logo

logo

logo

logo

logo

الطلاق

طلاق

divorce - divorce

 الطلاق

الطلاق

أسامة الحموي

تعريف الطلاق ومشروعيته الصيغة التي يقع بها الطلاق
حكم الطلاق أقسام الطلاق وشروطه
الطلاق البدعي والسني "الحرام والحلال" الآثار التي تترتب على الطلاق
الطلاق والفسخ النيابة في الطلاق (التوكيل والتفويض)
 

شرع الله عز وجل الزواج وسيلة لأغراض، منها الاستقرار والتناسل، فجعله مؤبداً، واحتاط لدوامه واستمراره، فبناه على الرضا، وجعل له الخطبة مقدمة للتروي وحسن الاختيار. ولكن قد يعتري هذا الزواج ما يحول دون استمراره وتحقيق أهدافه.

فقد يكون أحد الزوجين عقيماً. وقد تتباين طبائع الزوجين، وتختلف أخلاقهما. وقد يتضرر أحد الزوجين من غياب الزوج أو الزوجة أو سجنه، وقد يكون أحد الزوجين مصاباً بمرض يحول دون الاستمتاع وإعفاف الطرف الآخر، أو مصاباً بمرض منفر… أو غير ذلك من الأمور التي تحول دون استمرار الحياة الزوجية من غير وقوع الظلم أو الضرر أو النفرة والخصام.

ولذلك شرّع الإسلام الطلاق وسيلة لرفع الظلم عن أحد الزوجين إذا استحكم الخلاف والخصام، بعد أن شرع كل الوسائل التي تضمن استمراره، كما شرع التحكيم حين وقوع الخلاف، فإذا أخفق كان لابد من الطلاق؛ لأنه يتعين وسيلة أخيرة لرفع الظلم، ودواءً ناجعاً إذا استحكم الخلاف والنفرة بين الزوجين، واستحالت الحياة الزوجية لأجل ذلك.

أولاً ـ تعريف الطلاق ومشروعيته:

1ـ تعريف الطلاق لغةً: هو حل القيد والإطلاق، ومنه ناقة طالق أي مرسلة، وأسير مطلق إذا حُلّ قيده، وخلي سبيله. لكن العرف خص معنى الطلاق في حل القيد المعنوي، وهو في المرأة (بمعنى: حل عقدة النكاح).

2ـ تعريف الطلاق في الشرع: هو حل قيد النكاح، أو حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه في الحال أو في المآل.

فحل عقدة النكاح في الحال يكون بالطلاق البائن، وأما في المآل فهو في الطلاق الرجعي بعد انتهاء العدة.

3ـ لا قيلولة في الطلاق: بمعنى أن الرجل إذا صدر منه الطلاق ووقع، فإنه لا يتمكن من الرجوع عنه بعد التلفظ به؛ لقول النبيr: "لا قيلولة في الطلاق".

4ـ مشروعية الطلاق وحكمته:

من القرآن: وردت آيات كثيرة تدل على جواز الطلاق، منها قول الله تعالى: }الطّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ (البقرة 229).

وقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ{ (الطلاق 1).

ومن السنة: أحاديث كثيرة منها: قول النبيr: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وقول النبيr: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق". وقال عمرt: طلق النبيr حفصة ثم راجعها.

وقد أجمع العلماء على مشروعية الطلاق، والعقل يؤيد ذلك؛ لأن الحياة الزوجية قد تفسد لأسـباب كثيرة، وقد تسـتحكم النَّفرة بين الزوجين والخصام، فيقع الظلم باستمرار الزواج على الزوجين أو أحدهما، ورفع الظلم والمفسدة الحاصلة عندئذٍ واجب، فاقتضى ذلك أن يُشرع الطلاق أو ما يزيل الزواج.

فالطلاق ضرورة لحل مشكلات الزوجين التي تستعصي على الحل، ومشروع للحاجة، ولذلك يكون مكروهاً عند عدم الحاجة لقول النبيr: "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق".

فالطلاق تشريع استثنائي، شرعه الإسلام للضرورة، بعد أن يستحيل أو يتعذر الإصلاح بين الزوجين، وبعد استنفاد كل الطرق الودية التي شرعها الله عز وجل لحل الخلاف بين الزوجين؛ من وعظ وإرشاد وهجر في المضجع وضرب غير مبرِّح بالسواك ونحوه ثم التحكيم.

قال الله عز وجل: }وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا{ (النساء 128).

وقال الله عز وجل: }وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا{ (النساء 35).

ولذلك لا يجوز الطلاق من دون سبب أو عذر مسوغ؛ لأن فيه قطعاً لمصالح النكاح التي شُرع لأجلها، والطلاق عندئذٍ موجب للإثم، وهو معصية؛ ولأن الزوج إذا طلق من دون سبب يكون قد تعسف في حقٍ ملَّكه إياه الشارع.

فإن استنفدت كل الطرق الشرعية للوئام بين الزوجين من معاشرة بالمعروف، ووعظ مع الصبر، ثم الهجر فالضرب غير المبرح، ثم التحكيم، ووقع بعدئذٍ الطلاق؛ فإنه يكون مشروعاً، ومع ذلك احتاط الشارع بأن جعل للزوجين سبيلاً للرجعة من جديد من دون عقد جديد لمرتين بعد الطلقة الأولى والثانية في العدة، وكذلك بعقد جديد بعد انتهاء العدة؛ تقديراً لما قد ينشأ من ندم عند الزوجين، بسبب وجود حمل، أو حياة العزلة والوحدة والانفراد، أو غير ذلك من أسباب الندم.

5ـ الطلاق بيد الرجل والحكمة منه: جعل الشارع الطلاق بيد الرجل وملكاً له، هذا هو الأصل، ولم يجعله بيد المرأة ولا بيد القاضي؛ حرصاً على بقاء الأسرة قائمة، ولِحكم جليلة، وأسباب تتفق مع نظام الأسرة في الإسلام.

فالرجل هو الذي يتحمل الأعباء المالية في عقد الزواج، فهو يدفع المهر، وتجب عليه النفقة الزوجية، ونفقة العدة، والمتعة.

وأعباء الزواج المالية التي يتحملها الزوج هي التي تحمله على التروي في إيقاع الطلاق. أما المرأة التي لم يُحملها الإسلام شيئاً من هذه الأعباء فهي أقل تروياً في إيقاع الطلاق بسبب عدم تضررها مالياً بالطلاق، كما أن المرأة أشد تأثراً بعاطفتها من الرجل، فلو ملكت الطلاق فلربما أوقعت الطلاق لأبسط الأسباب. ثم إن الإسلام على الرغم من جعله الطلاق بيد الرجل لم يظلم المرأة أبداً؛ إذ أباح لها أن تشترط في عقد الزواج عند إنشائه أن يكون الطلاق بيدها، كما أباح للزوجة أن تتفق مع زوجها على الطلاق بالتراضي لقاء بذل شيء من مالها لتملك أمر نفسها، وهذا ما يُسمى بالخلع في الفقه الإسلامي.

كما أباح الفقه الإسلامي للمرأة ـ إن تضررت من زواجها، أو وقع الظلم عليهاـ أن تطلب من القاضي التفريق من زوجها، كما في حالة سوء العشرة، أو وجود مرض منفِّر في الزوج، أو غيبة الزوج أو حبسه، أو لعدم الإنفاق.

وليس من الحكمة جعل الطلاق بيد المحكمة؛ أي بيد القاضي، فهذا يصادم المقرر شرعاً أولاً، ولأنه يؤدي إلى إفشاء الأسرار العائلية ونشر الفضائح الزوجية ثانياً؛ لأن الطلاق قد يكون لأسباب سرية لا يريد الزوجان إفشاءها، كما أنه ليس من الخير إعلانها، وفي ذلك نشر لقالة السوء عن المرأة؛ مما يؤدي إلى عدم زواجها مرّة أخرى، فإذا أصبح الطلاق بيد المحكمة انكشفت الأسرار الزوجية بنشر الحكم وتسجيل أسبابه في سجلات القضاء.

وإن البلاد الأوربية التي جعلت الطلاق بيد المحكمة فقط هو أمر شكلي، ففي الغالب يتم الطلاق متى أراد الزوج ذلك. ثم إن في اشتراطهم زنى الزوج أو الزوجة لإيقاع الطلاق منتهى القبح الأخلاقي؛ لأن الطلاق لا يتم إلا بادعاء الزنى أمام المحكمة. وهكذا يتبين أن الإسلام أقام توازناً حين أعطى حق الطلاق للرجل، ولكنه لم يجعل الرجل متحكماً في الزوجة بحيث لا تستطيع التخلص من زوجها في حال وقوع الضرر أو الظلم عليها حين أجاز التفريق القضائي في مثل هذه الحالات، أو الطلاق بالتراضي أي"الخلع".

6ـ حصر الطلاق بعدد: لما جعل الشارع الطلاق بيد الرجل؛ حدد الطلاق بعدد الثلاث، فملَّكه ثلاث طلقات على زوجته فقط في أثناء حياته الزوجية، بعد أن كان الطلاق قبل الإسلام غير محصور بعدد. فإذا أراد الرجل أن ينتقم من زوجته جعلها معلَّقة لا هي متزوجة ولا مطلقة، فكان يطلق زوجته حتى إذا شارفت عدتها على الانتهاء راجعها إلى عصمته، وهكذا يجعلها معلَّقة طوال حياتها، فلما جاء الإسلام قيد الطلاق الذي ملَّكه للزوج على زوجته بعدد الثلاث، فأعطاه الفرصة مرّتين بعد الطلاق الأول والثاني في مراجعة نفسه وإرجاع زوجته إلى عصمته إن وجد نفسه أنه طلقها من غير سبب وجيه، أو عذر مقبول، وكيلا يجعلها ألعوبة بيده؛ حرَّمها عليه بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره؛ لأنه إن علم أنها ستحرم عليه بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره دفعه ذلك للتروي وعدم إيقاع الطلاق بلا سبب مقبول له.

قال الله تعالى: }الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ (البقرة 229).

قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلق، وهي امرأته؛ إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مئة أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبداً، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك حتى إذا دنا أجلك راجعتك، فأتت رسول اللهr فذكرت ذلك لـه".

فأنزل الله عز وجل: }الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ (البقرة 229).

وقد دلت الآية على أن عدد الطلاق الذي يملكه الزوج على زوجته ثلاثة، وبذلك حمى الإسلام المرأة من الظلم والضرر الذي كان يلحق بها.

ثانياً ـ حكم الطلاق:

ذهب الحنفية إلى أن الطلاق مباح للإطلاق الوارد في الآيات التي ذكرت الطلاق كقوله تعالى: }لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاء{ (البقرة 236).

وقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ{ (الطلاق1).

ولأن النبيr طلق حفصة من دون ريبة، وفعله الصحابة الكرام. وأما حديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"، فقالوا المراد بالحلال: ما يشمل المباح والمندوب والواجب والمكروه. ولكن الأصح حظر الطلاق وكراهته ومنعه إلا لسبب أو عذر مقبول. وقد رجح ابن عابدين هذا الرأي.

وقال جمهور العلماء: إن الطلاق جائز ومشروع، لكن الأولى عدم ارتكابه، وتعتريه الأحكام الأربعة من حرام ومكروه وواجب ومندوب. والأصل أنه خلاف الأولى عند عدم المسوغ له.

والخلاصة: إن الأصل في الطلاق الكراهة والحظر من غير سبب؛ لأن النبيr يقول: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"؛ ولقولهr: "إن الله عز وجل لا يحب الذواقين ولا الذواقات"؛ ولأن في الطلاق قطعاً للمصالح التي أرادها الشارع من الزواج، وإيذاءً للزوجة وأهلها وأولادها.

أما إن كان الطلاق لسبب مسوغ له؛ فيكون عندئذٍ مندوباً أو واجباً أو حراماً أو مكروهاً. وأما طلب المرأة للطلاق من دون سبب مقبول فهو حرام باتفاق العلماء لقول النبيr: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (رواه الطبراني).

ثالثاً ـ الطلاق البدعي والسني "الحرام والحلال":

إن الأصل في الطلاق الحظر لا الإباحة، فلا يُشرع الطلاق إلا لحاجة، وحينما جعل الشارع الطلاق بيد الرجل لم يترك له الحرية في طريقة إيقاع الطلاق، ولكنه رسم له حدوداً، وبيَّن الطريقة المشروعة في إيقاعه.

أ ـ الطلاق البدعي (المحرم): يكون الطلاق حراماً ولكنه يقع في الأحوال الآتية:

ـ في حالة الحيض: لأنه زمن النفرة بين الزوجين، وهذا قد يدفع الزوج لإيقاع الطلاق دون سبب مسوِّغ، كما أنه حرام؛ لأنه يؤدي إلى إطالة العدة على المرأة المطلقة فيه؛ لأن القرء لا يتجزأ، فلا تحسب الحيضة التي طلقها فيها من العدة نفسها.

ـ الطلاق في زمن النفاس للعلة المذكورة في الحيض.

ـ الطلاق في طهر جامعها فيه: لأن المرأة قد تحمل من هذا الجماع، ثم يستبين حملها بعد الطلاق، فيلحق الزوج الندم.

 ـ أما الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث، أو الطلاق المفرَّق ثلاث مرات في طهر واحد، فقد اختلف العلماء فيه. فذهب الشافعية والحنابلة في الراجح عندهم إلى أنه ليس بدعياً ولا محرماً. وذهب الحنفية والمالكية ومتأخرو الحنابلة: ابن تيمية وابن القيم إلى أنه طلاق بدعي ومحرم، ويؤيد رأيهم ما رواه النسائي عن محمود بن لبيد قال: أُخبِر رسول اللهr عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضبان، ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم"، حتى قام رجل، فقال يا رسول الله: ألا أقتله" (رواه النسائي).

ب ـ الطلاق السني (المباح): ويكون في الحالات الآتية:

 ـ طلاق المرأة قبل الدخول، لقوله تعالى: }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُن{ (البقرة 236).

ـ طلاق المرأة الحامل.

ـ الطلاق في طهر لم يمسها فيه.

والدليل على ذلك: أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبيr، فقال: "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً".

وفي رواية عنه: "أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبيr، فتغيظ فيه رسول الله، ثم قال: ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله تعالى".

وهذا معنى الآية: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّة{ (الطلاق 1) ومعنى }فطلقوهن لعدتهن{ أي مستقبلات عدتهن.

قال ابن عباسt: "الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام، فأما اللذان هما حلال: فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع، أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها، وأما اللذان هما حرام: فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها بعد جماع، لا يدري، أشتمل الرحم به على ولد أم لا". ويتحصل من ذلك أن طلاق السنة المباح الذي لا إثم فيه هو ما توافرت فيه شروط ثلاثة:

أن يكون الطلاق لحاجة أو سبب مقبول.

أن يكون الطلاق في طهر لم يمسها فيه.

أن يكون مفرقاً ليس بأكثر من واحدة.

والطلاق البدعي يقع على المرأة باتفاق الأئمة الأربعة. وخالف في ذلك الشيعة وابن تيمية وابن القيم وابن حزم، فقالوا: لا ينفذ الطلاق البدعي، ولا يقع لقول النبيr: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه الشيخان. والطلاق في حال الحيض مخالف لأمر الشارع فيكون مردوداً، والمردود لا أثر له.

والطلاق المشروع في الفقه الإسلامي على أنواع، وهي: "طرق انحلال الزواج":

إما أن يكون طلاقاً بالإرادة المنفردة (من الزوج).

وإما أن يكون باتفاق الزوجين، وهو (الخلع).

وإما أن يكون بحكم القاضي (التفريق القضائي).

أو يكون الطلاق بحكم الشرع والقانون.

رابعاً ـ الطلاق والفسخ:

إن طرق إنهاء عقد الزواج قد يكون بالطلاق أو الفسخ.

والطلاق: هو إنهاء الحياة الزوجية بالتطليق، أما الفسخ: فهو إزالة ما يترتب على العقد من أحكام، ويكون الفسخ لخلل صاحب نشوء العقد، كالعقد غير اللازم، فللولي أو الزوجة حق طلب الفسخ، وقد يكون الفسخ لخلل طرأ على العقد بعد نشوئه صحيحاً.

الفرق بين الطلاق والفسخ: هناك فروق جوهرية بين الطلاق والفسخ، أهمها ما يأتي:

الطلاق إنهاء لعقد الزواج، أما الفسخ فهو نقض للعقد.

الفسخ يقطع الرابطة الزوجية في الحال، أما الطلاق فقد يقطع الرابطة الزوجية كالفسخ كما في الطلاق البائن، وقد يكون الطلاق رجعياً لا يقطع الرابطة الزوجية إلا بعد انقضاء العدة.

الطلاق قد يكون بائناً لا رجعة فيه، وقد يكون رجعياً، أما الفسخ فهو فرقة بائنة لا رجعة فيها.

الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج، أما الفسخ فلا ينقص عدد الطلقات.

الطلاق لا يكون إلا في عقد صحيح، أما الفسخ فيكون في العقد الفاسد والصحيح.

خامساً ـ الصيغة التي يقع بها الطلاق:

1ـ الطلاق الصريح والكنائي: الطلاق يكون بلفظ صريح أو كنائي.

والصريح: هو كل لفظ لا يستعمل إلا في الطلاق لغة، والطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، ولا خلاف بين الفقهاء في وقوع الطلاق باللفظ الصريح وإن اختلفوا في تعداد الألفاظ الصريحة في الطلاق.

فقال المالكية: إن الصريح في الطلاق هو لفظ الطلاق فقط. وقال الحنفية: إن كل لفظ لا يستعمل إلا في حل عقدة الزوجية فهو صريح في الطلاق سواء دل على ذلك في أصل وضعه اللغوي أم العرفي. وقال الشافعية والحنابلة: إن اللفظ الصريح هو لفظ الطلاق وما اشتق منه.

ولفظا الفراق والسراح من الألفاظ الصريحة عندهما لورودهما في القرآن.

قال الله تعالى: }الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ{ (البقرة 229). وقال تعالى: }وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِن سَعَتِهِ{ (النساء 130). وقال سبحانه: }فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً{ (الأحزاب 28).

أما الطلاق الكنائي فيكون بألفاظ الكناية، وألفاظ الكناية هي الألفاظ التي تدل على معنى الطلاق ومعانٍ أخرى، كقوله: أنت حرة، أنت خلية، أو اعتدي، استبرئي رحمك، الحقي بأهلك، والطلاق بهذه الألفاظ لا يقع إلا بالنية، فإن قال الزوج: نويت الطلاق وقع الطلاق. وإن قال: لم أنوِ الطلاق فلا يقع.

وقد ذهب جمهور العلماء ـ ومنهم الأئمة الأربعة ـ إلى وقوع الطلاق بالألفاظ الكنائية؛ إن نوى الزوج بها الطلاق، وأضاف الحنفية والحنابلة دلالة الحال في وقوع الطلاق بالألفاظ الكنائية، وقالوا: إن دلالة الحال تقوم مقام النية، فإذا أوقع الزوج الطلاق بلفظ كنائي في حالة الغضب أو الخصومة؛ دل ذلك على نية الطلاق، فيقع الطلاق ولا حاجة إلى السؤال عن نية الزوج. بيد أن الفقهاء اختلفوا في أثر الطلاق بالألفاظ الكنائية: هل هو رجعي أو بائن. فذهب الحنابلة والشافعية إلى أن الطلاق الكنائي يقع رجعياً. وذهب المالكية والحنفية إلى وقوعه بائناً في الغالب؛ أي في غالب الألفاظ الكنائية لا كلها.

2ـ ما يقوم مقام اللفظ في الطلاق: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع بالكتابة البينة الواضحة كما يقع باللفظ، مع وقوع الخلاف فيما بينهم في اشتراط النية في الكتابة أو عدم اشتراطها. والقاعدة الفقهية تنص على أن (الكتاب كالخطاب)، كما ذهب جمهور الفقهاء لهذا يقع الطلاق من الأخرس بإشارته المفهومة الدالة على الطلاق.

سادساً ـ أقسام الطلاق وشروطه:

ينقسم الطلاق باعتبارات مختلفة: فهو ينقسم من حيث الصيغة إلى صريح وكناية، وقد تم بيانه.

وينقسم من حيث الحل والحرمة إلى سني وبدعي، وقد تم بيانه. وينقسم من حيث الرجعة وعدمها إلى رجعي وبائن. كما ينقسم من حيث التنجيز والتعليق والإضافة إلى منجز ومعلق ومضاف إلى المستقبل.

1ـ الطلاق الرجعي والطلاق البائن:

الطلاق الرجعي: هو الطلاق الأول والطلاق الثاني ما دامت الزوجة في العدة، وسُمي هذا الطلاق رجعياً؛ لأن الزوج يستطيع إرجاع زوجته إلى عصمته بعد الطلاق دون عقد جديد، ودون رضاها. فهو يستطيع مراجعتها بكلمة، كأن يقول لها: أنت زوجتي، أو راجعتك إلى عصمتي، أو ما شابه ذلك من الكلام.

فإذا انتهت عدة الزوجة بعد الطلاق الأول أو الثاني أصبح الطلاق بائناً بينونة صغرى. والطلاق البائن بينونة صغرى لا يستطيع الزوج إرجاع زوجته إلى عصمته بإرادته المنفردة، بل بعقد جديد، ومهر جديد، ورضاها. وللطلاق البائن بينونة صغرى صور أخرى ستذكر في مكانها، بيد أن الفقهاء قد اتفقوا على أنه من الطلاق البائن بينونة صغرى:

ـ الطلاق على مال.

ـ الطلاق قبل الدخول.

والطلاق البائن ينقسم إلى نوعين: طلاق بائن بينونة صغرى وقد تم بيانه، وطلاق بائن بينونة كبرى، وهو الطلاق المكمل للثلاث باتفاق العلماء، ولا يوجد صورة أخرى للطلاق البائن بينونة كبرى سوى هذه الصورة.

والطلاق البائن بينونة كبرى لا يستطيع الزوج إرجاع زوجته إلى عصمته ولو بعقد جديد، بل لا بد من أن تتزوج زوجاً آخر دون تواطؤ مع زوجها الأول، ويدخل بها دخولاً حقيقياً، ثم يطلقها، أو يموت عنها، فإذا انتهت عدتها حلت لزوجها الأول؛ لقول الله تعالى: }الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ…٭ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَه{ (البقرة 229ـ032).

فالأصل في الطلاق أن يكون رجعياً، واتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق البائن يكون في ثلاث حالات، وهي:

الحالة الأولى: الطلاق قبل الدخول: (بائن بينونة صغرى) لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{ (الأحزاب 49).

الحالة الثانية: الطلاق على مال: (بائن بينونة صغرى) لأن المرأة تدفع مالاً لتملك أمر نفسها، ولا تملك نفسها إلا بالطلاق البائن.

الحالة الثالثة: الطلاق المكمل للثلاث: (بائن بينونة كبرى).

وقد أضاف الحنفية إلى الطلاق البائن بينونة صغرى الحالات الآتية:

إذا وصف الزوجة بالبينونة، كما لو قال لزوجته: أنت طالق طلقة بائنة.

إذا طلق زوجته بلفظ كنائي.

إذا شبه الطلاق تشبيهاً يدل على البينونة، كقوله: أنت طالق طلقة كجبل.

إذا قرن الطلاق بأفعل تفضيل تدل على البينونة، كما لو قال لزوجته: أنت طالق أشد الطلاق.

2ـ حكم الطلاق الثلاث:

الطلاق الثلاث: هو ما كان بلفظ الثلاث دفعة واحدة، أو ما كان مكرراً باللفظ ثلاث مرات في مجلس واحد، كقوله: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقد اختلف الفقهاء في حكمه على رأيين.

الرأي الأول: لجمهور الفقهاء؛ ومنهم الأئمة الأربعة، ذهبوا إلى وقوعه ثلاث طلقات. والرأي الثاني: لابن تيمية وابن قيم الجوزية ذهبوا إلى وقوعه طلقة واحدة فقط.

ثم إن الحكمة التي لأجلها جعل الشارع المرأة المطلقة ثلاث مرات لا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تتزوج غيره، ثم يطلقها دون تواطؤ سابق؛ هي أن وقع ذلك على النفوس الكريمة شديد، وفي هذا ما يمنع الزوج من إيقاع الطلقة الثالثة دون سبب مسوَّغ، أو استحالة بقاء الزوجية قائمة.

3ـ الطلاق المنجز والمعلق والمضاف إلى مستقبل:

ينقسم الطلاق من حيث الصيغة التي تستعمل في وقوعه إلى طلاق منجز، وطلاق معلَّق، وطلاق مضاف إلى المستقبل.

الطلاق المنجز: هو ما قصد به الحال، ويسمى الطلاق المعجل. كقوله لامرأته: أنت طالق أو طلقتك، ولا خلاف بين الفقهاء في صحة وقوع الطلاق المنجز، وتترتب عليه آثاره بمجرد صدوره من الزوج.

أما الطلاق المضاف إلى المستقبل: فهو ما أضيف حصوله إلى وقت في المستقبل، كقوله: أنت طالق غداً، أو آخر الشهر الفلاني.

وقد ذهب جمهور الفقهاء ـ ومنهم الأئمة الأربعة ـ إلى وقوع الطلاق المضاف إلى المستقبل عند مجيء أول جزء من أجزاء الزمن الذي أضيف إليه الطلاق.

أما الطلاق المعلَّق على شرط: فهو ربط وقوع الطلاق على حصول أمر آخر بأداة من أدوات الشرط مثل إذا وإن ومتى ونحوها.

كقوله لامرأته: إذا دخلت دار فلانة فأنت طالق، أو إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ونحو ذلك.

وقد اختلف الفقهاء حول الطلاق المضاف والمعلق على شرط، فذهب جمهور الفقهاء ـ ومنهم الأئمة الأربعة ـ إلى وقوع الطلاق المضاف إلى المستقبل عند مجيء الزمن الذي أضيف إليه الطلاق؛ ووقوع الطلاق المعلق عند حدوث الأمر الذي عُلق عليه.

وذهب الظاهرية والشيعة الجعفرية إلى عدم وقوع الطلاق غير المنجز سواء كان معلقاً أم مضافاً إلى المستقبل.

وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى عدم وقوع الطلاق المعلق إن قصد به الحلف أو المنع أو التهديد، وينعقد يميناً، ويخرج الزوج كفارة اليمين عند الحنث به.

أما إذا نوى الزوج بالتعليق الطلاق؛ فقد ذهب ابن تيمية إلى أنه إذا كان الطلاق أشد كراهة إلى الشخص من ذلك الأمر المعلق عليه؛ فإن التعليق بمعنى اليمين بالطلاق، فلا يقع الطلاق.

 أما إذا كان الأمر المعلق عليه أشد كراهة عنده من الطلاق، وكان يريد وقوع الطلاق فيقع الطلاق.

4ـ شروط الطلاق:

أ ـ شروط المطلِّق: يشترط في الزوج المطلِّق أن يكون مكلفاً؛ أي بالغاً عاقلاً، وأن يكون مختاراً، فلا يقع طلاق الصبي والمجنون، كما لا يقع الطلاق من الرجل قبل الزواج. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الولي لا يملك حق الطلاق نيابة عن الصغير أو المجنون، وأجاز المالكية ذلك إذا دعت المصلحة أو الضرورة.

 ب ـ شروط المطلقة: يُشترط في المرأة المطلقة ـ لصحة الطلاق ووقوعه عليهاـ أن تكون زوجته حقيقة أو حكماً. والزوجة الحقيقية: هي التي يربط بينها وبين زوجها عقد زواج صحيح، أما عقد الزواج الفاسد: فلا طلاق فيه، بل يجب فسخه عن طريق القاضي حالاً. فالزوج لا يملك الطلاق في العقد الفاسد. أما الزوجة حكماً فهي المعتدة من طلاق رجعي، وكذلك المعتدة من طلاق بائن بينونة صغرى. أما المرأة غير المعتدة فلا يقع عليها الطلاق. كما لو طلق الزوج زوجته قبل الدخول، وأرد أن يُوقع عليها طلقة ثانية فلا يتكرر عليها الطلاق ولا يقع؛ لأنها بانت من الطلقة الأولى ولا عدة عليها، فلا يقع عليها الطلاق مرةّ ثانية.

والذين أوقعوا الطلاق المتكرر ـ وهم جمهور الفقهاء ـ قالوا بصحة وقوع الطلاق في العدة، فما دامت الزوجة معتدة يقع عليها الطلاق.

وأما الفقهاء الذين قالوا بعدم وقوع الطلاق المتكرر إلا واحدة ـ وهم ابن تيمية وابن القيم والشيعة الجعفرية ـ فقالوا بعدم وقوع الطلاق في العدة إذا لم يراجع الزوج زوجته.

ج ـ شروط الصيغة في الطلاق (عبارة الطلاق): اتفق العلماء على اشتراط القصد في الطلاق، وهو النية، أي يشترط إرادة التلفظ بالطلاق، ولو لم ينوه، فلا يقع الطلاق من الأستاذ الذي يُعلم تلاميذه أحكام الطلاق مهما كرر لفظه على لسانه، كما لا يقع الطلاق ممن يحكيه عن غيره أو عن نفسه؛ لأنه لم يقصد الطلاق، أي: لم يقصد معناه. وكذلك لا يقع الطلاق من النائم والمغمى عليه بسبب عدم القصد. وسيُبحث تحت هذا الشرط صور أخرى، منها:

5ـ طلاق المكرَه: أما طلاق المكرَه فلا يقع عند جمهور الفقهاء، وقال الحنفية بوقوعه. وقد استدل جمهور الفقهاء على عدم وقوعه بما يلي:

بقوله تعالى: }مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ{ (النحل 106).

قالوا: إذا سقط الإثم عن المكره على الكفر، ولم يُحكم بكفره؛ فمن باب أولى سقوط حكم ما هو أدنى من الكفر بالإكراه.

كما استدلوا بقولهr: "إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". فدل الحديث على أنه لا حكم مع الإكراه. واستدلوا بما روي عن عمر بن الخطابt أن رجلاً سأله وقد طلق زوجته مع الإكراه، فقال عمرt: "ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق".

وهذا الرأي هو الراجح لقوة أدلته.

في حين استدل الحنفية على وقوع طلاق المكره بما يلي:

بعمومات القرآن، فالآيات الواردة في الطلاق عامة، ولم تفرق بين حالة وأخرى.

كما استدلوا بقولهr: "كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون"، فدل على أن طلاق المكره جائز.

ثم إنهم قاسوا طلاق المكره على طلاق الهازل في أنه قصد اللفظ، ولم يقصد الأثر المترتب عليه، ولا يشترط الحنفية وجود القصد في الطلاق، وبما أن طلاق الهازل يقع، فكذلك طلاق المكره.

6ـ طلاق السكران: "السكران": هو الذي وصل إلى درجة التخليط في كلامه وعدم الوعي. والسكران لا يقع طلاقه باتفاق العلماء إذا سكر سكراً غير محرم، كمن شرب المسكر لضرورة، أو مكرهاً، أو طلق خلال البنج، أو شرب وهو يظن أن الشراب غير مسكر، أو شرب دواءً فسكر، فهو معذور لعدم الوعي والإدراك.

أما السكران بمحرم فقد ذهب جمهور العلماء إلى وقوع طلاقه، وقال بعض الفقهاء: لا يقع طلاق السكران؛ لأنه فاقد الإدراك والعقل، فلا تصح تصرفاته؛ لأنه كالمجنون. ففي كل مذهب أقوال بعدم وقوع طلاق السكران.

والأئمة الأربعة الذين قالوا بوقوع طلاقه، قالوا: يقع طلاقه عقوبة لـه وزجراً عن ارتكاب مثل هذه المعصية.

ولا شك في أن طلاق النائم لا يقع؛ لأنه فاقد الإرادة والإدراك، فتصبح عبارته ملغاة؛ ولا قيمة لها، ومثله المغمى عليه.

7ـ طلاق الغضبان والمدهوش: طلاق الغضبان واقع؛ لأن الغضبان مكلف في حال غضبه ومؤاخذ بما يصدر عنه من أفعال كالقتل أو الكفر أو أخذ مال الغير، وكذلك طلاقه إذ لا يخلو إيقاع طلاق من غضب في الغالب. أما المدهوش ـ وهو الذي أصابه حالة انفعال شديد حتى أصبح لا يدري ما يفعل أو يقول بسبب شدة الغضب أو الخوف أو الحزن ـ فلا يقع طلاقه لقولهr: "لا طلاق في إغلاق". فالمدهوش بسبب الغضب الذي لا يقع طلاقه هو حالة خاصة ونادرة، وهو الذي بلغ به الغضب الشديد مبلغاً أصبح معه لا يميز بين الأشياء التي أمامه.وقد نصت المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه: "لايقع طلاق السكران ولا المدهوش ولا المكره".

 8ـ على من يقع الطلاق: لا يقع الطلاق إلا على الزوجة، فالزوجة هي محل الطلاق، فلا يقع الطلاق إلا على الزوجة في عقد زواج صحيح، أو المعتدة من طلاق رجعي، أما المرأة في العقد الفاسد فلا يقع عليها الطلاق؛ لأن الزوج لا يملك الطلاق في العقد الفاسد؛ ولأن العقد الفاسد واجب الفسخ، وكذلك المعتدة من طلاق بائن إذا انتهت عدتها لا يقع عليها الطلاق.

كما يفهم من الكلام السابق أن طلاق غير المتزوج لا يقع، كما لو قال رجل عَزَب: إن تزوجت فزوجتي طالق، فإذا تزوج لا يقع طلاقه؛ لأن الطلاق عند صدوره لم يصادف محله وهو الزوجة؛ ولأنه صدر من الرجل قبل أن يملكه. ولقولهr: "لا طلاق من قبل النكاح، ولا عتق قبل ملك".

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن طلاق السفيه المحجور عليه واقع باتفاق العلماء؛ لأن موضع الحجر هو تصرفاته المالية.

9ـ طلاق الهازل: "الهازل" هو من قصد اللفظ دون معناه. وطلاق الهازل واقع باتفاق الأئمة الأربعة؛ لأنه أتى بلفظ الطلاق الصريح، فلا يحتاج إلى نية. فالهازل يقصد اللفظ دون الأثر، ولا يُشـترط لوقوع الطلاق الرضا بالأثر. واستدلوا بحديث النبيr: "ثلاث جدّهن جدّ، وهزلهن جدّ: النكاح، والطلاق، والرجعة" وفي رواية: "والعتاق".

ولأن الهازل أتى بالسبب، وهو لفظ الطلاق، فيترتب الحكم على اللفظ، وهو الطلاق؛ لأن ترتيب الأحكام على أسبابها للشارع لا العاقد.

والقصد من وقوع طلاق الهازل إبعاد الناس عن اللعب بهذه الألفاظ؛ لخطورة هذه العقود، وخطورة آثارها. وقال بعض المالكية بعدم وقوع طلاق الهازل، وإلى ذلك ذهب الظاهرية والجعفرية.

10ـ طلاق المخطئ أو من سبق لسانه: المخطئ هو من سبق لسانه لفظاً لا يقصده، وهنا هو من أراد أن يتكلم بغير الطلاق، فزل لسانه، ونطق بالطلاق من غير قصد، كمن أراد أن ينادي زوجته، فقال لها: أنت طالق. وقد اختلف العلماء في حكم طلاقه، فذهب الحنفية إلى وقوع طلاقه؛ لأن القصد ليس شرطاً في صحة وقوع الطلاق، قياساً على الهازل؛ ولأن الخطأ أمر خفي لا يُعرف إلا من صاحبه، ولذلك يقع قضاءً، ولا يقع ديانة فيما بينه وبين الله تعالى.

وذهب جمهور العلماء إلى عدم وقوع طلاق المخطئ؛ لأنه لم يقصد اللفظ ولا الأثر خلافاً للهازل الذي قصد اللفظ، ولم يقصد الأثر.

سابعاًـ الآثار التي تترتب على الطلاق:

أ  ـ آثار الطلاق الرجعي:

اتفق العلماء على أن الطلاق الرجعي تترتب عليه الآثار الآتية:

 نقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج، فإذا طلق الأولى بقي له على زوجته طلقتان، وإذا طلق الثانية بقي لـه واحدة، فالطلاق الرجعي ينقص عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.

بقاء رابطة الزوجية قائمة خلال فترة العدة، فالطلاق الرجعي لا يرفع حكم الزواج ما دامت العدة قائمة.

إمكان المراجعة في العدة: فيحق للزوج في الطلاق الرجعي مراجعة زوجته ما دامت العدة قائمة، دون حاجة إلى عقد جديد، كما لا يحتاج إلى رضا زوجته؛ لقوله تعالى: }وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا{ (البقرة 228).

انتهاء الرابطة الزوجية بانتهاء العدة: إذا انتهت عدة المطلقة الرجعية بانت من زوجها بينونة صغرى، ووجب لها مؤخر صداقها.

تجب نفقة العدة للمعتدة من طلاق رجعي على زوجها إلى حين انقضاء العدة.

يجب التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما والزوجة في عدة الطلاق الرجعي، لبقاء الزوجية قائمة خلال العدة.

المرأة المعتدة من طلاق رجعي يقع عليها الطلاق من زوجها، ويلحقها ظهاره وإيلاؤه ولعانه؛ لأنها لا تزال زوجة له خلال العدة.

لا تستحق المرأة المطلقة رجعياً مؤخر صداقها إلا بعد انقضاء عدتها.

ب ـ آثار الطلاق البائن بينونة صغرى: يترتب على الطلاق البائن بينونة صغرى الأحكام الآتية:

نقصان عدد الطلقات التي يملكها الزوج.

يقطع الرابطة الزوجية في الحال بعد صدور الطلاق خلافاً للطلاق الرجعي. فيحرم على الزوج الاستمتاع بها والخلوة بعد الطلاق مباشرة.

وإذا كان التفريق بين الزوجين تفريقاً قضائياً، وكانت الفرقة بائنة؛ فإن الفرقة تقع من تاريخ الحكم الابتدائي لا من تاريخ حكم محكمة النقض.

لا توارث بين الزوجين إن مات أحدهما خلال فترة العدة، لانقطاع الحياة الزوجية بينهما من تاريخ صدور الطلاق.

إذا أراد الزوج العودة إلى زوجته؛ فلا بد من عقد جديد ومهر جديد ورضا الزوجة، سواء حصل ذلك خلال العدة أم بعد انتهائها.

يجب مؤخر المهر للزوجة فور صدور الطلاق، ولا تحتاج الزوجة إلى الانتظار إلى انتهاء العدة.

ج ـ  آثار الطلاق البائن بينونة كبرى:

تحرم الزوجة على زوجها بمجرد صدور الطلاق، لزوال الرابطة الزوجية بينهما مباشرة عقب الطلاق، ولا يجوز بعده للزوج الخلوة بزوجته.

لا يحل للزوج أن يُرجع زوجته إلى عصمته ولو بعقد جديد، حتى تنقضي عدتها، وتتزوج زوجاً آخر دون تواطؤ أو اتفاق سابق معه، ويدخل بها فعلاً، فإذا طلقها زوجها الثاني دون إكراه أو مات عنها وانتهت عدتها؛ جاز لزوجها الأول العقد عليها من جديد.

لا توارث بين الزوجين، ولو مات أحدهما خلال العدة لانقضاء الزوجية بينهما؛ إلا إذا كان الطلاق طلاق فرار، وذلك إذا طلقها في مرض الموت ومات وهي معتدة.

يجب مؤخر الصداق للزوجة بعد صدور الطلاق البائن بينونة كبرى، ولا تنتظر حتى انقضاء العدة.

واختلف العلماء فيما لو طلق الزوج زوجته طلقة واحدة أو اثنتين، ثم تزوجت من آخر وطلقها واعتدّت عدتها الشرعية، وأراد زوجها الأول العودة إليها، فعقد عليها عقداً جديداً، فهل تعود إليه بحل جديد، ويملك عليها ثلاث طلقات، أو يعود إليها بالحل السابق، ولا يملك سوى ما تبقى له عليها من طلقات. فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنها تعود إلى زوجها الأول بحل جديد، فيملك عليها ثلاث طلقات لأن زوجها الثاني هدم الطلقات الأولى من زوجها الأول، وقياساً على من طلقها زوجها ثلاثاً ثم تزوجت زوجاً آخر.

وذهب الشافعي ومحمد من الحنفية إلى أنها تعود إلى زوجها الأول بما بقي له عليها من طلقات.

11ـ حكم طلاق المريض مرض موت ومن في حكمه (طلاق الفرار):

مرض الموت هو المرض الذي يعجز الإنسان معه عن القيام بمصالحه وأعماله المعتادة خارج البيت، وهو الذي تعجز المرأة معه عن القيام بالأعمال المعتادة في بيتها بشرط ألا يزيد المرض على سنة ويتصل بالموت.

وإن كان المرض في ازدياد ثم اتصل بالموت؛ فهو من مرض الموت وإن تجاوز السنة، ويُلحق بمرض الموت كل حالة يغلب فيها الهلاك على الإنسان كالمحكوم عليه بالإعدام، وسيق لتنفيذ الحكم، وكراكب سفينة أوشكت على الغرق.

فمرض الموت هو الذي تتوافر فيه الشروط الآتية:

أن يكون من الأمراض التي يغلب فيها الهلاك عادة (أي أن يكون من الأمراض المميتة).

أن يسبب المرض للمريض العجز عن القيام بأعماله اليومية.

أن يتصل الموت به خلال سنة، إلا إذا كان المرض في ازدياد، ثم اتصل به الموت.

وحكم تصرفات المريض مرض موت تعدّ موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاته لتعلق حقهم بالتركة منذ نشوء المرض، ولا يصح تبرعه إلا بثلث التركة.

12ـ حكم طلاقه (طلاق الفرار):

سمى الفقهاء طلاق المريض مرض موت بطلاق الفرار، فطلاق الفرار هو طلاق المريض مرض موت إن طلق زوجته طلاقاً بائناً من غير رضاها؛ لأن الطلاق البائن يقطع الزوجية، فيحمل طلاقه في هذه الحالة على نية حرمانها من ميراثها منه وقصده. وهذا الطلاق اختلف الفقهاء في إرث الزوجة فيه من زوجها على قولين:

الأول: لجمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة): قالوا: ترث الزوجة فيه من زوجها؛ معاملة له بنقيض مقصوده.

الثاني: قول الشافعي في الجديد: إنها لا ترث منه؛ لانقطاع آثار الزوجية بالطلاق البائن، والميراث لا يثبت بعد زوال سببه، وهو عقد الزواج.

واستدل جمهور الفقهاء بالأثر والمعقول:

أما الأثر: فما روي عن عثمانt: أنه ورَّث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف الذي كان قد طلقها في مرضه، فبتَّها. وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكر عليه أحد، فكان إجماعاً منهم.

وأما المعقول: وهو أن طلاقها في مرض الموت طلاقاً بائناً من غير رضاها يدل على قصد حرمانها من الميراث، فيعامل بنقيض مقصوده، كما يُعامل القاتل إذا قتل مورثه بحرمانه من الميراث، فتورث الزوجة منه دفعاً للضرر عنها.

13ـ أما لو طلقها برضاها فلا ترث منه لعدم وجود مظَنَّة الفرار من الميراث بهذا الطلاق.

14ـ شروط الميراث في طلاق الفرار: يُشترط في طلاق الفرار لترث الزوجة من زوجها الشروط الآتية:

أن يطلقها في مرض الموت طلاقاً بائناً؛ لأن الطلاق الرجعي يثبت فيه الميراث باتفاق العلماء لأنه لا يقطع الزوجية.

أن يكون طائعاً غير مكره.

ألا يكون الطلاق برضا الزوجة، أما إن طلبت الزوجة طلاقها من زوجها طلاقاً رجعياً فطلقها طلاقاً بائناً؛ عُدّ طلاق فرار، فترث منه الزوجة إذا مات وهي في العدة. وأما إن كان الطلاق برضاها فلا يثبت لها الميراث؛ لأنه ليس بطلاق فرار.

أن تقع الوفاة قبل انتهاء عدة الزوجة (وهذا عند الحنفية خاصة).

أن تستمر أهلية الزوجية قائمة للميراث من وقت الطلاق إلى وقت الوفاة. فإن لم تكن أهلاً للميراث وقت الطلاق بأن كانت كتابية وهو مسلم، فلا يثبت لها الميراث، وكذلك لو كانت مسلمة وقت الطلاق ثم ارتدت فإنها لا ترث.

أن يكون الطلاق بعد الدخول الحقيقي، فإذا حصل الطلاق قبل الدخول فلا ترث الزوجة؛ لأنه لا يعدّ طلاق فرار، ولأن العدة لا تجب بهذا الطلاق.

15ـ طلاق المرأة المريضة مرض موت:

وأما إن حصلت الفرقة بين الزوجين بسبب من الزوجة، كما لو كانت مفوَّضة (أي بالطلاق)، أو كانت عصمتها بيدها، فطلقت نفسها وهي مريضة مرض موت، وكان الطلاق بائناً؛ فإن زوجها يرث إذا ماتت وهي في العدة.

أما لو مات زوجها فلا ترث منه؛ لأنها لم تفارقه بناء على رغبته ورضاه.

16ـ وقت الإرث في طلاق الفرار:

أما إذا مضت العدة من طلاق فرار، ثم ماتت الزوجة بعد ذلك، فلا ميراث لها من زوجها الذي مات قبلها بانتهاء العدة عند الحنفية؛ لأنه لم يبق بينهما علاقة زوجية، وأصبحت كالأجنبية عنه. وقال المالكية: إنها ترث منه وإن انقضت عدتها وتزوجت؛ لأن سبب توريثها فراره من الميراث، وهذا المعنى لا يزول بعد انقضاء العدة. وقال الحنابلة: ترث منه وإن انقضت عدتها ما لم تتزوج.

ومن الطبيعي أن يتفق الفقهاء على توريث المرأة من زوجها المريض مرض الموت إن مات وهي معتدة من طلاق رجعي منه؛ لأن الطلاق الرجعي لا يقطع الزوجية باتفاق الفقهاء. كما أن المطلقة في حال الصحة من زوجها لا ترث منه إذا انقضت عدتها بالإجماع.

كما اتفق الفقهاء على أن الرجل إذا طلَّق زوجته في مرض الموت، ثم ماتت الزوجة، لا يرثها زوجها وإن ماتت في العدة.

والخلاصة: إن وقعت الفرقة بين الزوجين من جهة الزوجة أو بسبب منها وهي في حالة مرض الموت ونحوه من الأحوال التي يغلب فيها الهلاك، فإنها تعدّ فارة من ميراث زوجها في هذه الحالة، فتعامل بنقيض مقصودها، فيرث زوجها منها إن ماتت خلال العدة، أما هي فلا ترث منه إذا مات ولو كانت في العدة.

17ـ الطلاق التعسفي (الطلاق من دون سبب):

التعسف: هو إساءة استعمال الحق بحيث يؤدي إلى ضرر بالغير.

تعريف الطلاق التعسفي: هو الطلاق بلا سبب أو عذر شرعي مبرر.

فإذا طلّق الزوج زوجته دون عذر أو سبب شرعي مقبول فيعدّ متعسفاً في هذا الحق الذي ملكه إياه الشارع؛ لأن الشارع لم يملِّك الزوج الطلاق لإيقاعه دون عذر أو سبب، وإنما ملَّكه للزوج من أجل إيقاعه في الحالات التي يتعذر معها بقاء الزوجية دون ظلم أو ضرر يقع على أحد الزوجين أو عند استحكام النفرة والخلاف بين الزوجين.

موقف الفقهاء من الطلاق التعسفي:

الراجح عند جمهور العلماء أن الطلاق دون سبب مكروه، والأصل فيه الحظر لا الإباحة؛ لأن فيه قطعاً لمصالح الزواج وهدماً للأسرة وضياعاً للأولاد.

 وقد رجح هذا الرأي المحققون من العلماء كابن عابدين من الحنفية ورجحه الشافعية.

وذهب الحنفية إلى أنه مباح للإطلاق الوارد في الآيات الواردة في الطلاق }لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلّقْتُمُ النِّسَاءَ{ (البقرة 236) }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ{ (الطلاق1).

ولأن النبيr طلق حفصة من دون ريبة، وفعله الصحابة الكرام.

ولكن قواعد الشريعة والعدالة والإنصاف وحرص الشارع على بقاء الأسرة قائمة واضحة في أحكام الزواج والطلاق ترجح ما ذهب إليه جمهور العلماء، ومن أن الأصل في الطلاق التعسفي الكراهة والحظر إلا لسبب معقول ومقبول شرعاً ولقولهr: "أبغض الحلال عند الله الطلاق". فإذا كان الطلاق لسبب أو عذر شرعي مقبول، فتعتريه الأحكام الأربعة، فيكون عندئذٍ واجباً أو مندوباً أو حراماً أو مكروهاً.

وقد نص القانون السوري في المادة (117) معدلة على ما يلي: "إذا طلق الرجل زوجته، وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة؛ جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة تعسفه ودرجته بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال".

فالقانون السوري يفرض على الزوج تعويضاً في حالة طلاق زوجته من دون سبب، إذا كانت الزوجة ستصاب بفاقة وبؤس، ويقدر القاضي هذا التعويض بحسب حالة تعسفه ودرجته، بحيث لا يتجاوز هذا التعويض مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهرياً بحسب مقتضى الحال.

فالطلاق التعسفي وهو الطلاق من دون سبب، يوجب التعويض بثلاثة شروط:

1ـ أن يكون الطلاق بلا سبب معقول.

2ـ أن يصيب الزوجة من جراء ذلك بؤس وفاقة (فقر).

3ـ ألا يكون الطلاق برضا الزوجة أو بناءً على طلبها؛ لأن هذا يُعدّ سبباً من الأسباب المعقولة.

ومستند هذه المادة من الشرع هو ما ذهب إليه الفقهاء من إيجاب المتعة على الزوج المطلق، والعمل بمبدأ السياسة الشرعية العادلة الذي يمنع ظلم المرأة وتعريضها للفاقة والحرمان بسبب من الزوج.

كما أن التعويض في حالة الضرر الواقع بسبب التعسف في استعمال الحق أمر تقره قواعد الشريعة التي توجب إزالة الضرر.

18ـ موقف العلماء من المتعة للمطلقة:

أمر القرآن الزوج بإعطاء المطلقة المتعة زيادة على حقها في المهر ونفقة العدة والسكن، فقال سبحانه: }وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين{ (البقرة 241).

فاتفق العلماء على مشروعية المتعة لكل مطلقة، ولكنهم اختلفوا في حكمها هل هو الوجوب أو الندب؟ فذهب الحنفية إلى وجوب المتعة في حالة واحدة، وهي للمطلقة قبل الدخول إذا لم يتم تسمية مهر لها؛ لقوله تعالى: }لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ{ [البقرة 236].

وتستحب المتعة عند الحنفية لكل مطلقة سوى هذه المذكورة.

وللمالكية قولان أحدهما بالندب، والثاني بالوجوب لكل مطلقة. والراجح الندب إلا المطلقة قبل الدخول التي لم يُسمَّ لها مهر.

وقال الشافعية: تجب المتعة لكل مطلقة عملاً بالأمر الوارد في القرآن، وعند الحنابلة ثلاث روايات: الأولى بالوجوب لكل مطلقة، والثانية بالندب، والثالثة كالحنفية أنها تجب للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسمَّ لها مهر، وهذه الرواية هي الراجحة عندهم، على أن المتعة تستحب في مذهبهم لكل مطلقة غير المفوضة التي لم يفرض لها مهر.

وقوله تعالى: }مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ{ أي إن تقدير المتعة متروك لسلطة القاضي تبعاً للعرف. ثم إن المادة (117) من القانون التي أوجبت التعويض للمطلقة من دون سبب؛ لم تفرق بين المطلقة بعد الدخول أو قبل الدخول، ما دامت قد أصيبت من جراء ذلك بفاقة وفقر؛ لأن التعسف قد يوجد في الحالتين. وما ذهب إليه القانون في المادة (117) هو عين العدل؛ لأن قواعد الشريعة توجب رفع الضرر وإزالته حين وقوعه، ولا يزول هنا إلا بالتعويض.

وللقاضي أن يجعل هذا التعويض دفعة واحدة أو مقسطاً على أشهر؛ وذلك بحسب حالة الزوج المادية. وإن على الزوج أن يثبت أن طلاقه كان لسبب معقول. والقانون ترك للقاضي تقدير ذلك بعد الاطلاع على أحوال الزوجين وظروفهما التي أدت إلى الطلاق، فإن وجد القاضي أن السبب كان معقولاً رد على الزوجة دعوى التعويض، وإن وجد العكس حكم على الزوج بالتعويض.

ثامناً ـ النيابة في الطلاق (التوكيل والتفويض):

الإنابة في الطلاق تقع عن طريق التوكيل أو التفويض، فالزوج الذي يملك الطلاق يملك التوكيل فيه؛ لأن القاعدة في ذلك أن «كل من ملك تصرفاً جاز له التوكيل فيه»، والتفويض نوع من التوكيل. فإذا كان الشخص الذي أنابه عنه في الطلاق غير الزوجة سُمي توكيلاً، وإن كانت الإنابة للزوجة سُمي تفويضاً.

والوكيل بالطلاق مجرد سفير عن الموكل، فلا يُطالب بشيء من آثار الطلاق كدفع مؤخر المهر ونفقة العدة، وإنما يُطالب بها الزوج.

ـ والفرق بين التوكيل والتفويض، أن التوكيل يجوز الرجوع عنه من الزوج متى أراد، وأما التفويض فهو تمليك، فلا يملك الزوج الرجوع عنه، فتملك الزوجة به الطلاق، كما يبقى حق الزوج معه قائماً في الطلاق.

وتفويض الزوج زوجته قد يكون عند إنشاء عقد الزواج أو بعد تمامه في أثناء قيام الحياة الزوجية.

فإذا حدث التفويض عند إنشاء العقد؛ فهو شرط صحيح عند الحنفية، ويصح معه العقد، وتملك الزوجة معه حق تطليق نفسها، وله صورتان: الأولى صحيحة، وهي ما إذا بدأت الزوجة الإيجاب، واشترطت أن يكون أمر طلاقها بيدها، ثم قبل الزوج؛ صح العقد والشرط.

كما لو قالت المرأة لرجل يحل لها شرعاً أمام شاهدين: زوجتك نفسي على أن طلاقي بيدي: أطلق نفسي متى شئت، فقال الزوج قبلت.

أما الصورة الثانية فباطلة، وهي ما إذا صدر الإيجاب والتفويض من الزوج قبل العقد، كأن يقول: تزوجت فلانة على أن طلاقها بيدها تطلِّق نفسها متى أرادت، فقالت الزوجة أمام شاهدين: قبلت؛ صح العقد وبطل الشرط، أي التفويض؛ لأن التفويض تمليك الزوج لزوجته الطلاق، وقد صدر عن الزوج قبل أن يملك الطلاق؛ لأنه صدر عنه قبل تمام العقد، فيصح العقد، ويبطل التفويض.

أما التفويض في أثناء قيام الزوجية، أي إذا حدث بعد العقد، فيصح بكل عبارة تفيد معناها، كأن يقول لها: طلِّقي نفسك، وهذا صريح في التفويض، أو يقول لها: أمرك بيدك، وينوي الطلاق بذلك، أو يقول لها: اختاري نفسك، وهذا كناية في التفويض، فكان لابد من نية الطلاق من الزوج.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ القرآن الكريم.

ـ ابن كثير، تفسير ابن كثير (دار الفكر، بيروت).

ـ محمد بن يزيد القزويني، سـنن ابن ماجه، تحقيـق محمد فؤاد عبد الباقي (دار الفكـر، بـيروت).

ـ سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (دار الفكر، بيروت).

ـ محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين (دار إحياء التراث العربي، بيروت).

ـ علي بن عمر الدارقطني، سنن الدارقطني، تحقيق السيد عبد الله هاشم (دار المعرفة، بيروت).

ـ مصطفى عبد القادر العطا، المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (دار الكتب العلمية، بيروت).

ـ الزيلعي، نصب الراية (دار التراث العربي، بيروت، ط/2).

ـ الشوكاني، نيل الأوطار (دار الجيل، بيروت 1973).

ـ محمد أمين بن عمر، رد المحتار على الدر المختار، حاشـية ابن عابدين، ط2 (دار الفكر، بيروت، والمطبعة الأميرية 1315هـ).

ـ المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي (دار الكتب العلمية، بيروت).

ـ الكاشاني، بدائع الصنائع، ط1 (دار الكتاب العربي، بيروت).

ـ عبد الغني الغنيمي الميداني، اللباب شرح الكتاب (دار الحديث، بيروت).

ـ الكمال بن همام، فتح القدير (ط/5، الأميرية، 1315هـ).

ـ ابن جزيء، القوانين الفقهية (المكتبة الثقافية، بيروت).

ـ الدردير، الشرح الكبير على مختصر خليل.

ـ ابن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (دار الفكر، بيروت).

ـ الحطاب، مواهب الجليل شرح مختصر خليل (دار الكتب العلمية).

ـ إبراهيم بن علي الفيروزآبادي الشـيرازي، المهذب، تحقيق محمد الزحيلي (دار الفكر، بيروت، و ط/ دار القلم).

ـ الخطيب الشربيني، مغني المحتاج (دار الفكر).

ـابن قدامة المقدسي، المغني (دار الكتاب العربي، بيروت 1983م).

ـ ابن قيم الجوزية، زاد المعاد.

ـ ابن تيمية، فتاوى ابن تيمية (طبع الرياض).

ـ ابن حزم، المحلى (دار الآفاق الجديدة، بيروت).

ـ الحلي، المختصر النافع (وزارة الأوقاف، القاهرة).

ـ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام (بغداد، د.ت).

ـ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر).

ـ النووي، المجموع شرح المهذب للنووي (المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د.ت).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 50
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 509
الكل : 31809364
اليوم : 8907