logo

logo

logo

logo

logo

قانون زرع الأعضاء والتبرع بها

قانون زرع اعضاء وتبرع بها

law of organ transplantation and donation - loi de la transplantation et de la donation d'organes

 قانون زرع الأعضاء والتبرع بها

قانون زرع الأعضاء والتبرع بها

فواز صالح

 

حسنات القانون الجديد لعام 2003 ومساوئه

التبرع بالأعضاء وزرعها بين الأحياء

التبرع بالأعضاء من جثة ميت

 

قد يبدو للوهلة الأولى أن مسألة زرع الأعضاء والتبرع بها حديثة نسبياً، ولكن الإنسان عرف زرع الأعضاء منذ القديم. فقد عرف المصريون القدماء عمليات زرع الأسنان، ومن ثم أخذ الرومان واليونان عنهم معارفهم في هذا المجال. ومارس الأطباء المسلمون أيضاً مثل هذه العمليات منذ القرن العاشر الميلادي. وأول زرع للعين مارسه الرسول الكريم محمدr، إذ تروي كتب السُّنة أن قتادة بن النعمانt، أصيبت عينه في معركة بدر، وفي رواية أخرى في معركة أُحد، فندرت حدقته فأخذها بيده إلى النبيr فأخذها النبيr وأعادها إلى مكانها. وتروي هذه الكتب بأنها كانت أحسن عينيه وأحدَّهما بصراً. وهذا ما يعرف اليوم بالزرع الذاتي.

ويعد حفظ النفس من الكليات الخمس التي ينادي الإسلام بالحفاظ عليها وصيانتها. ومن أجل ذلك فقد حثت الشريعة الإسلامية على التداوي، ويدخل زرع الأعضاء في باب التداوي.

وكان زرع الأعضاء ونقلها والتبرع بها يخضع في الجمهورية العربية السورية لأحكام القانون رقم /31/ لعام 1972 والمعدل بالقانون رقم /43/ لعام 1986. ويبدو أن هذا القانون لم يحقق الغاية التي صدر من أجلها وهي تشجيع المواطنين على التبرع ببعض أعضائهم من أجل إنقاذ حياة أشخاص آخرين في حاجة إليها.

وقد أثبت التطبيق العملي قلة التبرعات التي حصلت خلال تلك الفترة من جهة، ومن جهة أخرى ظهرت تجارة عالمية في هذا النطاق، مما شكل خطراً كبيراً على المرضى الذين هم في حاجة إلى زرع الأعضاء إلى درجة أن بعض المرضى توفي نتيجة عدم توافر العضو الذي كان في حاجة إليه. أضف إلى ذلك أن تطور العلم في مجال زرع الأعضاء كان في السنوات الأخيرة كبيراً جداً، بحيث يمكن حفظ بعض الأعضاء في بنوك خاصة يمكن الاستفادة منها بعد ذلك. ذلك كله دفع بالمشرع في الجمهورية العربية السورية إلى أن يتدخل ويعدل الأحكام الناظمة لزرع الأعضاء ونقلها على نحو ينسجم مع ما حصل من تطور في هذا المجال من ناحية. ومن ناحية ثانية تشجع عملية التبرع بالأعضاء وتسهيل الإجراءات التي تخضع لها. ذلك كله مهد الأرضية المناسبة لصدور القانون رقم /30/، تاريخ 20/11/2003، المتضمن القانون الجديد لزرع الأعضاء ونقلها وحفظها والتبرع بها.

وفي الحقيقية سد القانون الجديد ثغرات القانون القديم وأكمل النقص الذي كان يعتريه. ولكن هذا لا يعني أن القانون الجديد جاء كاملاً مكملاً فما زالت هناك ثغرات في مجال زرع الأعضاء والتبرع بها لم يستطع القانون الجديد سدها.

أولا ًـ حسنات القانون الجديد لعام 2003 ومساوئه:

1ـ حسنات القانون:

جاء القانون الجديد لنقل الأعضاء وزرعها بأحكام جديدة سدت النقص الذي كان يعتري أحكام القانون القديم، وأهم هذه الأحكام هي الآتية:

أ ـ معاقبة كل من يخالف أحكام القانون الجديد المتعلق بنقل الأعضاء وزرعها بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وبالغرامة من 5000 إلى 10000 ليرة سورية، بموجب نص المادة (7/أ) منه. ويشمل هذا المنع بوجه خاص أعضاء الفريق الصحي الذي له علاقة بعملية نقل الأعضاء وزرعها. في الحقيقة جاءت عبارة هذا النص مطلقة ومن ثم فهي لا تشمل فقط أعضاء الفريق الصحي، وإنما كل شخص يثبت أنه خالف أحكام هذا القانون.

ب ـ تحريم الاتجار بالأعضاء، إذ لم يكن هذا الجرم معاقباً عليه سابقاً. وقد تبين للمشرع أن هذا الأمر يشكل نقصاً في القانون، فجاء القانون الجديد ليسد هذا النقص. ويعاقب القانون الجديد على الاتجار بالأعضاء بالأشغال الشاقة المؤقتة (تراوح مدتها بين 3 سنوات و 15 سنة) وبالغرامة من 50000 إلى 100000 ليرة سورية. فجريمة الاتجار بالأعضاء هي جنائية الوصف، وفقاً لما جاء في المادة (7/ب) من هذا القانون.

ج ـ تحديد الأشخاص الذين لهم الحق في الموافقة على التبرع بأعضاء من جثة شخص متوفى. في الواقع كانت المادة (3/3) من القانون القديم لنقل الأعضاء وزرعها تجيز نقل الأعضاء من جثة ميت في حالة سماح عائلة المتوفى بذلك، ولم يوضح ما المقصود من العائلة، فهذا النقص كان يشكل في بعض الأحيان نقصاً وخللاً يعيق تطبيق القانون. لذلك تدخل المشرع بموجب أحكام القانون الجديد، وعدل أحكام تلك المادة، بحيث أصبحت المادة (3) من القانون الجديد تحدد الأشخاص الذين يحق لهم الموافقة على التبرع بأعضاء من جثة قريب لهم، وهذه الموافقة تكون على النحو الآتي: قرابة الدرجة الأولى، وقرابة الدرجة الثانية في حال عدم توافر قرابة من الدرجة الأولى.

د ـ إمكانية حفظ الأعضاء، إذ تجيز المادتان (1 و3) من القانون الجديد حفظ الأعضاء المتبرع بها أصولاً.

2ـ مساوئ القانون الجديد:

لا يعد القانون الجديد لنقل الأعضاء كاملاً مكملاً، وإنما فيه الكثير من الثغرات، وأهمها:

أ ـ البقاء على تشتت الأحكام المتعلقة بزرع الأعضاء والتبرع بها في نصوص قانونية عدة أهمها:

(1) ـ المرسوم التشريعي رقم 402 تاريخ 15/10/1963 المتعلق بإنشاء بنوك للعيون، والملغى بالقانون رقم 3 تاريخ 26/2/2007، والمتضمن إحداث هيئة عامة لبنك العيون.

(2) ـ المرسوم التشريعي رقم 99 تاريخ 7/4/1970 المتضمن نظام التبرع بالدم.

(3) ـ القانون رقم 30 تاريخ 20/11/2003 المتعلق بنقل الأعضاء. وكان الأجدر بالمشرع أن يجمع هذه النصوص في نص واحد يسهل الرجوع إليه.

ب ـ لم يعتمد القانون الجديد التزام الطبيب بإعلام المتبرع بالنتائج المترتبة على التبرع، ولم يبين ما إذا كان يحق للمتبرع الرجوع عن رضاه قبل إجراء العملية. في الواقع تعتمد القوانين المعاصرة المتعلقة بنقل الأعضاء والتبرع بها مثل هذا الالتزام على عاتق الطبيب، أو الفريق الطبي. والهدف من هذا الالتزام هو تنبيه المتبرع إلى خطورة العملية ونتائجها المحتملة على صحته. لذا يجب على الطبيب، قبل أن يبدي المتبرع موافقته على التبرع، أن ينبهه إلى مثل تلك المخاطر، وبعد ذلك يعبر المتبرع عن رضائه أو عدم رضائه بعد الاطلاع على النتائج التي يمكن أن تترتب على عملية الاقتطاع وعلى خطورة العملية.

ومن هنا اشتراط هذه القوانين توافر الرضا المستنير للمتبرع، أي الرضا الذي يقوم على معلومات صحيحة يقدمها الطبيب للمتبرع قبل صدور الرضا.

ولكن يمكن أن يعد مثل هذا الالتزام واجباً مسلكياً على الطبيب، فإذا أخل به، فإن هذا الإخلال يستوجب مساءلته مسلكياً عن تلك المخالفة.

ج ـ عدم اشتراط صلة القرابة بين المتبرع والمستفيد في حالة التبرع بين الأحياء، ويعتقد أن هذا الأمر يفتح المجال واسعاً أمام التحايل على أحكام هذا القانون، ومن ثم دفع مقابل مادي لقاء العضو المتنازل عنه، إذ من النادر جداً مثلاً أن يتبرع شخص لشخص آخر بكليته وهو لا يعرفه. والواقع أثبت أن معظم عمليات التبرع، بين أشخاص لا تربطهم أي صلة قرابة، قد تمت بمقابل، حتى لا يقال جميع تلك العمليات. فقد أثبتت دراسة ظهرت في عام 2008 أن عدد المتبرعين بالكلية من الأحياء في الأعوام من 2005 إلى 2007 في سورية هو 857 شخصاً. وقد أجريت عمليات التبرع لـ 53% من هؤلاء الأشخاص في المستشفيات الحكومية، وكانت نسبة المتبرعين من غير الأقارب منهم نحو 50%؛ في حين أجريت بقية عمليات التبرع، أي بنسبة 47%، في المستشفيات الخاصة، وكانت نسبة التبرع من غير الأقارب تقارب 92%. ونتيجة هذه النسبة المرتفعة للتبرع من غير الأقارب في المستشفيات الخاصة صدر القرار رقم (5/م.د) تاريخ 17/1/2008 من رئيس مجلس الوزراء الذي حصر إجراء العمليات الجراحية لنقل وزرع الكلى في المشافي الحكومية المتخصصة والمعتمدة من قبل وزارة الصحة. كان الأجدر بالمشرع أن يشترط توافر درجة قرابة معينة بين المتبرع والمتلقي في حالة التبرع بين الأحياء من أجل عدم فتح الباب أمام بيع الأعضاء والاتجار بها، ولاسيما أن نسبة التبرع بين الأحياء لا تشكل أكثر من 10% في أحسن الحالات، في معظم الدول ولاسيما الدول الأوربية. أما 90% من الحالات فيتم التبرع فيها من جثث الموتى. واستناداً إلى ذلك فإن معظم القوانين في العالم تشترط مثل هذا الشرط في حالة التبرع بين الأحياء. ومن ثم يتوجب على الجهات المعنية أن تفعل التبرع من جثث الموتى، ولاسيما ضحايا حوادث السير، إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد الوفيات بسبب حوادث السير في سورية لا يقل سنوياً عن 2000 شخص.

د ـ لم يحدد المشرع معيار الموت في حالة التبرع من جثث الموتى، وإنما اشترطت المادة (5) من القانون الجديد، لنقل الأعضاء من المتوفى، التأكد من الوفاة وفقاً للتعليمات التي تصدرها وزارة الصحة، وبموجب تقرير أصولي من لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء. ولكن الأسباب الموجبة للقانون الجديد أشارت صراحة إلى معيار الموت الدماغي أو موت جذع الدماغ في حالة التبرع بعد الوفاة. ونتيجة ذلك حدد القرار التنظيمي رقم 73/ت تاريخ 7/11/2004 المقصود بالموت الدماغي في المادة (3) منه، ومن بعده القرار التنظيمي رقم 38/ت تاريخ 8/12/2009.

هـ ـ لم ينص القانون الجديد على منع التبرع بالحيوانات المنوية أو البويضات صراحة. في الحقيقة انتشرت في الآونة الأخيرة في معظم محافظات القطر مراكز أطفال الأنابيب والتلقيح الاصطناعي، وهذا أمر في غاية الأهمية من شأنه أن يقلل كثيراً من حالات العقم، إلا أنه لا يوجد حتى الآن أي إطار قانون لعمل مثل هذه المراكز، مما يتطلب تدخل المشرع لوضع مثل هذا الإطار. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة أصدرت قراراً في حزيران 2008 من أجل تحديد شروط منح التراخيص لهذه المراكز، إلا أنه لا يغني عن تدخل المشرع من أجل تنظيم هذا النوع من النشاط الطبي.

و ـ كان من المفروض أن ينص التشريع الجديد على إنشاء مركز وطني لزرع الأعضاء والتبرع بها، من مهامه الإشراف على هذه العمليات.

ز ـ ظهرت في السنوات الأخيرة آفاق جديدة في مجال زرع الأعضاء منها: استخدام الأجنة الفائضة في إطار التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، وكذلك الأجنة المجهضة، أو استخدام أعضاء حيوانية معدلة وراثياً… ولم يبين القانون الجديد موقفه من ذلك كله.

ثانياً ـ التبرع بالأعضاء وزرعها بين الأحياء:

يميز قانون زرع الأعضاء والتبرع بها رقم /30/ لعام 2003 حالتين من التبرع بين الأحياء، وهما:

 1ـ نقل الأعضاء وزرعها من وإلى الجسم نفسه:

تنص المادة (2/أ) من القانون رقم 30 لعام 2003 على أنه يمكن نقل الأعضاء وغرسها من شخص حي إلى شخص حي آخر  "في حالة كون النسيج أو العضو منقولاً من وإلى نفس الجسم الذي يتلقاه ويتم ذلك وفقاً لتقدير الجراح المعالج".

وما يؤخذ على هذا النص أنه لم يحدد الشروط التي يجب أن يتم التقيد بها من أجل إجراء مثل تلك العملية. زد على ذلك أن النقل لا يتم في مثل هذه الحالة من شخص حي إلى شخص حي آخر، وإنما يتم من وإلى الجسم ذاته.

2ـ نقل الأعضاء وزرعها بين الأحياء:

ذهبت المادة (2/ب) من القانون نفسه إلى أنه يمكن نقل الأعضاء وغرسها من شخص حي إلى شخص حي آخر "في حالة كون النسيج أو العضو منقولاً من جسم إلى آخر وفقاً للشروط الآتية:

أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة حتى لو كان ذلك بموافقة المتبرع.

أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع لتقرير ما إذا كان نقل عضو من جسم المتبرع لا يشكل خطراً على حياته ومدى حاجة المستفيد لعملية النقل.

أن لا يتم نقل العضو إلا من المتبرع كامل الأهلية وبعد الحصول منه على موافقة خطية صريحة موثقة.

أن لا يتم النقل من متبرع قاصر إلا إذا كان المستفيد والمتبرع شقيقين توأمين ويشترط في هذه الحالة موافقة الأبوين في حال وجودهما أو أحدهما أو الولي الشرعي.

لا يجوز إجراء عملية النقل والغرس على المستفيد قبل الحصول على موافقة خطية صريحة منه أو من وليه الشرعي أو من عائلته.

أن لا يتم تنازل المتبرع عن أحد أعضائه أو جزء منه لقاء بدل مادي أو بغاية الربح وعلى أن يكون له الحق في العلاج في مشافي الدولة وعلى نفقتها".

ويستخلص من ذلك أن التبرع من شخص حي إلى شخص حي آخر يخضع للشروط الآتية:

أ ـ عدم وقوع التبرع على عضو أساسي للحياة: يمكن التبرع، في القانون السوري، بجميع الأعضاء باستثناء الأعضاء الأساسية للحياة، أي التي تتوقف عليها الحياة، بحيث يؤدي التبرع بها إلى وفاة المتبرع، كالقلب، إذ لا يجوز التبرع بها حتى لو تم ذلك بموافقة المتبرع.

ويثور السؤال حول ما إذا كان من الممكن نقل القرنية من عين شخص حي إلى عين شخص آخر. لم ينص قانون نقل وغرس الأعضاء السوري صراحة على ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري كان قد أصدر في 15/1/1963 مرسوماً تشريعياً برقم /402/ يرخص للشعب العينية في مستشفيات كليات الطب بجامعات القطر والمستشفيات الحكومية بإنشاء بنوك للعيون. وقد حددت المادة (2) من هذا المرسوم المصادر التي يمكنها أن تمول هذه البنوك بالعيون، ولم يذكر من بينها عيون الأحياء. والقانون رقم /3/لعام 2007 الذي أحدث بنك العيون بوصفه هيئة عامة صحية مستقلة مالياً وإدارياً، وألغى أحكام المرسوم التشريعي رقم /402/ لعام 1963، إذ لم ينص صراحة على إمكانية تمويل البنك بعيون الأحياء. وهذا ما يستفاد من المادة 3 من هذا القانون، إذ جاء فيها ما يأتي: "يهدف بنك العيون إلى ما يلي: القيام بقطف القرنيات أو العيون وفحصها وحفظها وتوزيعها، وتنظيم عمليات زرع القرنيات ومراقبة وتنظيم استيرادها وفحصها، والموافقة على زرعها، وحفظ الأغشية الأمنيوسية والصلبة وذلك وفق أحكام القانون رقم (30) تاريخ 20/11/2003 الناظم لزرع الأعضاء". ولكن يستفاد من التعليمات التنفيذية للقانون رقم /30/ لعام 2003، الصادرة عن وزير الصحة بموجب القرار التنظيمي رقم (73/ت) لعام 2004 أنه يمكن التبرع بالقرنية بين الأحياء، إذ تنص المادة (6) من هذا القرار على تشكيل لجنة من بين أعضائها ثلاثة اختصاصيين مهمتها إقرار عمليات زرع الأعضاء آخذة بالحسبان معايير عدة منها ما جاء في المادة (6/ب/2) من القرار المذكور والتي تنص على أنه "لا يقبل تبرع المعطي الحي إذا تجاوز الـ 55 سنة باستثناء القرنية".

والأعضاء التي زرعت حتى تاريخه في سورية هي القرنية، إذ بدأت عمليات زرعها في بداية الخمسينيات من القرن الماضي؛ والكلية، وقد أجريت أول عملية زرع كلية في العام 1979، ونقي العظام، إذ بدأت عمليات زرعه في العام 2009. زد على ذلك أنه تم إجراء عدة عمليات زرع القلب، ولكنها توقفت بعد ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون رقم /30/ لعام 2003 لم ينص صراحة على إمكانية التبرع بالأنسجة والخلايا والمنتجات الأخرى من الجسم البشري، على خلاف القوانين المعاصرة في هذا المجال، إذ تنص صراحة على ذلك.

ب ـ ألا يشكل التبرع بالعضو خطراً على حياة المتبرع: الغاية من التبرع بالأعضاء في القانون السوري هي علاج المستفيد من عملية التبرع. ولم يشترط المشرع السوري صراحة توافر التناسب بين الأخطار التي يمكن أن تلحق بالمتبرع نتيجة التبرع بعضو من أعضاء جسده، وبين المنافع التي يحصل عليها المستفيد، وإنما ترك هذا الأمر لحكمة الأطباء أصحاب الاختصاص في هذا المجال. ونتيجة ذلك اشترط المشرع أن تقوم لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع لتحديد ما إذا كان نقل العضو المتبرع به من جسمه يشكل خطراً على حياته، ومن جهة أخرى تقرير مدى حاجة المستفيد إلى عملية نقل ذلك العضو إلى جسمه. وتقرر هذه اللجنة أيضاً، وفق ما جاء في التعليمات التنفيذية للقانون رقم /30/ لعام 2003 الصادرة بالقرار التنظيمي رقم (73) لعام 2004، ومن بعده القرار التنظيمي رقم 38/ت تاريخ 8/12/2009، مدى صلاحية العضو المتبرع به وتوافق الأنسجة بين المتبرع والمستفيد. وتجدر الإشارة إلى أن المادة (2/ب/2 و5) من القانون القديم لزرع الأعضاء كانت تشترط لإجراء نقل عضو من شخص حي إلى شخص آخر حي ما يأتي: "2ـ أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع لتقرير ما إذا كان نقل عضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته.

أن تقوم لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين غير الأطباء الذين سيقومون بعملية الغرس بتقرير مدى حاجة المستفيد لعملية النقل". وقد عدل هذان البندان بموجب القانون رقم /43/ لعام 1986 في بند واحد ينص على ما يأتي: "2ـ أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع والمستفيد لتقرير ما إذا كان نقل عضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته ومدى حاجة المستفيد لعملية النقل". ومن ثم فإنها لم تشترط ألا يكون أعضاء اللجنة الذين قرروا حاجة المستفيد إلى عملية النقل من غير الأطباء الذين سيقومون بعملية الغرس. وهذا ما اعتمده القانون الجديد أيضاً، فليس هناك ما يمنع أن يقوم الأطباء الذين قرروا حاجة المستفيد إلى عملية الغرس بهذه العملية.

ج ـ أن يكون المتبرع كامل الأهلية، وأن يوافق على التبرع: اشترط قانون زرع الأعضاء رقم /30/ لعام 2003 أن يكون المتبرع كامل الأهلية حتى يصح التبرع. كما اشترط أن يكون التبرع بناءً على موافقة صريحة خطية منه. وأجازت التعليمات التنفيذية لهذا القانون الصادرة بالقرار التنظيمي رقم (73/ت) لعام 2004 أن تتم الموافقة أيضاً من ولي المتبرع أو من عائلته، وهذا يخالف صراحة نص القانون الذي اشترط موافقة المتبرع ذاته فقط، ولا يمكن أن يتم التبرع في مثل هذه الحالة من دون موافقته حتى لو وافق وليه أو وافقت عائلته. وكان القانون القديم يشترط أن تكون هذه الموافقة حرة غير مشوبة أيضاً، ولكن القانون الجديد لم ينص على ذلك صراحة. وهذا لا يعني أنه يمكن أن يتم التبرع حتى لو لم تكن موافقة المتبرع حرة، إذ يجوز للجنة الطبية التي تقوم بفحص المتبرع أن تقرر منع إجراء العملية إذا كانت موافقة المتبرع ليست حرة، وإنما تمت الموافقة تحت الإكراه. ولم ينص القانون على حق المتبرع في الرجوع عن موافقته في أي وقت ما لم يباشر بعملية اقتطاع العضو المتبرع به. ولكن هذا لا يمنع من أنه يجوز للمتبرع أن يتراجع عن موافقته في أي لحظة ما لم يباشر باقتطاع العضو من جسمه. زد على ذلك أن الحصول على موافقة المتبرع يجب أن تكون بعد إعطائه جميع المعلومات المتعلقة بعملية التبرع وكذلك للمستفيد، ومثال ذلك نسبة نجاح العملية، ودرجة خطورتها، وتأثيرها في حياته بعد التبرع. وتجدر الإشارة إلى أن القانون لم ينص على مثل هذا الالتزام الواقع على عاتق اللجنة الطبية التي تقوم بفحص المتبرع، وهذا يشكل نقصاً واضحاً في القانون. ولم يشترط القانون توافر درجة قرابة معينة بين المتبرع والمستفيد، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة بيع الأعضاء، وكذلك أدى إلى ظهور الاتجار بالأعضاء. وقد توقع المشرع ظهور مثل هذا الاتجار، فنص في المادة (7/ب) من القانون رقم /30/ لعام 2003 على تجريمه وعده جريمة جنائية الوصف معاقباً عليها بالأشغال الشاقة المؤقتة، وبالغرامة من 50 إلى 100 ألف ليرة سورية. وقد أضاف القرار التنظيمي رقم (73/ت) لعام 2004 الصادر عن وزير الصحة ومن بعده القرار التنظيمي رقم 38/ت تاريخ 8/12/2009 شروطاً أخرى لم ينص عليها القانون، ومن ثم تعد مخالفة لأحكامه. ومن هذه الشروط عدم السماح للسوريين ومن في حكمهم بالتبرع لغير السوريين أو بالعكس، وذلك باستثناء الأصول والفروع؛ وموافقة زوج المتبرعة على تبرع زوجته بعضو من أعضاء جسمها.

وأجاز القانون استثناء من هذا الشرط أن يتم التبرع من قاصر بشرط أن يكون المستفيد والمتبرع شقيقين توأمين، وبشرط موافقة الأبوين في حال وجودهما أو أحدهما أو الولي الشرعي، وفق ما نصت عليه المادة (2/ب/4) من القانون رقم /03/ لعام 2003.

د ـ موافقة المستفيد على الزرع: ويجب أن تكون هذه الموافقة خطية وصريحة. وإذا لم يكن المستفيد في حالة تسمح له بالموافقة على عملية الزرع، نص القانون على ضرورة موافقة ولي المستفيد الشرعي على العملية أو موافقة عائلته. ولم يبين المشرع المقصود من العائلة، وهل يكفي موافقة أي فرد من أفراد العائلة أياً كانت درجة قرابته؟ وما الحل في حال موافقة أحد أفراد العائلة ومعارضة فرد آخر؟ الأمر الذي يتطلب تنظيم هذه الناحية بدقة. وهنا أيضاً يجب أن تصدر موافقة المستفيد بناءً على معلومات واضحة ومفهومة يعطيها له الفريق الطبي حول العملية ونسبة نجاحها وآثارها المستقبلية في حياته وحياة المتبرع.

هـ ـ أن يكون التبرع بلا مقابل مادي أو معنوي: لا يجوز قانوناً التعامل بجسم الإنسان، إذ لا يمكن أن يكون محلاً لحق مالي، ومن ثم فإن بيع الأعضاء غير جائز لأنه يتنافى مع مبدأ احترام الكرامة الإنسانية المتأصلة في الكائن البشري. ونتيجة ذلك منع القانون أن يكون التبرع بالأعضاء مقابل نفع مادي أو معنوي. وتجدر الإشارة إلى أن المشرع أجاز التبرع بالأعضاء، استثناءً من مبدأ منع التعامل بجسم الإنسان، وذلك تحقيقاً لغاية نبيلة تتمثل في إنقاذ حياة من يحتاج إلى عضو، ومن ثم يحمل التبرع معنى الإيثار. وقد أحاط المشرع عملية التبرع بضمانات مدنية وجزائية من أجل ضمان احترام هذا الشرط. وتتمثل الضمانات المدنية في بطلان العقد إذا كان التبرع بمقابل. وأما الضمانات الجزائية فتتمثل بفرض عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من 5 إلى 10 آلاف ليرة سورية، وفق أحكام المادة (7/أ) من القانون رقم /30/ لعام 2003، على كل من يخالف أحكام هذا القانون ومنها مخالفة أحكام هذا الشرط. أما إذا تم البيع عن طريق وسيط بهدف تحقيق ربح، فيعد فعل الوسيط اتجاراً بالأعضاء تعاقب عليه المادة (7/ب) من القانون ذاته بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة من 50 إلى 100 ألف ليرة سورية.

و ـ أن تتم عمليات نقل الأعضاء أو حفظها أو غرسها في المستشفيات والمؤسسات الطبية المعتمدة: يشكل التبرع بالأعضاء وزرعها عملاً جراحياً تتوقف فعاليته على مدى التنسيق والتنظيم بين أعضاء الفريق الطبي الذي يجري العملية ضمن قواعد الأخلاق الطبية وقواعد الأمن الصحي. ونتيجة ذلك أحاط المشرع عملية التبرع بالأعضاء وزرعها بضمانات عدة، منها أن تتم مثل هذه العمليات في مؤسسات طبية مرخص لها، وهذا ما نصت عليه المادة (1) من القانون رقم /30/ لعام 2003، إذ جاء فيها أنه "يجوز للاختصاصيين في المستشفيات والمؤسسات الطبية التي تحددها وزارة الصحة القيام بنقل عضو ما أو أحشاء جزء منها كالقرنية أو الكلية أو غير ذلك من الأعضاء أو الأحشاء وحفظه أو غرسه أو تصنيعه لمريض يحتاج إليه". واستناداً إلى هذه المادة أخضعت المادة (5) من القرار التنظيمي رقم (73/ت) لعام 2004 منح ترخيص للمشافي الخاصة لشروط عدة، وهي:

(1) ـ توافر غرفتين لعمليات القطف والزرع مجهزتين على نحو يكفل سلامة المريض، مع غرفة إنعاش في جناح العمليات بشرط توافر التبريد والتكييف فيها، وذلك باستثناء زرع القرنية. وكذلك توافر احتياطي لكامل مستلزمات عمليتي القطف والزرع في المشفى. وضرورة توافر غرفة عزل كامل للمريض الآخذ "المستفيد" مع الأجهزة الخاصة بها.

(2) ـ توافر عناية مركزة مجهزة وفق المعايير المعترف بها.

(3) ـ توافر جهازي كلية صناعية ومراعاة التعقيم والتهاب الكبد الفيروسي في عمليات زرع الكلية.

(4) ـ إجراء عمليات زرع الأعضاء من قبل اختصاصيين في زرع الأعضاء أو حملة شهادات علمية أو خبرة معترف بها من قبل لجنة فنية مركزية في وزارة الصحة مشكلة بقرار من الوزير.

(5) ـ توافر كادر تمريضي مدرب وكاف بمعدل اثنين لكل مريض آخذ على مدار 24 ساعة.

(6) ـ إحداث أرشيف في المشفى خاص بعمليات الزرع.

(7) ـ تقديم طلب من قبل المشفى إلى وزارة الصحة يفيد بتوافر الشروط، مع ذكر أسم الفريق الطبي الذي سيقوم بعمليات الزرع. ومن ثم يتم الكشف، وفي حال تأكد الوزارة من توافر الشروط تقوم بمنح الترخيص.

وتجدر الإشارة إلى أن المشافي الخاصة بدأت بإجراء عمليات الزرع في عام 2004.

وقد سبقت الإشارة إلى دراسة نشرت في عام 2008 بينت أن نسبة عمليات زرع الأعضاء في المشافي الخاصة في الفترة من 2005 إلى 2007 كانت نحو 47% من العدد الإجمالي للمتبرعين والبالغ 856 متبرعاً، وبينت الدراسة أن 92% من الحالات تم التبرع فيها من غير الأقارب، وبالتالي فإن معظم هذه الحالات، إن لم تكن جميعها، قد تمت لقاء مقابل مادي، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة بيع الأعضاء، ومن ثم ظهور الاتجار بالأعضاء. ونتيجة ذلك صدر القرار رقم (5/م.و) تاريخ 17/1/2008 عن رئيس مجلس الوزراء الذي حصر إجراء عمليات زرع الكلية في المشافي الحكومية المتخصصة والمعتمدة من قبل وزارة الصحة. ويستخلص من ذلك أن عمليات زرع الكلية منذ هذا التاريخ لا تتم إلا في المشافي الحكومية المعتمدة من قبل وزارة الصحة، كمشفى الكلية الجراحي ومشفى الأسد الجامعي ومشفى المواساة.

ثالثاً ـ التبرع بالأعضاء من جثة ميت:

كان التبرع بالأعضاء من جثة ميت في القانون السوري يخضع لأحكام القانون رقم /31/ لعام 1972 وتعديلاته. ونتيجة الثغرات التي كانت تعتري هذا القانون تدخل المشرع من جديد وألغى أحكامه مستبدلاً بها أحكاماً جديدة نص عليها القانون رقم /30/لعام 2003.

1ـ التبرع بالأعضاء من جثة ميت في ظل القانون القديم:

كان قانون نقل وغرس الأعضاء السوري رقم 31 لعام 1972، وتعديلاته، يجيز في المادة الثالثة منه نقل الأعضاء أو الأحشاء أو جزء منها من ميت بهدف غرسها لمريض في حاجة إليها في حالات محددة وهي: وصية المتوفى، وسماح عائلة المتوفى، والإعدام، وعدم وجود من يطالب بجثة المتوفى، وحالة فتح الجثة.

وكان يمكن فتح الجثة، وفقاً للمادة (3/أ) من القانون المذكور، إذا رأى الأطباء من رؤساء الأقسام في المشافي والمؤسسات الطبية المحددة من قبل وزارة الصحة أن هناك منفعة عامة تتطلب فتح جثة شخص ما، بشرط ألا يكون هناك اعتراض صريح وخطي من الشخص قبل وفاته أو من أقربائه الذين لا تتجاوز قرابتهم الدرجة الثالثة.

ولا يعتد باعتراض الأقرباء إذا كانت هناك ضرورات علمية تقتضي فتح الجثة، أو إذا كان فتح الجثة يهدف إلى التأكد من الإصابة بمرض وراثي المادة (3/ب).

والسؤال الذي كان يثور هنا هو: في حال فتح الجثة لوجود ضرورات علمية على الرغم من اعتراض أقرباء المتوفى، هل يمكن اقتطاع أعضاء منها؟ سكت القانون عن هذه الناحية. وقد اجتهدت وزارة الصحة في هذا المجال وذهبت، بموجب القرار التنظيمي رقم (16) تاريخ 2/10/1975، إلى أنه "يقصد بفتح الجثة للضرورات العلمية، في نطاق تطبيق قانون نقل وغرس أعضاء جسم الإنسان أخذ عضو من الجثة لزرعه في جسم شخص حي بحاجة إليه". ولا يجوز فتح الجثة ولا نقل الأعضاء منها إلا بعد التأكد من الوفاة من قبل لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء. ولكن القانون لم يحدد المعيار الذي يجب الاعتماد عليه للتأكد من الوفاة.

ونصت المادة (3/3) من القانون المذكور على أنه يجوز نقل الأعضاء من جثة ميت في حالة سماح عائلة المتوفى بذلك. ولكن لم يوضح المشرع، في هذه الحالة، المقصود من العائلة، في حين أن قوانين أخرى، مثل القانون اللبناني والقانون الفرنسي، قد حددت بدقة المقصود من العائلة في نطاق تطبيق قانون زرع الأعضاء والتبرع بها.

وأجازت المادة (3/أ) من القانون المذكور فتح جثة شخص إذا كانت هناك منفعة عامة تقتضي ذلك وفقاً لرأي الأطباء المختصين، وذلك بشرط عدم اعتراض الشخص، قبل وفاته، الصريح والخطي على ذلك، أو اعتراض أقربائه الذين لا تتجاوز قرابتهم الدرجة الثالثة. ولكن ماذا لو وافق أحد هؤلاء الأقرباء، واعترض آخرون منهم؟ لم يبين القانون الإجراء الواجب اتباعه في مثل هذه الحالة. إذاً يجب أن يكون هناك أفضلية بين هؤلاء الأقرباء حسب درجة قرابتهم، بحيث يحجب الأقرب منهم إلى الميت الأبعد، كما في الميراث.

زد على ذلك أن المادة (3/ب) أجازت فتح الجثة للضرورات العلمية حتى لو كان هناك اعتراض من قبل الأقرباء. ولكن لم تبين هذه المادة الجهة التي يحق لها أن تقرر وجود الضرورات العلمية.

ونصت المادة (5) من القانون المذكور على أنه لا يمكن فتح الجثة ونقل الأعضاء منها إلا بعد التأكد من الوفاة بموجب تقرير أصولي تضعه لجنة مكونة من ثلاثة أطباء ويؤخذ على هذه المادة أنها لم تبين المعيار الذي يجب الاعتماد عليه للتأكد من الوفاة. فهل المعيار هو توقف القلب؟ أم موت الخلايا الدماغية.

يتضح مما سبق أن هذا القانون كانت فيه ثغرات عديدة لا بد من تلافيها حتى تواكب سورية التطورات التي تحدث في مجالات الطب وعلم الأحياء في ظل ثورة البيولوجية الجزيئية التي تجتاح العالم المعاصر. ونتيجة لذلك صدر القانون رقم (30)، تاريخ 20/11/2003 المتعلق بزرع الأعضاء والتبرع بها، والذي نظم من جديد مسألة التبرع بالأعضاء ونقلها وزرعها.

2ـ التبرع بالأعضاء من جثة ميت في ظل القانون الجديد:

 أجاز القانون رقم /30/ لعام 2003 التبرع بالأعضاء من جثة ميت في حالات محددة، وضمن شروط معينة.

أ ـ حالات التبرع بالأعضاء:

تنص المادة (3) من القانون رقم /30/ لعام 2003 على أنه: "يجوز نقل الأعضاء أو الأحشاء أو جزء منها من ميت بغية حفظها أو غرسها لمريض بحاجة إليها وذلك في إحدى الحالتين الآتيتين:

 1ـ وصية المتوفى الخطية بإجراء ذلك.

الموافقة الخطية لأحد أفراد أسرة المتوفى على النحو الآتي:

أ ـ قرابة الدرجة الأولى.

ب ـ قرابة الدرجة الثانية في حال عدم توافر قرابة الدرجة الأولى".

ويتبين من المقارنة بين هذا النص ونص المادة (3) من القانون رقم /31/ لعام 1972، والمعدل بالقانون رقم /43/ لعام 1986، أن النص الجديد حصر، من جهة، التبرع بالأعضاء من جثة ميت في حالتين فقط وهما وصية المتوفى أثناء حياته، والموافقة الخطية لأحد أقاربه من الدرجة الأولى، فإن لم يوجد فمن الدرجة الثانية، وذلك بعد وفاته. ومن ثم يكون النص الجديد قد منع التبرع بالأعضاء من جثة ميت في الحالات الأخرى التي كان ينص عليها القانون القديم. ومن جهة أخرى حدد النص الجديد المقصود بعائلة المتوفى التي يحق لها التبرع بأعضائه بعد وفاته، إذ أجاز لأحد أفراد أسرة المتوفى من ذوي قرابة الدرجة الأولى، وفي حال عدم توافره فمن ذوي قرابة الدرجة الثانية، التبرع بأعضائه بموجب موافقة خطية. ولكن ما الحل في حال التعارض بين أفراد أسرة المتوفى من درجة القرابة ذاتها بشأن التبرع بأعضائه، بحيث يوافق أحدهم ويعارض الآخر؟ لم يأتِ القانون بحل لمثل هذه المشكلة. والرأي الراجح أنه لا بد من ترجيح الموافقة على المنع في مثل هذه الحالة من أجل إنقاذ حياة من هو في حاجة إلى زرع عضو من الأعضاء مما يحقق الغاية من التبرع بالأعضاء وهي الإيثار.

ويجيز معظم فقهاء الشريعة المعاصرين اقتطاع الأعضاء من جثث الموتى ضمن شروط معينة، وهذا أيضاً ما ذهبت إليه المجامع الفقهية ودوائر الفتاوى الإسلامية.

 فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، المتخذ في مؤتمره الرابع المنعقد في جدة (18ـ23 جمادى الآخرة 1408هـ ـ 6ـ 11 شباط 1988) أنه:

"… سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك ـ بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.

سابعاً: وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي يتم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما…".

وقد أجاز العلامة الشيخ مصطفى الزرقاء في إحدى فتاويه ترقيع الأحياء بأعضاء الأموات من الناس استناداً إلى "أن قاعدة الضرورات في الشريعة الإسلامية تقتضي الجواز في جميع أنواع هذا الترقيع، ذلك لأن ترقيع العين لإعادة البصر (وهي محل التردد والاشتباه) يمكن قياسه على الحاجة إلى استنقاذ الحياة بدفع الهلاك، أو إلى منع إتلاف العضو عندما يتوقف ذلك على تناول بعض المحرمات، حيث يصرح الفقهاء أنه يجب تناوله لدفع الهلاك، فهنا لو قيل أيضاً بجواز أخذ العين مثلاً من الميت لإحياء حاسة البصر، لكان ذلك مقبولاً شرعاً.

وإذا كان يجوز، بل يجب وجوباً تشريح الميت لتعلم الطب، أو لكشف جريمة، ويجوز كشف عورة الرجل والمرأة لأجل ضرورة التطبيب ودفع الأذى، مع أنَّ كل ذلك من المحرمات القطعية في الأصل، فأبيحت أو وجبت بحسب درجة الضرورة إليها، بمقتضى أن الضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة نص عليها القرآن الكريم نصاً قطعياً، أفلا تكون الاسـتفادة من عيون الموتى لاستعادة بصر شخص أعمى هي أولى بالجواز؟".

ب ـ شروط التبرع بالأعضاء من جثة ميت:

أخضع القانون الجديد التبرع بالأعضاء من جثة ميت لعدة شروط وهي:

(1) ـ أن يكون نقل الأعضاء من الجثة لأغراض علاجية: وهذا ما يمكن استخلاصه من نص المادة (3) من القانون رقم /30/ لعام 2003  الذي يجيز نقل الأعضاء من ميت بغية حفظها أو غرسها لمريض في حاجة إليها في الحالتين المشار إليهما أعلاه. وسبقت الإشارة إلى أن القانون القديم كان يجيز فتح الجثة ونقل الأعضاء منها لأغراض علمية، ولكن القانون الجديد لم ينص على ذلك.

(2) ـ يجب ألا يؤدي نقل الأعضاء إلى إحداث ما يسيء إلى كرامة الجثة أو تشويهها أو تغيير معالمها: وهذا ما نصت عليه صراحة المادة (4) من القانون رقم /30/ لعام 2003.

ويعتمد قانون العقوبات السوري مبدأ حرمة الجثة ومنع التعدي عليها. فالمادة (466) تعاقب كل من أقدم لغرض علمي أو تعليمي من دون موافقة من له الحق على أخذ جثة أو تشريحها أو على استعمالها بأي وجه آخر بالغرامة من مئة إلى مئتين وخمسين ليرة وبالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بإحدى العقوبتين.

(3) ـ لا يجوز نقل الأعضاء من المتوفى إلا بعد التأكد من الوفاة: في الواقع هناك معياران للتأكد من الوفاة، وهما: توقف القلب، وموت جذع الدماغ أو الموت الدماغي. ويترتب على تاريخ تحديد الوفاة والمعيار الذي تستند إليه نتائج مهمة جداً، وهي:

ـ عدم جواز اقتطاع أي عضو قبل إثبات الوفاة أصولاً.

ـ إذا كان المعيار الوحيد في إثبات الوفاة هو توقف القلب والدورة الدموية والتنفس، يؤدي ذلك إلى عدم الاستفادة من معظم الأعضاء الأساسية للمتوفى مثل البنكرياس والكلى والقلب، إذ تبدأ هذه الأعضاء بالتحلل بعد دقائق قليلة من توقف القلب أو توقف الدورة الدموية. لذلك لا بد في مثل هذه الحالات من اعتماد مبدأ الموت الدماغي حتى يمكن الاستفادة من هذه الأعضاء.

وتعتمد معظم التشريعات الغربية معيار الموت الدماغي. حتى بعض الدول الإسلامية تعتمد هذا المعيار مثل المملكة العربية السعودية.

وتجدر الإشارة إلى أن مجمع الفقه الإسلامي قد اعتمد هذا المعيار في دورته الثالثة المنعقدة في عمان العاصمة الأردنية (8ـ13 صفر 1407 /11ـ16 تشرين الأول 1986 م). وقد اعتمد المجمع في قراره رقم (17ـ5/3) بشأن أجهزة الإنعاش مبدأ الموت الدماغي، حيث جاء فيه: "يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين:

إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.

إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.

وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء، كالقلب مثلاً، لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة".

وقد كان لهذا القرار مفعول إيجابي في الكثير من الدول الإسلامية، وخاصة المملكة العربية السعودية والكويت، إذ مكن مفهوم الموت الدماغي من الاستفادة من الكثير من أعضاء الموتى (كالقلب والكلى) ومن ثم إنقاذ حياة مئات الأشخاص.

وبحث المجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، أيضاً موضوع الموت في دورته العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة (24ـ28 صفر 1408 /17ـ21 تشرين الأول 1987).

وخلص هذا المجمع في القرار الصادر عنه بشأن الموت أن "المريض الذي ركبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وقررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء أن التعطل لا رجعة فيه، وإن كان القلب والتنفس لا يزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة، لكن لا يحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً بعد رفع هذه الأجهزة".

ويستفاد من هذا القرار أنه لا يمكن أن يحكم بموت الإنسان شرعاً إلا إذا توقف تنفسه وقلبه توقفاً تاماً، ومن ثم لا يمكن اقتطاع الأعضاء إلا بعد توقف القلب والدورة الدموية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاستفادة من أعضاء كثيرة من جثة المتوفى (كالقلب والكبد والكلى) لأنها تبدأ بالتحلل بعد دقائق قليلة من توقف القلب أو توقف الدورة الدموية.

ويتم تحديد الوفاة والتأكد منها في القانون السوري وفقاً للتعليمات التي تصدرها وزارة الصحة، طبقاً لما ذهبت إليه المادة (5) من القانون رقم /30/ لعام 2003. ويترتب على ذلك أن هذه المادة لم تبين المعيار الذي يجب الاعتماد عليه للتأكد من الوفاة، فهل هو توقف القلب أم موت الخلايا الدماغية؟ ولكن من الرجوع إلى الأسباب الموجبة للقانون رقم /30/ لعام 2003 يتبين أن المشرع قد اعتمد معيار الموت الدماغي أيضاً، وأحال ذلك إلى التعليمات التنفيذية للقانون. وقد صدرت هذه التعليمات بالقرار التنظيمي رقم 73/ت، تاريخ 7/11/2004، الصادر عن وزير الصحةً ومن بعده القرار التنظيمي رقم 38/ت تاريخ 8/12/2009، وتعرف المادة (1) من هذا القرار الوفاة السريرية بأنها "غياب غير عكوس (غير قابل للتراجع) لكل وظائف الدماغ بما فيه جذع الدماغ باستثناء الإصابات الناتجة عن هبوط الحرارة (دون 35 درجة مئوية) والانسمامات (دوائية، كيميائية…) والاضطرابات الغدية أو الاستقلابية الشديدة وذلك حسب تقرير اللجنة المختصة".

ويتم تأكيد الوفاة بموجب تقرير أصولي من لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء. ويجب، وفقاً لأحكام المادة (6) من القانون رقم /30/ لعام 2003، أن يكون الفريق الطبي الذي يقرر الوفاة هو غير الفريق الطبي الذي يجري عملية النقل والزرع أو الغرس.

ولم يكن القانون القديم يعتمد معيار الموت الدماغي، فكان ذلك عائقاً أمام الاستفادة من أعضاء الموتى، وخاصة الكلى. ومن المعروف عالمياً أن جثث الموتى تشكل مصدراً مهماً لزرع الأعضاء، ففي فرنسا مثلاً أكثر من 90% من عمليات زرع الأعضاء مصدرها جثث الموتى. ويبدو أنه لم يستفد من هذا المصدر حتى الآن في سورية، إذ لم تتم أي حالة تبرع من متوف دماغياً منذ تكريس هذا المعيار في عام 2004 وحتى تاريخه.

(4) ـ يشترط أن يكون التبرع مجاناً:

نصت المادة (2/6) من القانون رقم /30/ لعام 2003 صراحة على أن التبرع بالأعضاء بين الأحياء هو مجاني، إذ لا يمكن أن يكون التبرع مقابل بدل مالي أو بغاية الربح. أما التبرع من جثة ميت فقد سكت القانون عن ذلك، فهل يعني ذلك أن التنازل عن أعضاء من جثة ميت يمكن أن يكون مقابل بدل مالي؟ في الحقيقة جسم الإنسان هو خارج عن دائرة التعامل سواء في أثناء حياته، أم بعد وفاته. ومن ثم فإن أي اتفاق على دفع مقابل مالي لقاء التنازل عن جثة ميت، أو عن بعض أعضائها هو باطل.

(5) ـ أن تتم عمليات نقل الأعضاء أو حفظها أو غرسها في المستشفيات والمؤسسات الطبية المعتمدة: وقد سبقت الإشارة إلى هذا الشرط في حالة التبرع بين الأحياء.

وقي الختام يلاحظ أن زرع الأعضاء، وخاصة زرع الكلى، آخذ بالتطور في سورية. وجاء القانون رقم /30/ لعام 2003 ليسد ثغرات عدة في هذا المجال. وعلى الرغم من ذلك هناك حاجة متزايدة إلى الأعضاء المتبرع بها لإنقاذ حياة الآلاف من المرضى الذين ينتظرون على قائمة الانتظار. ومن أجل ذلك لا بد من أن تتكاتف الجهود الحكومية والشعبية من أجل حث الناس على التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، إذ تبين الإحصائيات في بعض الدول أن نسبة التبرع بالأعضاء من جثث الموتى فيها تزيد على 90%.

ومن ثم يتوجب على الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية في سورية أن تقوم بتوعية الرأي العام حول مشروعية نقل الأعضاء، وخاصة من جثث الموتى، ولاسيما أن معظم المجامع الفقهية، ودوائر الإفتاء تجيز نقل الأعضاء من جثث الموتى بقصد العلاج. ولا شك في أن حملات التوعية المنظمة في هذا المجال سوف تؤدي إلى شعور الرأي العام بالنقص الموجود في مجال التبرع بالأعضاء. وقد يكون من المفيد، في سبيل نشر هذه التوعية، تخصيص يوم في السنة للاحتفال بالتبرع بالأعضاء تحت عنوان اليوم الوطني للتبرع بالأعضاء، وذلك على غرار اليوم الأوربي واليوم العالمي للتبرع بالأعضاء.

كما يتوجب إنشاء مركز وطني لزرع الأعضاء يقوم بالإشراف على جميع عمليات زرع الأعضاء و التبرع بها في سورية، كزرع الكلية، والقرنية، ونقي العظام.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد عبد الدائم، أعضاء جسم الإنسان ضمن التعامل القانوني (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 1999).

ـ أسامة السيد عبد السميع، نقل وزرع الأعضاء بين الحظر والإباحة، دراسة فقهية قانونية (دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية 2006).

ـ حسام الدين كامل الأهواني، "المشاكل القانونية التي تثيرها عمليات زرع الأعضاء البشرية"، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة عين شمس، القاهرة، العدد 1، السنة 17، كانون الثاني 1975.

ـ سميرة عايد دياب، عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية بين القانون والشرع (منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، بيروت 2004).

ـ عبد السلام السكري، نقل وزرع الأعضاء، نقل وزرع الأعضاء من منظور إسلامي، دراسة مقارنة (دار المنار، القاهرة 1988).

ـ محمد علي البار، الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء (دار القلم والدار الشامية، الطبعة الأولى، دمشق ـ بيروت 1994).

ـ فتاوى مصطفى الزرقا، قدم لها الدكتور يوسف القرضاوي (دار القلم، الطبعة الثانية، دمشق 2001).

ـ قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي للدورات 1ـ10، القرارات 1ـ97، دار القلم، دمشق ومجمع الفقه الإسلامي، جدة، بلا تاريخ.


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 239
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 585
الكل : 31771609
اليوم : 47070