أضحى «الاحتلال» L’occupation إجراءً باطلاً وغير مشروع، ولا يؤدي إلى الاعتراف أو الإقرار أو ترتيب أيّ وضع قانوني تستطيع أن تستفيد منه الدولة المحتلة المعتدية

"/>
احتلال
occupation - occupation

الاحتلال

هيثم موسى حسن

مفهوم الاحتلال وتحديد عناصره
قانون الاحتلال الحربي ووظيفته
مدى مشروعية الاحتلال والآثار الناجمة عنه
اختصاصات سلطات الاحتلال والتزاماتها في الأراضي المحتلة
أمثلة عن الاحتلال الحربي غير المشروع (الأراضي العربيّة المحتلة)
 

أضحى «الاحتلال» L’occupation إجراءً باطلاً وغير مشروع، ولا يؤدي إلى الاعتراف أو الإقرار أو ترتيب أيّ وضع قانوني تستطيع أن تستفيد منه الدولة المحتلة المعتدية، وما ذلك إلاّ لكونه نتيجة فعلية لاستخدام القوة المسلّحة على نحو مخالف لقواعد القانون الدولي المعاصر، وبالتالي فإنّ هذه «النتيجة - الاحتلال» تأخذ الحكم نفسه من باب أولى، أي بعدّها أمراً غير مشروع وباطلاً… والسؤال الذي يتبادر للذهن هنا هو: كيف تطوّرت النظرة إلى مشروعية الاحتلال في القانون الدولي حتّى غدا يأخذ هذا الحكم «عدم المشروعية والبطلان؟» وقبل الإجابة على هذا التساؤل لابدّ من تحديد المقصود بمفهوم الاحتلال أو حالته.

أولاً- مفهوم الاحتلال وتحديد عناصره:

يفيد المصدر الاحتلال من الفعل احتل عدة معانٍ في اللغة العربيّة، قاسمها المشترك  الاستيلاء على شيء أو وضع اليد عليه أو تملّكه أو شغله أو الوصول إليه… ومن يمارسه ويقوم به ويتشبّث به يُسمّى المحتل.

أمّا معناه في إطار القانون الدولي  فقد نصّت المادّة /42/ من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 والمتعلقة بقوانين الحرب البرية وأعرافها على مضمون حالة الاحتلال من خلال تعريفها للإقليم المحتل بقولها: «يعدّ الإقليم محتلاً عندما يصبح خاضعاً فعلياً لسلطة الجيش المعادي، ولا يمتد الاحتلال إلاّ إلى الأقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة وتكون قادرة على تدعيم نفوذها».

وهذا يعني أنّ حالة الاحتلال تعدّ المرحلة الثانية والتالية لاستخدام إحدى الدول القوة المسلّحة، وينجم عنها وقوع إقليم دولة أخرى - كلياً أو جزئياً - تحت سلطة الدولة الغازية ومباشرتها فعلياً إدارة هذا الإقليم وتنظيم مرافقه العامّة والإشراف على الحياة اليومية للسكان داخله.

وقد تعدّدت التعريفات التي أعطيت فما بعد للاحتلال الحربي، إلاّ أنّه من الملاحظ أنّه يجمعها قواسم مشتركة تتمثّل في الاتفاق العام على ضرورةتوافر ثلاثة عناصر محددة، لكي يُقال إنّ هناك حالة احتلال حربي، وتتمثّل هذه العناصر فيما يلي:

1- قيام حالة حرب وعداء مسلّح بين قوات دولتين، تتمكن فيها إحداهما من غزو أراضي الدولة الأخرى واحتلالها، كلها أو بعضها، ومرحلة الاحتلال هذه يتبعها غالباً مرحلة جديدة من القتال المسلّح تشنها قوات الدولة التي احتلت أراضيها، أو قوات المقاومة وحركات التحرر الوطني بهدف طرد المحتلين المعتدين واستعادة الأراضي السليبة.

2- قيام حالة فعلية مؤقتة مؤداها احتلال القوات الغازية لأراضي دولة أخرى كلياً أو جزئياً، وإخضاعها لسيطرتها المادية والعسكرية؛ ذلك لأنّ القانون الدولي المعاصر لا يعترف للغزو أو الاحتلال إلاّ بمجرد كونهما حالة فعلية مؤقتة، لا أثر لها في حقوق السيادة التي تحتفظ بها الدولة الأصل التي احتُلت أراضيها، وذلك على الرغم من توقّف ممارستها اختصاصات هذه السيادة نتيجة لقيام حالة الاحتلال، بوصفها حالة مادية قاهرة تعوق هذه الممارسة أو توقفها.

3- أن يكون هذا الاحتلال فعالاً ومؤثراً… أي أن تكون قوات الاحتلال قد سيطرت على الإقليم المغزو وتمكنت من الإمساك بزمام النظام والأمن فيه عبر إدارة عسكرية مستقرة؛ لأنّه إذا لم تتمكن القوات الغازية من إقامة مثل هذه الإدارة فلا نكون بصدد حالة الاحتلال الحربي (occupation)، بل نكون في مرحلة الغزو (invasion). وهذا يعني أنّ الاحتلال بوصفه حالة لا يمكن أن يكون افتراضياً أو نظرياً أو خيالياً بل لابدّ أن يكون له وجود مادي مؤثر تماماً، وهذا لا يتحقق إلاّ بهزيمة الدولة صاحبة الإقليم ومن ثمّ عجزها عن ممارسة سيادتها على هذا الإقليم المحتل.

وبناء على ما تقدّم يمكن تعريف الاحتلال الحربي بأنّه:

«الحالة الفعلية المؤقتة التي تعقب مرحلة الغزو مباشرة، وتنشأ بمجرّد استقرار الأوضاع نسبياً للقوات المحتلة في أراضي الإقليم المغزو، بحيث يمكنها هذا الاستقرار من السيطرة على هذا الإقليم فعلياً وإدارته وتصريف شؤون سكانه».

هذا ويجب ملاحظة أنّه لا فرق في هذا الصدد بين ما إذا كان الاحتلال الحربي للإقليم قد تم نتيجة استسلام الدولة صاحبة السيادة عليه (كما حدث لدى استسلام فرنسا أمام ألمانيا النازية)، أو نتيجة إلقاء القوات المسلّحة وقيادتها السلاح (كما حصل في حالة هولندا أمام ألمانيا النازية)، أو نتيجة عقد الهدنة أو إيقاف إطلاق النار مع بقاء حالة العداء والحرب قائمة (كما هو حاصل في الأراضي العربيّة التي تحتلها إسرائيل)… وكلّ ما يعنينا في هذا المقام هو قيام واقعة مادية محددة، هي واقعة الاحتلال وإخضاع الإقليم للسيطرة الفعالة للسلطات العسكرية أو المدنيّة للمحتل، فهذا هو الأساس الذي يضفي على سلطات الاحتلال مركزها الخاص في قانون الحرب، والذي في ضوئه يقوم قانون الاحتلال الحربي بتنظيم حالة الاحتلال وترتيب اختصاصات محددة في علاقة دولة الاحتلال بالإقليم المحتل وبسكانه وعلاقتها بالدولة المحتلة أراضيها.

وبناء على ما تقدّم وبمفهوم المخالفة فإنّ قيام مجموعة من القوات المسلّحة لدولة ما بدخول أراضي دولة ثانية لمساعدتها على حفظ النظام والأمن فيها أو لأسباب أخرى، وذلك بناء على اتفاق مسبّق موقّع بينهما وفق الإجراءات الدستورية في كلّ منهما، لا يعدّ حالة من حالات الاحتلال غير المشروع.

ثانياً - قانون الاحتلال الحربي ووظيفته:

لعلّه من المفارقة القول إنّ القوانين المنظمة لحالة الاحتلال الحربي تعدّ حديثة النشأة نسبياً رغم قدم الظاهرة ذاتها، وتكرار حدوثها في العلاقات فيما بين الدول والشعوب منذ فجر التاريخ… إلاّ أنّ هذه المفارقة سرعان ما تزول وتتبدد إذا ما علمنا أنّ الاحتلال كان يعدّ - فيما قبل ظهور هذه القوانين - نوعاً من أنواع «الفتح» يعطي المحتل كلّ مزايا الفتح بما فيها انتقال السيادة على الإقليم المحتل إلى الدولة القائمة بالاحتلال التي تستطيع بموجب ذلك أن تباشر عليه كل حقوق  السيادة وسلطاتها، وكأنه جزء من إقليمها الأصلي.

ففي ظل القانون الدولي التقليدي لم يكن هناك مجال للحديث عن قواعد قانونية تنظم حالة الاحتلال الحربي بالمعنى الدقيق لهذا المصطلح، ما دامت واقعة الاحتلال تؤدي من حيث النتيجة إلى ضمّ الأراضي المحتلة وانتقال السيادة عليها للدولة الغازية المحتلة، وكأنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من إقليمها الوطني… وبالتالي فإنّ أيّ مقاومة للاحتلال - في ظل سريان هذه القواعد - كانت تعدّ تمرداً وخيانة ضد دولة الاحتلال وتستحق أقسى العقوبات بحقّ من يقوم بها.

إلاّ أنّه مع بدايات الحروب النابليونية في القارة الأوربية أوائل القرن التاسع عشر، وظهور حركات المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال النابليوني الفرنسي لبعض الأراضي التابعة لدول أوربية أخرى بدأ الحديث فعلياً عن ضرورة وجود قواعد قانونية تنظّم حالة الاحتلال الحربي وحقوق الدولة المحتلة وواجباتها تجاه السكان المدنيين، وعلاقة دولة الاحتلال بالدولة صاحبة الإقليم.

وقد بدأت هذه القواعد القانونية ترى النورعلى نحو متوازٍ مع تطوير قواعد قانون الحرب ذاته وتقنين أعرافها، وذلك في محاولة من الجماعة الدوليّة للحدّ من شرور الحرب وويلاتها وللتخفيف مع معاناة السكان المدنيين ومآسيهم، وضمان حدّ أدنى من الحماية والرعاية لهم داخل إقليمهم المحتل، خاصّة أنّ القوات الغازية والمحتلة كانت تستبيح الإقليم المحتل وتنهب ثرواته وتغتصب ممتلكات سكانه، وتعبث بأرضه وأهله فساداً وتقتيلاً، وذلك تطبيقاً للمقولة السائدة آنذاك: «يحقّ للقوات الغازية المحتلة قضم الإقليم المحتل والتهامه كالجراد»!

وتعدّ قواعد قانون الاحتلال الحربي التقليدية ذات طبيعة توازنية، من حيث كونها تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصلحة المحتل الحربية في اتخاذ الإجراءات التي تكفل له سلامته وحماية قواته وتأمينها فوق الإقليم المحتل، وبين مصلحة سكان هذا الإقليم في ضمان سلامتهم وممارسة حقوقهم وحرياتهم، وتصريف شؤونهم اليومية من دون أيّة عوائق أو موانع.

ويُلاحظ هنا أنّ الاحتلال الحربي - وإن أضحى كما سنرى لاحقاً أمراً غير مشروع - يفسح المجال من حيث النتيجة أمام نوعين من الاختصاصات، تُعطى أولاها للدولة القائمة بالاحتلال، من حيث إنّها تمثّل واقعاً وأمراً مادياً لا مفرّ منه من الناحية الواقعية، فيما يُحتفظ بالاختصاصات الأخرى للدولة صاحبة الإقليم والسيادة الأصلية عليه من حيث إنّ شخصيتها القانونية لم تنقض بهذا الاحتلال لأراضيها أو لجزء منها. وهذا التعايش بين الاختصاصين على المحل ذاته - أي الإقليم المحتل - يعدّ من أصعب الأمور وأدقّها من الناحية العملية، وهو بالوقت نفسه يعطي للاحتلال الحربي طابعه المميز والفريد هذا.

ذلك لأنّ واقعة الاحتلال تكرّس تنافساً بين سيادة قانونية محفوظة للدولة صاحبة الإقليم المحتل، وبين سيادة فعلية مؤقتة   تمارسها قوات الاحتلال وسلطاته، وهي بمنزلة سلطة فعلية لا ترقى إلى مستوى السيادة القانونية بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، ولكن هذه  السيادة الفعلية لا تلغي بحال من الأحوال السيادة القانونية التي تتمتع بها الدولة صاحبة الإقليم، حتّى تسترد هذه الأخيرة سيادتها عند زوال الاحتلال، وهذا نابع من حقيقة أنّ سلطات الاحتلال داخل الإقليم المحتل تتمثل وظيفتها في أنّها تدير ولا تحكم.

ومن هذا المنطق، فإنّ الوظيفة الحقيقية لقانون الاحتلال الحربي تتجلى فيما يلي:

1- بيان العلاقة القانونية بين كلّ من الدولة القائمة بالاحتلال والدولة صاحبة السيادة على الإقليم المحتل، والسكان المدنيين القاطنين فوق هذا الإقليم، وتحديد حقوق كلّ طرف وواجباته تجاه الآخر.

2- تأكيد الحالة الفعلية المؤقتة لحالة الاحتلال الحربي وما يترتب على ذلك من عدم جواز ضمّ الإقليم المحتل وبقاء السيادة عليه محفوظة لمصلحة الدولة صاحبة هذا الإقليم.

3- تأكيد الطابع الإنساني الحضاري في وجوب معاملة دولة الاحتلال وسلطاتها للإقليم الخاضع لها وللسكان المقيمين فيه.

ويجب ملاحظة أنّ هذا القانون لا يبحث في مشروعية الحرب أو عدم مشروعيتها، وبالتالي لا يفرق بين الاحتلال المشروع وغير المشروع بخصوص الالتزامات والواجبات الناجمة عن واقعة الاحتلال بوصفها واقعة مادية فعلية.

ثالثاً - مدى مشروعية الاحتلال والآثار الناجمة عنه:

1- مشروعية الاحتلال:

تغيّرت النظرة إلى مسألة مشروعية الاحتلال الحربي، والآثار الناجمة عنه بتغير النظرة إلى مسألة مشروعية استخدام القوة في العلاقات الدوليّة.

ففي ظلّ المبادئ والقواعد التي كانت مهيمنة على القانون الدولي التقليدي كان يُنظر إلى موضوع اللجوء إلى شنّ الحرب أو استخدام القوة لتحقيق أهداف السياسة الوطنية أو لفضّ المنازعات الدوليّة على أنّه حقّ مطلق من حقوق الدولة الوطنية ومظهر من مظاهر سيادتها، ويُبنى على ذلك أن تترتب كل النتائج المتولدة عن حقها هذا، من حيث الإقرار بشرعية ضمّها للأراضي التي تحتلها أو احتلتها، وانتقال السيادة على هذه الأراضي إليها؛ وهكذا كان الحقّ في الحرب والحقّ في الضم غير منفصلين في القانون الدولي التقليدي.

وقد أدّى هذا الأمر عملياً إلى عدّ الإقليم المحتل جزءاً من أراضي الدولة القائمة بالاحتلال، وبالتالي تسري عليه كل القوانين النافذة فيها، ويحظر بالنتيجة على سكان الإقليم المحتل القيام بأيّ نشاطٍ معادٍ لقوات الاحتلال، انطلاقاً من واجبهم بتقديم الطاعة الكاملة لدولة الاحتلال، والالتزام بعدم مقاومتها ومحاربتها. وإذا حصلت  المقاومة فإنّها كانت تُكيّف وتُوصف على أنّها حركة تمرّد أو حرب أهلية تجري داخل إقليم الدولة الواحدة! كما كان يُنظر إلى أفراد المقاومة الذين يحملون السلاح في وجه الغزاة المحتلين على أنّهم مجرمون وعصاة متمردون خارجون على القانون الوطني، ولا يعدون بحال من الأحوال محاربين أو ثواراً، ومن ثمّ فلا يتمتعون بصفة أسرى الحرب فيما إذا وقعوا بيد سلطات الاحتلال، وكانوا لذلك يتعرضون لأقسى العقوبات وأشدها. وفي ظل هذه القواعد وهذه الفترة التاريخية تمّت أغلب مراحل الحركة الاستعمارية واحتلال أراضي الدول والشعوب الأخرى.  ونتيجة التطورات التاريخية في القرن التاسع عشر، وعقب الأحداث المأساوية للحربين العالميتين الأولى والثانية فقد جاء ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 محظراً وعلى نحو حاسم استخدام القوة أو التهديد باستعمالها في العلاقات الدوليّة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة أو على أيّ وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة خاصّة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وهذا يعني - استنتاجاً - عدم الاعتراف بشرعية جميع الآثار أو النتائج المتمخضة عن مخالفة هذا الالتزام الدولي، والمتمثل أساساً في عدم شرعية احتلال أراضي الدول الأخرى وضمها إلى أراضي الدولة المعتدية.

وقد جرى تأكيد مضمون هذا الالتزام والنتائج المترتبة عليه في كثير من المعاهدات والقرارات الدوليّة اللاحقة ولاسيّما اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1949 الخاصّة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب وفي الأراضي المحتلة، والقرارات الصادرة عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة الخاصّة بتصفية الاستعمار ودعم حقّ الشعوب المستعمَرة والمحتلّة بممارسة حقها المشروع والأكيد في تقرير المصير، وكذلك القرارات الخاصّة بمساندة حركات التحرر الوطنية ودعمها في نضالها لاستعادة حقوقها المغتصبة وأراضيها المحتلة، وقرار تعريف العدوان 3314 لعام 1974، وكذلك ما ورد في الفقرة الرابعة من المادّة الأولى من «البروتوكول» الإضافي الأول لعام 1977 التي عدت الحروب التي تخوضها حركات المقاومة والتحرير الوطني في سبيل استعادة أراضيها المحتلة وللتخلص من الاستعمار والتفرقة العنصرية حروباً دولية تطبّق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني، كما يمكن الاستدلال علىعدم شرعية الاحتلال الحربي بتطبيق ما يلي:

1 - المبادئ القانونية المعروفة التالية: «إنّ الخطأ لا يرتّب حقاً»، و«إنّ ما بني على الباطل فهو باطل»، و«إنّ النصر لا يخلق حقوقاً» وأنّه «لا ثمار للعدوان»… نستنتج أنّ الاحتلال الذي يأتي نتيجة العدوان يعد أمراً غير مشروع وباطلاً.

2 - ما جرى عليه العمل والفقه الدولي من عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال الحربي الناجم عن العدوان والغزو المسلّح، ولعلّ مبدأ «ستمسون» وزير الخارجية الأمريكية (1932) كان البداية الحقيقية لتكريس قاعدة عدم الاعتراف بالمكاسب الإقليمية أو التغيرات الإقليمية الناشئة عن استخدام القوة هذه القاعدة التي أضحت من القواعد المستقرة في القانون الدولي المعاصر والعرف الدولي الحديث، ومن المسلمات في كتابات الفقهاء.

2- آثار الاحتلال:

أ - الاحتلال الحربي يعدّ حالة فعلية مؤقتة:

وما ذلك إلاّ لأنّ الاحتلال الحربي يمثّل في ظل القانون الدولي المعاصر واقعة مادية تتمخّض عن قيام القوات المسلّحة لدولة ما بغزو أراضي دولة أخرى، واحتلالها كلياً أو جزئياً، وتمكّن القوات الغازية من السيطرة الفعالة والمؤثرة على هذه الأراضي المحتلة. وهكذا ينظر القانون الدولي المعاصر إلى الاحتلال الحربي على أنّه واقعة وليس وضعاً قانونياً، خاصّة أنّ الأساس الذي ترتكز عليه سلطات الاحتلال في إدارة الإقليم المحتل وشؤون سكانه إنّما يقوم على فكرة أو مبدأ السلطة الفعلية المؤقتة التي تخولها إدارة الإقليم المحتل على نحو يكفل لها تحقيق النظام وحفظ الأمن طوال فترة الاحتلال، وبالتالي فهي لا تقوم على أساس قانوني مشروع؛ وذلك لعدم استنادها إلى أيّ حقّ من حقوق السيادة على الإقليم، وبناء على ذلك فلا يجوز للسلطة المحتلة أن تقوم بإجراء أيّ تغييرات في الإقليم أو في نظام حياة السكان يتجاوز الغاية من إعطائها هذه الصفة والسلطة الفعلية.

ب - الاحتلال لا ينقل السيادة:

قدّمنا آنفاً أنّه في ظل قواعد القانون الدولي التقليدي كان الحقّ في الحرب والحقّ في الضم غير منفصلين، وهذا يعني أنّ سلطات الاحتلال كانت تعدّ الأراضي التي تحتلها جزءاً من أراضيها الوطنية وتخضع لسيادتها وقوانينها، وكان ينظر إلى هذا الأمر على أنّه حقّ مشروع للدولة، إلاّ أنّ هذه النظرة بدأت تتغير خاصّة بعد ظهور الدعوات المتتالية للتفرقة بين الاحتلال الذي يجيز الضم ومن ثمّ ممارسة السيادة وهو ما يسمى «بالفتح»، وبين الاحتلال الذي لا يجيز ذلك. ثمّ تبلورت هذه الأفكار جليّاًّ وعملياً في كتابات الفقهاء ونصوص المعاهدات والقرارات الدوليّة، وقد كتب الأستاذ روبين Robin في هذا الصدد قائلاً: «إنّ سيادة الدولة التي احتُلت أراضيها تُشل عملياً، ولكنها تستمر قانوناً، فالاحتلال لا يعدو أن يكون حالة فعلية نتيجة الحرب، أمّا فيما يتعلّق بدولة الاحتلال فإنّ سلطتها على هذه الأراضي لا تعدو أن تكون وضعاً لليد، ولهذا السبب تترتب لسلطة الاحتلال بعض الحقوق، كما تلتزم بالمقابل بواجبات معينة، فهي سلطة فعلية لا تملك حقوق السيادة ولا تتحول إلى سلطة قانونية إلاّ بعقد السلام والتنازل عن الأراضي المحتلة. فمجرد حالة مادية كالاحتلال الحربي لا يمكن أن يؤدي إلاّ إلى قيام سلطة فعلية لا تملك على أساس من القانون أن تحدث تغييراً في المركز الدولي للإقليم المحتل».

وهذا يعني أنّنا في حالات الاحتلال نكون أمام سيادة قانونية محفوظة للدولة الأم صاحبة الإقليم ، وسيادة فعلية ومؤقتة يمارسها المحتل، وهي بمنزلة سلطة فعلية لا ترقى إلى مستوى السيادة القانونية التي تتمتع بها الدولة صاحبة الإقليم، حيث تسترد هذه الأخيرة سيادتها عند زوال الاحتلال.

جـ- الاحتلال لا يجيز الضمّ:

ابتداء من اللحظة التي بدأ فيها العدول عن النظر إلى الحرب على أنها وسيلة مشروعة في القانون الدولي التقليدي لم يعدّ ضمّ الأقاليم نتيجة لاستعمال القوة أمراً مسلماً أو معترفاً به في القانون الدولي المعاصر، بل أصبح أمراً غير مشروع وباطلاً وذلك لأنّ الحجة التقليدية في ضم الأراضي المحتلة ترجع إلى مشروعية الحرب ذاتها، ولقد اختلف الوضع منذ أن أصبح اللجوء إلى القوة أمراً محرماً، وقد تأكّد هذا المبدأ في الكثير من المبادئ والوثائق الدوليّة والقرارات الصادرة من المنظمات الدوليّة وفي مناسبات مختلفة حتّى أدى هذا الأمر إلى نشوء قاعدة في القانون الدولي تحرّم ضم الأراضي المحتلة بالإرادة المنفردة من جانب الدولة المحتلة، كما أنّ الاعتراف بهذا الضمّ من قبل دولة ثالثة يمثّل تحدياً وخرقاً لهذه القواعد وقانون الاحتلال الحربي، ومن ثمّ فإنّ دولة الاحتلال ليست بالخيار في أن تطبّقه أو ألا تلتزم تطبيقه، فهي ملزمة به في جميع الأحوال وبغض النظر عن مشروعيّة الحرب التي يترتب عليها الاحتلال، ويكون من باب أولى ملزماً لها في حالة الاحتلال نتيجة حرب عدوانية غير مشروعة.

والجدير بالملاحظة أنّ ميثاق الأمم المتحدة لم يرد فيه أيّ نصّ صريح وواضح يقضي بعدم مشروعية ضمّ الأراضي المحتلة أو يقرّر عدم مشروعية اكتساب الإقليم عن طريق القوة، ومع ذلك يعدّ مضمون هذا المبدأ موجوداً وملحوظاً في ثنايا الميثاق وذلك استنتاجاً للتفسير المنطقي للقواعد الأخرى الواردة فيه والمتضمّنة إلزام الدول حلّ منازعاتها بالطرق السلمية، وحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّ دولة، وكذلك في العمل على حفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ التدابير الفعالة لمنع الأسباب التي تهدّد السلم ولإزالتها. ومن المعروف أنّ الاحتلال الحربي وضمّ الأراضي المحتلة من قبل الدولة المعتدية يعدان من أهم أسباب تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، كما أنّ حظر السبب «استخدام القوة» يؤدي من باب أولى إلى حظر النتيجة المترتبة عليه وتحريمها وبطلانها «الاحتلال والضمّ».

وكذلك يمكن القول إنّ اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1949 الخاصّة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب قد تضمّنت هذا المبدأ استنتاجاً من نصّ المادّة 47 فيها، كما تأكّد هذا المبدأ في الكثير من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ولاسيّما القرارات الصادرة عن الجمعيّة العامّة كالقرار 2625 الصادر بتاريخ 24/10/1970 الذي تضمّن صراحة عدم جواز ضمّ أراضي دولة أخرى باستخدام القوة خلافاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك قرار تعريف العدوان رقم 3314 تاريخ 14/12/1974، وكذلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي بخصوص القضية الفلسطينيّة تحديداً كالقرار 242 تاريخ 22/11/1967 الذي يؤكّد عدم مشروعية الاستيلاء على أراضي الدول الأخرى بالقوة، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 تاريخ 9/12/1981 الذي قضى بأنّ القانون الإسرائيلي بضمّ الجولان السوري المحتل وفرض القوانين الإسرائيلية عليه يُعدّ باطلاً ولا أثر قانونياً له.

وبالنتيجة فإنّ قاعدة «عدم شرعية ضمّ الإقليم المحتل» تأكّدت وترسّخت في قواعد القانون الدولي المعاصر وقرارات الشرعيّة الدوليّة وما جرى عليه العمل الدولي.

وعلى العموم يمكن إجمال الآثار الناجمة عن الاحتلال بوصفه أمراً واقعاً de facto من خلال ما يلي:

1- العلاقة بين الدولة القائمة بالاحتلال والدولة التي احتلت أراضيها:

وتتمثّل هذه العلاقة فيما يلي:

أ- إنّ الدولة التي احتلت أراضيها تبقى قانونياً مستمرة وقائمة، ولا يؤدي الاحتلال إلى فنائها أو انتهائها، وبالتالي تتمتع بحقوق السيادة القانونية على كامل أراضيها المحتلة وتعود لممارستها عملياً وعلى أرض الواقع بنهاية الاحتلال.

ب- تبقى تابعية الإقليم المحتل وملكيته للدولة الأم التي فقد منها، ولا تجيز واقعة الاحتلال للدولة الغازية المحتلة ضمّه أو إلحاقه بأراضيها، وعلى ذلك تلتزم هذه الدولة الأخيرة بتجميد الوضع الراهن للإقليم المحتل، أي إبقاء الحال على ما كان عليه عند قيام الاحتلال وحدوثه، فهي لاتملك أيّ حقّ في التصرّف بهذا الإقليم أو نظامه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني تحت طائلة البطلان.

2- العلاقة بين الدولة المحتلة والسكان المدنيين داخل الإقليم المحتل (بين واجب الطاعة وحقّ المقاومة):

بعد أن كان واجب الطاعة المفروض على عاتق السكان المدنيين داخل الإقليم المحتل تجاه السلطات القائمة بالاحتلال أمراً حتمياً وفقاً لقواعد القانون الدولي التقليدي الذي يجيز الضمّ ونقل السيادة، فقد تغيّر الأمر وفقاً لقواعد القانون الدولي المعاصر ولاسيما من جهة عدّ وضع سلطات الاحتلال قائماً على أساس فعلي وليس على أساس قانوني شرعي. وبالتالي فقد أصبحت طاعة السكان المدنيين لهذه السلطات تأتي نتيجة لالتزام الأخيرة قواعد القانون الدولي الإنساني وحماية حقوق  هؤلاء السكان وممتلكاتهم وتأمين معاشهم وحياتهم. فإذا أخلّت السلطات المحتلة بهذه القواعد فإنّ السكان المدنيين يكونون في حلّ من واجب الطاعة لها، هذا مع عدم الإخلال أو الانتقاص من حقهم في مقاومة الاحتلال وفقاً لقواعد القانون الدولي في هذا الإطار بوصفه حقّاً مشروعاً وأصيلاً للشعوب التي احتلت أراضيها، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون التفسير الصحيح لمضمون الفقرة الثانية من المادّة /64/ من اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1949 الخاصّة بحماية المدنيين وقت الحرب والاحتلال، حيث تنصّ على أنّه: «يجوز لدولة الاحتلال إخضاع سكان الأراضي المحتلة للقوانين التي تراها لازمة لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها بمقتضى هذه الاتفاقية، وتأمين الإدارة المنتظمة للإقليم وحماية أمن دولة الاحتلال وأمن أفراد قوات الاحتلال أو إدارته وممتلكاتها، وكذلك المنشآت وخطوط المواصلات التي تستخدمها». ولذلك يجب عدم التوسّع أو التعسّف في تطبيق هذه المادّة؛ لأنّ الاحتلال بذاته أضحى أمراً باطلاً غير مشروع، ولا يعقل أن يسمح لسلطات الاحتلال بالاستناد إليها لممارسة أعمال وتصرفات هي أقرب إلى التصرفات السيادية المحفوظة للدولة الأم صاحبة الإقليم، ولذلك وأمام هذا العيب الواضح في صياغة نصّ هذه الفقرة فإنّه يجب إعادة النظر في مضمونها وتعديله بما يؤدي إلى عدّ حالة الاحتلال حالة فعلية مؤقتة وهي من حيث النتيجة لا تتمتع بأيّ صفة قانونية.

رابعاً - اختصاصات سلطات الاحتلال والتزاماتها في الأراضي المحتلة:

1- اختصاصات سلطات الاحتلال:

أشرنا سابقاً إلى أنّ الاحتلال الحربي يعدّ حالة فعلية مؤقتة لا يجيز الضم ولا يؤدي إلى انتقال السيادة، وعلى ضوء هذه النتائج تتحدد اختصاصات سلطات الاحتلال داخل الإقليم المحتل - بعدّها سلطة فعلية لا تمارس السيادة- وذلك على النحو التالي:

أ- إدارة الإقليم المحتل: وذلك من خلال المحافظة على النظام العام والحياة العامّة داخله، ويجب أن تفسّر هذه الاختصاصات في هذا الإطار تفسيراً ضيقاً ومحدوداً، خاصّة أنّ هذه السلطات تقوم على أساس فعلي وليس على أساس قانوني. كما أنّ التوسّع في تفسير هذه الصلاحيات والاختصاصات خارج نطاق هذه الحالة الفعلية قد يؤدي إلى تهرّب سلطات الاحتلال من التزاماتها تحت ذرائع وأسانيد مختلفة.

ب- الاختصاص التشريعي: الأصل فيه أنّه لا يجوز لسلطات الاحتلال ممارسة هذا الاختصاص إطلاقا؛ لأنّه عمل من أعمال السيادة الذي تملكه حصرياً الدولة الأم صاحبة الإقليم، وبالتالي فلا يجوز للدولة القائمة بالاحتلال تغيير القوانين القائمة وقت الاحتلال- بما فيها الدستور - أو أن تستبدل بها قوانين أخرى لتغيير النظام القضائي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، ويمكن لسلطات الاحتلال استثناءً وفي نطاق ضيق جداً وفي حدود الضرورة العسكرية. كما تقضي المادّة 64 من اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1949 أن تلغي التشريعات الجزائية الخاصّة في الإقليم المحتل إذا كان فيها ما يهدد أمنها، وأن تخضع السكان داخله للقوانين التي تراها لازمة لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها بمقتضى هذه الاتفاقية. وقد أشرنا إلى عيب الصياغة في هذه المادّة الذي قد تستغله سلطات الاحتلال لمصلحتها ضاربة عرض الحائط بحقوق سكان الإقليم المحتل ومصالحهم.

جـ- الاختصاص القضائي: بموجب المادّة 43 من الأنظمة الملحقة باتفاقية لاهاي لعام 1907 والمادة 54 من اتفاقية جنيڤ الرابعة لعام 1949، تقيد سلطات الاحتلال باحترام النظام القضائي القائم في الأراضي المحتلة، كما ينبغي عليها عدم التدخّل في تشكيل المحاكم أو تعيين القضاة وعزلهم أو إلغاء محاكم قائمة مادام هذا الأمر لا يمسّ أمن قوات الاحتلال ولا تستدعيه حالة الضرورة ومصلحة السكان، وبالتالي فإنّ المحاكم - تحت الاحتلال- تحتفظ كقاعدة عامّة بكامل صلاحياتها واختصاصاتها الموجودة قبل قيام حالة الاحتلال.

2- التزامات سلطات الاحتلال:

ومن أهمّ هذه الالتزامات والواجبات:

1- التزام تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصّة بحماية السكان المدنيين وممتلكاتهم وحقوقهم وحرياتهم الشخصيّة ومعتقداتهم طبقاً لما هو منصوص عليه في لوائح لاهاي لعام 1907، واتفاقيات جنيڤ الأربع لعام 1949 ولاسيّما الرابعة منها، و«البروتوكول» الإضافي الأول لعام 1977 وذلك بموجب  الفقرة الثالثة من المادّة الثانية منه .

2- التزام احترام الحدود الإقليمية للدولة المحتلة أراضيها وسيادتها الكاملة على التراب الوطني بعدم تجزئتها أو التفريط فيها أو التنازل عنها أو تقسيمها على نحو «كونفدرالي» أو «فيدرالي» أو أيّ تقسيم آخر يفقدها وحدتها الوطنية، .ومن باب أولى التزام عدم ضمّ الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة القائمة بالاحتلال.

3- التزام عدم إجراء أيّ تغيير دستوري أو قانوني أو قضائي أو تعليمي جوهري داخل البنيان التنظيمي والإداري والدستوري والقضائي للدولة المحتلة أراضيها.

4- التزام إدارة موارد الأراضي المحتلة وثرواتها الطبيعية على النحو الذي يحفظها من كلّ ضياع أو تسرّب أو هدر أو سرقة، وكذلك في حماية الممتلكات العامّة والخاصّة والآثار والمتاحف فيها.

5- التزام اتخاذ التدابير الضرورية - الإدارية والأمنية لحفظ الأمن والاستقرار داخل الإقليم المحتل من أجل تأمين أقصى حماية ممكنة للسكان المدنيين واحترام حقوقهم وتوفير مستلزمات معيشتهم وحياتهم العادية.

6- التزام عدم إشراك السكان المدنيين في أيّ من العمليات الحربية ضد دولتهم الأم أو ضد أيّ فئة أو طائفة أخرى تعيش داخل الإقليم المحتل، وكذلك في عدم جعلهم هدفاً لأيّ عملية عسكرية.

7- التزام عدم أخذ الرهائن وأعمال الانتقام والعقوبات الجماعية.

8- التزام عدم نقل أيّ من سكان الإقليم المحتل أو ترحيلهم خارج أماكن إقامتهم سواء إلى داخل الإقليم المحتل أم خارجه، وكذلك التزام عدم تسهيل هجرة مواطني الدولة القائمة بالاحتلال أو استيطانهم إلى داخل الأراضي المحتلة وعدم إقامة المستوطنات فيها.

9- التزام تغليب مبدأ الإنسانية على مبدأ الضرورة الحربية ما أمكن ذلك.

10- الالتزام الجدي الموضوعي فيما يخص ملاحقة كلّ من يتهم من جنود سلطة الاحتلال أو العاملين لديها بارتكاب أيّ مخالفة أو انتهاك جسيم للاتفاقيات الدوليّة ذات الصلة بالاحتلال ومحاكمته، أو القيام بتسليمه إلى الدول التي تطلب استرداده بما فيها الدولة المحتلة أراضيها بعد تحريرها. وتعدّ هذه الأعمال بموجب ف5 م85 من «البروتوكول» الإضافي الأول عام 1977 جرائم حرب، وكذلك بموجب م 8 من نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الدوليّة.

11- التزام تعويض ضحايا الاحتلال عن جميع الأضرار التي تلحق بهم من جراء تصرفات سلطات الاحتلال الفردية أو الجماعية أو التي تعدّ مخالفة للقانون الدولي الإنساني.

خامساً - أمثلة عن الاحتلال الحربي غير المشروع (الأراضي العربيّة المحتلة):

مما لاشكّ فيه أنّ موقع الوطن العربي الاستراتيجي والمتوسط بين القارات وغناه بالثروات الطبيعية كان على مدار التاريخ محطّ أطماع مختلف الدول والأمم الأخرى ، وقد تُرجم ذلك عملياً عبر احتلال أجزاء كبيرة منه ولفترات طويلة، فكان الاحتلال الفارسي والروماني مثلاً في العصور القديمة، ثمّ الاحتلال الأوربي - ولاسيّما الفرنسي والبريطاني - في العصور الحديثة، وتحت مسمّيات وذرائع مختلفة - كالانتداب أو تحضير الشعوب العربيّة - لا تخفي الطابع الاستعماري لها. وإذ انتهت هذه المرحلة من الاحتلال الاستعماري لكلّ الدول العربيّة المحتلة، بإعلان استقلالها في فترات متقاربة من منتصف القرن العشرين فإنّ إعلان قيام (دولة إسرائيل) عام 1948 من قبل الصهاينة اليهود يُعدّ ترجمة فعلية لمؤامرة دولية اشتركت فيها مع بريطانيا - صاحبة وعد بلفور والدولة المنتدبة على فلسطين - ودول وأطراف أخرى بما فيها الأمم المتحدة عبر قرارها بتقسيم فلسطين بين دولتين يهودية وفلسطينية، وكانت الغاية من ذلك زرع كيان احتلالي استيطاني في فلسطين وفي قلب الوطن العربي، ثمّ قيام هذا الكيان في 5/6/1967 بالعدوان على الدول العربيّة المجاورة واحتلال باقي الأراضي الفلسطينيّة (الضفة الغربيّة وغزة والقدس) وإعلان ضمّها إلى دولة إسرائيل، وكذلك احتلاله الجولان السوري وسيناء المصرية وأجزاء من الأراضي الأردنية.

وقد عبّرت القرارات الدوليّة الصادرة عن الأمم المتحدة بعد ذلك ولاسيّما القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بإدانة هذا العدوان وتقرير عدم مشروعية احتلال أراضي الغير بالقوة خلافاً لميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي في وجوب إعادة الأراضي المحتلة إلى أصحابها. وإذ لم تلتزم إسرائيل بهذا القرار فلأنها لا تفهم غير لغة القوة ، وأنّ ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة، وهذا ما تمّ عبر إجبارها على الانسحاب من الأراضي التي تحتلها في جنوبي لبنان تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 الصادر عام 1978 وذلك بفعل العمليات العسكرية المتواصلة التي نفّذتها حركات المقاومة اللبنانية ضدها. حيث تمّ تحرير هذه الأراضي فعلياً بانسحاب القوات الإسرائيلية منها بتاريخ 25/5/2000.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى عدة دول أخرى ولاسيّما بريطانيا قامت بغزو العراق خارج نطاق الشرعيّة الدوليّة، ومن دون أيّ تفويض من مجلس الأمن الدولي لأسباب ثبت بطلانها بتاريخ 19/3/2003، ومن ثمّ احتلاله فعلياً بسقوط العاصمة بغداد في أيدي القوات الغازية بتاريخ 9/4/2003.

كما تجدر الملاحظة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية حاولت مراراً وتكراراً بعد ذلك شرعنة هذا الاحتلال تحت ذرائع مختلفة، إلاّ أنّها أخفقت في مسعاها هذا، وكلّ ما حصلت عليه من الأمم المتحدة هو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 تاريخ 22/5/2003 الذي أكّد الأمر الواقع في العراق نتيجة وجود القوات الغازية المحتلة فيه، وأنّ العراق أصبح فعلياً تحت الاحتلال بما يرتّب ذلك على القوات الأمريكية والبريطانية بوصفها قوة احتلال المسؤوليات القانونية المترتبة على حالة الاحتلال الحربي، بعدّها قوات وسلطات تدير ولا تحكم، أي إنها لا تملك أيّ سلطات دستورية وسيادية في هذا البلد الواقع تحت الاحتلال.

مراجع للاستزادة:

- تيسير النابلسي، الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة، دراسة لواقع الاحتلال الإسرائيلي في ضوء القانون الدولي العام (مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينيّة، بيروت  1975).

- عبد العزيز محمد سرحان، تطوّر وظيفة معاهدات الصلح، المجلد 3 من دراسات في القانون الدولي (الجمعيّة المصرية للقانون الدولي، القاهرة 1971).

- محي الدين عشماوي، حقوق المدنيين تحت الاحتلال الحربي مع دراسة خاصّة بانتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي العربيّة المحتلة، رسالة دكتوراه (كلية الحقوق، جامعة عين شمس، د.ت ).

- مصطفى كامل الإمام شحاتة، الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصر مع دراسة تطبيقية عن الاحتلال الإسرائيلي للأقاليم العربيّة، رسالة دكتوراه (كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1977).

- عز الدين فودة، المركز القانوني للاحتلال الحربي (المجلة المصرية للقانون الدولي - المجلد 25، 1969).

- هيثم موسى حسن، التفرقة بين الإرهاب الدولي ومقاومة الاحتلال في العلاقات الدوليّة، رسالة دكتوراه (كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1999).


- التصنيف : القانون الدولي - النوع : القانون الدولي - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 49 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق