1 | شركة الضمان السورية |
|
| 2 | التأمينات الاجتماعية |
ب- تبويب الإيرادات العامة بعد الإصلاح المالي:
(1) أحكامه وأنواعه:
نصت المادة العاشرة من القانون المالي الأساسي الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 92 لعام 1967 على تبويب الإيرادات تبويباً وظيفياً وإدارياً ونوعياً وإقليمياً كالنفقات العامة إذ تم صدور المرسوم التنظيمي رقم 1831 تاريخ 15/8/1968 الذي تضمن تفصيل أنواع الإيرادات العامة للدولة، فقسمها وظيفياً إلى قطاعات التبويب الوظيفي للنفقات العامة ذاتها، وذلك من أجل معرفة تقديرات إيرادات كل قطاع واعتماد النفقات المرصدة له. وطبق هذا المرسوم التبويب الإداري والإقليمي للنفقات أيضاً في مجال تبويب الإيرادات إدارياً وإقليمياً، بهدف تسهيل معرفة إيرادات كل وحدة إدارية من هيئة أو وزارة أو مؤسسة عامة، ومن ثم تحديد اعتمادات نفقاتها. إلا أن هذا النص عدّل بالمرسوم التشريعي رقم 159 تاريخ 3/8/1969 قبل تطبيقه وأصبحت المادة العاشرة بعد التعديل تقضي بما يلي «يتم تبويب إيرادات الموازنة تبويباً نوعياً. ويجوز عند الاقتضاء تبويبها وظيفياً وإدارياً وإقليمياً بقرار من وزير المالية»، ولم يصدر هذا القرار طوال نفاذ هذا المرسوم التشريعي، وقد أتى بعد ذلك قانون الموازنة العامة رقم /1/ لعام 1984 وعدل أحكام التبويب النوعي للإيرادات العامة. ثم صدر القانون المالي الأساسي الجديد رقم /54/ لعام 2006 الذي دخل حيز النفاذ في 1/1/2008 وحل محل القانون المالي الأساسي السابق رقم 92/1967، ونص بالنسبة إلى تبويب الإيرادات العامة في المادة التاسعة منه على أنه «يتم تبويب إيرادات الموازنة تبويباً نوعياً، ويجوز عند الاقتضاء تبويبها وظيفياً وإدارياً وإقليمياً وأي تبويب آخر بقرار من وزير المالية». وبموجب هذه المادة أصبح تبويب الإيرادات النوعي هو التبويب الإلزامي الوحيد وماعدا هذا التبويب تبقى التبويبات الأخرى اختيارية ولوزير المالية صلاحية اتخاذ القرار المناسب بشأن تطبيقها من عدمه، إلا أنه ما يميز هذه المادة من المادة المقابلة لها في القانون المالي الأساسي السابق أنها أضافت تبويباً اختيارياً جديداً وتركت صلاحية تطبيقه لوزير المالية هو التبويب الاقتصادي شأنه شأن التبويب الوظيفي والإداري والإقليمي للإيرادات العامة التي لم يُتخذ قرار بتطبيقها من قبل وزير المالية حتى الآن.
وقسمت الإيرادات العامة في الموازنة السورية نوعياً في ظل القانون المالي الأساسي الجديد كما هي عليه في ظل القانون المالي الأساسي السابق إلى خمسة أبواب، يبدأ الباب الأول برقم /6/ وينتهي الباب الأخير برقم صفر. وذلك من أجل توحيد الترقيم العشري بالنسبة للتبويب النوعي لكل من النفقات والإيرادات، وذلك بتخصيص الأرقام الخمسة الأولى للتبويب النوعي للنفقات العامة والأرقام الخمسة الأخيرة للتبويب النوعي للإيرادات العامة، وذلك من أجل معرفة نوع الباب من قراءة رقم حسابه النوعي في دليل الحسابات بين النفقات والإيرادات.
فحساب الأرقام من (1-5) هي للنفقات، ومن (6-0) هي للإيرادات. وهذه الأبواب هي على الشكل الآتي:
الباب السادس: للضرائب والرسوم.
الباب السابع: لبدلات الخدمات بدلات أملاك الدولة واستثماراتها العامة.
الباب الثامن: للإيرادات المتنوعة.
الباب التاسع: للفائض المتاح.
الباب صفر: للإيرادات الاستثنائية.
وهنالك مجموعة من الاعتبارات أدت إلى تقسيم الإيرادات العامة نوعياً إلى الأبواب السابق ذكرها سواء في القانون المالي الأساسي السابق أم في القانون المالي الأساسي الجديد. حيث إن الإيرادات التقليدية للدولة هي التكاليف العامة المفروضة على المواطنين والمقيمين فلابد من تخصيص باب خاص لها فكان باب الضرائب والرسوم، كما أن تطور دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي أدى إلى توسع القطاع العام الذي تملكه الدولة والذي أصبح له موارد ثابتة أخذت بالتزايد في الآونة الأخيرة مع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها سورية مع بداية عام /2000/ فلابد من تخصيص باب خاص لها هو الباب السابع، وإلى جانب هذين النوعين من الإيرادات هنالك إيرادات المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي التي تدخل في الموازنة العامة وفق أسلوب حساب الصوافي، فكان لابد من تخصيص باب مستقل لها هو الباب التاسع وسمي بباب الفائض المتاح، ولما كانت سورية شأنها شأن أي دولة نامية تعاني من عجز في موازنتها العامة وكثيراً ما تلجأ إلى القروض العامة الداخلية والخارجية من أجل تحريك عجلة البناء وتنفيذ المشروعات الخدمية والاقتصادية التنموية كان لابد من تخصيص باب مستقل لهذه الإيرادات هو الباب رقم (صفر) وسمي بالإيرادات الاستثنائية، وأخيراً كان لابد من جمع كل الإيرادات التي لا يمكن جمعها تحت أي من الأبواب السابقة نظراً لاختلاف طبيعتها عن طبيعة إيرادات تلك الأبواب ضمن باب مستقل هو الباب الثامن وسميت إيراداته بالإيرادات المتنوعة.
¯ويبين النموذج في الجدول (1) تقسيم إيرادات الموازنة العامة للدولة وفق التبويب النوعي إلى أبواب وبنود، كما هو في الموازنة العامة التقديرية لعام 2007.
رقم الحساب | نوع الإيراد | |
6 |
| الضرائب والرسوم |
| 61 | الضرائب والرسوم المباشرة |
| 62 | الضرائب والرسوم غير المباشرة |
7 |
| بدلات الخدمات وإيرادات أملاك الدولة واستثماراتها العامة |
| 71 | بدلات الخدمات |
| 72 | إيرادات أملاك الدولة واستثماراتها العامة |
| 73 | حق الدولة من حقول النفط |
8 |
| إيرادات متنوعة |
| 81 | عوائد المرور |
| 82 | إيرادات أخرى |
9 |
| الفائض المتاح |
| 91 | فائض الموازنة |
| 92 | فائض السيولة |
| 93 | البلديات |
| 94 | الدوائر الوقفية |
| 95 | العمل الشعبي |
| 96 | إيرادات الفنادق |
0 |
| الإيرادات الاستثنائية |
| 01 | القروض والموارد الخارجية |
| 02 | القروض الداخلية |
| 03 | المأخوذ من الاحتياطي |
الجدول (1) |
(2) ملاحظات على التبويب:
لقد أرسى هذا التبويب بعض الأصول القانونية والتنظيمية بدءاً من القانون رقم /1/ لعام 1984 وقرار وزير المالية رقم 1215/و تاريخ 15/4/1984 وتبويب موازنة عام 2007 الكثير من الملاحظات من أهمها:
1- ألغت وزارة المالية بدءاً من موازنة عام 1984 تصنيف الضرائب المعمول به سابقاً، والقائم على أساس تقسيم الضرائب إلى ضرائب تستهدف الدخل والإنتاج، وضرائب تستهدف الثروة ورأس المال، وضرائب تستهدف الإنفاق والاستهلاك وحل محله تقسيم آخر يميز بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة، على الرغم أن التقسيم السابق لها كان أكثر علمية لأن التقسيم الجديد يقوم على أسس قانونية وإدارية بحتة، في حين أن المالية العامة الحديثة تدعو إلى تصنيف الضرائب وفق تأثيرها في الحالة الاقتصادية والاجتماعية للدولة وهذا التصنيف يدعو بدوره للأخذ بالمعيار السابق لتصنيف الضرائب، فدراسة الضرائب بمفهومها الحديث يجعل من الأفضل تقسيمها إلى ضرائب دخل وضرائب ثروة وضرائب إنفاق فهذا التصنيف هو الذي يتيح دراسة ما يحدثه مطرح الضريبة من تأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وليس التقسيم الجديد، إضافة إلى أن تقسيم الضرائب إلى مباشرة وغير مباشرة على الرغم من شيوعه في العالم إلا أنه بدأ يفقد أهميته في العصر الحديث نظراً لتعاظم دور الضرائب ووفق الآثار التي تحدثها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
2- من الناحية الفنية البحتة لا ضرورة لتصنيف الضرائب مع الرسوم ضمن زمرة واحدة، نظراً لاختلاف مفهومها وطبيعتها، فالضريبة تختلف عن الرسم اختلافاً جذرياً، ويجب تصنيف كل منها ضمن زمرة خاصة بها نظراً لاختلاف طبيعتها القانونية. كما أنه كان من الضروري تصنيف الرسوم وفق الهدف منها إلى رسوم اقتصادية ورسوم ثقافية وأخرى اجتماعية ولا يمكن تصنيف الرسوم إلى رسوم مباشرة وأخرى غير مباشرة على الرغم من أن الطبيعة القانونية لجميع الرسوم واحدة، وإذا كان لابد من تصنيف الرسوم والضرائب ضمن زمرة واحدة بعدّها تكاليف سيادية إلزامية فكان من الأفضل تقسيم هذا الباب إلى ثلاثة بنود الأول للضرائب المباشرة والثاني للضرائب غير المباشرة والثالث للرسوم الذي يمكن أن يقسم إلى عدة فقرات كالرسوم الاقتصادية والرسوم الاجتماعية والرسوم المالية والرسوم الثقافية وفق الغرض الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه من خلالها.
3- يغلب على هذا التبويب صفة المزاجية وعدم الجدية. والمزاجية يمكن أن تستنتج من تصنيف إيرادات القروض الداخلية والخارجية ضمن باب الإيرادات الاستثنائية التي تعد بطبيعتها إيرادات غير مستمرة في حين أن هذه الإيرادات أصبحت في معظم الدول إيرادات دورية ومن الأفضل تصنيفها ضمن باب الإيرادات المتنوعة، كما يمكن أن تستنتج أيضاً من تصنيف رسوم «الترانزيت» وعوائد المرور ضمن باب الإيرادات المتنوعة وهي في حقيقتها لا تختلف في طبيعتها القانونية عن الرسوم التي يجب أن تكون ضمن باب الضرائب والرسوم. كما أن عدم الجدية يمكن أن يستنتج من خلال اختيار رقم باب الإيرادات المتنوعة، فصنّف تحت هذا الباب جميع الإيرادات التي لا يمكن تصنيفها تحت أي باب آخر لذلك كان يجب أن تأخذ هذه الإيرادات رقم الباب الأخير، ولا يمكن أن يكون مكانها الباب رقم /8/، كما يمكن أن تستنتج من خلال تقسيم الإيرادات الأخرى في باب الإيرادات المتنوعة إلى إيرادات مختلفة وقروض ومساعدات، فهل يمكن الإيمان بجدية هذه التسميات وهل يمكن الإيمان بضرورة وجود فقرة ضمن هذا البند للقروض والمساعدات على الرغم من وجود بند للقروض الداخلية والخارجية ضمن باب الإيرادات الاستثنائية؟ لذلك لابد من أخذ هذه الملاحظات في الحسبان وإعادة النظر في التبويب النوعي للإيرادات في سورية على ضوء هذه الملاحظات.
مراجع للاستزادة: |
- غازي عناية، النظام الضريبي في الفكر المالي الإسلامي (مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية 2003).
- زين العابدين ناصر، علم المالية العامة والتشريع المالي (جامعة عين شمس، كلية الحقوق، العام الدراسي 93/1994).
- آغاد حمود القيسي، المالية العامة والتشريع الضريبي (دار الثقافة والنشر والتوزيع، ط3، عمان 2000).
- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق مشاركة :