التصوير الضوئي
تصوير ضويي
Photography -
محمد وليد الجلاد
تاريخ التصوير الضوئي | التصوير الضوئي ومذاهبه |
التطورات التقنية في التصوير الضوئي | معالجة الأبيض والأسود وطبع الصور |
ضروب التصوير | التطورات الحديثة في التصوير الضوئي |
التصـوير الضـوئي photography تقنية تقـوم عـلى استخدام إشعاع الضوء لتسجيل صورة غرض ما على مادة حساسة بالضوء. والتسمية تعريب لكلمة مركبة عن اليونانية القديمة: photos ومعناها «ضوء»، وgraphein ومعناها «يرسم أو يصور». يعزى أول استعمال لهذا المصطلح إلى العالم البريطاني جون هرشل John Herschel عام 1839. يعد التصوير الضوئي وسيلة للاتصال والتعبير المرئي، وله قدرات جمالية شتى، وأهم خصائصه آنيّته. فالخيال (الصورة) image الذي ترسمه عدسة الكاميرا على مادة حساسة للضوء هو وليد لحظة معينة، ويتمتع بدرجة عالية من المصداقية لا تشاركه فيها أي وسيلة أو تقنية أخرى لصنع صورة، حتى سار به المثل «الكاميرا لا تكذب» “the camera does not lie”. ولم يعد مثل هذا المثل صالحاً بعد أن دخلت التقانة الحاسوبية الرقمية.
التصوير الضوئي هو محصلة اكتشافات تقنية متعددة تراكمت على مر العصور، وقبل أن تُصنع الكاميرا المعروفة بزمن طويل. وتُعد الحجرة المظلمة camera obscura الجد الأول للكاميرا الحديثة، وهي حجرة أو صندوق صغير معتم تماماً، في أحد جدرانه ثقب صغير (زود فيما بعد بعدسة) ترتسم من خلاله أخيلة الأشياء الموجودة في الخارج على الجدار الداخلي المقابل. وهذه الظاهرة معروفة منذ القديم، وقد أشار إليها الفيلسوف الصيني مو تي Mo Ti و أرسطو Aristotle وسمّاها إقليدس Euclid الحجرة ذات الثقب pinhole camera. كذلك درس العالم العربي الحسن بن الهيثم (432-354هـ/965-1040م)، في كتابه «المناظر»، أثر الضوء عند مرور أشعة الشمس من ثقب في جدار الحجرة المعتمة، وشرح كيفية تشكل خيال مقلوب غير حاد الملامح على الجدار المقابل للثقب. وفي القرن السادس عشر صنع العالم الإيطالي غيامباتستا ديلا بورتا Giambattista della Porta، صندوقاً مغلقاً له عدسة (الشكل1)، كان الفنانون التشكيليون في عصر النهضة يستخدمون أنواعاً منه للحصول على أخيلة يمكنهم رسم لوحات عنها. وأعقب ذلك تجارب ومحاولات تحسين انتهت إلى استخدام العدسات والحجاب الحاجز للتحكم في فتحة العدسة ووضوح الصورة، وهي العناصر الثلاثة الأساسية للتصوير الضوئي.
![]() |
الشكل (1) مفهوم الحجرة المظلمة كما وصفها غيامباتستا ديلا بورتا، رسم بالزيت 1558. |
التصوير الشمسي heliography: يبدأ تاريخ التصوير الضوئي الفعلي على يد المخترع الفرنسي جوزيف نيسيفور نيبس Joseph Nicéphore Niépce، الذي فكَّر في الاستعانة بالضوء لنسخ الصور على لوح الطباعة بعد طليه بمحلول الحُمَر (القار) bitumen مع زيت الخزامى lavender oil، ومن ثم تعريضه لأشعة الشمس، فيغدو الطلاء أبيض ويتصلب تحت المساحات التي تعرضت للضوء، ويبقى رطباً في المناطق المعتمة من الرسم، بحيث يمكن غسله وإزالته بمذيب، مخلفاً صورة موجبة دقيقة ودائمة. أطلق نيبس على هذه العملية اسم التصوير الشمسي heliography، وطبَّقها على ألواح الحجر والزجاج والزنك والبيوتر pewter (خليطة من الرصاص والقصدير). واستخدم في عام 1826 كاميرا معتمة (الشكل 2) لصنع أول صورة ضوئية ناجحة على لوح من البيوتر، وقد دامت مدة التعريض نحو 8 ساعات (الشكل 3). وأثمر تعاونه في عام 1829 مع مواطنه لويس داغير Louis Daguerre عن تحسين هذه التقنية مستعيضَين عن الحُمَر براتنج أكثر حساسية.
![]() |
الشكل (2) النموذج الأولي للكاميرا. |
![]() |
الشكل (3) أول صورة ضوئية ما تزال موجودة للمصور نيسيفور نيبس (1826). المنظر من نافذة مطلة على شارع لو غرا Le Gras (سان- لوب دو فارين – فرنسا). |
كان لويس داغير رسام مناظر للمسرح scene painter، ويستعين بالكاميرا المظلمة والكاميرا المضيئة camera lucida، (أداة استنساخ بصرية تتألف من موشور رباعي على حامل فوق الورقة) لإنتاج لوحات مصورة. وتوصل في عام 1835 - بعد وفاة نيبس- إلى استعمال لوح من نحاس طلاه بيوديد الفضة iodized silver، وظهّره ببخار الزئبق mercury vapor وثبت الصورة بمحلول ملح الطعام الحار، وأنتج صوراً واضحة التفاصيل، مختصراً الزمن إلى 30 دقيقة. وقد عرفت طريقته باسم «الداغيروتايب Daguerotype» ( الشكل 4).
![]() |
الشكل (4) أول صورة بطريقة الداغيروتايب، شارع الهيكل du Temple Boulevard، باريس 1838 (تصوير لويس داغير). |
في الحقبة نفسها تقريباً توصل البريطاني وليم هنري فوكس تالبوت William Henry Fox Talbot إلى طريقة أخرى للتصوير بصنع سلبيات negatives على ورق معالج سطحه بمحلول كلور الصوديوم ونترات الفضة على التوالي، واستعمال السلبية -التي كانت القيم اللونية والمكانية فيها معكوسة- لنسخ صور موجبة positive بتطبيق ورقة محسسة جديدة بالتماس مع السلبية ثم تعريضهما للضوء مرة أخرى، ومن ثم تثبيتها بمحلول هيبو كبريتات الصوديوم sodium hyposulphite (يعرف اليوم باسم تيوكبريتات الصوديوم sodium thiosulfate، واختصاراً: هيبو hypo). أطلق تالبوت على طريقته هذه اسم «الرسم الضوئي الفني» photogenic drawing.
التطورات التقنية في التصوير الضوئي
تعاقبت التجارب في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية لتحسين تقنيات البصريات والكيميائيات والداغيروتايب، بحيث تصلح لتصـوير الأشـخاص portraiture، وهـو أكثر تطبيقـات التصـوير الضوئي طلباً. فأدخـل جـوزيف بيتزفال József Petzval من فيينا تحسينات على تصميم العدسة والكاميرا، وتوصل مواطنه فريدريخ فويتلاندر Friedrich Voigtländer إلى تصغير صندوق داغير الخشبي ليصبح قابلاً للحمل. واكتشف فرانتس كراتوشفيلا Franz Kratochwila من فيينا عملية تسـريع كيميائية لزيادة حسـاسية لـوح التصوير بمزج أبخرة الكلور chlorine والبروم bromine. ونجح الكيميائي البريطاني جون فريدريك غودارد John Frederick Goddard في تسريع عملية التعريض حتى غدت تراوح بين دقيقة وثلاث دقائق بحسب الطقس والوقت من اليوم. وتوصل تالبوت في عام 1840 إلى استعمال حمض العفص gallic acid لتظهير الخيال الخفي، واستعمل في الكاميرا ورقاً مطلياً بيوديد الفضة -بدلاً من الألواح المحسسة- لإنتاج السلبيات. وأطلق على طريقته هذه اسم «كالوتايب» calotype (الشكل 5).
![]() |
الشكل (5) استديو تصوير وليم هنري فوكس تالبوت (كالوتايب 1853 ). |
الكولوديون الرطب:
يعد استعمال الكولوديون Collodion الرطب لصنع السلبيات الزجاجية في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر ثورة أخرى في عالم التصوير الضوئي، وهو من ابتكار النحات البريطاني فريدريك سكوت آرشر Frederick Scott Archer. والكولوديون محلول النتروسّلولوز nitrocellulose في الكحول والإتير ether تطلى به ألواح التصوير، وبعد تبخر المذيب تتخلف على اللوح رقاقة لدنة نقية كتيمة غير نافذة للماء. وتتولى الكيميائيات المستعملة للتظهير إزالة أملاح الفضة التي لم تتعرض للضوء، ويمكن طبع نسخ ورقية عن السلبيات. طغت طريقة الكولوديون على الداغيروتايب، لكونها أسرع من كل سابقاتها بعشرين ضعفاً، غير أن سيئتها الوحيدة ضرورة طلي اللوح بالمادة الحساسة قبل التصوير مباشرة، وتظهير الصورة وهي ماتزال رطبة (الشكلان 6 و7).
![]() |
الشكل (6) مراحل عملية التصوير بالكولوديون الرطب. |
![]() |
الشكل (7) كيفية سكب الكولوديون على لوح التصوير قبل استعماله مباشرة. |
استُخدم الكولوديون الرطب كذلك لإنتاج صور موجبة على الزجاج سُمِّيت «أمبروتايب» ambrotypes، وكانت مجرد سـلبيات تُعرّض للضـوء أو تُبيَّض فتبدو مـوجبة إذا وضعت فوق خلفية داكنة. واحتلت الصور الشخصية المنتجة بهذه الطريقة مكانة مماثلة لطريقة الداغيروتايب (الشكل 8).
![]() |
الشكل (8) توأمان بزي موحد - أمبروتايب 1881. |
من طرائق التصوير الضوئي الأخرى التنتايب (الطريقة القصديرية) tintypes، والفيرّوتايب (الحديدية) ferrotypes، والصورة السوداء melainotype، والاختلافات بينها وبين الأمبروتايب ضئيلة. فبدلاً من وضع مستحلب الكولوديون على الزجاج يُدهن به لوح من الصفيح المطلي بالمينا السوداء. وقد ظلت هذه الطريقة فناً شعبياً حتى نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ألواح التصوير الجافة:
توصل الفيزيائي البريطاني ريتشارد ليتش مادوكس Richard Leach Maddox في سنة 1878 إلى إنتاج ألواح تصوير جافة dry plates مطلية بهلام gelatin يحتوي على أملاح الفضة، بحيث تحضر سلفاً وتظهر بعد تعريضها بمدة (الشكل 9). سجل هذا الحدث بداية التصوير الضوئي الحديث، وبلغ مساره الكامل في عام 1884 عندما استعمل الأمريكي جورج إيستمان George Eastman الهلام الجاف على الورق أو الفلم على طريقة تالبوت، وهو أساس التقنية المستعملة في كاميرات الأفلام الكيميائية إلى اليوم.
![]() |
الشكل (9) لقطة لمنظر طبيعي على لوح التصوير الجاف (1878). |
التصوير الضوئي المجسم:
يسـتلزم إنتاج الصور المجسـمة photography stereoscopic صنع صورتين للغرض الواحد بكاميرا ذات عدستين تبعد إحداهما عن الأخرى مسافة 6 سم لمحاكاة العين البشرية، ومن ثم تعلق الصورتان جنباً إلى جنب على حامل، ويستخدم منظار تجسيم له عينان لمشاهدة الصورتين معاً، فتبدوان للعين البشرية مدمجتين في صورة ذهنية ثلاثية الأبعاد. انتشرت صناعة الصور المجسمة ومناظيرها المختلفة بدءاً من منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر حتى السنوات الأولى من مطلع القرن العشرين (الشكل 10). وصارت وسيلة تثقيفية وإبداعية كان لها تأثير كبير في الذوق والثقافة الشعبية.
![]() |
الشكل (10) صورة مجسمة عند المشاهدة بمنظار تجسيم. |
تصوير الحركة:
في تلك الحقبة أيضاً جرب المصور إدوارد مويبردج Eadweard Muybridge من كاليفورنيا تصوير الأجسام المتحركة، فرتّب سلسلة من 12 إلى 24 كاميرا جنباً إلى جنب على مسافات متساوية مقابل شاشة عاكسة لالتقاط صور فرس يعدو، بحيث يفتح غالق كل كاميرا منها لدى انقطاع الخيط الذي يربطه عند مرور الفرس. واستطاع التقاط صور متتابعة لخطوات الفرس بدءاً من سيره الهيدبى ثم الخبب ثم العدو (الشكل 11). واستعمل جهاز إسقاط ضوئي lantern-slide projector لعرض الصور بالتتابع على شاشة، محققاً بذلك أول عرض لصور متحركة في العالم.
![]() |
الشكل (11) الصور الأصلية لحركة الفرس (تصوير مويبريدج 1880). |
واستعمل العالم الفرنسي إتييِن- جول ماري Étienne-Jules Marey كاميرا واحدة فقط لالتقاط صور متعاقبة للحركة على لوح تصوير واحد في دراساته المعمقة لتطوير التصوير الزمني chronophotography. وقد أسهمت أعمال الاثنين في تطوير فن الصور المتحركة.
محاولات التلوين الأولى:
كان من نقائص التصوير الضوئي منذ بداياته، تحويله ألوان الطبيعة إلى ظلال متباينة من الأسود والأبيض. وللتخلص من هذا العيب استعان مصورو الصور الشخصية بفنانين تشكيليين لتلوين الصور الملتقطة يدوياً، أو تصوير الأشخاص على قماش الكنفا بعد طلائه بالألبومين، ثم رسم التفاصيل وتلوينها بالزيت. ظلت الصور الضوئية تلون يدوياً photochromes حتى حل محلها في العقد الأول من القرن العشرين ألواح التصوير الملونة.
1- تصوير الأشخاص:
كانت الصور الشخصية منذ البدايات أكثر التخصصات شعبيةً. وتوصل بعض الممارسين الأوائل إلى ابتكار أساليب فنية جديدة لتصوير الأشخاص. وكان مصورو الأشخاص من مختلف أنحاء العالم يطبِّقون أحد الأساليب المستوحاة من الداغيروتايب أو التِنتايب أو بطاقة الزيارة card visit أو الأمبروتايب. وكان معظمهم يستعين بالوسائل المساعدة (الإكسسوارات) والتنميق (الروتشة) للحصول على صور ترضي أصحابها.
2-التصوير الصحفي:
خدم التصوير الصحافة منذ انطلاقته. ففي غضون أسابيع من انتشار الداغيروتايب، بدأت المجلات الكبرى تنشر صوراً بطريقة الرواسم الخشبية woodcuts أو الطباعة الحجرية. غير أن التصوير الصحفي الفعلي بدأ مع التحقيقات الصحفية الحربية. وكان أولها توثيق حرب القرم بالصور عام 1855 وأحداث الحرب الأهلية الأمريكية. وتمكن عدد كبير من المصورين من جنسيات مختلفة من توثيق معظم النزاعات الاستعمارية المسلحة التي جرت في آسيا وإفريقيا في القرن التاسع عشر. وانتظم نشر الصور في الصحف مع تطوير الطباعة باللون النَّصَف halftone (نسخة من صورة فوتوغرافية أو صورة أخرى يتم فيها إنتاج درجات مختلفة من اللون الرمادي بوساطة نقاط حبر مختلفة الأحجام)، التي أتاحت طبع الصور مع النص في وقت واحد.
3- التصوير الوثائقي:
تعد الصورة الضوئية وثيقة مهما كان موضوعها، وتعد المشاهد والنصب التذكارية والمناظر الطبيعية والعمارة أغراضاً مفضلة للمصورين، ووراء ذلك كله دوافع كثيرة لعل أهمها الدوافع الوطنية إلى جانب متعة السياحة والصور التذكارية، أو إرضاء الفضول الأثري وتشجيع جهود المحافظة على الأوابد التاريخية وترميمها، أو توثيق الأحداث المهمة والمشاريع الصناعية، والبحث العلمي، إلى جانب التوثيق الاجتماعي الذي يهدف إلى تسجيل الأحوال المعيشية وأثرها في تطور المجتمع وتغير العادات مع تقدم الصناعة والتقانة.
رافق انتشار التصوير الضوئي الرغبة في جعله منسجماً مع مفاهيم الفن الثابتة. فظهرت اتجاهات متعددة لتحسين الصورة وإبراز النواحي الجمالية فيها، مع تأكيد أن التصوير الضوئي فن جميل يضاهي التصوير الزيتي وينافسه، وأهمية التوازن والتضاد بين الضوء والعتمة. في حين كان نقاد الفن يتحرجون من منح هذه الوسيلة الجديدة مكانة فنية مستقلة. وما يزال الجدل حول هذا الموضوع قائماً إلى اليوم.
1-المذهب الطبيعي في التصوير الضوئي:
كان الفيزيائي والمصور الإنكليزي بيتر هنري إمرسون Peter Henry Emerson يُصرّ على أن تظهر الصور طبيعة الأشياء على حقيقتها من دون تنميق باسم «الحقيقة الخادعة» the illusion of truth. وكان يعتقد أن الميزات الفريدة للتدرج اللوني والنسيج الضوئي وطبيعته تجعل التصوير فناً فريداً. ومع ذلك تضمنت أعماله محاكاة للتأثيرات الفنية لرسوم الانطباعيين. وقد عُرِف هذا المذهب بالمذهب الطبيعي أو الواقعية في التصوير Naturalistic photography (الشكل 12).
![]() |
الشكل (12) المذهب الطبيعي في التصوير (بيتر هنري إمرسون). |
2- التصويرية وحلقة الوصل:
انصبت جهود المصورين المحترفين الكبار -على اختلاف مفاهيمهم- في مذهب واحد هو «التصويرية» Pictorialism، التي بدأت مسيرتها قبل سنوات من تسعينيات القرن التاسع عشر وتبلورت في مطلع القرن العشرين. وكانت تقيم معارض سنوية عرفت باسم «الصالونات» salons، وتنوع إنتاج أعضائها بين «الواقعية» و«المشاهد المسرحية» و«الصور المتلاعب بها». مع قناعة واحدة هي: أن التصوير الضوئي التصويري فن قادر على الوقوف وحده. وقد ساعدت وحدة الهدف هذه الجمعيات على تبادل الأفكار والصور مع من يملك وجهات نظر مماثلة في البلدان الأخرى (الشكل 13).
![]() |
الشكل (13) التصويرية فن قائم بذاته. |
3- التصوير المميز:
تأسست جماعة «التصوير المميز» photo-secession في مطلع القرن العشرين، وكان لها صالات عرض خاصة تعرض أعمال الرسامين والنحاتين العصريين Modernist والمصورين الضوئيين من هذا المذهب، وكان لهؤلاء طرائق خاصة في طبع صورهم، ومنها صور الصمغ - ثنائي الكروم gum-bichromate وزيت البروم (الصور البروميدية) bromoil printing، وكانت تتطلب مهارة يدوية وتنتج صوراً من نوع خاص، بحيث تبدو أقرب إلى الحفر الناعم أو الطباعة الحجرية (الشكل 14).
![]() |
الشكل (14) نموذج حديث عن فن التصوير المميز. |
4- الموضوعية الجديدة:
تميز التصوير الضوئي بشيء من الخيالية المحدودة وخاصة الأغراض المصورة المنزوعة من بيئتها، كالسيارات والأزياء والمنتجات الصناعية وغيرها لأغراض الدعاية. وتعد المؤثرات الباردة لهذا الأسلوب -الذي سمي بأسماء مختلفة منها «الموضوعية الجديدة» New Objectivity و«الرؤية الجديدة» New Vision و«التزمتية» Precisionism- انعكاساً لسيطرة الصناعة والتقانة في القرن العشرين. كذلك اتصفت بالموضوعية أعمال المصورين المعنيين بالنواحي الجمالية على مذهب البنائية Constructivism (الشكل 15)، وهي حركة تفترض أن تكون الصورة وسيلة لتقديم الأشياء المألوفة والمبتذلة بشكل جديد ومحبب مع التركيز على الشكل وليس الجو المحيط. تعود هذه الفكرة في الأصل إلى الاتحاد السوفييتي، وانتشرت بسرعة في ألمانيا وأوربا الوسطى واليابان، وحظيت تجاربها باهتمام كبير.
![]() |
الشكل (15) البنائية في التصوير. |
5- التجريبية:
اجتذبت أفكار التجريدية Abstractionism (1916) في الرسم عدداً من المصورين المتأخرين، فابتكر المصور ألفين لانغدون كوبورن Alvin Langdon Coburn سلسلة من الصور لا يمكن فيها معرفة مادة الغرض المصور، وعرفت باسم فورتوغراف vortographs، كان لها تأثيرها في التجريد العصري modernist abstraction. كما سمح مناخ التجريبية Experimentalism بين الحربين العالميتين، بولادة اتجاهات جديدة في التصوير، منها ما يتجاهل مادة الغرض ويميل إلى صنع صور أقرب إلى الرسم التجريدي، ومنها صور يتلاعبون بها تجريبياً في أثناء معالجتها، فيدمجون صوراً متعددة بعضها ببعض، أو يُعرّضونها في عدة لقطات (الشكل 16)، أو يجرون تجارب على الضوء أو على الورق المحسَّس بدلاً من التجريب بالكاميرا نفسها. وقد اتحد هذا الاتجاه لوقت قصير مع الأفكار الدادائية Dadaist. ومن أشهرهم الفنان الدادائي مان راي Man Ray، الذي صنع صوراً تجريدية عرفت باسم «ريوغراف» rayographs، أو «الرسم بالضوء» light graphics، بتعريض الغرض الذي يريد تصويره على ورق محسس للضوء من دون كاميرا. وقد اجتذب هذا الأسلوب عدداً من فناني الباوهاوس، وسـموها «فوتوغرام» photograms. ويمكن أن تبدو الصور المنتجة بهذا النوع من التلاعب بالضوء أشكالاً أو صيغاً أو معالم تجريدية لغرض معروف.
![]() |
الشكل (16) صورة نموذجية عن التجريبية في التصوير. |
كذلك حظي التلاعب بالتلصيق photocollage والتركيب montage (الشكل 17) بعناية لا بأس بها، لأنها كانت تتعامل مع المشاعر والأفكار السياسية والنفسية المعقدة في فترة ما بين الحربين العالميتين، وانحاز إليها الفنانون الألمان والتشيك خاصة، مع تعليقات ساخرة على القضايا السياسية والاجتماعية في المجتمع الألماني آنذاك.
![]() |
الشكل (17) التلاعب بالصور بالتلصيق. |
6ـــ الصحافة المصورة Photojournalism:
أدى ازدياد الطلب على الصور الوثائقية والتوضيحية -إلى جانب توفر معدات التصوير الخفيفة في وزنها والسهلة في استعمالها- إلى زيادة نشر الصور في الصحف. ومع طرح الكاميرا إرمانوكس Ermanox عام 1924 (الشكل 18) والكاميرا لايكا Leica عام 1925 (الشكل 19) في الأسواق بدأ عصر جديد في الصحافة المصورة. كما كان للفيلم الملفوف من قياس 35 مم دور كبير في هذا السياق سمح بتوالي تصوير الغرض نفسه في لقطات سريعة، وصار في وسع الصحفي الحصول على مشاهد مميزة في أجزاء من الثانية بالضوء المتوفر، ومن دون استعمال المصباح الوامض (الفلاش).
![]() |
الشكل (18) الكاميرا إرمانوكس – أول نموذج كاميرا للتصوير الصحفي (1924). |
![]() |
الشكل (19) الكاميرا لايكا II – أول كاميرا فيلم ملفوف 35 مم. |
التصوير الملون:
أُدخل التصوير الملون أوتوكروم Autochrome في فرنسا عام 1907 على يد أوغست ولويس لوميير and Louis Lumière Auguste. تستعمل لهذه الغاية شاشة ملونة من لوح زجاجي مغطىً بحبوب النشاء المصبوغة، فتفعل فعل مرشح بدائي للألوان، إضافة إلى غبار أسود يسد كل ضوء غير مرشح. تطلى الشاشة برقاقة (فيلم) من مستحلب حساس لكل الألوان (بانكروماتيك panchromatic)، ويكون الناتج شفافة موجبة ملونة. ولما كانت صور الأوتوكروم شفافة وملونة، فلا يمكن رؤية الناتج إلا بمساعدة ضوء عاكس. وفي عام 1935 افتتح ليوبولد غودوفسكي Leopold Godowsky وليوبولد مانس Leopold Mannes -وهما أمريكيان كانا يعملان في مخابر أبحاث كوداك- عصراً جديداً للتصوير الملون بابتكارهما فيلم كوداكروم Kodachrome. واستطاعا بوساطة هذا الفيلم الموجب (الشرائح المنزلقة أو السلايد slide) الحصول على شفافيات ملونة موجبة مناسبة للإسقاط الضوئي ولإعادة الطبع. وبعد سنة طورت شركة أغفا Agfa في ألمانيا طريقة أغفاكولور السالبة الموجبة، في حين أدخلت شركة كوداك فيلم كوداكروم السالب الموجب في عام 1942، وصار بعد عشرين عاماً أكثر الأفلام استعمالاً.
ازداد اهتمام المصورين بإمكانات التصوير الملون الفنية والإبداعية مع تحسن طرائقه، وأتاحت الألوان إمكانات التحكم في فروقات الظل واللون. ولقيت الصور الملونة بفضل طابعها العلمي وجماليتها، إقبالاً كبيراً. إذ يُضفي التصوير بالألوان إحساساً دافئاً على الواقع. وهذا ما حفز بعض المصورين على توظيف طاقة الألوان الفنية لاستكشاف دقائق الأشياء، واستغلها آخرون لإبراز رتابة الحياة المؤسساتية أو إظهار التناقض بين الطبيعة وفعل الإنسان وتأثيره في البيئة، جنباً إلى جنب مع عناصر مشؤومة أحياناً مثل التجارب النووية وغيرها.
التصوير الرقمي
مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تغيرت التقنيات التي يستعملها المصورون الصحفيون، وزاحمت الكاميرات الرقمية الكاميرات التقليدية وحلت محلها. وصارت الصور تبث إلى الحواسيب مباشرة، في حين جعلت التقنية الرقمية المستحيل ممكناً وأتاحت البرامج الحاسوبية تغيير الصور ومعالجتها وتعديلها بسلاسة تامة، محيلة الغرف المعتمة إلى أماكن عفا عليها الدهر. وأثّر هذا التطور في أعمال جيل بارز جديد من المصورين، فصار التصوير بالأسود والأبيض استثناء وليس قاعدة.
مواد التصوير
يستطيع المصور الماهر إضفاء إبداعه على الصورة، فيُعدِّل ويتحكم في مواصفاتها بالعدسات والمرشِّحات المتنوعة، وباستعمال المواد الحساسة المختلفة عند التصوير، إضافة إلى إمكان تعديل التباين بين الضوء والظل واستعمال أنواع مختلفة من مواد التظهير. كما أن له خيارات واسعة من السطوح الفيزيائية لورق التصوير عند طبع الصور الموجبة، والتحكم في تباين النسق اللوني، وإدخال مشهد صنعي بالكامل على الصورة. والأهم من ذلك هو رؤية المصور نفسه باختياره الزاوية المناسبة واللحظة الصحيحة للتعريض. فهو وحده الذي يدرك الخصائص الجوهرية للغرض الذي يريد تصويره ويفسرها وفقاً لحكمه وذوقه وتعلقه به.
الخيال الكامن (المستتر):
تعد أملاح الفضة من المواد الأساسية في التصوير الضوئي، ولكنها ليست الوحيدة التي تستعمل لهذه الغاية، فثمة مركبات أخرى تصلح لها، وإن كانت أقل منها حساسية، وقد تستعمل لأغراض خاصة. يتألف السطح الحساس في الفيلم العادي من طبقة من الهلام (الجلاتين gelatin) تحتوي على بلورات أو حبيبات دقيقة معلقة من هاليد الفضة silver halide، وهو مركب من الفضة والفلور fluorine أو الكلور chlorine أو البروم bromine أو اليود iodine، غير أن الثلاثة الأخيرة منها فقط هي الحساسة للضوء. وغالباً ما يكون المستحلب مؤلفاً من بروميد الفضة silver bromide مع قليل من يوديد الفضة. ولدى تعريض الفيلم في الكاميرا للضوء تحدث تبدلات في تلك الطبقة تشتمل على خيال مستتر (كامن)، يسمى «سلبية»، يتميز من هاليدات الفضة التي لم تتعرض للضوء بإمكان تحويله إلى صورة مرئية ودائمة عند معالجته كيميائياً (تظهيره) ثم تثبيته. ويمكن لهذه المعالجة أن تكون فورية أو أن تؤجل أسابيع وأشهراً.
تفترض النظريات الحديثة أن بلورات هاليدات الفضة تضم دقائق من معدن الفضة تدعى الدقائق الحساسة sensitivity specks، تقدر كتلتها بجزء من مئة مليون جزء (1/100,000,000) من بلورة هاليد الفضة. وعندما يحرر فعل الضوء الإلكترونات من بلورات هاليد الفضة فإنها تهاجر إلى الدقائق الحساسة، فتزداد شحنة الدقائق الحساسة وتجتذب إليها إيونات الفضة من هاليدات الفضة المجاورة، ومع تراكم إيونات الفضة فإنها تتحول إلى فضة معدنية تنمو تلك الدقائق عليها. وفي الوقت نفسه تهاجر ذرات الهالوجين halogen atoms (أي البروم) إلى سطح بلورة هاليد الفضة فيمتصها هلام المستحلب. وعندما تغدو الدقائق الحساسة كبيرة إلى درجة كافية فإنها تشكل نقطة هجوم للمحلول المُظهر developer، الذي يتمكن عندئذٍ من تحويل كل بلورات هاليد الفضة إلى فضة. ولما كانت محاليل التظهير تحتوي على عوامل تخفيف عضوية انتقائية تهاجم بلورات هاليد الفضة التي فيها دقائق حساسة كبيرة فقط، فإن حبيبات الهاليد التي تحمل دقائق حساسة قابلة للتظهير هي التي تشكل الخيال الكامن.
قياس حساسية الفلم وسرعته:
تحدد حساسية الفيلم أو سرعته كمية الضوء الذي يلزمه لإنتاج القدر الكافي من الفضة عند التظهير. وقياس الحساسية sensitometry علم يحدد حساسية المادة بتعريضها لسلسلة متدرجة من الضوء بأداة خاصة تسمى مقياس الحساسية sensitometer. وبعد التظهير في شروط خاصة تقاس كثافة توضعات الفضة عند كل تعريض، وتسجل الكثافات على بياني مقابل لوغاريتم التعريض، ويكون الناتج منحنياً مميزاً، هو منحني الكثافة على لوغاريتم التعريض D/log E الذي يبين كيف يتفاعل الفيلم مع تبدلات التعريض. ثمة نقطة مميزة على المنحني تستخدم كذلك معياراً criterion لحساب سرعة الفيلم بطرائق تنص عليها مختلف المعايير الدولية والوطنية.
إن سرعة الفيلم المعتَمدة عالميّاً اليوم هي الإيزو ISO، وتكتب على سبيل المثال 200/24°. فالقسم الأول من هذا الرقم (أي 200) قيمة حسابية تتناسب مباشرة مع مقدار حساسية الفيلم ( وهي مماثلة أيضاً للسرعة «آزا» ASA السابقة التي ما تزال تستعمل على نطاق واسع). أما المقدار أو القسم الثاني (أي º24) فهو قيمة لوغاريتمية تتزايد 3º لكل مضاعفة للسرعة (وتتماشى مع السرعة دين DIN التي ما تزال تستعمل في أجزاء من أوربا والعالم). فسرعة الفيلم الذي يحمل القيمة ISO º200/24 تعادل ضعف سرعة الفيلم الذي يحمل القيمة ISO º100/21 (ويتطلب نصف قيمة تعريض هذا الأخير)، أو تساوي نصف سرعة الفيلم الذي يحمل القيمة ISO º 400/27.
تراوح سرعة الأفلام المخصصة للتصوير الخارجي، وبعض المخصصة للتصوير الداخلي بين ISO º80/20
وISO º200/24. وتراوح حساسية الأفلام الناعمة التحبب fine grain المخصصة للحصول على أدق تفاصيل الخيال بين ISO º25/15 وISO º64/19، وأما الأفلام السريعة والفائقة السرعة والمخصصة للتصوير في الإضاءة الضعيفة فتبدأ من ISO 400/27° وما فوق.
حساسية الألوان:
إن مستحلبات هاليدات الفضة حساسة من حيث المبدأ للأشعة فوق البنفسجية واللونين البنفسجي والأزرق، ولكن معظم الأفلام تحتوي على أصبغة حساسة تزيد في حساسيتها لكل مجالات الطيف المرئي visible spectrum. تعد هذه الأفلام حساسة لجميع ألوان الطيف، وتدعى أفلاماً بانكروماتية panchromatic films، وبدئ بإنتاجها عام 1904. تسجل هذه الأفلام قيم ألوان الغرض بتدرجات اللون الرمادي المتطابقة غالباً مع السطوع المرئي للألوان visual brightness.
تستخدم المستحلبات غير المحسسة للألون أو الحساسة للأزرق (من دون أصبغة حساسة) لنسخ الأصول الوحيدة اللون والتطبيقات المماثلة التي لا تحتاج إلى حساسية ألوان موسعة. وكانت الأفلام الأورتوكروماتية orthochromatic films -الحساسة للألوان البنفسجي والأزرق والأخضر والأصفر وليس الأحمر- تستعمل في التصوير العام أيضاً، أما اليوم فتستخدم أساساً للتصوير في الشاشات الفسفورية phosphor screens، مثل أنابيب الأشعة المهبطية cathode-ray tubes، وللأغراض الأخرى التي تتطلب حساسية للأخضر وليس للأحمر.
تتحسس أفلام الأشعة تحت الحمراء -التي طورت بدءاً من عام 1919- من أجل الموجات تحت الحمراء غير المرئية. وتستعمل في التصوير الجوي لتخترق رهج الجو atmospheric haze الذي يشتت الضوء الأزرق ولا يؤثر في الأشعة تحت الحمراء، كما تستعمل لغايات خاصة في التصوير العلمي والطب الشرعي forensic photography.
معالجة الأبيض والأسود وطبع الصور
تظهير السلبيات:
يُظهِّر الهواة أفلامهم عادة في عبوات تظهير. يلف الفيلم فيها حول بكرة reel محززة لولبياً spiral groove تبقي اللفات المتجاورة منفصلة بعضها عن بعض لتسمح بوصول محاليل المعالجة إلى كل أجزاء الفيلم. وبعد وضع الفيلم في العبوة في الظلام وإغلاقها ينفذ حمام المعالجة في الضوء العادي بفواصل زمنية مناسبة على النحو التالي: يسكب المُظهر في العبوة أولاً، ومن بعده يغسل الفيلم غسيلاً متوسطاً intermediate rinse، ثم يسكب المثبّت fixer. تعالج الأفلام اللوحية بطريقة مشابهة في الظلام في أحواض صغيرة، أو تعلق بملقط وتغمر بالتعاقب في محاليل المعالجة. أما مخابر المعالجة التجارية الكبيرة فتستخدم مكنات تمرر الأفلام خلال المحاليل أتماتياً بتعاقب مناسب.
المُظهِر ومواصفاته:
يتألف المُظهِر تقليدياً من عامل تظهير واحد أو أكثر، ومعه مادة حافظة preservative (مثل كبريتات الصوديوم) لمنع التأكسد بالهواء، ومادة قلوية alkali (كربونات الصوديوم) لتنشيط التفاعل، ومثبط restrainer أو مانع الضبابية antifoggant لحصر تأثير المُظهر في بلورات هاليد الفضة التي تعرضت للضوء فقط. والصفات الرئيسية التي يجب أن تتوفر في المظهر هي الفاعلية activity وسرعة التظهير development speed وتأثير في تدرج الفيلم gradation وتحببه graininess وحدّته sharpness. يمكن أن تحضر المواد المظهرة بالاستناد إلى وصفات مطبوعة، أو تشترى على شكل ذرور أو سائل مركز ممزوج وجاهز يجري حله بالماء. يغمر الفيلم في المُظهر مدة محددة حتى يتشكل الخيال بالكثافة والتباين المطلوبين. وتتوقف هذه المدة على نوعية المُظهر ودرجة حرارته ودرجة خضخضته agitation (تحريكه) ونوعية الفيلم، على النحو الذي ينصح به المصنعون.
التثبيت:
يشتمل حمام التثبيت على مواد كيميائية (تيوكبريتات الصوديوم أو الأمونيوم sodium or ammonium thiosulfate) تحول هاليدات الفضة إلى مركب من أملاح الفضة قابل للانحلال فيها. يفقد الفيلم في أثناء ذلك الطبقة الحليبية milkiness من هاليدات الفضة الأصلية التي تغطي الخيال فيغدو جلياً. كذلك يشتمل المثبت على حمض ضعيف لإيقاف عملية التظهير، وعلى عامل تقسية للتخفيف من انتفاخ مادة الفيلم الهلامية (الجلاتين) gelatin swelling .
الغسيل والتجفيف:
يزيل الغسيل كل المواد الكيميائية القابلة للانحلال المتبقية من المستحلب، ويجب أن يكون الغسيل تاماً من أجل بقاء الصورة. تُعلَّق الأفلام بعد رفعها من الحوض وتترك كي تجف تماماً.
المعالجة السريعة high-speed processing:
يمكن إنقاص زمن المعالجة إلى درجة كبيرة باستعمال مواد تظهير عالية الفاعلية بدرجات حرارة مرتفعة واستعمال عوامل تثبيت سريعة المفعول، مثل تيوكبريتات الأمونيوم مثلاً. يمكن لمثل هذه المعالجة أن تختصر زمن معالجة السلبية إلى أقل من دقيقة. ويمكن اختصار زمن المعالجة كذلك بحمام واحد monobath يضم عامل تظهير سريع المفعول ومواد تثبيت. تمرّر الأفلام في معدات التظهير السريعة خلال حجيرات ترذّ محاليل المعالجة على سطح الفيلم أو تمرره في حمام من نسيج مشرب بها monobath-soaked webs.
طبع الصور:
إن أبسط مُعدَّة لطبع الصور هي إطار الطبع بالتماسcontact printing frame، حيث تثبت السـلبية وورقة الطبع خلف لوح من زجاج وتعرّضان معاً لضوء مصباح مناسب. ولا يشذّ صندوق الطبع بالتماس عن هذه القاعدة (الشكل 20)، فهو مؤلف مبدئياً من إطار طبع مع منبع ضوئي في داخله، مع العلم أن الطبع بالتماس يعطي صورة موجبة بحجم السلبية نفسها.
![]() |
الشكل (20) صندوق طبع الصور بالتماس. |
أجهزة التكبير:
تكبر السلبيات عادة إلى حجم الصور الموجبة المطلوب طبعها. يتألف جهاز التكبير enlarger من منظومة إسقاط ضوئي تتحرك على عمود شاقولي مثبت على قاعدة أفقية. لهذه المنظومة عدسة وحامل للفلم (السلبية) negative carrier، ومنظومة إضاءة مؤلفة من مصباح مع عدسة مكثفة condenser lens لإضاءة السلبية. تُضبط درجة تكبير الخيال (الصورة) بتحريك رأس التكبير إلى أعلى أو أسفل على العمود مع ضبط العدسة بحسب مسافة إسقاط السلبية، بحيث تتركز البؤرة على ورقة التكبير الموضوعة على القاعدة. وثمة أجهزة تكبير مؤتمتة تركز البؤرة والمسافة ميكانيكيّاً بحيث يبقى الخيال واضحاً حاد الملامح طوال الوقت. تصنع أجهزة التكبير بحجوم تصلح للتعامل مع مختلف أشكال السلبيات.
ورق الطبع:
تنتج أوراق الطبع سواء للتكبير أم الطبع بالتماس بدرجات grades تصلح لمختلف مجالات التعريض، أي بنسب تراوح بين أقل زمن تعريض إلى أطوله، لإنتاج أخف تدرج لوني tone إلى السواد الكامل على التوالي. تعطي هذه الدرجات المختلفة الصورة الموجبة مجالاً طبيعياً من تدرج السلبية اللوني مع التباينات contrasts المختلفة. فهناك الورق الناعم soft paper (الدقيق التحبب fine grain) للسلبيات العالية التباين، والورق العادي للسلبيات العادية، والورق القاسي hard paper للسلبيات الناعمة وهكذا. تُرقَّم درجات الورق عادة من الصفر إلى الرقم 5 بترتيب تصاعدي مع درجة التباين. تطلى أوراق التباين المتبدل papers variable-contrast بمزيج من مستحلبين للتباين والحساسية اللونية، وتُضبط مساهمة كل منهما بوساطة مرشحات filters تعترض طريق ضوء التعريض.
من المواصفات الأخرى التي يجب أن تتوفر في ورق التصوير: السرعة (البطيئة لورق الطبع بالتماس، والأسرع لورق التكبير)، ولون الصورة (أزرق-أسود إلى بني دافئ)، ونسيج السطح surface texture (لمّاع glossy أو مخملي velvet أو مطفأ اللمعة mat ) وسُمك الأساس base thickness (مفرد أو مزدوج الوزن). تستخدم معظم مواد الطبع ورقاً مطلياً براتنج resin-coated (من طبقات لدائنية plastic-laminated) لا يمتص الماء في أثناء المعالجة.
التعريض عند الطبع:
يحدد زمن التعريض الصحيح عند الطبع بالتجربة والخطأ trial and error، أو على شريط اختبار test strip يعرّض بتسلسل مطرد نحو الزيادة. وثمة منظومات تحكم معقدة تقيس قيمة التعريض سواء من حيث سطوع الخيال المنتخب الساقط من جهاز التكبير على لوحة القاعدة، أم من حيث متوسط شدة الضوء الواصل إلى ورقة الطبع في أثناء التعريض. تعرّض أوراق الطبع وتعالج في غرفة معتمة في ضوء آمن safelight أخضر زيتي أو برتقالي. فأوراق الطبع حساسة للضوء البنفسجي والأزرق وللضوء الأخضر أحياناً.
معالجة الصور المطبوعة:
تتألف معالجة ورق التصوير بعد التعريض من التظهير، فالغسيل المتوسط أو حمام الإيقاف، فالتثبيت، فالغسيل النهائي. يماثل المُظهِر والمثبِّت من حيث المبدأ نظيريهما في معالجة السلبيات. أما الطريقة المعتادة في التظهير فتتم بغمر ورق الصور في المحاليل المذكورة بالتتابع في أحواض أو صوان مصفوفة الواحدة إلى جانب الأخرى بالترتيب المبين آنفاً. يجري التحقق من التظهير بالعين المجردة، بحيث تبقى الورقة المطبوعة في محلول المُظهر حتى تنجلي الصورة وتبلغ كثافتها الكاملة. وعند التجفيف يمكن أن تعلق الصور بملاقط على حبل، أو أن توضع في آلة تجفيف الصور بالحرارة، أو تهصر squeegee في مدحاة مطاطية فوق صفيحة صقيلة كالمرآة mirror-finished plate لإعطاء الصورة سطحاً صقيلاً لامعاً.
المعالجة الفورية المستقرة:
تحتوي بعض أوراق التصوير الفوري السريعة المعالجة rapid-processing papers على عوامل تظهير في محاليلها، وتعالج بأسطوانة معالجة roller processor تمرر الورقة عبر حمام تنشيط لتظهيرها على الفور، ويتبعها حمام موازن بوساطة زوج من الأسطوانات الهاصرة، تستغرق هذه العملية 10 - 15 ثانية لتخرج الصورة بعد ذلك مطبوعة ونديّة قليلاً. في هذه الحالة، لا تبقى الصورة مستقرة زمناً طويلاً كالصورة التقليدية، لأنه لم تتم إزالة كل أملاح الفضة غير المعرّضة من المستحلب، وإنما تتحول إلى مركبات معتدلة مستقرة حيال الضوء light-stable compounds، ويمكن جعل مثل هذه الصورة دائمة بمعالجتها بمثبت ومن ثم غسلها.
التطورات الحديثة في التصوير الضوئي
1- الفونيوغرافي Phoneography:
هو فن التقاط صور عالية الجودة بوساطة الهاتف المحمول؛ إذ بدأت أجهزة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية (التابلت) بمنافسة الكاميرات الرقمية الاحترافية من حيث جودة الصورة والبرمجيات. فقد بات بمقدور أي شخص التقاط الصور بسهولة ويسر ومعالجتها وإرسالها عبر الشابكة (الإنترنت) بمساعدة هاتفه الذكي.
2- التصوير الماكروي (المقرب) Macro photography:
سمحت التقانات الحديثة والكاميرات المتطورة بالتقاط صور قريبة جداً للحشرات والأشياء الأخرى لم يسبق رؤيتها من قبل. وتستخدم لهذه الغاية كاميرات خاصة تحتوي عدسـات «ماكـرو» مصممة خصـوصاً للعمل عن قرب، مع ماسورة طويلة للتركيز البؤري الوثيق ولتحسين معدلات إعادة إنتاج عالية.
3- التصوير بتقنية المدى الديناميكي العالي High Dynamic Range (HDR) :
تسمح هذه التقنية للكاميرات بإظهار الصور بإضاءة أكبر وأقرب تخول العين البشرية رؤيتها بوضوح؛ وذلك من خلال التقاط ثلاث صور للمشهد نفسه، كل منها بسرعة غالق مختلفة. والنتيجة هي صورة ساطعة ومتوسطة ومظلمة، بناءاً على كمية الضوء التي تمر عبر العدسة، ثم تقوم عملية برمجية بدمج جميع الصور لإحضار التفاصيل إلى الظلال وإبرازها كلها. والنتيجة هي صورة تحتوي على أكبر قدر من التفاصيل في كل من مناطق الظل والإضاءة (الشكل 21).
![]() |
|
صورة بتقنية تصوير عادية. | صورة بتقنية تصوير HDR. |
الشكل (21). |
4- التصوير الفوتوغرافي الرجعي (العتيق) vintage photography:
هو عملية لإضفاء مظهر قديم -بالأسود والأبيض إلى البني الداكن- على الصورة الملتقطة باستخدام معدات حديثة، ويتم تصويره ومعالجته للنظر في عملية الشيخوخة أو المواد في العصر الحديث؛ لذلك، يسمح التصوير الفوتوغرافي العتيق للمشاهد باكتشاف عادات الموضة لأناس في الحقبة الماضية. إضافة إلى ذلك تبرز هذه الصور بعيوبها الفريدة وتجذب المشاهدين. ويستخدم المظهر العتيق لهذا الغرض التفاصيل والرموز المميزة لنقل المشاهد إلى عصر معين بصرياً.
يعد هذا النوع من التصوير النمط الأكثر تفضيلاً للصور الشخصية وصور الزفاف، ولقطات الحياة الثابتة، والصور المعمارية؛ لأنه يخلق تأثيراً رومانسياً ودرامياً وحنيناً إلى الماضي.
5- تقنية المنظر الشامل (بانوراما) Panorama °360
الكـاميرا ذات 360° هي كـاميرا ذات مجال مرئي للكرة بأكملها، أو مجرد كاميرا لها القدرة على التقاط مجال رؤية بزاوية 360° في المستوى الأفقي. وقد أصبح بمقدور البرمجيات تصحيح الاهتزازات الناجمة عن اليد الحاملة للكاميرا، ودمج سلسلة عالية السرعة من الصور العالية الدقة تلقائياً، والنتيجة صورة شاملة بزاوية 360° (الشكل 22).
![]() |
الشكل (22). |
6- كاميرات رقمية صغرى:
أصبحت الكاميرات الرقمية أصغر وأكثر ذكاءً؛ الأمر الذي جذب ليس المصورين المحترفين فقط، وإنما المستهلكين التقليديين.
7- الطائرات المسيرة camera drones:
يتم حالياً تزويد الطائرات من دون طيار بكاميرات صغيرة عالية الدقة، كانت تستخدم فيما مضى للمراقبة والتجسس لأغراض عسكرية، أما في الوقت الحالي فقد صار لهذه الطائرات استخدام مدني في النشاطات التجارية أو التصوير السينمائي أو الفردي. يمكن برمجة هذه الطائرات لتحلق في مسارات محددة وتصوير مقاطع فيديو أو صور عادية دقيقة، وقد تعتمد على نظام تحديد الموقع الجغرافي العالمي Global Positioning System (GPS).
8- الصور الذاتية (السيلفي) selfy:
يشير مصطلح «صورة ذاتية» عادةً إلى الصور الشخصية التي يتم التقاطها بالكاميرا المثبتة على بُعد ذراع، وهي صورة ذاتية، يتم التقاطها عادةً بكاميرا رقمية أو هاتف ذكي، ويمكن حملها في اليد أو دعمها بوساطة عصا السيلفي. لقد أصبحت صور السيلفي أحد أكثر توجهات التصوير الضوئي شهرةً، وتسمح عصا السيلفي بالتقاط صور لمجموعة من الأشخاص تضم كامل المجموعة ومن ضمنهم المصوِّر نفسه.
غالباً ما تكون هذه الصور غير رسمية بطبيعتها (أو مصنوعة لتظهر مظهراً غير رسمي)، بخلاف تلك التي يتم التقاطها باستخدام مؤقت ذاتي أو جهاز تحكم عن بعد. ومع ذلك، قد تتضمن الصورة الشخصية مواضيع متعددة.
التطور التقاني لكاميرات المستقبل
أصبح هناك كاميرات غير مزودة بزر الغالق (shutter Button)؛ إذ تعمل بالأمر الصوتي، وكاميرات أصغر كثيراً من ذي قبل، وكاميرات مزودة ببطاريات بزمن عمل طويل، ومنها ما هو مزود بخلايا كهرضوئية تشحن البطارية أو تشغِّل الكاميرا. وأصبح هناك كاميرات تمنح ميزة التركيز على جزء من الصورة بعد التقاطها، وأخيراً أصبحت حساسية الكاميرات تسمح لها بالاستغناء عن الإضاءة.
مراجع للاستزادة: - B. Barnbaum, The Art of Photography: A Personal Approach to Artistic Expression, Rocky Nook, 2017. - R. E. Krebs, Groundbreaking Scientific Experiments, Inventions, and Discoveries of the Middle Ages and the Renaissance Greenwood Publishing Group, 2004. - N. Rosenblum, D. Stoll, A World History of Photography, Abbeville Press, 2019. - T. Ruisinger, Faces of Photography: Encounters with 50 Master Photographers of the 20th Century, 2002. |
- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد الثامن، طبعة 2023، دمشق مشاركة :