تمايز (ارتداد)
Dedifferentiatin and histolysis -

التمايز (ارتداد -)

أميرة أومري

الصفات الخلوية لارتداد التمايز

آليات ارتداد التمايز وآثاره الطبية 

أمثلة عن آلية ارتداد التمايز

 

ارتداد التمايزdedifferentiation  ظاهرة بيولوجية مهمة تتخلى فيها الخلايا عن وظيفتها التخصصية وتتجه إلى حالة أبسط من الحالة التي كانت عليها لتصل إلى حد شبهها بالخلايا الجذعية stem cells  يمكنها أن تكون مصدراً مهماً للطب التجديدي regenerative medicine . كما تُعد ظاهرة ارتداد التمايز إعادةَ برمجةٍreprogramming  للخلية المتمايزة بحيث تصبح خلية قادرة على إعطاء أنماطاً خلوية مختلفة؛ أي تصبح خلية ذات قدرات أو إمكانات متعددة pluripotent cell ويمكن إعادة تموضعها أو إصلاح النسج المتضررة أو التالفة، بحيث تقدم هذه الظاهرة تطبيقات مفيدة في مجال الطب التجديدي.

الصفات الخلوية لارتداد التمايز

من الملاحظ أن ارتداد التمايز هو فقدان الخلايا لمجموعة من الصفات الشكلية التي تميز الخلايا المتمايزة، وعندئذ تمتلك صفاتٍ خلوية تُعرَف من خلالها بأنها فقدت تمايزها. هذه الصفات هي: ازدياد حجم الخلية وازدياد حجم النواة والنُوَيَّة، وازدياد عدد الريبوزومات الحرة free ribosomes في سيتوبلازما الخلية؛ التي قد يتجمع العديد منها في مجموعات خطية لتشكل ريبوزومات متعددة، كما أن وجود البالعات phagosomes يُعَدُّ واحدة من صفاتِ عمليةِ ارتداد التمايز، كما تمتلك الخلية حدوداً واضحة المعالم. من صفاتها الخلوية أيضاً امتلاكها القدرة على الانقسام الخلوي أو التضاعفproliferation ، وكذلك امتلاكها القدرة على الهجرة الفعالة؛ وعلى التمايز من جديدredifferentiation  إلى أي نمط خلوي آخر (الشكل 1).

الشكل (1) ارتداد التمايز لخلية عضلية وتضاعفها وتمايزها من جديد إلى خلية عظمية وخلية دهنية.

 

من علامات ارتداد التمايز أيضاً سيطرة الكولاجين III وكذلك فيبرونِكتين fibronectin، وانخفاض البروتين التقلصي، وازدياد الاُوستِوبونتين osteopontin.

إذا كانت الخلايا غضروفية لدى ارتداد تمايزها تتغير وتتحرر من محافظها؛ وتكتسب خواص الخلايا الميزنشيمية. أما إذا كانت الخلايا عضلية فإنها تفقد أهم ما يميزها وهو اللييفات العضلية وتصبح خلايا منفصلة، وتتحول الخلايا العضلية الملساء مثلاً من شكلها المغزلي المميز إلى شكل شبه المعين غير منتظم الحواف (الشكل 2).

الشكل (2) تغير شكل الخلية العضلية الملساء عند ارتداد تمايزها وما يتبع ذلك من صفاتها الخلوية الأخرى.

آليات ارتداد التمايز وآثاره الطبية 

ليس من الواضح تماماً لماذا يمكن أن ترتد بعض الأنماط الخلوية المتمايزة عن تمايزها وتتضاعف، في حين لا يمتلك بعضها الآخر هذه المقدرة. ولفهمٍ أفضل لآليات ارتداد التمايز لابد من أن يسيطر العلماء على تبديل لُدونَة الحالة المتمايزة. يقدم هذا الأمر طرائق بديلة مقبولة أخلاقياً للحصول على مصدر وفير من الخلايا الجذعية من أجل أبحاث الخلايا الجذعية والطب التجديدي وبيولوجيا الأورام. وللتوضيح هناك آليات تفسر عدم وجود اللدونة الخلوية عند الثدييات، ولهذا يغيب عند خلاياها ارتداد التمايز، أي تمتلك خصائص بنيوية تجعل تمايزها غير قابل للعكس، منها عدم توفر كفاءة التعبير الجيني التي تبدأ بارتداد التمايز، وعدم كفاية مسارات الإشارات بين الخلايا، وتَعَذُّر إلغاء عوامل التمايز.

عندما تفقد الخلايا تمايزها تكون قد فقدت معايير عدة مميزة للتمايز:

1 – المعيار الكيميائي: يتراكم في داخل كل خلية متمايزة بروتين من نوع معين له خصائصه الكيميائية التي تختلف عن بروتين آخر متراكم في خلية متمايزة أخرى، وهذا ما يمنح الخلية الميزات الكيميائية التي تميزها من خلية أخرى. وبإمكان كل خلية أن تبقى حية في غياب البروتينات المتمايزة، ولكنها تكون بذلك قد تراجعت عن تمايزها وأصبحت بمنزلة خلايا سليفة progenitor أو خلايا جذعية.

2 – المعيار الفيزيولوجي: لكل خلية سمات رئيسية تميزها من خلية أخرى، فالخلية العضلية مثلاً لها القدرة على التقلص والتمدد تميزها من الخلية العصبية.

3 – المعيار الشكلي (المورفولوجي): لكل خلية شكل محدد يتناسب مع المعيارين السابقين؛ كالخلية العضلية الملساء التي لها شكل مغزلي يتناسب مع وظيفتها الحركية التي تقوم بها؛ أو الخلية العصبية التي لها شكل محدد يتناسب مع الوظيفة التي تقوم بها.

أمثلة عن آلية ارتداد التمايز

لإيضاح آلية ارتداد التمايز لا بد من سرد بعض الأمثلة:

أ – ارتداد التمايز لدى البرمائيات Amphipia: لبعض البرمائيات القدرة على إعادة تشكيل الأعضاء المتضررة وكذلك أجزائها المفقودة من الجسم مثل فقدان أحد أطرافها أو ذيلها. وقد تم التأكيد أن هذه العملية تنطوي على ارتداد مظهر هذه الخلايا المفقودة المتمايزة - انطلاقاً من ظاهرة ارتداد التمايز والتضاعف والتمايز من جديد- لتشكيل النسج أو الأعضاء المطلوبة. عند بتر طرف سمندل الماءnewt  مثلاً تبدأ خلايا البشرة بالهجرة وتشكل تدريجياً غطاءً هو الظِهارة القمية الناضجة mature Apical Epithelium Cap (AEC) . وتفقد الخلايا الداخلية الواقعة خلف هذه الظِهارة خصائصها النسيجية وترتد تمايزياً استجابةً لإشارات غير محددة، وتتضاعف هذه الخلايا لفترة قصيرة وتشكل برعمَ التجديد blastema، وهو كتلة من الخلايا السليفة أو كتلة من الخلايا ذات الإمكانات أو القدرات المتعددة. بعد ذلك تتمايز هذه الخلايا من جديد لبناء نسخة طبق الأصل عن الجزء المفقود من الطرف.

خلال تجديد شبكية العين لدى السلمندر أيضاً تفقد الخلايا الصباغية الظهارية للشبكية خاصتها الصباغية وترتد تمايزياً لتشكيل خلايا سليفة غير صباغية تعيد تمايزها نحو إعادة بناء النسج المفقودة.

ب – ارتداد التمايز في الأرومات العضلية myoblasts: أجري الكثير من الدراسات على الأرومات العضلية لدى الثدييات كالقوارض، وتبين أن الأرومات العضلية الهيكليةskeletal myoblasts  البالغة هي خلايا أصل إما أن تجدد ذاتها وإما أن تتمايز إلى أنابيب عضلية myotubes متعددة النوى، وإما أن مصير الأرومة العضلية يعتمد أساساً على بروتينات تمايز العضلات المعروفة باسم عوامل التنظيم العضلية myogenic regulatory factors (الشكل 3).

الشكل (3)

 

وتَبَيَّن أن الأنابيب العضلية للثدييات يمكن أن ترتد عن تمايزها عندما تُحفَز بعوامل مناسبة، كما يتضح ذلك من خلال العودة ثانية إلى دورة الخلية وانخفاض بروتينات التمايز والتغير الشكلي (المورفولوجي) واكتساب الإمكانات المتعددةmultipotency .

إن التعرف على الجزيئات الصغيرة التي تُحَرِّضُ ارتداد تمايز الخلايا الجسمية من شأنه أن يساعد على توضيح الآلية الجزيئية لتلك العملية، وقد يَسمح للباحثين بتجديد النسج في الجسم الحي in vivo. مثلاً عند معالجة الأنابيب العضلية للفأر بالـﭙيورين الرابط للنبيبات الدقيقة microtubule-binding purine  - المعروف باسم ميوسِـﭭِرين myoseverin - فإنه يحرض الأنابيب العضلية على الانشطار وتشكيل خلايا وحيدة النوى التي يمكن أن تتضاعف وتعيد تمايزها من جديد إلى أنابيب عضلية.

كما أن هناك تجارب عديدة سمحت لتلك الخلايا المرتدة تمايزياً أن تصبح خلايا ذات قدرات متعددة مع امتلاكها القدرة على التضاعف والتمايز من جديد وتحولها إلى خلايا عظمية أو خلايا دهنية وذلك عند نقلها إلى وسط مُحَرِّض لتشكل العظم osteogenesis ؛ أو إلى وسط فيه مواد تحرض تشكل الدهون adipogenesis  ( الشكل 4).

الشكل (4) ارتداد التمايز للخلايا العضلية بعد معالجتها بالمركب

2-(4 morpholinoanilino)-6-cyclohexylaminopurine .

 

ويسمى هذا الجزيء العلوي الصغير العكسي reversine بسبب قدرته على عكس الخلايا المتمايزة إلى خلايا جذعية قادرة على التمايز إلى أنماط خلوية مختلفة. ولدى دراسة الأرومات العضلية الهيكلية البشرية عُثِر على العامل الغذائي العصبي الهدبي  Ciliary Neurotrophic Factor (CNTF) والتأثير المباشر لهذا العامل  في الأرومات العضلية الهيكلية للإنسان البالغ، وقد أثار الدهشة عندما حَرَّضَ الأرومات العضلية على ارتداد تمايزها لتصبح خلايا سليفة متعددة القدراتmultipotent progenitor cells ، وتبين أن هذه الخلايا المرتدة تمايزياً لا تتضاعف فقط إلى أكثر من 20 مرة من دون التعبير عن العوامل المتخصصة بالتكون العضلي myogenic-specific factors ولكن يمكنها أيضاً أن تتمايز إلى أنماط ظاهرية جديدة؛ ولاسيما خلايا دبقية وخلايا عصبية وخلايا عضلية ملساء وكذلك خلايا دهنية.

لهذه الدراسات أهمية للتطبيقات العلاجية في المستقبل، إضافة إلى أنه يمكن تكوين خلايا سليفة متعددة القدرات من خلايا متمايزة، ممّا يقدم معلومات مفيدة لتوضيح الآلية الجزيئية لارتداد التمايز في عمليات التجديد regeneration.

أظهرت الدراسات أن البروتينات هي عنصر أساسي في إشارات ارتداد التمايز، وأن خلايا الثدييات يمكنها أن ترتد عن تمايزها عندما تتعرض لعوامل مناسبة، ومن ثمّ فإن اللدونة الخلوية  cellular plasticityيمكنها أن تمتد إلى الثدييات، علماً أنه من المرجح أن إخفاق الثدييات في إبراز ارتداد التمايز الخلوي في الجسم الحي يعود إلى فقدان الإشارات التي تبدأ بها عملية ارتداد التمايز.

بما أن ظاهرة التجديد متعلقة بالتكاثر اللاجنسي فإنه ليس عجيباً أن يتعلق ارتداد التمايز أيضاً بالتكاثر اللاجنسي؛ لأن النصف المفقود عند التكاثر اللاجنسي يطرأ عليه تجديد، ومن ثمّ يخضع لظاهرة ارتداد التمايز؛ إذ إن استجابة التجديد تتضمن أحداثاً أساسيةً هي فقدان التمايز لخلايا كانت في حالة نضج أو تخصص والعودة بها إلى حالة أكثر بدائية، مما يجعلها قادرة على التضاعف والعمل سلفاً لنمط واحد من النسج أو عدة أنماط من النسج.

 

مراجع للاستزادة:

-  لويس ولبرت،علم الأحياء النَّمائي، مؤسسة هنداوي، القاهرة 2022.

 

 –     B. Diaz, The implication of cellular dedifferentiation for regenerative medicine medicine, The university of WARWIK, 2013.

 -          N. El-Badri, Regenerative Medicine and Stem Cell Biology, Springer 2020.

 -          X. Fu, st all., Cellular Dedifferentiation and Regenerative Medicine, Springer Berlin Heidelberg 2019.

 -          S. Kaneko,  In Vitro Differentiation of T-Cells: Methods and Protocols,Springer 2019.

 


- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1