سواء أكانت مركزية تمثل الدولة كالوزارات أم لا مركزية محلية أم مرفقية لا يمكن لها القيام بالوظائف التي أنشئت من أجلها لتوفير الحاجات العامة للأفراد من دون الأموال الضرورية لذلك، شأنها شأن الأفراد، وهذه الأموال قد تكون عقارات كالسكك الحديدية أو المرافئ والشواطئ، وقد تكون منقولات كالسفن والأسلحة والطائرات.

"/>
اموال عامه
public funds - fonds publics

 

الأموال العامة

محمد خير العكام

الأشخاص المعنوية العامة 
مفهوم المال العامحماية المال العام
طرق تخصيص المال العام للمنفعة العامة وموقف القانون السوري منهااستخدام المال العام
نطاق المال العامالحجز لضمان الأموال العامة
 

الأشخاص المعنوية العامة

سواء أكانت مركزية تمثل الدولة كالوزارات أم لا مركزية محلية أم مرفقية لا يمكن لها القيام بالوظائف التي أنشئت من أجلها لتوفير الحاجات العامة للأفراد من دون الأموال الضرورية لذلك، شأنها شأن الأفراد، وهذه الأموال قد تكون عقارات كالسكك الحديدية أو المرافئ والشواطئ، وقد تكون منقولات كالسفن والأسلحة والطائرات. فأموال الإدارة هي نفسها أموال الدولة سواء كانت لهذه الإدارة الشخصية المعنوية المستقلة عن الشخصية المعنوية للدولة والذمة المالية الخاصة بها أم كانت هي نفسها تمثل الشخصية المعنوية للدولة من دون أن يكون لها شخصية معنوية وذمة مالية مستقلة.

تنقسم أموال الدولة إلى أموال عامة وأموال خاصة، أما أموال الدولة الخاصة فهي تلك التي يقتصر الغرض منها على الاستثمار المالي وإنماء موارد الدولة، وهذا النوع من الأموال ينطبق عليه النظام القانوني للأموال الخاصة الموجودة في القانون المدني وفروع القانون الخاص عموماً، ويختص بالنظر بالنزاعات المتصلة بها القضاء العادي. أما أموال الدولة العامة فهي الأموال التي تستخدمها الإدارة لتأمين المرافق العامة وتسييرها، وهذه الأموال تخضع لأحكام القانون العام الذي يكفل لها قدراً من الحماية نظراً للغاية المخصصة لأجلها، ويختص بالنظر في النزاعات المتصلة بها القضاء الإداري في الدول التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج كما هو الحال في سورية وفرنسا ومصر ولبنان.

أولاً: مفهوم المال العام:

لتحديد مفهوم المال العام لابد من معرفة الشروط الواجب توافرها في المال كي يعد مالاً عاماً لأن للإدارة العامة أموالاً خاصة أيضاً، كما أنه لابد من معرفة طبيعة حق الدولة على هذه الأموال.

1- الشروط الواجب توافرها في أموال الإدارة لتصبح أموالاً عامة:

لا يمكن تطبيق النظام القانوني للأموال العامة على كل الأموال التي تملكها الإدارة، بل لابد من توافر مجموعة من الشروط في تلك الأموال كي يطبق عليها النظام القانوني الخاص بها، وهذه الشروط هي:

أ - يجب أن يكون المال العام مملوكاً لشخص من أشخاص القانون العام: والأشخاص العامة إما أن تكون أشخاصاً مركزية ليس لها الشخصية المعنوية المستقلة عن الشخصية المعنوية للدولة، ففي هذه الحالة يقال إن المال العام مملوك للدولة لأنها تمثل الدولة، وإما أن تكون أشخاصاً  لامركزية محلية أو مرفقية وهي الوحدات الإدارية التي منحها القانون الشخصية المعنوية المستقلة عن شخصية الدولة والذمة المالية والاستقلال المالي والإداري، و المؤسسات العامة والشركات العامة والمنشآت التابعة لها، وفي هذه الحالة يقال إن المال العام مملوك لهذه الوحدة الإدارية أو تلك المؤسسة، أما إذا كان المال مملوكاً لشخص من أشخاص القانون الخاص فرداً كان أو شركة فلا تثبت للأموال صفة المال العام إلا في الأموال التي يحددها القانون.

ب - يجب أن يكون مال الإدارة مخصصاً لاستعمال الجمهور: أي مخصصاً لانتفاع الجمهور مباشرة، وقد ميز الفقه والقضاء في هذا المجال بين المال العام الطبيعي وهو المال العام المرصود لخدمة الجمهور كافة واستعمالهم بطبيعته ومن دون تدخل من صناعة الإنسان كالشواطئ والبحار ومجاري الأنهار ومنابعها، والمال العام الصناعي وهو المال العام الذي تدخل الإنسان في صنعه أو هيأته الدولة تهيئة خاصة لاستعمال الجمهور أو لاحتياجات مرفق عام.

وتكون الأموال عامة إذا كان الأفراد ينتفعون منها مباشرة أي بأنفسهم، ولكن لا يتعلق الأمر بأموال مخصصة لاستعمال الجمهور إذا كان الهدف الرئيس والنهائي للأفراد الانتفاع بخدمات المرافق العامة لا الانتفاع بالأموال المخصصة لخدمة هذه المرافق، ويلاحظ أنه لا يشترط في هذا المجال إثبات مجانية هذا الاستعمال لكي يكون المال عاماً أي للتدليل على تخصيصه لاستعمال الجمهور مباشرة، فتقاضي بعض الرسوم لقاء استخدام المال العام لا يلغي عنه صفة الاستخدام الجماهيري للأفراد.

هذا الشرط هو الذي يجعل المال العام غير قابل للتملك، سواء كان منقولاً أم عقاراً وكان استعماله للجمهور متاحاً مجاناً أم مقابل رسوم يدفعها المنتفعون، وسواء كان الاستعمال متاحاً بلا إذن مسبّق أم معلقاً على موافقة سابقة أو ترخيص إداري، فالاستعمال الجماهيري العام للمال العام يختلف من حيث مدى عمومية الاستعمال ويقسم قسمين: الأول الاستعمال الجماعي الذي لا يؤخذ فيه شخص المستعمل بالاعتبار كاستعمال الطرق العامة والشواطئ العامة والجسور، والثاني الاستعمال الجماعي الذي يؤخذ فيه شخص المستعمل بالاعتبار كالمدافن وشغل جزء من السوق العام.

جـ - أو يكون مال الإدارة مخصصاً للمرفق العام: فتعد من حيث المبدأ جميع الأموال المخصصة لتسيير المرفق العام وإدارته أموالاً عامة، وأول من طرح هذا المعيار هو الفقيه الفرنسي ليون دوجي إلا أن الفقه الفرنسي فيما بعد ومنهم الفقيه جيز رأى أن معيار دوجي يؤدي إلى توسيع نطاق الأموال العامة الأمر الذي لا يتفق وطبيعة النظام القانوني الذي يجب أن تخضع له، وقد يؤدي أحياناً على الرغم من اتساعه إلى استبعاد الكثير من الأموال من نطاق الأموال العامة على الرغم من تخصيصها لاستعمال الجمهور كالكنائس.

لذلك اشترط في المال العام فضلاً عن تخصيصه للمرافق العامة شرطين جوهريين:

qالشرط الأول: أن يكون المال مخصصاً لخدمة مرفق عام.

q الشرط الثاني: أن يؤدي المال دوراً رئيساً في إدارة هذا المرفق.

ونتيجة لهذين الشرطين ضيّق الفقيه جيز نطاق المال أكثر من اللازم فلا يمكن في رأيه عدّ البناء المخصص للمحاكم من الأموال العامة لأن الدور الرئيس في أداء العدالة في هذا المرفق للقاضي وليس للبناء؛ لذلك جاء الفقيه فالين وقال إن الأموال العامة هي كل مال ضروري لسير الحياة الإدارية أي كل مال مخصص لإدارة مرفق عام أو خدمة عامة. ومع ذلك بقي هذا المعيار أضيق من اللازم، لذلك لجأ الفقه الحديث اشتراط التخصيص للمنفعة العامة كي يكون المال عاماً، وقد يكون هذا التخصيص عن طريق الاستعمال الجماهيري للمال أو عن طريق المرفق العام كما هو الحال لدى الفقيه هوريو.

لذلك يمكن القول: إن معيار التخصيص للمنفعة العامة هو المعيار الراجح في الفقه والقضاء للتمييز بين أموال الإدارة الخاصة وأموالها العامة؛ لأنه عد مال الإدارة عاماً عندما يكون مخصصاً لاستعمال الجمهور أو مخصصاً لخدمة مرفق عام لأن الأموال المرصودة لخدمة المرافق العامة يستفيد منها الجمهور بطريق غير مباشرة، لذلك عد هذا المعيار المعيار الأساسي الذي أخذت به معظم تشريعات الدول فيما بعد منها فرنسا ومصر وسورية وغيرها لتمييز أموال الدولة العامة من أموالها الخاصة.

¯فقد نصت المادة /90/ من القانون المدني السوري على ما يلي: « تعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة للمنفعة العامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص». كما نصت المادة /91/ منه على « تفقد الأموال العامة صفتها بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة، وينتهي التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم أو بقرار من الوزير المختص، أو بالفعل أو بانتهاء الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة». يمكن الاستنتاج من هذين النصين أن المشرع السوري لا يعد أموال الإدارة عامة إلا إذا خصصت للمنفعة العامة، أي إلا إذا خصصت لاستعمال الجمهور مباشرة أو خصصت لخدمة مرفق عام، وبالتالي إذا لم يتوافر أحد هذين الشرطين في أموال الإدارة تكون أموالها أموالاً خاصة وتأخذ أحكام الأموال الخاصة الموجودة في القوانين التي تنتمي لزمرة القانون الخاص حتى لو كانت تملكها هذه الإدارات.

2 - الطبيعة الحقوقية للأموال العامة: انقسم الفقه الإداري في تحديد طبيعة حق الدولة على أموالها العامة إلى رأيين:

أ - الرأي الأول: عد حق الدولة على الأموال العامة حق إشراف ورقابة وبالتالي رفض الاعتراف للدولة بحق الملكية على أموالها العامة بل جعله فقط حق إشراف ورقابة فقط؛ لأنه لا تتمتع بخصوصه بكل العناصر الأساسية لحق الملكية المتمثلة بحق التصرف والاستغلال والاستعمال. إلا أن هذا الرأي لم يصمد طويلاً فحق الدولة على أموالها العامة تتوافر فيه كل عناصر حق الملكية.

ب - الرأي الثاني: عد حق الدولة على الأموال العامة حق ملكية، فالفقه الإداري الحديث عد هذا الحق حق ملكية ولكنه ملكية إدارية وذلك للأسباب التالية:

(1) إن القيود المفروضة على ملكية المال العام لا تنال من طبيعة حق الملكية أو تغيره في جوهره. إذ لم يعد حق الملكية مطلقاً منذ بداية القرن العشرين بل ذا وظيفة اجتماعية وهذا لم ينل من جوهر هذا الحق.

(2) لأن الحق الذي تحوزه الدولة على هذه الأموال يشمل كل العناصر التقليدية لحق الملكية، فحق الاستعمال موجود وقائم في هذه الأموال وبصورة خاصة في الأموال المخصصة للمرافق العامة، أما الأموال المخصصة لاستعمال الجمهور فالدولة هي صاحبة الحق بالانتفاع بهذه الأموال باعتبارها الممثل القانوني للمواطنين، أما حق الاستغلال فإنه ليس ثمة ما يمنع من قيام الدولة من استغلال هذه الأموال والاستفادة منها اقتصادياً، أما حق التصرف فإن حظر التصرف بها ليس مطلقاً بل نسبياً ويكفي لها للتصرف بهذه الأموال أن تجردها من صفتها العمومية وبالتالي فإن هذا القيد هو قيد أهلية كحق الملكية في القانون الخاص.

(3) عدم ضرورة اجتماع العناصر الثلاثة لحق الملكية لما للدولة من أموال عامة، فحق الملكية في مفهومه الاجتماعي الحديث لايستلزم بالضرورة توافر كل عناصر حق الملكية حتى يكون حق ملكية، فإن إبراز هذه العناصر الثلاثة مجتمعة ليس إلا من قبيل المنافع التي يجنيها المالك من الشيء المملوك وليس تحليلاً لحق الملكية ذاته، فإن قلّت هذه المنافع فإن ذلك لا يتبع بالضرورة زوال الملكية أو إسقاطها.

(4) إن القول بملكية المال العام للدولة قول يقتضيه المنطق: فالمنطق السليم يؤكد أن هذا الحق كان ثابتاً للدولة قبل تخصيص المال للإدارة، فتخصيص هذا المال للإدارة لا ينشئ حق الملكية بل إن هذا الحق كان موجوداً قبل تخصيص المال للإدارة.

(5) إن تقرير هذا الحق لأموال الدولة مفيد لأنه لا يمكن الاستغناء عن فكرة الملكية والاستعاضة عنها بفكرة التخصيص؛ لأن فكرة الملكية هي التي تبرز الأساس القانوني لمسؤولية الإدارة تجاه الغير عن الخسائر والأضرار التي تصيبهم نتيجة استعمال هذه الأموال، وهي التي تبرز أساس تمتع الإدارة بثمار هذه الأموال وهي التي تبرز سبب قيام الإدارة بصيانة هذه الأموال والإنفاق عليها حتى بعد زوال تخصيصها للمنفعة العامة.

وقد انتهى هذا الجدل الفقهي لمصلحة إقرار حق الملكية للدولة على أموالها العامة لدى معظم الدول كما هو الحال في كل من فرنسا ومصر ولبنان وسورية منذ منتصف القرن الماضي. وأقر للمال العام نظاماً قانونياً خاصاً ضمن له حماية أكبر من الحماية التي ضمنها القانون الخاص لحق الملكية للأفراد نظراً لتخصيصه للمنفعة العامة، كما ضمن ذلك للمال الخاص للأفراد ذات النفع العام من دون أن يعطيه صفة المال العام.

ثانياً: طرق تخصيص المال العام للمنفعة العامة وموقف القانون السوري منها:

1 - طرق تخصيص المال العام للمنفعة العامة

يكتسب المال الصفة العامة بتخصيصه للمنفعة العامة ويتحقق ذلك بالطريقتين التاليتين:

أ- نظرية التخصيص الواقعي: يرى أنصار هذه النظرية أن تخصيص الأموال المملوكة للإدارة للمنفعة العامة يعتمد في حقيقته على مصدر عرفي، هو اعتياد الأفراد واستمرارهم من دون انقطاع بالانتفاع بهذه الأموال، وبالتالي لا يشترط لعدّ مال الإدارة مالاً عاماً أن يكون تخصيصه بعمل قانوني صادر عن الإدارة، ومن دواعي المبالغة أن يتطلب سندأً منشئاً للتخصيص لكل مال للإدارة يدخل في عداد الأموال العامة بل يكتفي أن يتحقق الانتفاع العام فعلياً وأن يشهد الواقع بتخصيصها للمنفعة العامة، واتفق الفقه والقضاء على أنه يجوز إثبات واقعة التخصيص الفعلي - لكونها واقعة مادية - للمنفعة العامة بكل طرق الإثبات.

ب - نظرية التخصيص الشكلي: يرى أنصار هذه النظرية أن التخصيص الذي يؤدي إلى إلحاق الصفة العامة بأموال الإدارة يجب أن يتم شكلياً، أي بعمل قانوني صادر بالتخصيص، وبالتالي فلا يكفي عندهم التخصيص الفعلي أو الواقعي، لأن تقرير حق الانتفاع بهذا المال للكل وتطبيق نظام قانوني استثنائي من أجل ذلك على هذا المال يتطلب من الإدارة أن تكشف صراحة عن إرادتها في إعلان التخصيص بعمل قانوني، وهذا العمل القانوني قد يكون صدور قانون من السلطة التشريعية أو قرار من السلطة المختصة، وقد أخذ بهذه النظرية المشرع الفرنسي الذي خفف من وطأة هذا التضييق  عندما أقر فكرة التخصيص الضمني التي يمكن استخلاصها من كل عمل قانوني تتخذه الإدارة ولو على نحو غير مباشر.

2 - موقف القانون السوري من طرق التخصيص:

نستنتج من المادة /90/ من القانون المدني السوري التي نصت على أنه « تعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص». إن المشرع السوري أخذ بنظريتي التخصيص، نظرية التخصيص الشكلي ونظرية التخصيص الفعلي أو الواقعي.

3 - الشروط القانونية لصحة التخصيص:

أ - يجب أن يرد التخصيص على مال مملوك ملكية خاصة لشخص عام: أما إذا كان المال المراد تخصيصه مملوكاً لفرد أو لشخص من أشخاص القانون الخاص فيجب لسلامة تخصيص هذا المال انتقال ملكيته مسبقاً إلى الدولة أو لغيرها من الأشخاص المعنوية العامة، فيلحق بأموالها الخاصة أولاً، ثم تقوم هذه الأشخاص بعد ذلك بتخصيصه للمنفعة العامة وذلك بالطرق المكسبة للملكية كالعقد أو الاستملاك أو الالتصاق أو التقادم.

ب - إظهار نية الإدارة في التخصيص: ينبغي أن تكون نية الإدارة صريحة أو ضمنية لا مجرد موقف سلبي منها، كتساهلها في  اقتطاع أهل قرية لقطعة أرض مملوكة للإدارة واستعمالها طريقاً عاماً، فهذا الموقف السلبي لا يعني تخصيص الإدارة لهذه الأرض للمنفعة العامة.

ج ـ- وجوب تحقق التخصيص من الناحية الفعلية أو الواقعية عندما يكون التخصيص شكلياً.

4 - فقدان المال العام الصفة العمومية:

إن مال الإدارة يصبح عاماً بتخصيصه للمنفعة العامة، وتزول عنه هذه الصفة عندما يزول عنه هذا التخصيص، ويتم ذلك وفقاً للمادة (91) من القانوني المدني السوري إما بقانون وإما بمرسوم وإما بقرار من الوزير المختص وإما بانتهاء الغرض الذي خصص من أجله للمنفعة العامة، ويترتب على ذلك تحول هذه الأموال من أموال عامة للإدارة إلى أموال خاصة لها وبالتالي خضوعها إلى النظام القانوني للأموال الخاصة الموجودة لدى فروع القانون الخاص، أي أن المشرع السوري أخذ أيضاً هنا بنظرتي زوال التخصيص الشكلي والقانوني.

ولكن لابد من الملاحظة هنا أنه إذا تم التخصيص بقانون فإن زوال التخصيص يجب أن يكون بقانون، ولابد أن تماثل الأداة القانونية أو الإدارية التي اتخذت أساساً للتعبير عن نية الإدارة في التخصيص الأداة القانونية أو الإدارية التي اتخذت لزوال التخصيص احتراماً لمبدأ المشروعية القانونية، وأن يعقب ذلك انتهاء فعلي للتخصيص.

ويتم انتهاء تخصيص المال للمنفعة بطريق فعلي أو واقعي إذا انتهى الغرض الذي من أجله خصصت تلك الأموال فعلياً.

ثالثاً: نطاق المال العام:

يعني نطاق المال العام وضع حدود للأموال العامة العقارية التي تسمى الأملاك العامة في هذه الحالة إذا كانت متاخمة للأموال الخاصة العقارية للأفراد التي تسمى «الأملاك الخاصة» في هذه الحالة. وفي هذا المجال لابد عند وضع حدود للأملاك العامة من التفريق بين الأملاك العامة الطبيعية، كالطرق العامة ومجاري الأنهار والشواطئ وغيرها والأملاك العامة المصطنعة بسبب إمكان إقامة دعوى تجاوز حدود السلطة بشأن عملية تحديد هذه الأملاك، فتعيين حدود الأملاك العامة الطبيعية هو عمل إظهاري وبالتالي فهو عمل كاشف للحق لا منشئ له، وليس للمتضرر سوى اللجوء إلى دعوى تجاوز حدود السلطة والمطالبة بالتعويض. أما تعيين حدود الأملاك العامة الاصطناعية فهو عمل منشئ للحق لا كاشف له، وبالتالي لابد للإدارة من اتخاذ موقف إيجابي لنشوء هذا الحق كأن تصدر قراراً إدارياً بذلك تحدد بمقتضاه الحدود الفاصلة بين أملاكها العامة والأملاك الخاصة المجاورة للأفراد من دون الحاجة إلى الطريق الاتفاقي بينهما ومن دون داعٍ إلى رفع دعوى تعيين حدود كما هو الحال عند تعيين الحدود الفاصلة بين الأملاك الخاصة للأفراد، ولكن يستطيع الأفراد أن يطلبوا من الإدارة عدم التعرض لأملاكهم الخاصة. وإن تجاوزت الإدارة حدود الأملاك الخاصة المجاورة لأملاكها العامة فإنها تكون ملزمة برد التجاوز؛ لأن ذلك يُعد غصباً لهذه الأملاك الخاصة، ولكن إذا كان الرد العيني مستحيلاً، كما لو تم إدخال العقار المغصوب في مشروع من مشروعات النفع العام فتبقى الإدارة ملزمة بالتعويض للمالك عن عمل غير مشروع أمام القضاء العادي، ويكون العمل الذي قامت به عملاً مادياً وليس عملاً إدارياً وهي ملزمة بالتعويض عن الأضرار الناجمة عنه وفق قواعد المسؤولية التقصيرية في القانون المدني، ولا علاقة لقواعد القانون الإداري بهذا التصرف إضافة إلى مطالبتها بأجور هذا الجزء المغصوب عن مدة الغصب إلى أن تصدر الإدارة قراراً باستملاك هذا الجزء.

رابعاً: حماية المال العام:

لضمان استمرار الأموال العامة في تأدية وظائفها في خدمة النفع العام قرر القانون لها حماية قانونية خاصة أكبر من الحماية التي قررها للأموال الخاصة للأفراد، وهذه الحماية القانونية مزدوجة؛ الأولى حماية مدنية، وبعضهم ينعتها بالحماية الإدارية، والثانية حماية جزائية وذلك كما يلي:

1- الحماية المدنية للمال العام:

تتلخص الحماية المدنية للمال العام في عدم جواز التصرف فيه أو اكتساب الحقوق العينية التبعية عليه أو الحجز عليه أو تملكه بالتقادم، وقد أشارت إلى ذلك صراحة الفقرة الثانية من المادة /90/ من القانون المدني السوري التي نصت على أن هذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، وبذلك أُخرج المال العام من نطاق التعامل القانوني المعترف به للملكية الخاصة للأفراد.

أ- عدم جواز التصرف في المال العام: لا يمكن تحقيق الغاية من تخصيص المال العام للمنفعة العامة مع السماح للإدارة بالتصرف بالمال العام بأي طريق من طرق التصرف القانونية كالبيع والرهن والهبة وغير ذلك من التصرفات التي تعارض  هذا التخصيص؛ لأن أي تصرف من هذا القبيل من شأنه إخراج هذا المال من دائرة تخصيصه للمنفعة العامة، ويسري هذا الحظر على جميع الأموال العامة سواء كانت عقارية أم كانت منقولة.

ويكون أي تصرف تقوم به الإدارة على المال لا يتفق مع تخصيصه للمنفعة العامة باطلاً بطلاناً مطلقاً؛ لأنه يتعلق بالمصلحة العامة وبالتالي لا يجوز للإدارة إجازته بالمستقبل، كما يعوض المشتري حسن النية عن ذلك، ولكن يرد على هذه القاعدة العامة الاستثناءات التالية:

¦يمكن انتقال المال العام بين أشخاص القانون العام.

¦ يجوز منح ترخيص مؤقت لبعض الأفراد لاستعمال المال العام استعمالاً خاصاً.

¦ يجوز إبرام عقد امتياز لاستغلال مرفق عام يكون محله مالاً عاماً أو أي عقد آخر.

¦يمكن التصرف بالمال العام بعد إلغاء تخصيصه للنفع العام وتحويله إلى مال إدارة خاص.

ب - عدم جواز الحجز على المال العام: لما كانت الأموال العامة لا يجوز التصرف فيها للحفاظ على تخصيصها للنفع العام فمن المنطقي ألا يجوز بيعها جبراً، وبالتالي لا يجوز توقيع الحجز على الأموال العامة أو اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري عليها؛ لأن الهدف النهائي من الحجز على الأموال عموماً هو استيفاء حق الدائن من ثمنها بعد بيعها قهراً في حال عدم الوفاء، وهذا الإجراء نوع من أنواع التصرف بالمال العام الذي لا يجوز أصلاً، فمن باب أولى أنه لا يجوز الحجز عليها.

كما يتفرع عن هذا المبدأ أنه لا يجوز ترتيب أي حق من الحقوق العينية التبعية على المال العام، كحق الرهن التأميني أو الحيازي أو حق الامتياز على الأموال العامة ضماناً للديون التي على السلطة الإدارية، وذلك لأن مثل هذه التأمينات العينية لا جدوى منها في تفضيل بعض الدائنين على بعضهم الآخر إلا بعد بيع أموال المدين جبراً، وهذا لا يجوز في المال العام لأنه لا يجوز بيعها أصلاً، كما أن الدولة من حيث المبدأ تجاه ديونها سواء لأفراد كانت أم شركات داخلية أم خارجية هي مدين مليء ولا خشية من امتناع الدولة عن دفع ديونها تهرباً أو عجزاً، فالدولة لا يمكن أن تفلس كما هو الحال لدى الأفراد، وهذا المنع يختلف عن السماح باستعمال المال الخاص بالترخيص أو لقاء أجور لأن هذا الحق على المال العام يكون مؤقتاً يمكن للإدارة أن تلغيه أو تسحبه متى رأت في ذلك يحقق المصلحة العامة.

ج - عدم جواز تملك المال العام بالتقادم: إن حكمة القاعدة التي تقضي بعدم جواز التصرف في المال العام هي منع انتقال ملكية المال العام للغير من الأفراد، والتقادم هو طريقة من طرق اكتساب ملكية المال إن كان منقولاً بالحيازة أو كان عقاراً غير محدد ومحرر فيمكن تملكه عن طريق وضع اليد مدة من الزمن، لذلك من باب أولى أنه لا يجوز للأفراد اكتساب ملكية المال العام بالتقادم بمرور الزمن لأن ذلك يعني انتقال ملكية المال العام إلى الأفراد واضعي اليد عليها وهو لا يجوز أصلاً.

وتعد هذه القاعدة أهم وسيلة لحماية هذه الأموال من الأفراد الذين يتعدون على المال العام عن طريق حيازته مدة من الزمن، ولأنها تحمي هذه الأموال من تلك الاعتداءات التي كثيراً ما يصعب اكتشافها  في الوقت المناسب خاصة إذا كان وضع اليد غير ملحوظ لوقوعه على جزء يسير من المال العام المجاور لعقار واضع اليد.

وهنا من واجب الإدارة إزالة هذا التعدي على المال العام مهما طالت مدته، كهدم الأبنية غير القابلة للتسوية المشيدة على الملك العام، والإنشاءات التي تقام على مجاري الأنهار.

كما أنه لا يجوز تملك الأموال العامة إن كانت منقولة بالحيازة عملاً بالقاعدة القائلة إن الحيازة في المنقول سند الحائز، فهذه القاعدة لا تسري على المال العام.

كما أن مبدأ الالتصاق الذي بمقتضاه تندمج الأموال الأقل قيمة في الأموال الأكثر قيمة لا تسري على المال العام كما تسري على المال الخاص، والقاعدة في هذا المجال أن أي التصاق للمال العام بالمال الخاص أن المال الخاص يتبع المال العام.

كما أنه يمكن أن تمتد الحماية المدنية للمال العام إلى أموال الدولة الخاصة من دون أن تلحق بها هذه الصفة.

2 - الحماية الجزائية للمال العام:

يشدد المشرع في كل الدول على ضمان الأموال ضد الاعتداء سواء كانت مملوكة للدولة أم للأفراد، وسواء كانت أموال الإدارة عامة أم خاصة، غير أن أموال الإدارة العامة تتمتع بحماية جزائية أكبر من الحماية التي تتمتع بها الأموال الخاصة نظراً لتخصيصها للنفع العام. فيشدد القانون عادة عقوبة الاعتداء عليها، ليس فقط في حالة الاعتداء العمدي بل أحياناً في حال الاعتداء الناشئ عن طريق الإهمال وعدم الحيطة والحذر، كما يضع العقوبات على مخالفة لوائح الضبط المتصلة بتنظيم استعمال الأموال العامة.

وقد حذى المشرع السوري هذا المنحى، حيث غلّظ العقوبات على الاعتداء على المال العام وأصدر قانوناً خاصاً بذلك سماه قانون العقوبات الاقتصادي الذي عنوانه الأبرز هو حماية المال العام حماية جزائية، فعاقب على اختلاس المال العام بالسجن مدة (من 5 إلى 15 سنة) أو على إساءة ائتمانه؛ في حين أن عقوبة السرقة الموصوفة في قانون العقوبات الموجهة لحماية الأموال الخاصة هي الاعتقال المؤقت بين (3-15 سنة)، كما عاقب بالمادة /10/ منه بالحبس من ستة أشهر إلى السنتين كل من يتسبب بالضرر بالأموال العامة نتيجة عدم المحافظة عليها أو إهمالها، كما عاقب كل من تعمّد إلحاق الضرر بالمال العام عن طريق التعاقد بالسجن مدة خمس سنوات.

كما يلاحظ أن المادة /716/ من قانون العقوبات السوري تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بالغرامة من مئة ليرة سورية إلى ثلاثمئة ليرة سورية لكل من ساهم أو خرّب قصداً الأبنية أو النصب التذكارية والتماثيل أو غيرها من الإنشاءات المعدة لمنفعة الجمهور أو للزينة العامة.

لابد من الملاحظة أن هذه الحماية قد تمتد إلى الأموال الخاصة ذات النفع العام، كما هو الحال في معاملة أموال الجمعيات السكنية في المرسوم التشريعي /17/ لعام 2007 - المتضمن قانون التعاون السكني - معاملة الأموال العامة نظراً للغاية التي تؤديها هذه الأموال في تأمين السكن التعاوني للمواطنين.

خامساً: استخدام المال العام:

qتخصص الأموال العامة إما لخدمة المرافق العامة وإما لخدمة الجمهور مباشرة. أما الأموال المخصصة لخدمة المرافق العامة فلا يستعملها الجمهور أو يستفيد منها إلا بطريق غير مباشرة من خلال الخدمات التي تقدمها هذه المرافق للجمهور، ويخضع استعمال هذه الأموال للقواعد التي تحكم المرافق المخصصة لخدمتها، فيتم استخدام هذه الأموال من قبل الأفراد خاصة، إما بناء على إذن مسبّق من الإدارة وإما بوساطة ترخيص من الإدارة. أما الأموال المخصصة لخدمة الجمهور مباشرة كالشوارع والشواطئ والطرق العامة والحدائق العامة فيخضع استعمال الجمهور لها لقواعد قانونية تختلف على حسب نوعية هذا الاستعمال.

1- الاستعمال الجماعي للمال العام: يكون استعمال المال العام جماعياً أو عاماً أو مشتركاً عندما يكون هذا الاستعمال مباحاً للجمهور في الوقت نفسه، ولا يحول استعمال البعض لهذه الأموال دون استعمال البعض الآخر لها، ولا يتطلب من المنتفعين لهذه الأموال سوى احترام الهدف من تخصيص هذه الأموال، ولا يغير من الصفة الجماعية للاستعمال اشتراط بعض الشروط التنظيمية في مستعمل هذه الأموال.

ويأخذ الاستعمال الجماعي للمال العام صوراً متعددة؛ منها دخول الأفراد إلى مكونات المال العام والتجول فيه والمكوث فيه مدداً مختلفة، أو الحصول على الثمار الطبيعية لهذا المال كصيد الأسماك في البحر الإقليمي والأنهار الداخلية.

ويقوم الاستعمال الجماعي للمال العام على ثلاث قواعد رئيسة هي:

أ - حرية الاستعمال: إلا أن هذه الحرية ليست ذات طابع مطلق، فهي تمارس في حدود عدم الإضرار بحرية الآخرين في ممارسة حقهم في استعمال هذه الأموال. والأصل أن يتم الاستعمال الجماعي للمال العام بمختلف صوره من دون إلزام بالحصول على ترخيص مسبق من الإدارة بذلك، إلا أن ذلك لا يمنع من فرض الإدارة شرط الحصول على ترخيص مسبق منها وذلك تحقيقاً لأهداف متصلة بتنظيم بعض صور الاستعمال التي قد تعرّض أمن الآخرين للخطر، كتنظيم إدارة المرور لاستخدام الشوارع أو فرضها الحصول على إجازة سوق استخدام السيارات على تلك الطرق.

ب - المساواة بين المنتفعين: فالأصل أن الجميع متساوون أمام القانون وهذا مبدأ دستوري حرصت على ضمانه الدساتير كافة، وبذلك يكون من حق الأفراد استعمال المال العام على قدم المساواة فيما بينهم من دون تمييز.

لكن هذه المساواة هنا ليست بالضرورة مساواة مطلقة بين المنتفعين بل مساواة نسبية، لذلك يمكن للإدارة في تنظيمها للشروط التنظيمية لاستخدام المال العام أن تخلق مراكز قانونية مختلفة الأسباب أو أخرى تتعلق بالمصلحة العامة - كالشروط التنظيمية التي تضعها الإدارة للانتفاع من مرفق التعليم - فالمهم هنا أن تكون هذه الشروط موضوعية تنظيمية كمنع ارتياد الذكور إلى بعض الحدائق العامة وقصرها على النساء والأطفال، ومنع بعض الشاحنات ذات الأحجام الكبيرة من المرور على بعض الشوارع أو الجسور.

جـ - مجانية الاستعمال: ويعني هذا المبدأ أن الاستعمال الجماعي للمال العام يجب أن يكون مجانياً من دون مقابل، ولكن هذا المبدأ لا يمنع الإدارة من فرض بعض الرسوم مقابل هذا الاستعمال، وفرض مثل هذه الرسوم يجب أن يكون استناداً إلى قانون يصدر من السلطة التشريعية منعاً للمغالاة في فرض الإدارة لهذه الرسوم وفي تحديد قيمتها، ومن الأمثلة الحديثة على فرض مثل هذه الرسوم الرسوم التي تفرضها الإدارة لقاء استخدام الطرق الرئيسة خارج المدن.

2 - الاستخدام الخاص للمال العام:

يقصد بالاستخدام الخاص للمال العام تخصيص جزء من المال العام لانتفاع فرد معين بذاته أو أفراد معينين بذاتهم بصفة مستمرة على نحو يؤدي إلى حرمان الآخرين من الانتفاع بهذا الجزء من المال العام كالأكشاك التي توضع على أرصفة الشوارع، ويتم ذلك عن طريق:

أ - الترخيص الإداري: حيث يتم هذا الاستخدام الخاص للمال العام بموجب ترخيص مسبّق من الإدارة المختصة، ويكون في هذه الحالة للإدارة سلطة تقديرية في منح هذا الترخيص أو حجبه وذلك لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، كما يكون لها الحق في إلغاء هذا الترخيص أو سحبه إذا خالف المرخص له شروط الترخيص أو لاعتبارات لها علاقة بالمصلحة العامة. وفي جميع الأحوال ينتهي هذا الاستعمال الخاص للمال العام بانتهاء مدته. والترخيص المسبق هنا هو الأداة الرئيسة والأكثر شيوعاً لاستخدام المال العام استخداماً خاصاً.

ب - العقد: وهذه هي الصورة الثانية للاستعمال الخاص للمال العام، إذ يستند هذا الاستخدام إلى عقد بين الإدارة المختصة والمنتفع.

وهذا العقد الذي يتم بموجبه الاستعمال الخاص للمال العام هو بالضرورة عقد إداري وينطبق عليه النظام القانوني للعقود الإدارية لأنه يتضمن بالضرورة شروطاً استثنائية غير مألوفة في مجال العقود المدنية بين الأفراد كحق الإدارة المختصة في تعديل نصوص هذا العقد بإرادتها المنفردة أو إلغائه تحقيقاً للمصلحة العامة أو فسخه، كاستغلال مقهى أو مطعم ضمن حديقة عامة أو على شاطئ البحر.

سادساً : الحجز لضمان الأموال العامة:

الحجز على أموال المدين - سواء كان احتياطياً أم تنفيذياً - هو وسيلة وضعها المشرع بيد كل دائن يتوسل فيها المحافظة على حقه المهدد بالضياع إذا توافرت لديه الشروط المبينة في القانون.

نظم قانون أصول المحاكمات السوري قواعد الحجز بنوعيه الاحتياطي والتنفيذي من أجل حماية حق الضمان العام للدائنين على أموال مدينيهم، وهو حق من واجب الدولة تأمينه لهؤلاء لما له علاقة بواجبها في صيانة الحقوق وسلطتها في إقرار الأمن المدني في المجتمع وتنظيمها للعلاقات بين أفراده، فحدد ذلك القانون القواعد الأصولية المتعلقة به، وحدد حالاته ومطرحه والقاضي المختص بالنظر فيه وطرق الاعتراض عليه وكيفية قصره وغيرها من القواعد التي كوَّنت في مجموعها نظرية متكاملة للحجز من أجل حماية الأموال الخاصة.

ولما كانت مظلة حماية المال العام أكبر وأوسع من حماية المال الخاص؛ لذلك من الطبيعي أن يضع المشرع قواعد لحماية الأموال العامة وصيانتها وحفظها من الضياع والهدر، ومنها: قواعد الحجز لضمان الأموال العامة؛ لما لهذه الأموال من دور مهم في تحقيق الأهداف والسياسات التي تضعها الدول لأنفسها؛ وما لها من دور في استمرار تقديم المرافق العامة للوظائف والحاجات التي وجدت من أجل تأمينها، لذلك كان لابد من إعطاء الإدارة امتياز إيقاع الحجز الاحتياطي والتنفيذي على أموال مدينيها.

وقد جرى تنظيم هذا الامتياز بموجب مجموعة من القوانين التي منحت الجهات الإدارية صلاحية إلقاء الحجز الاحتياطي والتنفيذي بالصفة المستعجلة نيابة عن القضاء من أجل تحقيق المصلحة العامة وحفاظاً على المال العام وتأمين حقوق الدولة تجاه الأفراد من الضياع، وقد صدر في هذا الإطار ثلاثة قوانين منح بموجبها الحق للجهات الإدارية بإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال الأفراد المدينين للدول:

الأول: منـح الإدارة حـق إلقاء الحجـز الاحتياطي الإداري على أموال الأفراد، وهو المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم (177) لعام 1969.

الثاني: منح الإدارة حق إلقاء الحجز الاحتياطي والتنفيذي على أموال الأفراد، وهو قانون الجهاز المركزي للرقابة المالية رقم (64) لعام 2003.

الثالث: منح الإدارة حق إلقاء الحجز التنفيذي على أموال المدين في إطار دور وزارة المالية في تحصيل الأموال العامة من ضرائب وغيرها، وذلك بموجب القانون رقم (341) لعام 1956.

1 - الحجز الاحتياطي في ظل المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 المعدل بالمرسوم التشريعي رقم (177) لعام 1969:

qأعطت المادة الأولى من هذا المرسوم التشريعي الصلاحية لوزير المالية باتخاذ التدابير التحفظية بإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى الموظفين (العاملين) والمحاسبين التابعين لجميع إدارات الدولة والمؤسسات العامة ذات الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي تأميناً للخسائر والأضرار التي يلحقونها بأموال الإدارات والمؤسسات المذكورة بسبب أخطائهم أو إهمالهم، وتشمل هذه الصلاحية الأموال العائدة إلى زوجات هؤلاء ما لم يثبتن أنهن اكتسبن تلك الأموال من مالهن الخاص.

كما شملت هذه الصلاحية الأموال العائدة إلى الأشخاص الذين ينسب إليهم بموجب تحقيقات رسمية اختلاس الأموال العامة أو إلحاق الضرر بها، وهي التحقيقات التي تجريها عادة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بموجب القانون رقم (24) لعام 1981 الذي يمكن أن يُلقى عند افتتاح التحقيق أو في أثنائه والذي يمكن أن يستغرق مدة طويلة.

وقد أعطيت هذه الصلاحية عند صدور هذا المرسوم التشريعي لوزير الداخلية فيما يتعلق بموظفي البلديات والمصالح البلدية والمشرفين على شؤونها، والتي انتقلت إلى وزير الإدارة المحلية منذ صدور قانون الإدارة المحلية رقم (51) لعام 1971 وإحداث وزارة الإدارة المحلية التي حلت محل وزارة الداخلية في الإشراف على الوحدات الإدارية ذات الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري.

qنصت المادة (5) من المرسوم التشريعي السابق ذكره على وجوب رفع الحجز الملقى من قبل وزير المالية أو الإدارة المحلية خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغ كل منهما حكماً قضائياً مبرماً يقضي ببراءة الموظف أو عدم مسؤوليته؛ أو منع الدوائر المالية أو البلدية من معارضة المحجوز عليه.

qمنعت المادة (6) من المرسوم التشريعي ذاته أي سلطة (ولو كانت قضائية) قبل اكتساب الحكم القضائي الدرجة القطعية أن ترفع الحجز الاحتياطي الملقى من قبل وزير المالية أو الإدارة المحلية (الداخلية سابقاً)، وأعطت هذه الصلاحية في ذلك الوقت إلى الوزير بناء على قرار من المجلس الاستشاري لوزارة المالية.

ويتبين من هذه النصوص أن هذا المرسوم التشريعي أعطى صلاحية إلقاء الحجز الاحتياطي لوزير المالية من أجل حماية المال العام، على الرغم من أن هذه الصلاحية في إطار علاقات القانون الخاص ممنوحة للقضاء وحده، إلا أن المشرع وجد أن الحفاظ على الأموال العامة من الضياع الناجم عن الخسائر التي يمكن أن يلحقها هؤلاء العاملون أو المحاسبون أو الغير بسبب أخطائهم أو إهمالهم أو تصرفاتهم تستدعي منح هذا الامتياز لوزير المالية من أجل الحفاظ على المال العام، ولكن يجب تفسير هذا النص على أن صلاحية وزير المالية تقف عند هذا الحد من دون أن يشمل إلزام العاملين أو المحاسبين أو الغير التضمينات، أي بدل الأضرار اللاحقة بالإدارة نتيجة تصرفات هؤلاء. ويبقى اختصاص إلقاء الحجز بشأنها للقضاء العادي الذي له الولاية العامة في ذلك؛ والذي يمكن أن يقضي بمنع معارضة المحجوز عليه فيما يخص هذه التضمينات، الأمر الذي يستتبع رفع الحجز الإداري الذي أوقعته الإدارة تأميناً لتحصيل هذه التضمينات.

والقضاء حين ينظر في مدى ترتيب التضمين وبالتالي في بقاء الحجز المالي أو إلغائه يفصل في أساس النزاع، فإذا تحلل المحجوز عليه من تبعة التقصير (جزائياً ومدنياً) استتبع ذلك رفع الحجز عنه عن بدل الأضرار اللاحقة بالإدارة وعن التعويض عن الضرر الناشئ عن الخطأ الذي ارتكبه المحجوز عليه والذي أوقع الحجز الاحتياطي تأميناً له.

ووزير المالية في هذه الحالة ينوب عن القضاء صاحب الولاية الشاملة بهذا الشأن وذلك بمقتضى هذا النص التشريعي الخاص، لذلك لم يعدّ الاجتهاد القضائي المستقر قرار وزير المالية بالحجـز الاحتياطي قـراراً إدارياً بل نيابة عـن القضاء، لذلك فإنه يبقى إلغاء هذا القرار من اختصاص القضاء العادي (لطفاً القرار رقم (1497) أساس (2013) الصادر عن الغرفة الرابعة لمحكمة النقض الصادر بتاريخ 20/12/1999 - مجلة المحامون العدد (807) لعام 2001 ص752)، وبالتالي فإن قرار وزير المالية في هذا الشأن يعد ذا صفة قضائية وليس ذا صفة إدارية، ولكنه يخضع للاعتراض عليه وفق أحكام المادة (5) من هذا المرسوم التشريعي وليس وفق القواعد العامة.

وبالتالي فقد حرم هذا المرسوم التشريعي السلطة القضائية المختصة من صلاحية الرقابة القضائية على سلطة الوزير في إلغاء مثل هذه الحجوز على نحو مستقل وربط ذلك بإصدار حكم ببراءة الموظف أو بعدم مسؤوليته عن الخسائر والأضرار التي يلحقها بالمال العام بخطئه أو إهماله، وهذا يحمل في طياته وفقاً للقواعد العامة واجباً على وزارة المالية أو الجهة التي حجز لأجلها أن تبادر إلى رفع الدعوى بأصل الحق خلال ثمانية أيام من تاريخ تنفيذ قرار الحجز بحق المحجوز عليه استناداً إلى المادة (312) وما بعد من قانون أصول المحاكمات، إلا أن المادة (6) من المرسوم التشريعي حين منعت أي سلطة من رفع الحجز الاحتياطي تكون قد عطلت النصوص المتعلقة بالاعتراض على الحجز الاحتياطي وضرورة رفع الدعوى من قبل الحاجز خلال ثمانية أيام من تنفيذ الحجز، وبالتالي أعطت السلطات الإدارية صلاحية الحجز الاحتياطي من دون أن تلزمها برفع الدعوى بأصل الحق خلال ثمانية أيام من تنفيذ الحجز بحق المحجوز عليه؛ وهذا فيه ضرر بيّن للمحجوز عليه، ولابد أن تلزم الإدارة برفع الدعوى بأصل الحق، شأنها شأن الأفراد في هذا الصدد تحت طائلة زوال أثر الحجز بحق المحجوز عليه ضمن هذا السقف الزمني يبدأ من تاريخ تنفيذ الحجز الاحتياطي بحق المحجوز عليه، ولكن لا يعني ذلك أنه لا يحق للمحجوز عليه الاعتراض على الحجز وفقاً للمادة (321) أصول أمام المحكمة المختصة أصلاً بالنظر في النزاع (إن لم ينظر أمام القضاء) بدعوى مستقلة أو بطريق الدفع بعدم أحقية الجهة الإدارية بالحجز أمام المحكمة الناظرة بأصل الحق وخلال المحاكمة، ويجب عدم تأجيل ذلك إلى حين صدور قرار مبرم من تلك المحكمة إن وجد المحجوز عليه أنه ليس هناك أي مستند قانوني لإلقاء هذا الحجز من قبل وزير المالية بحقه، ولابد أن يكون المستند هو الحالات التي حددها قانون أصول المحاكمات لطلب الحجز الاحتياطي بحق المدين في المواد (312-313-314) منه، فيبقى في هذه الحالة للقضاء العادي الحق في النظر في دعوى الاعتراض على الحجز الاحتياطي، ويبقى من واجب وزارة المالية أن تبين في قرار الحجز سبب الحجز وأن يكون ضمن الحالات الواردة في المواد السابق ذكرها، ولا يعفى الوزير من بيان سبب الحجز ولا يكتفي عند بيان هذا السبب أن يكون مستندها هو كتاب الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، فهذا لا يعدّ مستنداً قانونياً للحجز الاحتياطي (لطفاً قرار محكمة النقض الغرفة الثالثة رقم (2035) في الدعوى أساس (2501) تاريخ 23/7/2000، المنشور في موسوعة القضاء المدني للمحامي محمد أديب الحسيني، الجزء الأول، القاعدة رقم (2170)، ص777).

ووزارة المالية تتولى ممارسة هذا الحق إما أصالة لحماية مصلحة من المصالح المتعلقة بها مباشرة، أو إضافة إلى طلب تقدمت به إحدى إدارات الدولة أو مؤسساتها بناء على تقرير تفتيش أصولي يعتمد تحقيقاً باشرته الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بهدف حماية مصلحة هذه الجهة وأموالها العامة التي تعرّض لها المطلوب إيقاع الحجز الاحتياطي على أمواله أو أوشك على ذلك، ففي الحالة الأولى تصبح الوزارة هي الخصم والحكم وبالتالي يبقى للقضاء العادي حق الرقابة القضائية على سلطة وزارة المالية في إيقاع الحجز الاحتياطي إن كان فاقداً لأساسه القانوني أو كان فيه تجاوز أو انحراف في استخدام السلطة؛ من خلال الاعتراض على هذا الحجز الممنوح للمدين في قانون أصول المحاكمات وهذا الحق لا علاقة له بالسلطة الممنوحة للجهة التابعة لوزارة المالية المذكورة في المادة (6) من المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952، فسلطة وزير المالية في هذا الشأن ليست مطلقة بل مقيدة بضرورة توافر إحدى حالات الحجز الاحتياطي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات، ويبقى القضاء العادي هو المختص للنظر برفع الحجز الاحتياطي الصادر عن وزير المالية بحسبان أنه يقوم بإصدار قرارات الحجز الاحتياطي نيابة عن القضاء صاحب الولاية الشاملة بذلك (لطفاً القاعدة (2177) من المرجع السابق ص780).

في الحالة الثانية تقوم وزارة المالية بهذا الإجراء نيابة عن باقي إدارات الدولة ومؤسساتها، وتختلف هذه الحالة عن سابقتها في أنه يجب اختصام الجهة الإدارية التي ألقي الحجز الاحتياطي لمصلحتها إضافة إلى وزارة المالية، إلا أنه يجب عليها في جميع الأحوال أن تقيم الدعوى بأساس الحق خلال مهلة ثمانية أيام من تاريخ انتهاء التحقيق عندما تعترف الدعوى الجزائية بعدم مسؤولية المحجوز عليه عن ذلك الجرم (لطفاً قرار محكمة النقض الغرفة الثالثة رقم (2366) أساس (2760) تاريخ 23/8/2000، القاعدة (2125)، المرجع السابق، ص758).

2- الحجز في ظل المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2003 المتضمن قانون الجهاز المركزي للرقابة المالية:

صدر المرسوم التشريعي رقم (64) لعام 2003 وحل محل المرسوم التشريعي رقم (93) لعام 1967، وتضمن قانون الجهاز المركزي للرقابة المالية بحسبانه القانون الذي وضع الأحكام المتعلقة بهذا الجهاز واختصاصاته وصلاحياته وغيرها من الأحكام المتعلقة بالغاية التي أنشئ من أجلها والمتمثلة في تحقيق رقابة فعالة على أموال الدولة ومتابعة أداء الأجهزة الإدارية والاقتصادية لمسؤولياتها المالية، وقد منح رئيس الجهاز في هذا القانون في الفقرة /ب/ من المادة (24) منه صلاحية إلقاء الحجز ورفعه على أموال العاملين وغير العاملين في الدولة.

ويمكن ملاحظة ما يلي على هذه الصلاحية:

qإن لرئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية سلطة إلقاء الحجز بنوعيه الاحتياطي والتنفيذي وليس فقط سلطة إلقاء الحجز الاحتياطي كما هو الحال في سلطة وزير المالية في ظل المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 وتعديلاته، وبالتالي أصبح في ظل هذا القانون لرئيس الجهاز الحق في ممارسة سلطته التقديرية في تقرير أحقية إلقاء الحجز الاحتياطي والتنفيذي، وأصبحت سلطة وزارة المالية محصورة في تنفيذ هذا الحجز من دون ممارسة أي سلطة تقديرية في هذا المجال، وفي هذا توسع للسلطة الإدارية في منحها الحق في ممارسة سلطتها التقديرية في إلقاء مثل هذه الحجوز وتوسع في منحه هذه السلطة في إلقاء الحجز الاحتياطي والتنفيذي على السواء.

qإن رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية تجاوز في صلاحياته الصلاحيات الممنوحة لرئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش الذي لم يعطَ هذا الحق مباشرة بل يمارسه من خلال وزير المالية عن طريق رئيس مجلس الوزراء، والذي ليس له سوى الحق في طلب إلقاء الحجز الاحتياطي من دون التنفيذي عن طريق وزير المالية وليس مباشرةً.

3- الحجز في ظل القانون رقم (341) لعام 1956 وتعديلاته المتضمن قانون جباية الأموال العامة:

منحت المادة (6) والمادة (8) من هذا القانون لوزير المالية سلطة إلقاء الحجز التنفيذي وإنذار المدين بتسديد الضرائب المباشرة وغير المباشرة وجميع الذمم المستحقة الأداء للإدارات والمؤسسات العامة بمقتضى القوانين والأنظمة النافذة وبيع العين المحجوزة، وفي هذه الحالة يعد هذا القرار الصادر عن وزير المالية حجزاً تنفيذياً إدارياً تتمتع وزارة المالية بصدده بصلاحيات رئيس التنفيذ المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات، إلا أن قراراتها الصادرة بهذا الشأن لا تخضع لطرق الطعن التي تخضع لها قرارات رئيس التنفيذ لأنها ليست قرارات قضائية، وهذا يعني منع القضاء العادي من صلاحية النظر في رفع الحجز الملقى على المحجوز عليه بهذا الصدد، ويصبح اختصاص النظر فيها من اختصاصات محكمة القضاء الإداري بهيئة قضاء إداري وفقاً للمادة (8) من قانون مجلس الدولة السوري رقم (55) لعام 1959 والذي ليس له سوى النظر في طلب وقف تنفيذها إلى حين النظر بأصل الحق عندما ينظر في الأساس القانوني للتكليف، أو من اختصاص القضاء العادي عندما تكون قيمة النزاع أقل من مئة ألف ليرة سورية وفقاً للقانون رقم (1) لعام 2003 أو تبعاً لنظره بدعوى منع المعارضة المرفوعة من المحجوز عليه المقدمة ضد وزارة المالية.

كما أنه لابد من ملاحظة أن حق وزير المالية في إلقاء الحجز الاحتياطي والتنفيذي تبعاً للنصوص السابق ذكرها ينسجم مع القوانين النافذة التي أقرتها، إلا أن ذلك لم يعد ينسجم حالياً بالنسبة إلى الحجوز التي تطلب إيقاعها الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بموجب قانون إحداثها رقم (24) لعام 1981؛ لكونها هيئة مسؤولة عن حماية المال العام وتتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء وليس وزير المالية، فلابد أن يكون إلقاء الحجز على الأموال العامة من صلاحية رئيس مجلس الوزراء وليس وزير المالية. وحبذا لو تم توحيد هذه الصلاحية فتصبح من حق رئيس مجلس الوزراء بالنسبة إلى الحجوز التي يطلبها الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالنسبة إلى الحجوز الاحتياطية وحجب إيقاع الحجز التنفيذي عن رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية.

4 - الإشكالات الناجمة عن الحجز لضمان الأموال العامة:

إن هذه الإشكالات تتعلق بالأحكام والقرارات القضائية التي تصدر عن القضاء الجزائي بشأن الأشخاص المدعى عليهم بجرائم تتعلق بالأموال العامة والذين كان قد ألقي الحجز الاحتياطي أو التنفيذي على أموالهم من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية أو من قبل وزارة المالية مباشرةً تأميناً لحقوقها أو بناء على طلب من إدارة أو مؤسسة عامة أو بناء على طلب من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش: ومن أهم هذه الإشكالات ما يلي:

qقد يصدر عن القضاء الجزائي حكم مبرم يقضي ببراءة المحجوز عليه من الجرم المنسوب إليه والذي أقيمت الدعوى العامة بشأنه، وهذا الحكم يعني أن الفعل المعاقب عليه والذي حُركت الدعوى العامة بشأنه إما أنه لم يقع إطلاقاً، وإما لم يقم الدليل على أن المدعى عليه قد ارتكبه، وفي هذه الحالة يجب على المحكمة التي أصدرت الحكم أن تقرر رفع الحجز الاحتياطي الملقى على المدعى عليه إن كانت هي التي قررت إلقاء هذا الحكم أو كانت وثائق الحجز الاحتياطي موجودة في إضبارة الدعوى، وإذا سهت المحكمة عن تقرير رفع الحجز عند الحكم بالدعوى فإنه بإمكانها رفعه في غرفة المذاكرة. ولكن مع ذلك إن لم يصدر قرار برفع الحجز عن المدعى عليه مع الحكم ببراءته؛ فإن هذا الحكم يلزم وزارة المالية بإصدار قرار برفع الحجز عن المدعى عليه من دون العودة إلى الجهة التي طلبت إلقاءه لكونها ملزمة بذلك بموجب المادة (5) من المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 وتعديلاته، وذلك خلال ثلاثة أيام من تبلغها قرار المحكمة ببراءة المدعى عليه.

qإذا صدر حكم مبرم بالبراءة ولم تكن وثائق الحجز الاحتياطي الملقى من قبل وزارة المالية موجودة في إضبارة الدعوى؛ فيجب على وزارة المالية أن تقرر رفع الحجز الاحتياطي على المحجوز عليه بقرار منها استناداً إلى حكم البراءة بعد التأكد من أن الحكم بالبراءة يتعلق بالمحجوز عليه وبالوقائع ذاتها التي صدر قرار الحجز الاحتياطي بناء عليها من دون الحاجة إلى استطلاع رأي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو الإدارات والمؤسسات العامة التي طلبت من وزارة المالية إلقاء الحجز.

qإذا صدر عن القضاء الجزائي حكم مبرم بعدم مسؤولية المدعى عليه المحجوز عليه (أي إن الفعل المدعى بشأنه لا يؤلف جرماً) سواء كانت المحكمة هي التي ألقت الحجز الاحتياطي على أموال المدعى عليه أم كانت وزارة المالية، وسواء كانت وثائق الحجز موجودة في إضبارة الدعوى أم غير موجودة, فهذه الحالة تأخذ حكم الحالتين السابقتين وأمر رفع الحجز الاحتياطي من قبل وزارة المالية وجوبي بموجب المادة (5) من المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 وتعديلاته وليس لها أي سلطة تقديرية، فصحيح أن عدم المسؤولية يعني عدم تكامل عناصر الجرم الجزائي في الفعل المنسوب إلى المدعى عليه ولا يعني بالضرورة عدم مسؤوليته عن الأفعال التي ارتكبها على أساس المسؤولية المدنية التقصيرية وفق المادة (164) وما بعد من القانون المدني، فإن هذا لا يبرر بقاء الحجز الاحتياطي على أموال المحكوم له بعدم المسؤولية ولا يبرر سؤال الجهة التي طلبت الحجز قبل رفعه، بل على هذه الجهة أن تسارع إلى إقامة الدعوى المدنية لمطالبته بالتعويض والطلب إلى القضاء المختص بإلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله إما بدعوى مستقلة أمام قاضي الأمور المستعجلة وإما تبعاً لدعوى الأساس أمام المحكمة  المدنية المختصة؛ لأن استمرار بقاء الحجز في هذه الحالة فيه اعتداء على اختصاص القضاء العادي في تقدير أحقية الحجز من عدم أحقيته هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تقرير ذلك يحث الجهات العامة على اللجوء إلى الفعل الإيجابي للحفاظ على حقوقها. والواجب عليها القيام به للحفاظ على حقوقها لا الركون إلى حاجة المحجوز عليه إلى ذلك وتكليفه هو باللجوء إلى ذلك على الرغم من فقدان الأساس القانوني لاستمرار بقاء الحجز.

qإذا صدر حكم من قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة بمنع محاكمة المدعى عليه المحجوزة أمواله احتياطياً واكتسابه الدرجة القطعية؛ فإن هذا الحكم يوجب أيضاً على وزارة المالية التي قررت إلقاء الحجز الاحتياطي أن تعمد إلى رفعه أيضاً من دون الحاجة إلى استطلاع رأي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو غيرها من إدارات الدولة ومؤسساتها، ولو كان هذا الحكم لا يحوز أي حجية أمام القضاء المدني وأي حجية مؤقتة أمام القضاء الجزائي، ولا يجوز الاستمرار في بقاء الحجز الاحتياطي على أموال المحجوز عليه بانتظار تقديم أدلة جديدة من قبل الجهة الإدارية التي طلبت إلقاء الحجز الاحتياطي، ويجب على وزارة المالية رفع الحجز في هذه الحالة، ويمكن للإدارات العامة في حال حصلت على أدلة جديدة أن تطلب الحجز مجدداً وتحرك الدعوى العامة ضده مجدداً وليس استناداً إلى الأدلة السابقة، وإلا فيجب على وزارة المالية رفع الحجز ويمكن في هذه الحالة أن تلجأ الجهة الإدارية إلى القضاء المختص للنظر في الحجز على أساس المسؤولية المدنية التقصيرية.

qفي حال صدور قانون عفو عام أو خاص عن الجرم المدعى به على الشخص المحجوزة أمواله احتياطياً، في هذه الحالة لا يمكن رفع الحجز الاحتياطي قبل انتهاء الدعوى المدنية المرافقة لدعوى الحق العام الساقطة بالعفو العام وصدور حكم قطعي فيها، وبالتالي يجب على الجهة القضائية الناظرة بمثل هذه الدعاوى عدم التسرع بالفصل فيها وتشميلها بالعفو العام، بل لابد من البتّ بالجرم المنسوب إلى المدعى عليه المحجوز عليه، ومن ثم تشميل الجرم بالعفو العام لما يؤثر ذلك في تقرير رفع الحجز من عدمه.

qفي حال وفاة المدعى عليه المحجوزة أمواله احتياطياً فإن دعوى الحق العام تسقط بوفاته ويبقى للمتضرر إقامة دعوى بالتعويض على ورثة المتوفى لدى المحكمة المدنية، وبالتالي فإن الحجز الاحتياطي يجب أن يبقى قائماً على أمواله إلى حين البت بالدعوى المدنية أمام القضاء المدني بحكم قضائي مبرم إن لم تأخذ وزارة المالية أو الإدارة والوزارة المعنية صفة الادعاء الشخصي أمام القضاء الجزائي تبعاً لدعوى الحق العام.

qفي حال سقوط دعوى الحق العام عن المدعى عليه المحجوز عليه بالتقادم فإن دعوى الحق الشخصي تسقط أيضاً تبعاً لسقوط دعوى الحق العام، وهنا يجب القول: إن الذي يسقط تبعاً لدعوى الحق العام هو دعوى الحق الشخصي؛ أي دعوى التعويض عن الضرر الذي نجم عن الجريمة المرتكبة، أما حقوق الإدارة الأخرى كالحق في رد المال المختلس أو المال الضائع نتيجة الإهمال فهذه الحقوق لا تسقط بالتقادم بحسبان أن الحقوق المتعلقة بهذه الأموال سابقة في شأنها للجريمة المرتكبة، وبالتالي فإن الحكم الجزائي الذي يقضي بسقوط دعوى الحق العام والحق الشخصي بالتقادم لا يؤثر في الحجز الاحتياطي الملقى من وزارة المالية ضماناً للأموال المشار إليها.

qهنالك إشكالات تتعلق بإلقاء الحجز على أموال زوجات العاملين والمحاسبين والغير، فما هو مصير هذه الحجوز على أموال هؤلاء الزوجات إن وقع الطلاق أو التفريق بين الزوجين؟ حتى لو حكم على الزوج في الدعوى فإن استمرار الحجز على أموال تلك الزوجة في هذه الحالة فيه ضرر بينٌ عليها، ولابد لها أن تطلب إلى الجهة الاستشارية المختصة لدى وزارة المالية دراسة هذه الطلبات وأن تبت برفع مثل هذه الحجوز عليها إدارياً مادامت قد تأكدت بالوثائق الرسمية أنه تم الطلاق أو التفريق بين الزوجين من دون أي تحايل على القانون من أجل تهريب أموال الزوج المحجوز عليه المحكوم عليه من دون العودة إلى القضاء المختص في هذا المجال لما لهذه العودة من ضرر على هذه الزوجة، ولما فيها من تباطؤ في رفع الحجز على أموال هذه الزوجة في هذه الحالة. كما يجب رفع الحجز حتى في حال بقاء حالة الزوجية متى أثبتت الزوجة أن أموالها كسبتها لأسباب لا علاقة لها بزوجها وتصرفاته تجاه الإدارة.

 

مراجع للاستزادة:

 

- محمد فاروق عبد الحميد، المركز القانوني للمال العام، رسالة دكتوراه (جامعة القاهرة كلية الحقوق، عام 1983).

- عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الإداري (الدار الجامعية، بيروت 1986).

- فريد عقيل (الحجز الاحتياطي (دمشق 1993).

- المرسوم التشريعي رقم (12) لعام 1952 والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم (177) لعام 1969.

- القانون رقم (341) لعام 1956 المتضمن قانون جباية الأموال العامة.

- القانون رقم (64) لعام 2003 المتضمن قانون جباية الأموال العامة.

- القانون رقم (55) لعام 1959 المتضمن قانون مجلس الدولة.

- القانون رقم (1) لعام 1993.

- مجلة المحامون، الصادرة عن نقابة المحامين، دمشق، العدد7-8، لعام 2001.

- محمد أديب الحسيني، موسوعة القضاء المدني، الجزء الأول (مكتبة دارة اليقظة العربية، دمشق، الطبعة الأولى، 2002).

- J. M. DEVILLER, Cours de droit administratif  des biens, (Montchrestien, Paris, 1999).

 


- التصنيف : القانون المالي - النوع : القانون المالي - المجلد : المجلد الأول، طبعة 2009، دمشق - رقم الصفحة ضمن المجلد : 517 مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق