تكيف وتاقلم
Acclimatization -



التكيُّف والتأقلم

روضة الحاج خالد

التأقلم

التكيف

التكيف في الحيوانات

التكيف في النباتات

 

طورت الكائنات عمليات حيوية معينة لتقليل تأثير الضغوطات البيئية في أنظمتها البيولوجية. تدعى هذه العمليات التأقلم والتكيف.

التأقلم acclimation (أو "المرونة الظاهرية") هو تعديل ظاهري سريع وعكوس (شكلي، فيزيولوجي...) للأفراد المعرضين للتغير البيئي. على سبيل المثال، يتعرض سمك السلمون الصغير (الشكل 1) أو الثعابين البحرية المهاجرة من أنهارها الأصلية (المياه العذبة) إلى البحر لاضطراب فيزيولوجي (تغيرات تشريحية، وفيزيولوجية، وغدد صماء) يسمح لها بدعم التغير في الملوحة، وهذه التغييرات قابلة للعكس عندما يعود الأفراد للتكاثر في المياه العذبة.إنها استجابة فردية للتغير البيئي. وقد يتحول التأقلم ببطء على المدى البعيد إلى تكيف مع استمرار الضغوطات البيئية على الكائنات.

تعد ظاهرة التأقلم صفة عامة لدى الكائنات الحية، فهي تعدل وظائفها من أجل تكييفها مع الوضع الذي تعيش فيه. ويتميز هذا التأقلم لدى الحيوانات متجانسات درجة الحرارة بتغير الاستقلاب. حيث يتم الدفاع ضد البرودة لدى هذه الحيوانات عن طريق زيادة الاستقلاب، فالثدييات الاستوائية تبدأ بزيادة استقلابها عندما تصبح درجة حرارة الوسط قريبة من 25 ْس، وتضاعف إنتاجها من الحرارة في الدرجة 10 ْس، وتموت في الدرجة صفر سلزية. وبالمقابل فإن الثدييات القطبية الصغيرة لا تبدأ بزيادة استقلابها إلا في الدرجة –30 ْس. أما الثدييات القطبية الكبيرة كثور المسك فلا تبدأ بزيادة استقلابها إلا في الدرجة -40 ْس. أما الدفاع ضد درجة الحرارة المرتفعة فيتم عن طريق تخفيض الاستقلاب وزيادة خسارة الحرارة عنطريق توسيع الأوعية المحيطية والتعرق الجلدي.

التكيفadaptation  هو نتيجة لفرز الانتقاء الطبيعي لمجموعة من الأفراد (مجموعة سكانية) بخصائص (سمات) متغيرة وقابلة للتوريث (جينية)اعتماداً على البيئة التي تواجهها، حيث تسمح خصائص معينة للأفراد بالبقاء و/أو التكاثر بشكل أفضل (سمات تكيفية) في بيئة معينة، وسيتم اختيار الجينات التي تحدد هذه السمات من جيل إلى جيل؛ فالتكيف عملية تدريجية ولا رجعة فيها تعمل على مستوى المجموعة السكانية على مدى فترات طويلة من الزمن. وهي استجابة سكانية للتغير البيئي يمكن أن يكون هذا الفرز الانتقائي للأفراد من جيل إلى جيل سريعاً نسبياً عندما تكون ضغوط الانتقاء عالية.

ويعرف التكيَّف بأنه قدرة الكائن الحي على العيش والتكاثرفي بيئته من خلال تحورات في سلوكه أو تركيب جسمه أو وظائفه الحيوية. ويمكن تصنيف أشكال التكيف كما يلي:

  • تكيف تشريحي (بنيوي): يشمل امتلاك الكائن الحي لصفات وأعضاء تساعده على التكيف مع مكوِّن أو أكثر من مكوِّنات البيئة التي يعيش فيها، ويتضمن نوعين من الأعضاء: أعضاء خاصة بطريقة التغذية وأعضاء تساعد الكائن الحي على البقاء.
  • تكيف وظيفي (فيزيولوجي): يتناول قدرة أعضاء الجسم وأنسجته على أداء وظائف معينة، كالكيمياء الحيوية للخلايا والعمليات التي تمكن الكائنات من هضم طعامها.
  • تكيف سلوكي: يتناول استجابة الكائن الحي لمؤثرات خارجية في بيئته بطريقة تساعده على الاستمرار في الحياة.

التكيف في الحيوانات

1.    التكيف من أجل غذاء أفضل

تمتلك الحيوانات العاشبة أسناناً مسطحةً ومنتظمةً، وحوافر أو أظلافاً أو أخفافاً عريضة ومسطحة تمكنها من الوقوف هادئة مدة طويلة من أجل تناول الغذاء، أما الحيوانات اللاحمة فتتميز بأسنان مسننة ومخالب قوية تمكنها من تمزيق الفريسة. يساعد وجود الشفة العليا المشقوقة للفم وميناء الأسنان القويةلدى الجمل على تناول النباتات الشوكية والجافة من دون أن يصاب بأذى؛كما يساعد تحور العنق في الزرافة على الوصول إلى أوراق الأغصان العالية الصعبة المنال للحيوانات الأخرى. وبالطريقة ذاتها، ونتيجة لتنوع البيئات والعادات الغذائية ووسائل الدفاع وطرائق التكاثر، تنوعت أشكال الأسماك وألوانها، فهي ذات أجسام تشبه الطوربيد، وهي سريعة الحركة (أسماك القرش) أو ثعبانية (ثعبان السمك). كذلك تتميز بعض الأسماك بأشكال وعادات غريبة كأن تنفخ جسمها عند شعورها بالخطر، فيبرز منه أشواك تبعد الحيوانات المفترسة. يتمتع الجراد الصحراوي ببنية فم قوية (شفة عليا وشفة سفلى وفكين صلبين مسننين) تمكِّنه من قطع النباتات وتناولها، وبقدرة عضلية تمكِّنه من الطيران والرفرفة بالجناحين لمدة 6-16 ساعة مما يسمح له اجتياز المسطحات المائية والتضاريس.

أما الطيور فصار لمنقارها وظائف متنوعة، عادة تقوم بها الحيوانات الأخرى باستعمال الأطراف الأمامية كالتمسُّك والحَمْل والخدش والقتال والحفر، كما تستعمل المناقير للإمساك بالطعام وأكله وكذلك تقشير الغلاف الذي يغطيه وتصفيته من الماء وقتله (إذا كان كائناً حياً) وحمله وتقطيعه. يتغير حجم المنقار وشكله كثيراً من نوع لآخر حسب نوع الغذاء، فللطيور الجارحة (النسور) مناقير حادة ومعقوفة لتمزيق لحم الفريسة وأربع أصابع تنتهي بمخالب قوية، منها ثلاث أصابع أمامية وإصبع رابعة خلفية قابلة للانثناء حتى تتمكن من إحكام القبض على الفريسة. أما الطيور التي تتغذى على الحبوب (الحسون مثلاً) فتمتلك مناقير قصيرة وغليظة، وقوائم رقيقة تمكنها من التمسك بالأغصان على نحو جيد. تتميز أنواع الطيور التي تتغذى على الأسماك (مالك الحزين) (الشكل1) بمناقير طويلة وحادة وقوائم قوية طويلة مجهزة بمخالب حادة  تمكنها من البحث عن الغذاء والإمساك بالفريسة في الأوساط المائية.

الشكل (1) مالك الحزين.

 

          2. التكيف من أجل حماية أفضل

يؤمن شكل غطاء الجسم ولونه لدى الحيوانات العيش بسهولة في وسطها البيئي، حيث تساعد الحراشف التي تغطي الأسماك والزواحف والبرمائيات على العيش في المياه والمستنقعات. وبالطريقة ذاتها، يوفر تلُّون  حيوانات الصحراء بلون الرمال، واللون البني الرملي لفرو الأسد والبقع التي تملأ فرو الفهد سهولة التخفي والتمويه في ألوان الطبيعة.

 يمكن لحيوانات المناطق الصحراوية الحارة أن تتكيف مع قلة المياه، إما بمقدرتها على الصبر مدة طويلة كالجمل، أو بعدم احتياجها إلا إلى كميات قليلة كالماعز، وإما بامتصاصها الماء من الندى كالزواحف. كما أنها تكيفت مع الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة ببقائها في حالة سكون تام في جحورها؛ لتقلل ما يمكن فقده من الطعام والماء كالزواحفوبعض الحشرات، أو بكثرة إفراز العرق كالجمل أو بتساقط أصوافها في الفصل الحار كالضأن البري.

يغطي جسم الطيور ريش يحميها من العوامل البيئية القاسية، ويساعدها أيضاً على الطيران، فتمتلك طيور العَيْدر Eider مثلاً -وهي من أنواع البط البري- زغباً كثيفاً ناعماً يحميها من البرد القارص بالقرب من الدائرة القطبية، بينما تتصف الطيور المائية بامتلاك غدد شحمية تفرز مواد دهنية تغطي ريشها، وتجعله غير نافذ للماء. يلجأ طائر القرقف الكبير Parus major إلى وضع البيض قبل موعده بنحو أسبوعين: مقارنة بما كان يحدث قبل نحو خمسين عاماً؛ ليستفيد الصغار من وفرة الديدان خلال فصل الربيع الذي بات يشهد ارتفاعاً أكبر في درجات الحرارة.

هناك عوامل عديدة ساعدت الحشرات على تحمل الظروف البيئية المختلفة والقاسية، أهمها قدرتها على الطيران والهجرة والانتشار، وامتلاك معظمها لهيكل خارجي قوي مقاوم للظروف الجوية القاسية وله قابلية الانطواء والقدرة على الاحتفاظ بالماء ومحتويات الجسم بصورة جيدة، إضافة إلى أن حجم الحشرة الصغير يجعلها تحتاج إلى غذاء قليل وملجأ بسيط. ومما يجعلها بعيدة عن الأعداء قدرتها على التلون والمحاكاة (أي التشبه بأجزاء من النباتات مثل شكل الشوكة مثلاً) أو غيرها من الوسائل التي تجابه بها الحشرة محيطها وأعداءها. المعروف أن الحشرات تنفرد عن بقية الكائنات الأخرى بطريقة نموها؛ إذ ترتبط دورة حياتها القصيرة نسبياً بأطوار مختلفة كأشكال البيضة واليرقة والعذراء والحشرة الكاملة حيث يتيح هذا النمط من التشكل للأطوار المختلفة فرصة المعيشة في أماكن متعددة تحت ظروف بيئية متباينة وتناول أغذية مختلفة، وللحشرة القدرة على أن تحمي نفسها في طور العذراء الساكن من مهاجمة الأعداء وكذلك مواجهة قلة الغذاء، كما تعد الإنتاجية العالية للحشرات من العوامل الأساسية التي ساعدت كثيراً على زيادة أعدادها.

       3. التكيف من أجل تكاثر أفضل

        يهاجر بعض الطيور -من أجل إتمام عملية التكاثر- كل عام في وقت محدد وإلى مكان معين، ولا تخطئ في ميعاد الهجرة أو مكان الوصول أو حتى الطريق الذي تسلكه في أثناء رحلتها، حتى لو كانت تمارس الهجرة للمرة الأولى في حياتها ، فطائر السمان مثلاً يهاجر من المناطق الباردة خلال فصل الصيف إلى أماكن أكثر دفئاً وإضاءةً، ثم يعود إلى موطنه الأصلي حين تحسن الظروف المناخية في فصل الربيع. يتميز بعض الطيور بريش جذَّاب لإثارة الجنس الآخر من أجل التزاوج، كما يساعد لون الريش على الاختفاء في الطبيعة لحماية إناث الطيور من الأعداء خلال فترة الحضانة. يتبادل الذكر مع الأنثى في بعض أنواع الحشرات إشارات ضوئية، وهي سبيلهما إلى التلاقي، في حين يمتلك بعض الحشرات حرشفية الأجنحة غدداً للرائحة مسؤولة عن انجذاب الجنسين أو التأثير في الأنثى لتكمل التزاوج.

التكيف في النباتات

       1. التكيف من أجل تغذية أفضل

ترسل بعض الأنواع النباتية جذورها مسافات بعيدة وأعماقاً كبيرة في التربة لتوفير الغذاء والماء كأشجار الأكاليبتوس،في حين تقوم أنواعأخرى -ذات سوق قصفة وطويلة- بتسلق أشجار وشجيرات مجاورة للوصول إلى أشعة الشمس. ولهدف توفير المواد الآزوتية اللازمة لتكون البروتينات لجأت بعض النباتات إلى تحوير قسم من أوراقها لاقتناص الحشرات وهضمها (نبات الدايونيا).

       2. التكيف من أجل تكاثر أفضل

تنتج العديد من الأنواع النباتية كميات كبيرة من البذور لضمان بقائها واستمرارها، بعضها مجهز بأجنحة تساعد على انتشارها كما في نبات القيقب، كما تتمركز الأزهار المذكرة في كثير من النباتات ثنائية الجنس في قمتها لتسهيل عملية التأبير، كما هي الحال في الذرة الشامية.

       3. التكيف من أجل مقاومة أفضل للظروف المناخية

تلجأ النباتات الملحية إلى رفع الضغط الأسموزي بداخلها من أجل تجنب فقد الماء، في حين أن المخروطيات تقاوم الجفاف والبرد الشديد بجعل أوراقها إبرية الشكل. وقد تكيَّفت النباتات الصحراوية مع الجفاف بطرائق عدة، منها: أنها نباتات شوكية صغيرة الأوراق أو أعشاب أو شجيرات قصيرة، أو دورة الحياة قصيرة كالخشخاش البري، أو امتداد الجذور لأعماق كبيرة في الأرض للوصول إلى الماء الجوفي كالنخيل وبعض الشوكيات (الشكل 2 – أ)، أو تغطى أوراق بعض النباتات الصحراوية بأوبار وشعيرات، أو يحاط النبات بطبقة عازلة من الزيوت الطيارة مثل نبات الشيح، أو سقوط الأوراق سريعاً قبل حلول الجفاف وقيام السيقان المتحوِّرة بعملية البناء الضوئي، وتكون السوق في تلك النباتات مغلفة بطبقة رقيقة شمعية تحول دون تبخر الماء منها كما في التين الشوكي، أو وجود كميات كبيرة من الأنسجة الداعمة التي تحول دون تهدل النبات. وقد يكون النبات عصارياً، له تكيفات تسمح بتخزين الماء في أوراقه الضخمة أو سيقانه أو جذوره. وهذا يسمح له بالبقاء على قيد الحياة في البيئات القاحلةمثل نبات الصبار البربري (الشكل 2 - ب) .

              أ‌-     تكيف جذور النباتات الصحراوية وأوراقها مع البيئة الجافة.             

 ب - شجرة الصبار البربري الباينيسيا في جنوب أفريقيا

الشكل (2)

مراجع البحث:

-      عبد الرحمن البربندي، الجراد الصحراوي، دار النفائس، بيروت 2005.

-        D. V. de Andrade, C. R. Bevier, J. E. de Carvalho, Amphibian and Reptile Adaptations to the Environment: Interplay Between Physiology and Behavior, CRC Press 2017.

-        I. F. G. Tejero, V. H. D. Zuazo, Water Scarcity and Sustainable Agriculture in Semiarid Environment: Tools, Strategies, and Challenges for Woody Crops, Academic Press 2018.


- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1