logo

logo

logo

logo

logo

حقوق الدول وواجباتها

حقوق دول وواجباتها

rights and duties of States - droits et devoirs des Etats

 حقوق الدول وواجباتها

حقوق الدول وواجباتها

هيثم موسى حسن

حقوق الدول 

واجبات الدول

   

يتألف المجتمع الدولي من مجموعة كبيرة من الدول التي تظهر للوجود باستكمال عناصر نشوئها الثلاثة المعروفة، الإقليم والشعب والسلطة، وبتوافر هذه الأركان - ضمن شروط معينة - تصبح هذه الوحدة الإقليمية «دولة»  تتمتع بالشخصية القانونية الدوليّة، وباعتبارها شخصاً من أشخاص القانون الدولي العام، فإنّها تحوز وتباشر  «الحقوق» المقررة فيه للدول، وتتحمّل - في الوقت نفسه - الالتزامات الواجبة عليها.

وقد أضحى من المسلم به أنّ القواعد القانونية التي تنظّم علاقات الأشخاص فيما بينها تقرّر بالضرورة حقوقاً وواجبات متقابلة. هذه الحقوق تسمح لمن يتمتّع باستخدام النظم القانونية والوسائل المؤدية إلى مباشرتها وحمايتها وفقاً للنظام القانوني المحدد لها. أمّا الواجبات فقد تكون إيجابية أو سلبية (أي الامتناع عن القيام بعمل معيّن). ولكن هل هناك ارتباط بين الحقوق والواجبات المقرّرة لوحدة قانونية في ظل نظام قانوني محدد، وبين ثبوت شخصية هذا النظام القانوني لتلك الوحدة؟ وهل يلزم لتوافر هذه الصفة تمتع الوحدة القانونية بحقوق والتزامات معاً، بمعنى أنّ وجود أحدهما لا يكفي بمفرده؟

ذهب بعض الفقهاء للإجابة عن هذا التساؤل إلى القول إنّه يكفي أن يكون «للوحدة» حقّ واحد بمقتضى نظام قانوني معيّن: حتّى تثبت لها الشخصيّة القانونية في هذا النظام. وهذا المذهب يؤدي إلى الإقرار مباشرة بفكرة «المساواة» بين الشخصيّات القانونية التي يكون لها عدد كبير من الحقوق والواجبات وتلك التي لا يثبت لها منها إلاّ عدد محدود.

ومع ذلك فمن الصعوبة التسليم بأنّ «الوحدة» التي لا يكون لها إلاّ حقّ واحد أو لا تلتزم إلاّ بالتزام واحد، بمقتضى نظام قانوني معيّن، تثبت لها الشخصيّة القانونية ذاتها التي تكون «للوحدة» التي تملك قدراً كبيراً من الحقوق والالتزامات، ويتسم اختصاصها بالعمومية.

وبعض الفقهاء لا يكتفون، لإثبات الشخصيّة القانونية لوحدة معينة، بأن تكون لها حقوق أو يقع على عاتقها التزامات، بمقتضى نظام قانوني معيّن، بل يضيفون إلى ذلك شرطاً آخر هو أن يعترف القانون الوضعي مباشرة ومن دون وسيط بتلك الحقوق والالتزامات للوحدة القانونية.

 وعلى العموم فقد أخذت محكمة العدل الدوليّة في رأيها الاستشاري حول قضية الكونت برنادوت والشخصية القانونية للمنظمة الدوليّة، رأياً قريباً مما ورد أعلاه، إذ جاء فيه: «…إنّ المنظمة الدوليّة هي شخص دولي، ولكن هذا لا يعني أنّها دولة. فهي ليست كذلك بالطبع، أو أنّ شخصيتها القانونية وحقوقها وواجباتها هي ذاتها الشخصيّة القانونية والحقوق والواجبات التي للدول، وليست هي كذلك كياناً فوق الدول، بل هي شخص من أشخاص القانون الدولي، قادرة على حيازة حقوق وتحمّل التزامات وأنّ لها المحافظة على حقوقها بإقامة الدعاوى».

وبناء على ما تقدّم، يمكن تأكيد أنّ «الدولة» بصفتها شخصاً من أشخاص القانون الدولي تثبت لها جملة من الحقوق وتكلف بالمقابل بجملة من الالتزامات والواجبات، كضرورة منطقية وحتمية لتحقيق الغرض من وجود هذه الدول والقيام بالمهام المختلفة التي تضطلع بها، ومن ثم في ضمان النظام والاستقرار في العلاقات الدوليّة وتحقيق السلم والأمن الدوليين عبر إيجاد التوازن بين المصالح المتعارضة لهذه الدول.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع وحيويته، فقد حظي باهتمام العديد من الأوساط القانونية والسياسية، وكذلك من الدول ذاتها والمنظمات الدولية. وقُدمت في هذا الإطار اقتراحات مختلفة وأفكار كثيرة، وقد تكون البدايات العملية الحقيقية في هذا المجال إقرار المجمع الأمريكي للقانون الدولي إعلان حقوق وواجبات الدول عام 1916، ثمّ قيام الاتحاد الدولي للقانون الدولي عام 1919 بإقرار إعلان حقوق الدول وواجباتها، حتّى إنّ الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة عهدت إلى لجنة القانون الدولي التابعة لها عام 1947 بوضع مشروع إعلان لحقوق الدول وواجباتها، وقد أصدرته الجمعيّة العامّة تحت رقم 375/4 لعام 1949. كما لا يخلو ميثاق أو معاهدة أو اتفاقية منشئة لمنظمة دولية أو إقليمية من الإشارة صراحة أو ضمناً إلى هذه الحقوق والواجبات أو أغلبها وذلك في مبادئها والأسس التي تقوم عليها، كميثاق منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وفيما يلي فكرة عن حقوق الدول، تليها واجباتها والتزاماتها.

أولاً- حقوق الدول:

هناك صلة وثيقة بين القانون والحقّ، ذلك أنّ القانون هو الذي يقرّ الحقوق، ويرسم حدودها، ويفرض احترامها، ليسود النظام والأمن في المجتمع. وبعيداً عن الخلافات الفقهية حول مفهوم الحقّ وتعريفه يمكن القول إنّ عناصر «الحقّ» - كما هي معروفة في إطار القانون الخاص والعام والتي يمكن القياس عليها إلى حدّ كبير في إطار القانون الدولي العام - أربعة: الأول والثاني يدخلان في جوهر الحق، وهما الاستئثار والاختصاص، والثاني التسلط ومعناه القدرة على التصرف بحرية في الشيء موضوع الحق، وهذان العنصران يكوّنان الحق في مواجهة صاحبه. أمّا في مواجهة الغير فيجب أن يتوافر العنصر الثالث لقيام الحقّ والمتمثل في وجوب احترام الأشخاص الآخرين جميعاً لهذا الحق. وأمّا العنصر الرابع فيتجسّد في الحماية القانونية له وذلك بتخويل صاحب الحقّ «دعوى قانونية» يستطيع بموجبها أن يلزم الغير بحقه هذا ويحترمه.

ولا تخرج الحقوق التي يقرّرها القانون الدولي العام للدول عن هذا المفهوم المشار إليه آنفاً، مع مراعاة بعض الاختلافات والفوارق التي تقتضيها طبيعة الشخص صاحب هذه الحقوق وصفته. وتنبغي الإشارة هنا إلى ضرورة التمييز بين الحقوق الطبيعية الأساسية للدول التي تثبت لها بمجرد نشوئها ووجودها ذاته وبين جملة أخرى من الحقوق تكتسبها الدول عن طريق الاتفاقيات والمعاهدات أو الأعراف الدوليّة، وتسمى «الحقوق المكتسبة أو الثانوية». وستقتصر الدراسة هنا على ذكر الحقوق الأساسية؛ لأنّها حقوق ثابتة وواحدة لجميع الدول. أمّا طائفة الحقوق الأخرى المكتسبة فيتم التعرّف عليها وتحديدها في نطاق المعاهدات أو الأعراف التي تنشئها. كما تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحقوق الأساسية ليست حقوقاً مطلقة تخوّل الدول سلطات وصلاحيات مطلقة باستعمالها واستخدامها لتحقيق مصالحها وأهدافها الخاصّة بها، بل هي حقوق نسبية، بمعنى أنّه يجب على الدول أن تراعي عند استعمالها لها عدم المساس بالحقوق المماثلة التي تتمتع بها الدول الأخرى. ومن هنا يرى بعض الفقهاء إنّ القول بأنّ للدول حقوقاً أساسية خطأ في التعبير، وإنّ ما يطلق عليه اسم  «حقوق الدول» ما هو إلاّ اختصاصات تضطلع بها الدولة متى وجدت، فإن لم يكن بمقدورها القيام بها يكون مصيرها الزوال من دون أن يُسأل عن ذلك غيرها. وفيما يلي أهمّ الحقوق الأساسية التي تتمتع بها الدول:

1- حقّ الحياة /البقاء/ الوجود Self- Preservation:

ورد أعلاه أنّ «الدولة» تتكوّن باجتماع العناصر الثلاثة، «الإقليم والشعب والسلطة»، وباكتمالها تقوم «الدولة» كياناً مادياً وقانونياً، وهذا مما يحتم منطقياً وقانونياً الإقرار لها بحقها في البقاء والوجود، وبالكيفية وبالشكل اللذين قررتهما دستورياً، وبما يتوافق مع قواعد القانون الدولي، مع ما يتطلّبه هذا الأمر من تحقيق مقتضياته الموضوعية باتخاذ جميع التدابير واللجوء إلى مختلف الوسائل التي تضمن لها بقاءها واستمرارها على الصعيدين: الداخلي والخارجي - الدولي - كاستثمار ثرواتها ومواردها الذاتية وتوظيفها بما يضمن زيادة دخلها القومي ورفع مستوى معيشة مواطنيها في جميع المجالات، الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافية، وبناء قدراتها الدفاعية والعسكرية، وتحقيق أمنها وسلامتها الإقليمية، وكذلك في إبرام المعاهدات الثنائية أو الجماعية مع الدول الأخرى، والدخول في علاقات دبلوماسية مع غيرها من الدول أو الانضمام إلى المنظمات الدوليّة أو الإقليمية… إلخ.

ولعلّ من أهمّ الحقوق المتفرعة عن حقّ البقاء الإقرار للدول بحقها المشروع في الدفاع عن النفسself- defence ضد أيّ اعتداء تتعرّض له، وذلك على النحو التالي:

- حقّ الدفاع الشرعي عن النفس: يعد حقّ  «الحياة أو البقاء» وحقّ «المقاومة والدفاع عن النفس» من حيث النتيجة وجهين لعملة واحدة، بحسبانهما حقّين مترابطين لا يقبلان التجزئة أو الانفصال أو التنازل؛ إذ لا معنى لتأكيد حقّ «الحياة أو البقاء» سواء للأفراد أم للشعوب أم للدول، إذا لم يستتبع ذلك إعادة تأكيد الوسيلة المؤدية للحفاظ على هذا الحقّ، ألا وهي وسيلة الدفاع والمقاومة ضد الأسباب التي تعرّض حقّ الحياة والبقاء للخطر والفناء، وما ذلك إلاّ لاعتبار حقّ  «المقاومة والدفاع» حقاً طبيعياً وملازماً للبشر أفراداً وشعوباً ودولاً، يقوم عند حدوث أيّ اعتداء أو انتهاك للحقوق التي يتمتعون بها.

وقد أقرّ ميثاق الأمم المتحدة في المادّة /51/ منه هذا الحقّ، بل عدّه حقاً طبيعياً للدول فرادى وجماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت عليها دولة أو دول أخرى. ولكنه قيد هذا الحقّ بشروط محددة لممارسته، تتعلّق بنوعية الهجوم الذي تتعرّض له الدولة، واشترط أن يكون هجوماً مسلّحاً فعلياً حالاً وجسيماً أو وشيك الوقوع، وبكيفية الردّ عليه بتحقيق شرط التناسب بين الفعل وردّ الفعل، مع إبلاغ مجلس الأمن بالتدابير المتخذة استعمالاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس.

ويُلاحظ في هذا الصدد أنّ مفهوم توقيت ممارسة حقّ الدفاع المشروع قد تطور مع تطوّر الأسلحة الحديثة، وخاصّة الصاروخية الحاملة للرؤوس النووية، بحيث أضحت الدول تجادل - كما فعلت الولايات المتحدة في أثناء أزمة الصواريخ في كوبا عام 1962- في إمكان انتظارها توافر شروط المادّة /51/ سالفة الذكر بالكامل حتّى تمارس حقها في الدفاع المشروع. غير أنّ هذا الأمر قد يفتح الباب واسعاً أمام الخلط بين حقّ الدفاع المشروع وممارسة العدوان مادام التوقيت أصبح كيفياً.

والأخطر من ذلك - في معرض ممارسة الدولة لحقها في الدفاع المشروع عن النفس- أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدوليّة لعام 1996، حول مدى مشروعية استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها في جميع الأحوال، يؤكّد أنّ «مبدأ التناسب في ذاته لا يمكن بأيّ حال أن يسوّغ وحده حظر اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية في جميع الأحوال».

ولكن هل يجوز للدولة - في إطار المفهوم الواسع للدفاع المشروع عن النفس- أن تلجأ إلى استخدام القوة المسلّحة اتقاء لشرّ وقوع هجوم مسلّح من دولة أخرى، قبل وقوع هذا الهجوم بالفعل؟ أي ما يسمى بالدفاع المشروع الوقائي أو التوقعي أو ما يسمى بالمصطلح المعاصر «الاستباقي»؟

إذاً، بالعودة إلى نصّ المادّة /51/ من ميثاق الأمم المتحدة، يلاحظ أنّ حقّ الدفاع الشرعي عن النفس لا ينهض إلاّ عند وقوع هجوم مسلّح على نحو فعلي وحالٍّ وجسيم ضد إحدى الدول. ومن ثم فإنّه لا يمكن توسيع نطاق هذا الحقّ ليشمل الدفاع الاستباقي؛ لأنّ هذا التفسير الواسع سوف يؤدي إلى: «1- عدم الاستقرار في العلاقات الدوليّة 2- العشوائية في تطبيق سيادة القانون 3- الإبقاء على حكم شريعة الغاب في العلاقات الدوليّة وسيادة قانون القوة وليس قوة القانون». وقصارى القول إنّ الدفاع الشرعي عن النفس يمكن أن يوضع موضع التنفيذ حينما يصبح إقليم الدولة عرضة لهجوم مسلّح أكيد، أو في أحسن الأحوال حينما يصبح مثل هذا الهجوم محدقاً بحيث لا يدع أيّ خيار للدولة الضحية، سوى اللجوء إلى الدفاع عن النفس، وإنّ أيّ تفسير آخر لهذا الموضوع - خلاف ذلك - هو دفاع سياسي لا يخدم أيّ غرض قانوني مهما كان نوعه.

كما أنّ استخدام القوة للرد على هجوم مسلّح وقع وانتهى لا يفي بشروط ممارسة حقّ الدفاع الشرعي عن النفس، ومن ثم يبدو هذا الرد أكثر شبهاً بالأعمال الانتقامية، كالهجوم الأمريكي على أفغانستان غداة وقوع أحداث 11/9/2001.

كما أنّه يجب رفض نظريتي الضرورة والمجال الحيوي كتطبيقين لحق الدفاع الشرعي عن النفس، كما زعم بعض الفقهاء الألمان، وتبعهم الإسرائيليون؛ لأنّ هاتين النظريتين - في الواقع العملي- تؤديان إلى الاعتداء على الدول الأخرى تحت مسميات وذرائع واهية ولا أساس قانونياً لها، وهي ذات دوافع سياسية واضحة، ولا تستمد فكرة وجودها من الحقّ، بل من القوة والتفوّق. كما يجب الإقرار، في الوقت نفسه، بمشروعية تدخّل الدول بالقوة المسلّحة للحيلولة دون توسع دولة أخرى على حساب جيرانها من الدول الصغيرة. ولا يمكن أن يقال إنّ في هذا «التدخل» اعتداء على ما للدولة التي تسعى إلى التوسع من حقّ البقاء والارتقاء؛ لأنّ حقها هذا ليس مطلقاً، بل هو مقيّدٌ بما لغيرها من الدول المحيطة بها أيضاً من حقّ في البقاء والوجود.

2- حقّ الحرية والاستقلال «حقّ تقرير المصير» Self- Determination:

ويعني الحقّ الطبيعي لكلّ دولة في إدارة وتصريف شؤونها الداخلية والخارجية بحرية، وبما يحقق مصالحها الوطنيّة والقوميّة، من دون تدخّل من أيّ دولة أخرى أو منظمة دولية في هذا المجال.

وممارسة هذا الحقّ، على النحو الموصوف أعلاه، تؤدي إلى تمييز الدولة المستقلة ذات السيادة من الدولة التابعة أو المحمية أو المستعمرة. ولذلك يترجم هذا الحقّ عملياً على أساس أنّه يمثّل سيادة الدولة على إقليمها الوطني وكلّ ما يجري عليه وحقها في تنظيم علاقاتها الخارجية بما يحقق مصالحها وأهدافها.

كما يمكن القول إنّ حقّ «الحرية» للشعوب والدول الواقعة تحت الاحتلال والاستعمار أو التبعية السياسية أو الاقتصاديّة  يُعبّر عنه بحقها المشروع في تقرير المصير، وذلك بالتخلص من الأسباب التي تكبّل سيادتها واستقلالها التام. وقد أكّد ميثاق الأمم المتحدة هذا الحقّ أساساً لإقامة العلاقات الودّية وتحقيق السلم والأمن الدوليّين في المجتمع الدولي (م1-م55). كما ورد في الفقرة السابعة من المادّة الثانية منه ما يعدّ ضمانة مهمة لصون سيادة الدول، على نحو حظرت التدخّل فيما يعدّ من صميم السلطان الداخلي للدول.

وعلى العموم، فإنّ «حقّ الحرية/الاستقلال» الممنوح للدول لا يعني أنّه يسمح لها بممارسته على نحو مطلق وبما يفيد مصالحها، بغض النظر عن حقوق وحريات ومصالح الدول الأخرى؛ فهو حقّ نسبي ومقيّد، من حيث النتيجة، باحترام ما للدول الأخرى من حقوق وحريات مماثلة مقرّرة طبقاً لقواعد القانون الدولي، أو بموجب الالتزامات التي ارتبطت بها الدولة قِبَلَ الدول الأخرى.

وهذا ما أكّدته محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية اللوتس Lotus، عندما قرّرت أنّ على الدولة ألا تتجاوز الحدود التي رسمها القانون الدولي لصلاحياتها، وأنّ تصرفاتها ضمن تلك الحدود تدخل في سيادتها، وهو ما يعني أنّ المحكمة قد نظرت إلى مفهوم «السيادة» على أنّه فكرة قانونية محدودة ونابعة من القانون الدولي وخاضعة له، وهو ما حدا بالكثيرين إلى الإشارة إلى أنّ مبدأ السيادة قد زال عنه طابعه العتيق المطلق وأنّ الدولة في المجتمع الدولي المعاصر قد أصبحت دولة قانون تلتزم بأحكام حدّدها القانون الدولي وقواعده العامّة.

3- حقّ المساواة:

ويعني التكافؤ فيما بين الدول في التمتع بالحقوق والتكليف بالالتزامات. ويترتب على ذلك أنّه من غير الجائز إطلاقاً أن تتمتع إحدى الدول بحقوق أو امتيازات أكثر من غيرها، أو أن يُقرّر لها إعفاءات خلاف المتعارف عليه. وقد أكّد ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الأولى من مادته الثانية مبدأَ المساواة في السيادة بين جميع أعضاء الأمم المتحدة. ويترتب على الاعتراف بالمساواة في السيادة بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة الدوليّة ألا تكون هذه الهيئة سلطة أعلى من سلطة هذه الدول، وإنّما مجرد تنظيم قائم على التعاون الاختياري، وتحتفظ الدول في داخله بالحقوق المترتبة على سيادتها.

ويعدّ حقّ المساواة القانونية حقاً ثابتاً للدول على الرغم من محاولة بعضهم التدليل على عدم وجوده، خالطين في ذلك بين المركز القانوني الذي هو واحد لجميع أعضاء الجماعة الدوليّة، وبين المركز المادي الذي قد يختلف من دولة إلى أخرى تبعاً لمواردها وعدد سكانها وقوتها العسكرية وغير ذلك من الاعتبارات الخاصّة. ولذلك تبدو فكرة المساواة بين الدول فكرة ظاهرية أكثر منها حقيقية، ذلك أنّ المساواة الفعلية بين الدول الكبرى والدول الصغرى أمر متعذّر لما بينها من تفاوت في الإمكانات العسكرية والاقتصاديّة. وهكذا تكون المساواة بين الدول داخل الأمم المتحدة – مثلاً - مسألة نسبية، لا من الناحية الواقعية فحسب، بل من الناحية النظرية أيضاً؛ لأنّها مساواة بين الدول الكبرى فيما بينها، من ناحية، والدول الصغرى فيما بينها، من ناحية أخرى. أمّا فيما بين المجموعتين فتتمتع الدول الكبرى بأولوية تجعلها بمنزلة «حكومة خماسية»  داخل المنظمة الدوليّة، على أنّ الخلاف فيما بين هذه الدول، وهو أمر لم تتوقعه عند إعداد ميثاق الأمم المتحدة، هو وحده الكفيل بمنع أدائها لهذا الدور، وتأكيد قاعدة المساواة لمصلحة الدول الصغرى. وهذا التباين بين المساواة أمام القانون وعدم المساواة في الواقع في علاقات الدول هو إحدى المعضلات التي تتسبب في عدم فاعلية القانون الدولي عملياً.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أنّ المساواة في الحقوق والواجبات ومرجعها ما تتمتع به الدولة من سيادة واستقلال، لا تكون إلاّ بين الدول التامّة السيادة، أمّا الدول الناقصة السيادة فلا يمكن أن تتساوى في جميع النواحي مع الدول التي تتمتع بسيادة كاملة، فلا تتساوى الدولة المحمية أو التابعة مع الدول الحامية أو المتبوعة أو أيّة دولة أخرى مستقلة. ولا تعتبر الدول الموضوعة تحت الوصاية في مركز قانوني مماثل لمركز الدول التي تتولى شؤونها بنفسها. كما أنّ هذه الحقوق - ومن بينها حقّ المساواة - لا تستند إلى مقدرة الدول الفعلية على استعمالها، وإنّما تستند إلى مجرّد كونها شخصاً من أشخاص القانون الدولي.

ويمكن إجمال النتائج المترتبة على تمتّع الدول بحقّ المساواة فيما بينها على النحو التالي:

1- المساواة بين الدول في التصويت على القرارات أو البيانات الصادرة عن الإعلانات والمؤتمرات والهيئات الدوليّة التي تشترك فيها، إذ لكلّ واحدة منها صوت واحد مهما كان مركزها المادي أو الاقتصادي أو المعنوي.

2- لا يجوز لأيّ دولة أن تتدخّل في أيّ شأن من الشؤون الداخلية لدولة أخرى ذات سيادة.

3- لا يجوز لأيّ دولة، مهما كانت قوتها العسكرية والاقتصاديّة، أن تدّعي لنفسها - تحت أيّ ظرف - أنّها بمنزلة شرطي المجتمع الدولي أو قاضيه. كما لا يجوز لأيّ دولة - من باب أولى- أن تملي إرادتها على دولة أخرى تامة السيادة، في أيّ شأن أو موضوع يخص هذه الأخيرة.

4- لا يحقّ لأيّ دولة أن تتقدّم أو تتصدّر على غيرها من الدول استناداً إلى وضعها السياسي أو نفوذها الاقتصادي، بل أصبح من المتعارف عليه التغلّب على هذه المشكلة باتباع أسلوب التناوب بين الدول أو الترتيب بحسب الأحرف الهجائية.

5- لكلّ دولة في اتصالاتها الدبلوماسية والسياسية بالدول الأخرى أن تستعمل لغتها الخاصّة، أو اللغة المشتركة أو المتفق عليها بين هذه الدول.

6- لا تخضع الدولة في تصرفاتها المختلفة لقضاء دولة أجنبية، إلاّ في بعض الحالات الاستثنائية المتمثلة بقبولها لاختصاص هذا القضاء الأجنبي.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ مبدأ المساواة في السيادة يؤثر حتماً ويتأثّر بمجموعة من العوامل التي رافقت نشأة العلاقات ما بين الدول، وهي عوامل لها انعكاسات جوهرية على متطلبات العدالة وحقوق الشعوب والدول ذات السيادة، فضلاً عن آثارها الكبيرة في الحدّ من مدى نجاح التنظيم الدولي القانوني المتمثل بصفة رئيسية في الأمم المتحدة في إيجاد الحلول للمنازعات الدولية، سواء أكانت سياسية أم أمنية أم اقتصادية أم اجتماعية. ومن هذه العوامل:

1- عامل القوة الاقتصاديّة والعسكرية

2- العوامل السياسية وعوامل الترابط والتضامن الدولي.

4- حقّ الاحترام المتبادل :Mutual Respect

وهذا الحقّ نتيجة منطقية وحتمية لتمتّع الدول بحقّ المساواة القانونية فيما بينها، إذ تستطيع كلّ دولة أن تطلب من الدول الأخرى - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - الوفاء تجاهها بمجموعة من الالتزامات، قوامها احترام سيادتها الوطنية وسلامتها الإقليمية وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية. وهذا الحقّ يقوم من واقع كونه متبادلاً- فيما بين الدول على أساس المعاملة بالمثل - مع ضرورة أن لا ينزل عن الحدود الدنيا المتعارف عليها في إطار العلاقات الدوليّة والقانون الدولي. ويتضّمن هذا الحقّ ما يلي:

أ- احترام كيان الدولة المادي: وذلك من خلال احترام حدودها الإقليمية، واتخاذ ما يلزم لمنع أيّ اعتداء عليها، أي عدم القيام بأيّ عمل عدواني (فعل إيجابي) وعدم التساهل أو السماح أو التستر على أيّ عمل قد تقوم به جماعات مناوئة للدولة الأخرى انطلاقاً من أراضي الدولة الأولى (فعل سلبي). ويتضّمن هذا الحقّ في هذا الإطار كذلك عدم ممارسة أيّة ضغوط سياسية أو اقتصادية غير مشروعة وفقاً لقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة بغية ابتزازها أو الحصول منها على تنازلات معينة، أو التأثير في مسارها السياسي والاقتصادي وعرقلة مشاريعها التنموية والاستثمارية… إلخ.

ب- احترام مركز الدولة السياسي: المتمثّل في واجب الدول الأخرى في احترام النظام الدستوري والسياسي القائم في الدولة، وكذلك سائر النظم والتقسيمات الإدارية والتنظيمية فيها، والعقيدة أو العقائد الدينية السائدة في الدولة. ومقتضى هذا الحقّ يفرض على عاتق الدول الأخرى عدم التعرّض لنظام الحكم أو التشهير به، أو القيام بعمليات لتحريض أفراد الشعب وحثّهم على إعلان الثورة أو التمرّد … إلخ.

جـ- مراعاة كرامة الدولة وهيبتها، وتجنّب كلّ فعل فيه مساس بمركز الدولة الأدبي والمعنوي، واحترام ممثلي الدولة في الخارج وفقاً لقواعد القانون الدولي، وكذلك مراعاة اسم الدولة وعلمها وشاراتها وسائر حقوقها المعنوية والأدبية الأخرى.

وأخيراً، ينبغي التفريق هنا بين الحقوق المقررة للدول نتيجة التزامها باحترام الحقوق الناتجة من القواعد القانونية وبين الحقوق الأخرى الناتجة من قواعد المجاملة الدوليّة التي لا يوجد ما يلزم الدولة القيام بها سوى التزامات أدبية، كالتحية البحرية مثلاً.

ثانياً- واجبات الدول Duties of States:

تقدّم آنفاً أنّ القواعد القانونية التي تنظم علاقات الأشخاص فيما بينها تقرّر بالضرورة حقوقاً وواجبات متقابلة؛ أي إن مقابل كلّ «حق»  يتمتع به الشخص القانوني «واجب» بالمضمون نفسه يكلّف به الشخص القانوني الآخر، ويلتزم به في مواجهة الشخص الأول، وهذا يلتزم إزاء الثاني بالواجب نفسه المقابل للحق الذي يتمتّع به. وهكذا في علاقات هؤلاء الأشخاص. ومن ثم يتحقق الغرض من إقرار الحقوق والتكليف بالالتزامات بتحقيق المساواة والعدالة بين هؤلاء الأشخاص القانونيين وسيادة الاستقرار والأمن والسلم فيما بينهم. ومن هنا فإنّ أيّ إخلال بأداء هذا الواجب (أو الواجبات) أو أيّ انتهاك له، يعطي مباشرة صاحب الحقّ الذي وقع عليه الإخلال أو الانتهاك باستخدام الوسائل القانونية والإكراهية التي يستطيع بموجبها أن يلزم الطرف المخلّ أو المنتهك لهذا الواجب بالوفاء به على النحو المطلوب قانوناً. ومع ذلك فإنّه تجب الإشارة إلى أنّ هناك جملة من «الواجبات» لا تقابلها حقوق مباشرة وصريحة، كما لا يفرضها قانون، وإنّما تعدّ بمنزلة  «واجبات» لأسباب واعتبارات مختلفة، وتسمى بالواجبات الأدبية. ولذلك فإنّ عدم قيام الدولة بأدائها أو الالتزام بها قِبَلَ دول أخرى لا يعطي هذه الأخيرة «الحق»  في اللجوء إلى أيّ وسيلة قانونية - كما في الواجبات القانونية الملزمة – لإجبارها على أدائها أو إلزامها القيام بها؛ لأنّها، بكلّ بساطة، لا تستند إلى «حقّ» في مقابلها، وإنّما تعتمد أساساً في إقرارها ومن ثمّ الوفاء بها على اعتبارات الأخلاق أو المجاملات الدوليّة والتعاون فيما بين الأمم والشعوب ليس إلاّ (كتقديم معونات غذائية وطبية لدولة منكوبة بزلزال أو فيضان، وكالتعاون فيما بين الدول لمكافحة الأمراض والأوبئة… وكذلك لمحاربة الإجرام الدولي وتسليم المجرمين… إلخ). ويمكن أن تتحول هذه «الواجبات الأدبية» إلى التزامات قانونية لها مؤيد إلزامي أو ذات صفة إلزامية عن طريق الأعراف الدوليّة أو الاتفاق على تحويلها إلى هذه الصفة عبر المعاهدات الدوليّة.

والتفريق هنا بصورة أساسية - كما حكمت محكمة العدل الدوليّة في قضيةBarcelona Traction لعام 1970 - بين واجبات الدولة تجاه المجتمع الدولي ككل، والواجبات المترتبة إزاء دولة أخرى في مجال الحماية الدبلوماسية. فالواجبات الأولى بطبيعتها هي محل اهتمام الدول، لكنها، في ضوء أهمية الحقوق المعينة، يمكن أن يتوجّب على كلّ الدول أن يكون لها مصلحة قانونية في حماية هذه الحقوق. فهي واجبات تجاه الجميع. والواجبات التي يخضع الالتزام بها للحماية الدبلوماسية ليست من الفئة نفسها، ولا يمكن أن يعتبر، في حال كان أحد هذه الواجبات معيناً بالتحديد، في قضية معينة، أنّ لدى هذه الدول كلها مصلحة قانونية في الالتزام بها.

أمّا أهمّ الواجبات القانونية المفروضة على عاتق الدول فهي الآتية:

(1)- احترام الحقوق الأساسية المقرّة لكلّ منها بموجب قواعد القانون الدولي.

(2)- الالتزام بأحكام القانون الدولي بجميع مصادره في زمني السلم والحرب على السواء.

(3)- احترام الالتزامات الناجمة عن المعاهدات الدوليّة التي صادقت عليها، قِبَلَ الدول الأخرى، وتنفيذها بحسن نيّة وفقاً للقواعد المتعارف عليها. وتتعين مسؤوليات الدول في هذا المجال بما يلي:

أ- على الدولة اتخاذ الإجراءات الوطنية اللازمة للوفاء بالتزاماتها الدوليّة وذلك للأسباب التالية:

1"- تحديد مسؤولياتها بدقة على الصعيد الوطني وجعلها نافذة في نظامها الداخلي.

2"- إعطاء السلطات الداخلية المختصة - ولاسيّما التنفيذيّة والقضائية - سنداً قانونياً وطنياً لتنفيذ تلك المسؤوليات (الواجبات).

3"- تمكين المستفيدين من القواعد الدوليّة إثارتها أمام السلطات الوطنية المختصة.

ب- على الدولة أن لا تثير نصوص قانونها الداخلي لتبرير عدم التزامها أو تنفيذها لمعاهدة ارتبطت بها. وهذا يعني أنّه يتوجّب عليها تغيير قانونها الداخلي إذا كان لا يتفق مع تعهداتها الدوليّة، بحيث يصبح متوافقاً معها من الناحية الموضوعية. وإلاّ فإنّها تعرّض نفسها للمسؤولية الدوليّة قِبَلَ الدولة (أو الدول) التي أخلّت بتنفيذ التزاماتها تجاهها.

(4)- واجب حل المنازعات الدوليّة بالطرق السلمية وفقاً لمّا تقضي به الفقرة الثالثة من المادّة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وما يترتب عليه منطقياً من الالتزام بعدم استخدام أو حتّى التهديد باستعمال القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأيّة دولة، أو على أيّ وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة، كما تقضي الفقرة الرابعة من المادّة الثانية من الميثاق ذاته.

(5)- واجب معاونة الأمم المتحدة في الأعمال التي تتخذها وفقاً لميثاقها، ولاسيّما نظام الأمن الجماعي، وذلك إعمالاً لنص الفقرة الخامسة من المادّة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تقضي بأن يقدّم لها كلّ الأعضاء ما بوسعهم من عون في أيّ عمل تتخذه وفق شروط الميثاق، كما يمتنعون عن مساعدة أيّة دولة تتخذ الأمم المتحدة ضدها عملاً من أعمال المنع أو القمع. وهذا يعني أنّ هذا المبدأ يرتب على عاتق الدول التزامين:

أ- التزام إيجابي، بأن تقدّم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كلّ المساعدات اللازمة في التدابير التي تتخذها، ومنها التدابير العقابية (العسكرية) التي يقرّرها مجلس الأمن، ضد أيّة دولة معتدية، وذلك وفقاً لأحكام الفصل السابع من الميثاق.

ب- التزام سلبي، بالامتناع عن مساعدة أيّة دولة تتخذ الأمم المتحدة ضدها عملاً من أعمال المنع أو القمع.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ تقديم المساعدات إلى الأمم المتحدة، ولاسيّما المساعدات العسكرية، في التدابير العقابية التي يتخذها مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع، وإن كان يعتبر واجباً قانونياً مفروضاً على عاتق الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في مواجهة الدولة المعتدية، إلاّ أنّ هذا الواجب يخضع لاعتبارات سياسية كثيرة، تؤثر تأثيراً كبيراً في إسهام الدول في قوات الأمم المتحدة أو إحجامها، مما يضعف من قيمة هذا الواجب/الالتزام بصورة أكيدة، وما يدخله، من حيث النتيجة، في باب الواجبات الأدبية، أو على الأقل الواجبات القانونية ذات المضمون التطوعي أو الاختياري.

(6)- واجب عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، تحت أيّ مبرر أو ذريعة، وأياً كانت صوره. وذلك بصراحة نصّ الفقرة السابعة من المادّة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. ومما يقتضيه هذا الواجب ويندرج في مضمونه الامتناع عن تشجيع الثورات أو الحروب الأهلية في أقاليم الدول الأخرى، أو دعم حركات التمرد والانفصال فيها، أو الاعتراف بالأوضاع الناشئة من مخالفة قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة. وبهذا الصدد فإنّ محكمة العدل الدوليّة كشفت في رأيها الاستشاري الخاص بإقليم ناميبيا لعام 1971، عن واجب جديد يقع على عاتق الدول التزامها بعدم الاعتراف بالكيان الذي ينشأ بمخالفة قرارات الجمعيّة العامّة ومجلس الأمن الدولي المتعلقة بالانتداب. ولكن غالبية الفقه الدولي يقرّر بخصوص هذه المسألة أنّ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بعدم الاعتراف قد وجهت إلى الدول الأعضاء مطالبة إياها بعدم إصدار الاعتراف، ولم تقرّر عدم الاعتراف كالتزام يقع على عاتق الدول 0.

(7)- واجب احترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات داخل الإقليم الوطني للدولة، وذلك على أساس المساواة والعدالة من دون تمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين أو العرق. وكذلك واجب احترام حقوق «الأجانب» داخل الدولة، فثمة  التزامات عرفية تقع على عاتق الدولة في هذا المجال لحماية الأجانب المقيمين فيها، وهذه الالتزامات تمثّل الحدّ الأدنى من الحقوق والحريات التي يجب أن تلتزم بها الدول في هذا المجال، فضلاً عن الالتزامات التعاقدية التي تلتزم بها الدولة قِبَلَ دولة أو دول أخرى شاركتها في هذه المعاهدات.

وفي النهاية يجب إعادة التأكيد أنّ «الحقوق» التي تتمتع بها الدولة ليست حقوقاً مطلقة، ولا يمكن اعتبارها في حال من الأحوال كذلك، بل هي حقوق نسبية بسبب تمتع الدول الأخرى بهذه الحقوق في الوقت ذاته. وهذا يعني أنّ هذه  «الحقوق» تشكّل من حيث النتيجة «واجبات قانونية» تلتزم بها الدولة الأولى حيال الدول الأخرى، والعكس بالعكس، تحت طائلة قيام «المسؤولية القانونية الدوليّة» بحقّ الدولة التي لا تلتزم بهذه الواجبات أو تنتهكها، مع نهوض «الحقّ الطبيعي للدولة التي حصل الانتهاك في مواجهتها أو ضدها باستخدام جميع الوسائل القانونية المقرّرة لإلزام الدولة الأولى وإجبارها على الالتزام بهذه الواجبات، والتعويض أو إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حدوث الانتهاك أو كليهما معاً، فضلاً عن اللجوء إلى وسائل الإكراه الأخرى - بما فيها القوة العسكرية - في حالات محددة بشروط معينة، إذا لم تفلح الوسائل القانونية والسلمية في إقناع ومن ثمّ في إجبار الدولة على الالتزام بهذه الواجبات مجدداً».

وعلى ذلك يمكن القول إنّه بممارسة هذه «الحقوق» من قبل الدول بالقيود والضوابط المقررة في القانون الدولي، والالتزام «بالواجبات» وأدائها من قبل هذه الدول بعضها تجاه بعضها الآخر، على النحو المتعارف عليه والمقبول دولياً، فإنّ دائرة العلاقات القانونية الدوليّة تكتمل، ومن ثم فإنّ الأهداف المبتغاة من تنظيمها وقوننتها تتحقق على أرض الواقع فعلاً، عبر الوصول إلى أعلى درجات التعاون والتكامل والتضامن فيما بين هذه الدول، ومن ثمّ في تحقيق المساواة والعدالة والاستقرار والأمن والسلم في المجتمع الدولي.

وبناء على ذلك يصحّ الاستنتاج أنّ مظاهر القصور والخلل في العلاقات الدوليّة وظهور صور الفساد المختلفة فيها من حروب ونزاعات مسلحة واحتلال أراضي الغير ونهب ثروات الأمم والشعوب والتدخّل في شؤونها الداخلية والعدوان عليها… إلخ إنّما يتجلّى أساساً في عدم التزام بعض الدول بالواجبات والالتزامات القانونية الدوليّة المفروضة عليها، وفي تعسفها في تكييف حقوقها وتوسيع نطاقها إلى حد الاعتداء والانتقاص من حقوق الدول الأخرى، تحت ذرائع وأسباب واهية لا أساس قانونياً لها، وإنّما تعتمد على مظاهر القوة والغطرسة من دون أيّ رادع قانوني أو أخلاقي. ولعل أبرز مثال يدلّل على ذلك ما فعلته وما تزال كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

مراجع للاستزادة:

- علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام (دار المعارف، الإسـكندرية، ط11).

- منى محمود مصطفى، استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي بين الخطر والإباحة (دار النهضة العربية، القاهرة 1989 ).

- محمد عزيز شكري، مدخل إلى القانون الدولي العام (جامعة دمشق، 2005- 2006).

- صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي المعاصر (دار النهضة العربيّة، القاهرة 2007).

 


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 284
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 31745490
اليوم : 20951