تلوث مياه
Wate pollution -



تلوث المياه

محمد سمير الفقير

مصادر تلوث الموارد المائية

أنواع التلوث الرئيسة للمياه العذبة الصالحة للشرب ومخاطرها على الإنسان والبيئة

معايير المياه العذبة الصالحة للشرب ومؤشراتها

منظومات مراقبة تلوث المياه ومكوناتها

معالجة المياه الملوثة وتنقيتها، وتقانات تنمية الموارد المائية

 

تُعدُّ المياه المصدر الأساسي لديمومة الحياة، وتُقدَّر كمية المياه العذبة نحو 2.5 إلى 2.75% من مجمل المياه المتوفرة في الكرة الأرضية، يرتبط تلوث المياه water pollution وتحولاته في الطبيعة في الكثير من الأحيان بطبيعته الفيزيائية وبنيته الكيميائية وبيئة المياه العذبة.  

يعرف تلوث المياه بأنه انحلال مواد غريبة فيه، أو اختلاطه بها، بشكل يحرفه عن المعايير التي تضبط استخدامه لغايات محددة. وتلوث المياه بالمجمل يُحْدِث تغيراً فيزيائياً أو كيميائياً في العناصر الداخلة في تركيب المياه بطرائق مباشرة أو غير مباشرة، ويؤثر في خصائصها الطبيعية والحيوية والكيميائية؛ مما يجعل المياه أقل صلاحية للاستخدام، كانحرافها عن معايير مياه الشرب بسبب التلوث. ويمكن القول إن تلوث المياه العذبة يعني إفسادها ببعض الملوثات التي تجعلها غير قابلة لاستخدامها مياهاً عذبة. ويرتبط تلوث الماء وتحولاته في الطبيعة في الكثير من الأحيان بطبيعته الفيزيائية وبنيته الكيميائية، وطبيعة الطبقة المائية الصخرية aquifer المخزنة للمياه العذبة الجوفية.

 من الخصائص المهمّة للماء التي ترتبط بتلوثه هي قدرته على حلِّ الملوثات فيه؛ لأنه من أفضل العوامل المؤينة ionizing agents المعروفة. ونظراً لانحلال معظم المواد في الماء فإنه يدعى مُحِلّاً عاماً universal solvent، ومن أهم خواصه الكيميائيةِ قدرته الاستثنائية على حل طيف عريض من الكهرليتات electrolytes، ومنها الأملاح التي تتأين عند انحلالها فيه، والمواد الغروية التي تتعلق فيه على شكل دقائق صغيرة للغاية كالمستحلبات، واللا كهرليتات nonelectrolytes مثل سكر الغلوكوز، الذي يحافظ على تركيبِه الجزيئيّ عند انحلاله بالماء، ولا يتفكك إلى شوارد (إيونات). ومن ثم فإن الماء يمكن أن يشكل طيفاً عريضاً من المحاليل المائية، غير أنه يمكن في المسطحات المائية في الطبيعة تمييز مجموعة من المواد الشائعة التي تكون في المياه في معظم الحالات على شكل مواد لا عضوية، ومنها إيونات موجبة (كاتيونات cations) معظمها إيونات الصوديوم والبوتاسيوم والكلسيوم والمغنزيوم، وإيونات سالبة (أنيونات anions) معظمها إيونات الكلور والكبريتات والبيكربونات والكربونات. ونظراً لقدرة الماء على حل المغذِّيات وتشكيل بيئة ملائمة ضمن شروط معيّنة لنمو الجراثيم؛ فإنه يمكن أن يكون في درجات حرارة وحموضة مناسبة حاضناً للجراثيم الخطرة والملوثات الحيوية الأخرى.

تمثل الموارد المائية عنصراً أساسياً في الغلاف المائي للأرض وجزءاً لا غنى عنه في جميع المنظومات البيئية. وتتسم بيئة المياه بدورتها الهدرولوجية (الشكل 2):

   

الشكل (1) دورة الماء في الطبيعة.    

 

يمكن أن تدخل الملوثات إلى المياه في أي مرحلة من مراحل دورتها الطبيعية التي تُعدّ الركن الأساسي في إدارة الموارد المائية.  

يبدأ البحث عن الحلول لقضايا تلوث المياه بدراسة آلية الدورة الهدرولوجية للماء وخواصها المختلفة، وفهم دورات الفيضانات والجفاف ورصد مختلف مصادر التلوث ووضع قواعد المعطيات والبيانات المتعلقة بها ودراستها؛ بغية تقدير الموارد المائية كمّاً ونوعاً، وكيفية توزعها وتقديمها جاهزة لصانعي القرار ومديري الموارد المائية لوضع السياسات المائية والقرارات الاستراتيجية التي تهدف إلى حل المشاكل المائية ومكافحة تلوث المياه، وإيجاد الأساليب المناسبة لمكافحة ظاهرة تقلص الموارد المائية المصاحبة للانفجار السكاني وزيادة الطلب عليها في مختلف القطاعات، وتحقيق الإدارة المتكاملة للموارد والتخطيط السليم لتلك الموارد والحد من تلوثها وحماية مصادرها وتنميتها بما يتناسب وتزايد السكان والتطور الحضري.

تسعى البحوث العلمية والتقانات الحديثة وما يصاحبها من اختراعات في قطاع المياه إلى التحكم في الدورة الهدرولوجية للماء بغرض تحقيق التوازن بين العرض والطلب عن طريق التدخل في دورة الماء والحد من توليد غازات الدفيئة والتلوث، وتدوير المياه المستعملة ومعالجتها وإعادة تغذية أحواض المياه الجوفية، والاستمطار، وتحلية مياه البحر وغيرها من التقانات المستحدثة؛ الأمر الذي يسمح بالتحكم في بعض عناصر التوازن البيئي لتحقيق الموازنة المائية والتخطيط لها بما يتناسب والاحتياجات والمتطلبات القائمة.

مصادر تلوث الموارد المائية

هناك العديد من ملوِّثات الموارد المائية،من أهمها ما يأتي:

1- التلوث الناجم عن تسرب المياه المالحة:

     يمثل زحف مياه البحر المالحة وتداخلها في الطبقات الحاملة للمياه الجوفية العذبة مصدرًا رئيساً  لتدهور نوعية المياه وارتفاع نسبة ملوحتها. وتزداد خطورة التسرب على المخزون الجوفي نتيجة تزايد الاستهلاك الذي يؤدي إلى اختلال التوازن بين المياه المالحة والمياه العذبة بسبب انخفاض مستوى المياه في الخزانات الجوفية؛ ممّا يسمح برشح المياه المالحة إلى المياه العذبة. ويغدو استغلال المياه الجوفية عديم الفائدة؛ ويحتاج إلى سنوات عديدة ليعود إلى حالته الأصلية.

وقد أدى الضخ المفرط من الآبار في سورية إلى جفاف بعض الآبار في شمالي اللاذقية، وفي جزيرة أرواد وجنوبي طرطوس وإلى تملحها بسبب تسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية. وقد نفذت الهيئة العامة للاستشعار عن بعد في المنطقة الساحلية من سورية دراسة لتحديد آبار لمياه الشرب في سرير نهر العرب عند برج إسلام تجاوز تصريفها 200 م3/سا، وتبين أنها تفتقر إلى مياه جوفية صالحة للشرب بسبب تملح معظمها لأسباب كثيرة، منها تسرب مياه البحر إليها.‏

2- التلوث الناجم عن النزاعات المسلحة:

شهدت المنطقة العربية في العقود الماضية كثيراً من النزاعات والصراعات المسلحة التي عاقت تطورها، وزعزعت استقرارها واستنفدت مواردها وطاقاتها؛ مما عرّض البيئة والموارد الطبيعية لانتهاكات خطرة. مثلاً أدت حرب الخليج في عام 1991 إلى تسريبات نفطية إلى الموارد المائية الجوفية والبيئة البحرية، وأثرت في عدد كبير من محطات تحلية المياه على طول سواحل شبه الجزيرة العربية، وكان لها تأثير سلبي في أهم مصدر للمياه العذبة الصالحة للشرب في دول مجلس التعاون الخليجي.

كذلك أوضحت منظمة الصحة العالمية أن الاعتداء الإسرائيلي في صيف 2006 على لبنان تسبب بأضرار أساسية للبنية التحتية لإمدادات المياه والصرف الصحي وما جرّته على الصحة العامة. وقد كان انتشار الأمراض عن طريق المياه - مثل الحمى التيفية والزحار وغيرهما - أهم المخاطر الناجمة عن انقطاع مصادر مياه الشرب الآمنة وإمدادات الصرف الصحي. 

كما أدت الحرب في العراق- بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2003- إلى تدهور قطاع المياه والصرف الصحي، كما تسببت أيضاً في تعويق إعادة إعمار قطاع المياه وتأهيله. وقد أدّى الضرر المباشر الناجم عن النزاع المتواصل إلى تدمير أنابيب جر المياه ومنشآت الصرف الصحي ومواقع معالجة المياه، وأدى تدهور معامل معالجة الصرف إلى تسرب الحموض والمذيبات والمنتجات الثانوية إلى المجاري السطحية مباشرة وتلويث المياه العذبة وتلويث مصادر مياه الشرب.

      وأدت العمليات والاعتداءات المختلفة على المنشآت الحيوية وإمدادات مياه الشرب وقطاع الكهرباء في سوريا - بدءاً من آذار عام 2011 في بعض مناطق سورية- إلى تلوث مصادر المياه العذبة الجوفية؛ الأمر الذي لا يمكن تقييمه والوقوف على مدى اتساعه على نحو واضح إلا بعد انتهاء الأزمة والدخول في مرحلة إعادة الإعمار.

 أنواع التلوث الرئيسة للمياه العذبة الصالحة للشرب ومخاطرها على الإنسان والبيئة

تترابط قضايا التلوث بعضها مع بعض في منظومة معقدة من العلاقات المتبادلة بين التلوث وتوازن المنظومة البيئية. يهدد تلوث المياه الأشخاص الذين يتعاملون مع المياه السطحية من أنهار وبحيرات وغيرها وكذلك الذين يستعملون تلك المياه سواء للشرب أم لغايات أخرى. ويمكن أن ينتقل التلوث من المياه إلى النباتات المستعملة غذاء للإنسان. ويؤثر تلوث المياه أيضاً في الحياة المائية مسبباً أضراراً للبيئة الطبيعية، وتُعدّ مياه الصرف الصحي والمياه الصناعية ومياه الصرف والرشح الزراعي ومياه السيول من مصادر تلوث المياه.

فالمنظومة البيئية وحدة طبيعية متكاملة نسبياً، وهي نتاج التأثير المتبادل بين مختلف عناصرها الفيزيائية والكيميائية والحيوية، أي إنها صيغة تفاعلية- توازنية داخلية بين مكوناتها من جماد وأحياء. تنظف الطبيعة نفسها بنفسها عادة بآليات طبيعية معقدة ومتداخلة، فبالرجوع إلى المنظومة البيئية البحرية في أعالي المحيطات مثلاً يتبين أن مياهها صافية مع أن مليارات المليارات من الأجيال المتعاقبة من الأحياء البحرية أفرزت مخلفاتها الحيوية فيها، واندثرت وتفسخت على مر الدهور، وتفكك الأحياء الدقيقة (البكتريا) تلك المخلفات إلى مكونات أبسط تتغذى بها الطحالب والنباتات البحرية، لتكون فيما بعد غذاء للأسماك والأحياء الحيوانية وتتصل هذه الدورة البيئية المغلقة والمتوازنة، ويبقى الماء صافياً غير أن سرعة التلوث نتيجة نمو الحياة الحضرية قد تكون- في الكثير من الأحيان- أسرع من آليات التنظيف الذاتي للبيئة، وينشأ بنتيجة ذلك الكثير من مظاهر التلوث المفتعلة الناجمة عن نشاطات الإنسان المختلفة والخطرة على استقرار التوازن البيئي وصحة الإنسان. ترتبط الغالبية العظمى من الأمراض الناجمة عن تناول مياه الشرب الملوثة بالمتعضيات الحية الممرضة (كالجراثيم والبكتريا والڤيروسات والأحياء وحيدات الخلية، والديدان وبيوضها). وهذا ما يدعى عادة بالتلوث البيولوجي أو التلوث المكروبي microbial contamination لمياه الشرب. ومع ذلك يمكن أن يرجع عدد من الأمراض الخطرة الناجمة عن تناول مياه الشرب الملوثة إلى تلوث مياه الشرب بالملوثات الكيميائية. ومن ثم يمكن تصنيف تلوث مياه الشرب في أربعة أنواع رئيسة:

1.  التلوث البيولوجي بالدقائق الحية المجهرية (التلوث المكروبي).

2.  التلوث الكيميائي  chemical contaminationبالمواد الكيميائية كالمبيدات أو الأدوية الزراعية، أو المعادن الثقيلة.

3.  التلوث الإشعاعي، ويتميز بالمظاهر المشعَّة  aspects radiological   للماء الملوث.

4.  التلوث الفيزيائي أو الظاهري الناجم عن تغير لون الماء أو عكارته أو رائحته أو طعمه وهو يميز مظاهر صلاحية المياه للشرب acceptability aspects.

تُعدّ مياه الشرب الملوثة المسبب الرئيسي للمرض والوفاة في العالم. فهناك أمراض تنجم عن شرب المياه الملوثة أو التعامل معها، وأمراض أخرى تنجم عن التعرض لمواد كيميائية ضارة طبيعية المنشأ أو لملوثات من صنع الإنسان تمتزج بالمياه الجوفية أو السطحية، ومثالها تلوث المياه الجوفية بالمبيدات الكلورية مثل ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان (د.د.ت) Dichlorodiphenyltrichloroethane (DDT) الصعب التفكك الذي يمكن أن يدخل السلسلة الغذائية، ويستمر بالتنقل من وسط إلى آخر سنوات متعدّدة. ترتبط بالمياه الملوثة كذلك مخاطر صحية قصيرة وطويلة الأجل تسببها عضويات مجهرية ممرضة كالبكتريا والڤيروسات والطفيليات، أو مواد كيميائية كالمعادن والمبيدات والمنتجات الثانوية الناتجة من المطهرات وغيرها أو مواد سامة ناجمة عن ذيفانات الكائنات المجهرية. كما يمكن أن تتسرب الملوثات الموجودة في مياه الري إلى المنتجات الزراعية، فتدخل السلسلة الغذائية، وتثير مشاكل صحية. وإن عدم وجود شبكات أمينة لتصريف المياه المستعملة وبقاء قنواتها وبركها مفتوحة قد يجعل منها مجالاً خصباً للكثير من مسببات المرض.

 معايير المياه العذبة الصالحة للشرب ومؤشراتها

إن الحصول على مياه شرب نظيفة ضرورة جوهرية من ضرورات الصحة، وأحد حقوق الإنسان الأساسية، ومكون أساسي من مكونات الحماية الصحية للمجتمعات. وقد انعكس تطور العلوم الصحية والنظام الصحي المرتبط بالمياه في مخرجات العديد من المنتديات والمؤتمرات العالمية. وجاء في إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول /ديسمبر عام 2003 تخصيص العقد مِنْ عام 2005 إلى 2015 لتحقيق الهدف السامي“الماء من أجل الحياة Water for Life”، ثم دخلت التوصية ضمن التنمية المستدامة التي تمتد حتى عام 2030. وتسعى الحكومات والمنظمات الدولية إلى تحديد المؤشرات والمعايير ووضع خطط لإدارة مخاطر مياه الشرب لضبط تلوثها، وتوفير مياه صالحة للشرب تكون فيها نسب الملوثات بالحدود الدنيا، ولا تتجاوز القيم التي تحددها المعايير المذكورة. وتهدف مؤشراتجودة مياهالشرب التي تحددها بعض المنظمات- مثل منظمة حماية البيئة الأمريكية(EPA) Environmental Protection Agency  والمنظمة الدولية للأغذية والزراعة (الفاو/(FAO) Food and Agriculture Organization  ) ومنظمة الصحة العالمية  (WHO) World Health  Organization   - إلى حمايةالصحة العامة في العالم. وتتضمن مؤشرات جودة مياه الشرب بيان النوعيات الخاصة لمياه الشرب وتصنيفها وفقاً للاستخدامات وطرائق الاستهلاك، وتحديد المؤثرات المختلفة في نوعية المياه كطرق التعقيم ومعالجة مياه الشرب، وشروط الاستخدام، والوضع الخاص لبعض الدول، والمصادر المائية. فالقرائن المحدّدة للمياه المستخدمة في الصناعات الدوائية والصيدلانية، ولغسل العدسات اللاصقة، وغسل الكلى هي غير المواصفات والحدود المسموح بها في المعايير المطلوب توفرها في المياه المستخدمة للشرب فقط، ويمكن لمثل هذه المؤشرات والمعايير أن تشكل الأساس الذي تنطلق منه استراتيجيات إدارة الخطورة الوطنية أو الإقليمية لمياه الشرب للحد من انتشار الأمراض الناجمة عن تلوثها.

توجه منظمة الصحة العالمية إلى أن التطبيق الأمثل لحماية مياه الشرب من التلوث يتمثل بتقصي أسباب التلوث من مصادره المختلفة وطرائق إيصال مياه الشرب إلى المستهلك (شبكات توزيع مياه الشرب، وعبوات المياه وغيرها)، والإدارة المتكاملة الوقائية لمياه الشرب.

وصدرت المعايير القياسية السورية لمياه الشرب (جودة المياه) عام 2007؛ مبينة أهم موسطات (ضوابط) parameters تلوث المياه، وخواصها وآثارها الصحية والبيئية، وطرائق معالجة تأثير تركيز الأكسجين المنحل والأملاح الكلية والمواد المعلقة في المياه ومحتواها من الجراثيم وما تسببه من أمراض مختلفة، كما تضمنت تأثير مواد مختلفة من فسفور وآزوت منحل وزيوت وشحوم، وكذلك مواضيع اللون والعكارة، وتأثير درجة الحموضة (الباهاء pH) ودرجة حرارتها. 

 منظومات مراقبة تلوث المياه ومكوناتها

تعتمد منظومات مراقبة تلوث المياه على عدد من المكونات الرئيسة تتلخص بالآتي:

- نظم إدارة الموارد المائية وسياستها والتشريعات والآليات المعتمدة لمراقبة تلوث المياه ومكافحته.

- طرائق تحليل المياه ونظمها ووسائلها ومراقبة تلوثها.

وتستخدم المؤسسات التي تقوم برعاية مصادر المياه العذبة ومياه الشرب العديد من الوسائل الفنية والتقنية لتحليلها ومراقبة تلوثها.

يعتمد ضبط جودة تحليل الملوثات في المياه العذبة على مراعاة الخطوط  الرئيسة لاختبار طرائق التحليل، وعلى أجهزة القياس المستخدمة ومعايرتها دورياً للحصول على النتائج الصحيحة باستخدام محاليل عيارية، وعينات مرجعية عيارية، وعينات مراقبة، وعينات برامج المقارنة المشتركة مع مختبرات أخرى موثوقة؛ على أن يتم  ضبط الشروط  المؤثرة في نتيجة التحليل كتراكيز المكونات المختلفة ودرجة الحموضة والضغط والرطوبة ودرجة الحرارة؛ بحيث تتحقق التكرارية المطلوبة لنتائج التحليل. ومن الضروري أن يقوم بالعمل فنيون أكفاء ذوو خبرة لإنجاز التحاليل، وكذلك المشاركة بالبرامج الدولية والقطرية والوطنية لضبط الجودة في مخابر تحليل للملوثات وبرنامج هيئة الطاقة الذرية الدوري بدمشق. وتُعدّ نمذجة أعمال مخبر التحليل وضبطها وفق منهجية جودة المخابر ISO17025 واعتماده من قبل جهة عالمية موثوقة؛ أحد الأركان الأساسية لوثوقية نتائجه وأدائه.

تشكل عملية توثيق النتائج ومعالجتها على أسس سليمة إحدى الدعائم الرئيسة لتحقيق الجودة والدقة في أداء مخبر التحليل، ويجب أن تتم عمليات التوثيق وتخزين المعطيات وتصنيفها بحيث يسهل استرجاعها والمحافظة عليها.

تعتمد عمليات تحليل المياه العذبة على تحاليل بيولوجية لتقدير الملوثات الخطرة والتعداد الجرثومي؛ وعلى وسائل تحليل كيميائي والوزن لتقدير المواد المنحلة بعد ترشيح العينة وتبخيرها. وتشمل تحاليل المياه العذبة الملوثة عادة كشف الملوثات الخطرة وتحديد كمياتها، والمعطيات الأساسية التي تميز مواصفات المياه وخواصها الفيزيائية (درجة حرارة الماء ودرجة الحموضة وقياس الناقلية والقلوية والمواد الصلبة الكلية المنحلة وتقدير المواد الصلبة الكلية المعلقة  وكشف مختلف الإيونات الموجبة والسالبة وتحديدها وتحديد الأكسجين المستهلَك بيولوجياً (البيوكيميائي) لخمسة أيام والأكسجين المستهلَك كيميائياً، وتحديد الكلور المتبقي، وقياس الملوثات العضوية الخطرة والمبيدات الملوثة للماء وتحديدها، ونواتج الكلورة المسرطنة الخطرة كثلاثي الهالوميتان، والهدروكربونات متعددة النوى العطرية المسرطنة المنحلة في الماء).

معالجة المياه الملوثة وتنقيتها، وتقانات تنمية الموارد المائية

تتعلق طرائق معالجة المياه العذبة الملوثة وتنقيتها بطبيعة المياه ومصادرالتلوثومستواه واقتصادية الطريقة وكمية المياه المراد معالجتها، وتسعى المعايير القياسية لمياه الشرب أو مياه الري والمعيار الخاص بصرف مياه المنشآت الصناعية إلى شبكة المجرور العام إلى وضع الضوابط التي توفر حماية الموارد المائية من جهة، ووضع الأسس التي سيتم بموجبها معالجة المياه الملوثة للحصول على مياه تتوافق مع استخدامات محددة، مثل معالجة المياه العذبة الملوثة لتغدو صالحة للشرب، أو معالجة مياه الصرف لتصبح صالحة للري، وغيرها من الاستخدامات المختلفة للمياه. تتم معالجة المياه الملوثة بالتحليل والمراقبة قبل المعالجة وبعدها.

ومن التقانات المهمّة المستخدمة لمسح مناطق تلوث مصادر المياه الاستشعار عن بعد ومنظومات المعلومات الجغرافية (GIS) Geographic Information System . ويمكن عن طريق معالجة المياه الملوثة والمالحة في محطات المعالجة توفير موارد مائية غير تقليدية وإعادة تدوير مياه الصرف في الوطن العربي، كما يفيد استخدام أساليب الاستمطار الصناعي وحصاد المياه في تنمية الموارد المائية، ويمكن تعقيم مياه الشرب وتنقيتها بطرائق مختلفة كالمعالجة بالأوزون أو الكلور وسواها من المؤكسدات، بيد أنه لا بدّ من الإشارة إلى وجود مشاكل تتعلق بمعالجة مياه الشرب بالكلور؛ لاحتمال تشكل مواد مسرطنة مثل ثلاثي الهالوميتان الناجم عن أكسدة المواد العضوية الموجودة في المياه المراد تعقيمها. وثمة بحوث كثيرة حول معالجة هذه القضية وإيجاد المطهرات البديلة كالأوزون O3 والماء الأكسجيني، أو عملية الجمع بينهما  H2O2- ozon e  لتشكيل جذور الهدروكسيل الأقوى كمؤكسد من الأوزون. ويمكن تلخيص تقانات نزع الملوثات من المياه وتحلية مياه البحر والمياه الجوفية المالحة ومياه الشرب الملوثة كما يلي:

1.      التقطير الومضي متعدد المراحل.

2.      التحلية بالتبخير متعدد التأثير.

3.      التحلية بالضغط البخاري (الحراري والميكانيكي).

4.      التحلية بالتناضح العكسي Reverse Osmosis  (RO).

5.      الأغشية المختلفة المستخدمة في التناضح العكسي ومرشحات النانو Nano filtration.

6.      التحلية بالفرز الغشائي الكهربائي (الديلزة) Electro Dialysis (ED).

يخضع اختيار الطريقة المناسبة لاعتبارات اقتصادية وتقييم للجدوى وفقاً لمستوى تلوث المياه، ويرتبط استخدام إحدى طرائق التحلية وإزالة التلوث عادة بتوفر مصادر الطاقة، ويلاحظ عموماً وجود ارتباط لتنمية الموارد المائية حالياً ومستقبلاً بين قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة وقطاع تحلية مياه البحر وإزالة الملوثات من المياه العذبة الملوثة.

وما تزال البحوث المتعلقة باعتماد الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وربطها في حل مشاكل تلوث المياه العذبة وتحلية المياه المالحة وإعادة تدوير المياه المستعملة في منطقة الشرق الأوسط وشماليّ إفريقيا في بداياتها.

مراجع للاستزادة:

-   الإسكوا، تقييم إدارة نوعية المياه في منطقة الإسكوا، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، الأمم المتحدة، 2007.

-   المواصفة القياسية السورية 45 لمياه الشرب – المراجعة الثانية – وزارة الصناعة – هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية، 2007.

-       K. K. Dubey et al., Challenges and Sustainable Solutions in Bioremediation,CRC Press 2025,

-       J. K. Edzwald, Water quality & treatment : A Handbook on Drinking Water; American Water Works Association; 2011.

-       B. Reddy, Freshwater Pollution: Causes and Solutions,Educohack Press 2025.

-       S. Utandhi et al., Technologies for Soil and Water Pollution Remediation,Elsevier 2026.

 


- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1