التكافؤ
تكافو
Valence -
هيام بيرقدار
التكافؤ valence (valency) -في الكيمياء- عدد يدل على قدرة ذرة عنصر أو جذر radical على الارتباط بعدد من ذرات عناصر أخرى أو جذور لتشكل مركبات أو جزيئات. يعود أصل كلمة "تكافؤ" إلى عام 1425 وهي تعني "استخلاص أو تحضير"المشتقة من الكلمة اللاتينية valentia "القوة أو القدرة"، ويعود استعمال هذا المصطلح كيميائياً إلى عام 1884، ويعني "قوة ارتباط عنصر"، وهو مشتق من الألمانية valenz.
تطوَّر مفهوم التكافؤ في النصف الأخير من القرن التاسع عشر ونجح في تفسير البنية الإلكترونية للجزيئات العضوية واللاعضوية. وقد قاد البحث عن الأسباب الكامنة وراء التكافؤ إلى النظريات الحديثة للارتباط الكيميائي، ومنها البنى التي وصفها جلبرت نيوتن لويس G. N. Lewis عام 1916، ونظرية رابطة التكافؤ valence bond theory عام 1927، ونظرية المداري الجزيئي molecular orbital theory عام 1928، ونظرية تنافر الأزواج الإلكترونية electron pair repulsion theoryفي طبقة التكافؤ valence shellعام 1958، والطرائق المتقدمة في الكيمياء الكوانتية quantum chemistry.
التكافؤ بحسب تعريف الاتحاد الدولي للكيمياء النظرية والتطبيقية International Union of Pure and Applied Chemistry (IUPAC) هو العدد الأعظمي للذرات أحادية التكافؤ-مثل الهدروجين أو الكلور- التي تتحد مع ذرة العنصر؛ أو عدد الذرات التي يمكن أن تحل محلهفي مركب.
وهنالك تعريف حديث بديل: التكافؤ هو عدد ذرات الهدروجين التي تتحد مع العنصر في هدريد ثنائي مثل SiH4، أو هو ضعف عدد ذرات ذلك العنصر التي تتحد مع الأكسجين في أكسيده (أو أكاسيده). ويختلف هذا التعريف عن تعريف الاتحاد IUPAC في أنه قد يكون لعنصر معين أكثر من تكافؤ واحد.
نشر الكيميائي الإيرلندي وليم هيغنز W.Higgins عام 1784 آراء حول ما سماه "ارتباطات الجسيمات" فألقى الضوء على مفهوم روابط bonds التكافؤ. على سبيل المثال القوة بين الجسيم الأساسي للأكسجين والجسيم الأساسي - بحسب رأي هيغنز- للآزوت (النتروجين) هي (6)، فشدة هذه القوة تقسَّم بين الجسيمين. وماينطبق على هذين الجسيمين ينطبق أيضاً على ارتباطات الجسيمات الأساسية الأخرى، كما هو مبين في الشكل (1).
![]() |
الشكل (1) اتحادات الجسيمات الأساسية بحسب وليم هيغنز.
|
ويعود الابتداء الدقيق لنظرية التكافؤات الكيميائية إلى الكيميائي البريطاني إدوارد فرانكلاند Edward Frankland في نشرة علمية عام 1852مزج فيها النظريات القديمة المتعلقة بالجذور الحرة free radicals مع "النظرية النمطية type theory" مع أفكار عن الإلفة الكيميائية، فقال: إن عناصر معينة لها ميل لكي تتحد مع عناصر أخرى لتشكل مركبات تحوي -على سبيل المثال- (5)إلكترونات في الفصيلة (5) مثل NO5، وNH4O، وPO5 بارتباطها مع ما يكافئها من العناصر المرتبطة، وبهذه الطريقة -وفق فرانكلاند- تكون إلفاتها قد أُشبعت، فمهما كانت صفات الذرات المرتبطة فإن قوة الارتباط للعنصر الجاذب يتطلب العدد نفسه من الذرات المرتبطة دوماً. وقد سميت "قوة الارتباط" هذه فيما بعد التكافؤ valency (أوvalence وفق تسمية الكيميائيين الأمريكيين).
وقد كان تفسير اختلاف التكافؤ من عنصر إلى آخر من أكبر التحديات التي واجهها كيميائيو القرن التاسع عشر، ونظراً لعدم وجود نظرية تعنى بالموضوع لجؤوا إلى التجربة لتعيين تكافؤات العناصر المختلفة. وصار التكافؤ يقدر بعدد ذرات الهدروجين التي يرتبط بها العنصر أو عدد ذرات الهدروجين التي يحل محلها في مركب. ففي الميتان CH4 -على سبيل المثال- يرتبط الكربون بأربع ذرات هدروجين وهذا يعني أن تكافؤ الكربون (4)، وفي النشادر NH3 يرتبط الآزوت بثلاث ذرات هدروجين فتكافؤ الآزوت (3)، وفي الماء H2O يرتبط الأكسجين بذرتي هدروجين فهذا يعني أن تكافؤ الأكسجين (2)، وفي كلوريد الهدروجينHCl يرتبط الكلور بهدروجين واحد. ولا يبين التكافؤ هندسة جزيئات المركبات من وجهة نظر تموضع الإلكترونات، أو من حيث كون المركب إيونياً ionic أو مشتركاً (تساهمياً) covalent.
إن نظرية التكافؤ البسيطة هذه غير كافية لعدة أسباب:
1- لا يمكن بتطبيق هذه النظرية تفسير الكثير من الحقائق التجريبية. مثال ذلك الروابط C-C في جزيء البنزن C6H6 المتماثلة كيميائياً وفيزيائياً. كما أنها تخفق في معرفة بنية ضروب هدريد البور مثل B2H6، كما تخفق في تعليل كون الرابطة H-H أقوى من الرابطة C-C بكثير، وتخفق أيضاً في تعليل الشكل الخطي لجزيء ثنائي أكسيد الكربون CO2 مقابل جزيء الماء H2O غير الخطي، ولا تصلح لتعليل القوانين التي تتحكم بسرعة الاتحادات الكيميائية.
2- إن التفسيرات التي تقدمها هذه النظرية غير مقنعة فيزيائياً، فالثباتية التي يكتسبها الجزيء بتشارك ذراته في الجزيء بثنائيات إلكترونية أمر محقق، ولكن ماهو سبب هذا الثبات؟
3- لا تبحث هذه النظرية بحثاً كمياً على نحو يفيد في معرفة العلاقة المتبادلة بين بنية الجزيء والخواص الفيزيائية المختلفة له، فهناك الكثير من خواص الجزيئات التي يمكن قياسها والكثير منها على درجة كبيرة من الدقة. والنظرية الأفضل هي التي تعلِّل هذه الخواص كمّياً.
يعود أول تقدم في الفهم الكيفي للرابطة الكيميائية chemical bond إلى الكيميائي الأمريكي لويس عام 1916، فحسب هذه النظرية ترتبط الذرات في الجزيئات المستقرة بحيث تأخذ بنية الغاز النبيل المجاور لها. وهذا يعني أن يصبح حول كل ذرة ثمانية إلكترونات تكافئية، وهو ما يدعى قاعدة الثمانية octet rule، فعندما يتحد الصوديوم مع الكلور Cl لتشكيل كلوريد الصوديوم NaCl يخسر الصوديوم إلكتروناً وتصبح بنيته مثل بنية النيون؛ ويكسب الكلور إلكتروناً وتصبح بنيته مثل بنية الغاز النبيل المجاور له الأرغون Ar المعادلة (1).
(1) | ![]() |
أما عندما تتشكل رابطة مشتركة، فإن الذرتين تشتركان بزوجين من الإلكترونات pair (ثنائية إلكترونية) وتخضع على الأغلب لقاعدة الثمانية، فالكربون - على سبيل المثال- يصير حوله ثمانية إلكترونات في CH4 وذلك بتشارك كل من إلكتروناته التكافئية مع ذرة هدروجين التي تشترك بإلكترون واحد. وبصورة مشابهة ذرة الآزوت التي تحوي(5) إلكترونات تكافئية يصبح حولها ثمانية إلكترونات في NH3 باشتراك (3) إلكترونات مع ذرات H ويبقى حول الآزوت إلكترونان حرّان، والأكسجين الذي فيه ستة إلكترونات تكافؤ يصبح له بنية غاز نبيل ويبقى فيه ثنائيتان إلكترونيتان غير مشتركتين وذلك بارتباطه بإلكترونين من ذرتي هدروجين كما هو مبين في الشكل (2) ويُرمز إلى الزوجين الإلكترونيين المشتركين بخط. والإيونات متعددة الذرات مثل و-OH لها بنية تخضع لقاعدة الثمانية، فالهدروجين كما هو مبين في الشكل يكون حوله إلكترونان مثل البنية الإلكترونية للهليوم، ويمكن القول: إن الهدروجين يخضع لقاعدة الثنائية doublet، ويطبق تعليل شبيه في حالة الروابط المشتركة للمعادن الانتقالية التي يتجاوز عدد الإلكترونات فيها قاعدة الإلكترونات الثمانية.
![]() |
الشكل (2) بنى لويس الإلكترونية. |
ترتبط ذرات الكربون بذرات الأكسجين مكوّنة جزيئات مثل CO2، ولا يمكن فهم بنية هذه الجزيئات بحسب قاعدة الثمانية إلا إذا ارتبط الكربون بالأكسجين بزوجين من الإلكترونات المشتركة؛ أي إن الرابطة ثنائية أو مضاعفة، أما في الجزيئات HCCH وHCN فيرتبط الكربون بالكربون بثلاثة أزواج من الإلكترونات وكذلك الكربون بالآزوت؛ أي إن الرابطة ثلاثية.
الطيوف الذرية: بيَّنت الطيوف الخطية أن الذرات تصدر طاقة على شكل كمّات quanta، مما يدل على أن طاقة الإلكترون فيه مكمّاة؛ أي إن للإلكترون سويات طاقة محدّدة في الذرة. وقد اكتشف الفيزيائي الدنمركي بور NielsBohr هذا الأمر ووضع نموذجاً لبنية الذرة عام 1913، علماً أنه تبيَّنت حاجة نظرية بور إلى التعديل فيما بعد، ولكنه كان أول من وضع فكرة الأعداد الكوانتية (الكمومية) quantum numbers.
وبحسب نظرية بور فإن الأمواج الإلكترونية في الذرات هي أمواج مستقرة بطونها وعقدها ثابتة stationary، فكل موجة مستقرة أوما يسمى مدارياً orbital -ووفق الميكانيك الموجي- يوصف سلوك الإلكترون بدالة (تابع) موجية تعين احتمال وجوده في مكان معين وفي زمن معين، وتتطابق احتمالات وجوده الأعظمية مع الصورة التقليدية لمدار orbit الإلكترون حول نواته (أي في طبقاته)، وهذا ما أصبح يسمى مدارياً، وكذلك حول نوى الجزيئات مشيراً إلى الروابط بينها. يحدَّد المداري بثلاثة أعداد كمومية n وl وm. وتتحدد الطبقة shell بالعدد n، والطبقات الفرعية بـ l، وعدد الإلكترونات في مدارات الطبقة الفرعية بـ m.
الأمواج المادية matter waves: ظهر السلوك الموجي للإلكترونات والجسيمات الصغيرة الأخرى بتجارب الانعراج diffraction التي فسَّرها الفيزيائي الفرنسي دي بروي BroglieDe ، وطبَّق الفيزيائي النمساوي شرودنغر Schrodinger هذه الأفكار على الذرة ووضع نظرية يطلق عليها الميكانيك الموجي أو الميكانيك الكوانتي quantum mechanics.
الترتيب الإلكتروني: يحدد مبدأ الاستبعاد لباولي Pauli’s exclusion principle-المبني على التدويم (الفتل) الذاتي (السَبين spin) للإلكترون- وجود إلكترونين فقط تدويمهما الذاتيان متعاكسان في كل طبقة فرعية. والبنية الإلكترونية للعنصر في الحالة الدنيا يحصل عليها بملء المدارات بدءاً من الطبقة الفرعية 1S وبتطبيق مبدأ الاستبعاد لباولي وقاعدة هوند Hund(تتوزع الإلكترونات بأكبر قدر ممكن من التوزع في المدارات ذات الطاقة المتساوية). ويصادف ترتيبات إلكترونية تشذ عن القاعدة مثل الكروم والنحاس نظراً للاستقرار الكبير الناتج من ملء نصف المدارات أو ملئها بكاملها.
يقتصر الاهتمام بالتكافؤ في الوقت الحالي على المبتدئين بدراسة العلوم فقط؛ إذ إنه يعطي مقدمة عن موضوع الرابطة الكيميائية، كما يشجِّع الطلاب على اكتشاف حلول للمشاكل العلمية.
مراجع للاستزادة: - A. Korchef, Understanding General Chemistry, CRC Press 2022. - S. Liu, Conceptual Density Functional Theory: Towards a New Chemical Reactivity Theory, Wiley-VCH 2022. - K.W. Whitten et al.,Chemistry, Brooks / Cole, 2010.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد التاسع، طبعة 2025، دمشق مشاركة :