تكيف واجهاد
Adaptation and Stress -



التكيف والإجهاد

محي المزيد

تأثير الإجهاد

أنواع الإجهادات

التكـــــيف

أنواع التكيُف

تكييف الحيوانات الزراعية

 

التكيف adaptation هو تحور تركيبي أو سلوكي أو وظيفي يبديه الكائن الحي ليصير أكثر تلاؤماً مع الظروف البيئية التي يعيش فيها وللمحافظة على قدرته الإنتاجية والتناسلية، ويُعرف الإجهاد stress بأنه حالة من الاضطراب تصيب الكائن الحي نتيجة تعرضه لظروف خارجية أو داخلية غير طبيعية قد تفقده القدرة على التوازن الفيزيولوجي والاستتباب homeostasis. وقد دُرسَ الإجهاد على الحيوانات الزراعية منذ زمن بعيد، فهو برأي علماء الفيزياء والكيمياء تغيرات تحدث في جسم الحيوان نتيجة الإثارة والتنبيه، ويحدده علماء الحياة بأنه تغير في سلوك الحيوان تجاه التغيرات البيئية، ويعده علماء تربية الحيوان أنه تفاعل وراثي بيئي يؤثر في الأداء الإنتاجي للحيوانات، ويُفسره الفيزيولوجيون بأنه تغير في نشاط الغدد الصم، وخاصة المحور النخامي الكظري.

تأثير الإجهاد

تعيش الحيوانات الزراعية تحت ظروف بيئية متباينة التأثير دائمة التغير، إذ يُحدث العامل المُجهد stressor تغيرات فيزيائية وكيميائية تشارك فيها جميع أعضاء الحيوان وأنسجته، وتختلف درجة التأثير وَردة فعل الحيوان تبعاً لشدة العامل المؤثر وطول فترة تأثيره، وقدرة الحيوان الكامنة على مقاومة ظروف الوسط غير الملائمة. وقد وجد أن لكل عاملٍ حداً أدنى وحداً أعلى، فإذا تجاوزها الحيوان يتعرض للإجهاد (الشكل 1).

الشكل (1) حدود تأثير عامل الإجهاد في شدة التأقلم.

تستجيب الحيوانات للإجهاد باتجاهين: تفاعلات مختصة تتعلق بطبيعة العامل المؤثر، وأخرى عامة ذات طابع دفاعي تَكيفي تهدف إلى حماية الحيوان وتكيفه مع الظروف الجديدة.

 أنواع الإجهادات

1- الإجهاد المناخي: تؤثر العوامل المناخية في الحيوانات إما بصورة مباشرة (ارتفاع درجة حرارة المناخ أو انخفاضها، الإشعاع الشمسي، الرياح، الأمطار، الضغط الجوي)، وإما بصورة غير مباشرة (الأرض، المياه، كمية  الأعلاف ونوعيتها). وتُعد درجة الحرارة من أهمها بسبب تأثيرها في معدلات الاستقلاب والإنتاج، هذا وإن لكل نوع حيواني مجالاً حرارياً يطلق عليه منطقة الحياد الحراري thermal neutrality (الشكل 2) التي يفقد عندها أقل ما يمكن من الطاقة للمحافظة على ثبات درجة حرارة الجسم. وتختلف بحسب عمر الحيوان وحالته العامة، ويؤثر ارتفاع درجة الحرارة الجوية عن منطقة الحياد الحراري أو انخفاضها سلباً في الحيوانات؛  إذ يؤدي انخفاض درجة الحرارة المحيطة بالحيوان إلى ارتفاع معدلات الاستقلاب وزيادة تكوين الطاقة. ويتباين تأثير البرد بحسب طول فترة التأثير ونوع الحيوان وعمره، ويكون الضرر أكثر وضوحاً عند التغير المفاجئ لدرجة الحرارة من مرتفعة إلى منخفضة، وخاصة إذا رافقه ارتفاع في الرطوبة وزيادة في سرعة الهواء.  وتبين أن زيادة نسبة البروتين في العليقة تؤدي دوراً مهماً في حماية الحيوانات من التأثيرات الضارة لدرجات الحرارة عند انخفاضها لفترة قصيرة، لكن تزداد كمية الأعلاف المستهلكة غير المنتجة بنحو15-20%، مما ينجم عنه خسارة إنتاجية واقتصادية. أما ارتفاع درجة الحرارة إلى نحو 30-35ﹾس  فإنه يؤثر سلباً في القدرة الحيوية وتنخفض الشهية ويَضعف نشاط الجهاز الهضمي، مما يقلل الإستفادة من الأعلاف. يرافقه انخفاض في تكوين الحرارة وزيادة الفقد الحراري البخري، وهذا يؤثر سلباً في إنتاجية الحيوانات وسرعة نموها وكفاءتها التناسلية ومقاومتها للأمراض.

أ‌- منطقة نقص الحرارة الزائد Hypothermia.

ب‌- درجة الحرارة التي يكون عندها معدل الاستقلاب في مستواه الأعظمي.

ج‌- درجة الحرارة الحرجة Critical temperature.

د‌- درجة الحرارة التي يزداد فيها الفقد الحراري البحري.

ه-  درجة الحرارة التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الجسم.

و-  منطقة الفرط الحراري Hyperthermia.

الشكل (2) العلاقة بين إنتاج الحرارة والفقد الحراري البخري وغير البخري عند الحيوانات ثابتة درجة الحرارة.

 

2-الإجهاد التقاني: إن تطبيق نظام التربية الصنعية واستخدام الآلة في مزارع الحيوانات، وتغير ظروف الرعاية والتربية عن الظروف العادية يمكن أن تؤثر سلباً في الحالة العامة للحيوانات وإنتاجيتها. ومن أهم العوامل التي تؤدي إلى الإجهاد في الظروف الصنعية طرائق الرعاية ونظم الإنتاج، ومدى صلاحية الحظائر، وطرائق إيواء الحيوانات، ونظام التغذية؛ إذ تؤثر إما بصورة مباشرة كعدم التوافق بين هذه الظروف الجديدة والقدرة الحيوية للحيوانات، وإما بصورة غير مباشرة كتغير النظام اليومي للتربية وقلة الحركة وضيق المكان أو إصابة الأرجل بالأمراض. لذلك يُركز في الوقت الحاضر على إدخال معايير جديدة عند اصطفاء الحيوانات، مثل التلاؤم مع ظروف التربية الصنعية والمقاومة للإجهاد، إضافة إلى معدل النمو ومستوى الإنتاج والكفاءة الغذائية....وغيرها.

3-الإجهاد الغذائي: يُعد من أكثر العوامل تأثيراً في صحة الحيوان وإنتاجيته، وخاصة عند الحيوانات  صغيرة العمر وسريعة النمو، أوعالية الإنتاج بسبب تأثير التغذية في وظائف الجسم كافة، وخاصة في الغدد الصم التي يؤدي بعضها دوراً مهماً في تأقلم الحيوانات ومقاومتها للإجهاد. وتتحدد مظاهره في فترة الجوع أو عدم كفاية الأعلاف بشكل دوري، والتغذية على أعلاف ملوثة أو متعفنة أو مجمدة، والتغير المفاجئ في تركيب العليقة أو عدد مرات التغذية، وعدم اتزانها، ونقص ماء الشرب أو عدم توفره.

التكـــــيف

     تختلف أنواع الحيوانات في  قدرتها على المحافظة على الاتزان الداخلي عند تعرضها لعوامل الوسط الخارجي. وقد يكون التكيف مفيداً أو ضارا،ً  لكنه يظل ضرورياً لبقاء الحيوان، ويتم وفق المراحل التالية:

- مرحلة التعبئة والاستعداد :يُطلق عليها مرحلة الاستعداد، وتتضمن تعبئة الوسائل الفيزيولوجية لمقاومة التأثير السلبي للعامل المؤثر، ويَنشط في هذه المرحلة إفراز الأدرينالين adrenaline من لب الكظر الذي يشرف على تعبئة مصادر الطاقة في الجسم، مثل الغلوكوز واحتياطي الدهن ليمد الدماغ والعضلات بالطاقة اللازمة، إضافة إلى انخفاض نشاط الجهاز الهضمي. كما تَحدث تغيرات تساهم بانخفاض في الوزن والقدرة التناسلية والإنتاجية نتيجة فقدان التوازن والتكامل بين أعضاء الجسم وأجهزته المختلفة، كما يقل إفراز الهرمونات المسؤولة عن الإنتاج والتكاثر.

- مرحلة المقاومة: وفيها تقترب وظائف الجسم من الحالة الطبيعية وتنتظم عمليات الاستقلاب وتسيطر عمليات البناء ويُعوض فقد الوزن، وذلك بفعل تأثير الغدد الصم وخاصة النخامية الغدية adenohypophysis التي تفرز كميات كبيرة من الهرمون المنشط لقشرة الكظر (ACTH)Adrenocorticotropic Hormone  الذي يزيد إفرازها من القشرانيات corticoids.     

 -  مرحلة الإنهاك (الهزال): تتكرر أعراض المرحلة الأولى ولكن بصورة أوضح وأقوى، فعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في نشاط غدة الكظر لاتستطيع أن تفرز كميات كافية من القشرانيات السيتروئيدية اللازمة لتنظيم وظائف الجسم والمحافظة عليها على نحو طبيعي. وتحدث تحولات في عمليات الأيض فتسيطر عمليات الهدم وتفكك الدهون والبروتينات المخزنة في أنسجة الجسم ومخازنه، وينخفض وزن الجسم كما تنخفض القدرة التناسلية والإنتاجية، وفي أغلب الأحيان يُستنزف احتياطي الجسم من المواد الغذائية لأن التغيرات في هذه المرحلة تكون غير عكوسة لايمكن ترميمها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ويحدث خلل في القدرة التأقلمية (الشكل3).

أ- الحالة الفيزيولوجية الطبيعية      ب - في أثناء الإجهاد.

الشكل (3) تغير المقاومة العامة للجسم في مختلف مراحل الإجهاد.

التكيف للبرد: عندما تنخفض درجة حرارة الوسط المحيط يصبح معدل الاستقلاب الطبيعي غير ملائم للحفاظ على درجة حرارة الجسم على الرغم من وجود عزل أعظمي، يقوم الجسم بإنتاج حرارة إضافية دفاعاً ضد البرد، تُسمى بدرجة الحرارة الحرجة الدنياlower critical temperature . ومع استمرار الانخفاض في درجة حرارة المحيط يزداد إنتاج الحرارة من الجسم حتى الوصول إلى درجة يكون فيها الاستقلاب أعظمياً ويتعذر عندها إنتاج أي كمية إضافية يُحددها عزل الجسم وكمية العلف المتناول، فعندما يكون عزل الجسم كبيراً ومستوى التغذية جيداً تنخفض درجة الحرارة الحرجة انخفاضاً ملحوظاً (الشكل4)، ويتم بوجه عام إنتاج الحرارة الإضافية بطرائق عديدة منها النشاط العضلي والارتعاش ووسائل عدم الارتجاف.

يستطيع الحيوان التكيف مع البرودة بوسائل سلوكية وفيزيولوجية، إذ يُقلل التكيف السلوكي تأثير البرودة، ويُقلل التكيف الفيزيولوجي ضياع حرارة الجسم عن طريق زيادة العزل الحراري وإنتاج كميات إضافية من الحرارة، وعند زيادة فعالية التكييف الفيزيولوجي تقل أهمية التكيف السلوكي، كما أن معدل العزل والاستقلاب يكمل أحدهما الآخر، فالحيوانات حديثة الولادة تتميز بمعدل استقلابي مرتفع وعزل منخفض وعلى النقيض من الحيوانات التامة النمو. كما توجد علاقة متممة بين عزل النسيج وعزل غطاء الشعر كما في المعز والغنم.

   R1 عزل حراري ضعيف. R2 عزل حراري مرتفع. PN1 مستوى تغذية منخفض.

        PN2 مستوى تغذية آخر.  C1-C4  درجات الحرارة الحرجة.

الشكل (4) علاقة إنتاج الحرارة مع درجة الحرارة البيئية لحيوان ثابت درجة الحرارة.

عند تعرض الأفراد النامية المستمر للبرد تتطور لديهم آلية للحماية من البرودة تساهم في تقليل فقد الطاقة إلى أقل قدر ممكن والتخلي التدريجي عن التكيف الاستقلابي لمصلحة التكييف العزلي. في كلا التكييفين للبرودة هناك استجابات تظهر بسرعة واستجابات تتطور ببطء ، فمثلاً يكتمل العزل الغطائي من خلال مرحلتين: تكوين الشعر وزيادة نموه، كما يتألف عزل النسيج من مرحلتين: تقلص الأوعية الدموية والزيادة في سماكة طبقة الدهن تحت الجلد، كذلك في إنتاج الحرارة يظهر طوران: طور قصير الأمد يتحقق عن طريق ارتعاش النسج السطحية، وطور طويل الأمد أكثر ثباتاً يساهم بإنتاج حرارة إضافية في النسج العميقة التي لايرافقها ارتجاف، ويرافق هذا التبدل في توليد الحرارة تغير واضح في النشاط الهرموني حيث يبقى النشاط الدرقي مرتفعاً، في حين ينخفض نشاط الكظر ويصبح قريباً من المستوى الطبيعي.

التكيف ضد درجة الحرارة العالية: يحمي الحيوان ذاته من التأثيرات الضارة لدرجات الحرارة المرتفعة بوساطة زيادة الفقد الحراري إلى المحيط، وتقليل كمية الحرارة المتكونة في الجسم، وتتأثر فعاليتهما بدرجة حرارة الوسط المحيط ورطوبة الهواء والإشعاع الشمسي وحركة الهواء، وخاصة عندما تكون درجة حرارة الوسط أكثر من درجة حرارة سطح الجسم، كما يمكن أن يحمي الحيوان ذاته بوسائل سلوكية، إضافة إلى زيادة التبخر وتقليل عزل الجسم وخفض إنتاج الحرارة، وزيادة دور الغطاء في انعكاس الإشعاع الشمسي والتقليل من العزل الجسمي.

عند ارتفاع درجة حرارة الوسط يتدفق الدم إلى البشرة وتتوسع الأوعية الدموية في أجزاء الجسم، ولا سيما ذات المسطحات الكبيرة، مثل الآذان والأرجل واللسان التي تفتقر إلى الشعر؛ مما يُسهل تبديد الحرارة إلى المحيط، ويؤدي عكس الغطاء للإشعاع الشمسي دوراً في التقليل من الكسب الحراري، كما يزداد التبخر الجلدي من الغدد العرقية من خلال الفرق في ضغط بخار الماء بين البشرة والهواء المحيط،  ويزداد عند الحيوانات اللاهثة  التبخر في المجاري التنفسيةنتيجة زيادةعدد مرات التنفس السطحية وقليلة العمق، ومع ارتفاع درجة الحرارة إلى درجات أعلى ينتقل الحيوان من تنفس سريع وقصير إلى تنفس أبطأ وأعمق.

 تتباين مساهمة كل من التبخر الجلدي والتنفسي من إجمالي التبخر باختلاف أنواع الحيوانات،  ويُكمل التعرق واللهاث كل منهما الآخر، فالحيوانات ذات القدرة القليلة على التعرق (الطيور والخنازير والقطط والكلاب) تمتلك قدرة عالية على اللهاث، في حين يتعرق الغنم والمعز بصورة أكبر، ويتعرق البقر بصورة أكبر، ويتعرق الإنسان والخيل بصورة أساسية ولايزداد نشاطهما التنفسي إلاعندما ترتفع درجة حرارة الجسم العميقة ارتفاعاً كبيراً. ولتخفيف الإجهاد الحراري طويل الأمد يلجأ الحيوان إلى تقليل كمية العلف المتناول وزيادة معدل التبخر مع انخفاض متواصل في كثافة الشعر المغطي للجسم.

أنواع التكيُف

1-التكيف السلوكي: يقوم الحيوان بتعديل وضعيته أو تعرضه للرياح أو الشمس. فعند التعرض للبرد ينكمش الحيوان على نفسه  فتقل مساحة سطح الجسم المعرض للوسط الخارجي، ويقل مقدار التبادل الحراري بين الحيوان والوسط المحيط، كما تتجمع الحيوانات بعضها بقرب بعض لزيادة العزل الحراري الكلي. وتلجأ الحيوانات في الجو الحار إلى الظل للتخفيف من تأثير أشعة الشمس، وتتمدد لزيادة السطح المعرض للوسط الخارجي. ويلاحظ أن مواليد الخنازير تتجمع بعضها إلى بعض في درجة الحرارة 15ﹾ س، وتتباعد عند درجة حرارة 35ﹾس.

 2- التكيف الفيزيولوجي:

- التكيف الاستقلابي: يتغير معدل الاستقلاب بحسب درجة حرارة الوسط المحيط، فعند انخفاضهايرتفع معدل الاستقلاب وتزداد كمية العلف المتناولة، وعند ارتفاعها يحدث النقيض من ذلك. ويزداد نشاط الغدد الصم لا سيما الدرقية في الفصول الباردة  وعند تناول كميات أكبر من العلف.

- التكيف بالعزل: تتغير قدرة الحيوان على العزل الحراري وذلك بحسب درجات الحرارة التي تحيط به، فعند التعرض لدرجات حرارة منخفضة جداً ولفترة طويلة تزداد كثافة الشعر وسماكة الجلد، ويحدث النقيض من ذلك عند ارتفاعها.

-التكيف بالتخزين الحراري:  تمتاز الحيوانات ذات الدم الحار بالمحافظة على ثبات نسبي في درجة حرارة جسمها الباطنية على الرغم من التغيرات الكبيرة بدرجة حرارة الوسط المحيط، ويمكن أن ترتفع أو تنخفض تحت تأثير درجة حرارة الوسط الخارجي ولكن ضمن حدود معينة لا تتجاوز الحدود الحرارية الطبيعية للجسم، وتُزيد هذه الخاصية التي يطلق عليها سعة التخزين الحراري من قدرة الحيوان على تحمل الاختلافات الكبيرة في درجة حرارة الوسط المحيط.

3-التكيف الشكلي:

يرافق هذا النوع التكيفات الأخرى بوصفه ردة فعل تجاه الإجهادات المحيطة، فقد تبين أن الخنازير المولودة التي توضع في غرفة درجة حرارتها 5ﹾ  س لمدة 7 أسابيع (الأسبوع 4 حتى الأسبوع 11)  كانت أذناها أقصر، وكذلك عظام الأطراف، والشعر أكثف، وغدد التعرق أقل وضوحاً من نظيراتها المولودة معها من البطن ذاته والمعرضة لظروف غذائية  مماثلة، ولكن وضعت في غرفة درجة حرارتها 35ﹾس.

4-التكيف الوراثي:

يقصد به التأقلم في الصفات الوراثية التي يمتلكها الحيوان، ويعد غالباً ثابتاً وينتقل من جيل إلى آخر نتيجة عمليات الاصطفاء المختلفة سواء الطبيعية أم الصنعية حيث تُختار الأفراد ذات الصفات الشكلية والفيزيولوجية التي تتلاءم مع الظروف البيئية السائدة. ويساعد هذا النوع من التكيف على زيادة قدرة الحيوانات على تحمل الظروف البيئية غير الملائمة، مما يزيد من مقدرتها على البقاء والإنتاج.

تكييف الحيوانات الزراعية

تختلف قدرة الحيوانات الزراعية على التكيف مع الظروف البيئية المختلفة نتيجة الاختلاف في صفاتها الوراثية والمظهرية والفيزيولوجية؛ لذلك يلاحظ تباين واضح في انتشارها وتكيفها في بيئات مختلفة.

1- الغنم: تراوح منطقة الحياد الحراري للغنم بين21و25ﹾ س بحسب الغطاء الصوفي والعمر ومستوى الإنتاج والحالة الفيزيولوجية.

· إجهاد الحر: تظهر حالة الإجهاد على الغنم عند تعرضها لدرجات حرارة مرتفعة فوق مجال الراحة، وعلى الرغم من قدرتها على تحمل درجات حرارة عالية (60ﹾ س)، فإنها تفقد القدرة على النمو والتناسل. وتتخلص من الحرارة الزائدة بزيادة عدد مرات التنفس (اللهاث) ليصل إلى نحو 300 مرة بالدقيقة (الطبيعي نحو20 مرة بالدقيقة)، كما يشارك بذلك الجلد وخاصة كيس الصفن، والغطاء الصوفي، الذي يحمي من أشعة الشمس المباشرة، إذ إن الغنم التي يُجز صوفها تتحمل درجات الحرارة العالية، لكن الجز في فصل الصيف يؤدي إلى فقدان الحماية من أشعة الشمس وبذلك تزداد كمية الحرارة الممتصة من الجسم، ما يؤدي إلى رفع درجة حرارة الجسم ارتفاعاً كبيراً لأن كمية الحرارة الممتصة من الإشعاع المباشر تفوق مايتخلص منها الحيوان عن طريق الجلد.

·  إجهاد البرد: تمتلك الغنم قدرة كبيرة على مقاومة البرد بفضل العزل الحراري الجيد الذي يتوقف على طول الصوف وكثافته، وقد وجد أن درجة الحرارة الحرجة تصل إلى دون - 20ﹾ س عند الغنم المغطاة بصوف كثيف في حالة سكون الرياح. إما عند جز الصوف فإن درجة الحرارة الحرجة قد تصل إلى 23ﹾ س  و30ﹾ س عندما يكون طول الصوف المتبقي على الجلد 10مم. تستجيب الغنم للبرودة الشديدة بارتفاع واضح في معدل الاستقلاب لتوفير الطاقة المناسبة للحيوان متأثراً بقدرة الغطاء الصوفي على العزل الحراري وبدرجة الرطوبة وسرعة الرياح. ويُفضل تحسين مستوى التغذية قبل شهر من جز الغنم لمساعدتها على مقاومة البرد المفاجئ وتجنب النفوق الذي يظهر بوضوح عند النعاج الضعيفة البنية والهزيلة وقليلة الوزن قبل الجز.

· إجهاد العطش: تمتاز الغنم بانخفاض استهلاكها من الماء، ويمكن أن تعيش في البيئات المعتدلة من دون ماء شريطة أن يكون العلف المتناول رطباً بنسبة 50%. وعادة تزداد احتياجاتها إلى الماء في البيئات الحارة لاعتمادها على التبريد بالبخر بوصفه وسيلة لصيانة التوازن الحراري في أجسامها. 

· إجهاد المسير لمسافات طويلة: يؤدي المسير إلى حرق كميات كبيرة من الطاقة، ويزداد التأثير السلبي عند المسير لمسافات طويلة ولا سيما في فصل الصيف نتيجة انقباض العضلات الهيكلية وتوليد كميات كبيرة من الطاقة، وارتفاع درجة حرارة الجسم الباطنية للحيوان.

2- تكيف المعز:

تستطيع المعز العيش والتكيف بصورة أفضل من الغنم تحت الظروف المناخية المختلفة؛  فهي تتحمل البرد، ولكنها تتأثر بالرطوبة تأثراً كبيراً. أما في البيئات الحارة والجافة فتستطيع العيش والتكيف بفضل قدرتها على عكس الأشعة الشمسية وقلة الحرارة النافذة إلى داخل الجسم نتيجة الشعر اللامع الذي يغطي الجسم؛ لذلك ترتفع درجة حرارة الجلد إلى مستوىً أقل من درجة حرارة جلد الغنم.  وتمتاز أيضاً بانخفاض معدل الاستقلاب،  وبفعالية هضمية عالية إذ تستطيع الاستفادة من الأعلاف الغنية بنسبة الألياف والفقيرة المحتوى من الآزوت بفضل قدرتها على الاحتفاظ بالكتلة الغذائية المهضومة في الأمعاء لفترة أطول وزيادة النشاط المكروبي المسؤول عن تحلل السلولوز في الكرش، إضافة إلى إفرازها المتزايد من اللعاب وامتلاكها لسطح امتصاص كبير في الكرش ناجم عن كبر سطح الحلمات التي تغطيه، وارتفاع نقطة الفرط الحراري لديها، وقلة احتياجاتها المائية، وقدرتها على مقاومة فقد الماء حتى يصل النقص في وزن الجسم إلى 40% مع استمرارها  بالأكل حتى فقدانها 30% من الوزن، وتؤدي كرش المعز دوراً رئيساً في تجنب التمديد المفرط للمصورة الدموية عن طريق حبس الماء الذي تأخذه في أثناء الشرب وفرزه بالتدريج بحسب احتياجات الجسم، هذا فضلاً عن امتلاكها لغدد لعابية أكثر.

3- تكيف الإبل:

تُعد الإبل من أكثر الحيوانات المتأقلمة للعيش في البيئات الصحراوية الجافة بفضل خواصها المظهرية والفيزيولوجية  والسلوكية التي تمكنها من تحمل ارتفاع درجة حرارة المحيط، ومن أهم هذه الخصائص: انخفاض الاحتياجات المائية وتحملها العطش مدة 7 - 14 يوماً بفضل امتلاكها للسنام الذي يعدُ مخزناً احتياطياً تستخدمه في حالة نقص الغذاء، كما يعد مصدراً لإمداد الجسم بالماء. فقد وجد أن تحلل دهن السنام ينتج منه نحو 40 لتراً من الماء؛ لأن أكسدة  غرام واحد من الدهن تعطي نحو 1.1 مل ماء . كما تحتوي القناة الهضمية عند الإبل على كميات كبيرة من السوائل المفرزة من الأكياس الغدية التي تشبه اللعاب بتركيبها الكيميائي والدم بضغطها الحلولي. كما تبين أنها تستطيع الاحتفاظ بنسبة كبيرة من رطوبة هواء الزفير، وحفظ الماء في الدم وتحمل نقصه بفضل البنية الخاصة للكريات الحمر( بيضوية الشكل وصغيرة الحجم وكثيرة العدد)، كما تستطيع  تغيير درجة حرارة الجسم الداخلية في مجال واسع من 34ﹾ س  في الليل إلى 42ﹾ س وسط النهار. ويُساعد الوبر على حماية الجسم من أشعة الشمس، كما يقلل من التبخر بصورة ملحوظة، وتتعرق الإبل قليلاً مقارنة بالحيوانات الأخرى، و يفرز الجمل كميات قليلة من البول عالي التركيز، وتستفيد الإبل من النباتات الرطبة والخضراء وتتحمل العطش لأكثر من شهر عند التغذية بها. وتقوم الإبل بتكيفات سلوكية مثل: البحث عن الظل، الرعي في الصباح الباكر وعند الغروب، الجلوس والأرجل تحت الجسم والبقاء جالسة على بقعة الأرض ذاتها لتجنب الاحتكاك مع بقعة أرض جديدة حارة، مما يساعدها على تخفيف أثر درجة الحرارة العالية.

4- تكيف البقر:

تتصف البقر بقدرتها على العيش في مناطق بيئية متباينة، وتمتلك قدرة كبيرة على التعرق، وهي حساسة جداً لنقص الماء مع تباينات واضحة بين العروق، فتتأقلم البقر الهندية مع البيئات الحارة بصورة أفضل من العروق الأوربية بسبب امتلاكها غطاءً شعرياً قصيراً وأقل كثافة وأكثر لمعاناً، ولا تبدأ بتكيفات سلوكية إلا إذا راوحت درجة حرارة البيئة بين10 و27ﹾ س، في حين يكون هذا المجال بين 2 و21ﹾ س للبقر الأوربية، كما تستفيد من الأعشاب النامية في المناطق الحارة، وتتحمل نقص الماء من دون أن يؤثر ذلك في شهيتها وإنتاجها، إضافة إلى قدرتها الكبيرة على التعرق لامتلاكها غدداً عرقية أكبر حجماً وأكثر عدداً، وتمتلك قوائم  طويلة وغبغباً متدلياً وآذاناً طويلة، مما يزيد مساحة سطح الجسم وزيادة التبخر.

تمتاز البقر أيضاً بقدرة كبيرة على تحمل البرد نتيجة زيادة فعالية العزل الحراري الذي يشارك فيه العزل النسيجي نتيجة انقباض الأوعية الدموية الطرفية وعزل الغطاء والهواء المكتنف، مما يُقلل كمية الحرارة المفقودة من الجلد إلى أقل مايمكن.

تقل كمية الأعلاف المتناولة وتنخفض الكفاءة التناسلية والإنتاجية مع ارتفاع درجة حرارة البيئة ولا سيما عند العروق الأوربية التي يقل استهلاكها من العلف بنحو 20% عند وصول درجة حرارة الجو إلى 32ﹾ س. ووجد أن كمية الحليب تنخفض بمعدل كيلو غرام واحد كلما ارتفعت درجة حرارة الجسم الباطنية درجة مئوية واحدة، وهذا الانخفاض لايبدأ إلا بعد الدرجة 35ﹾ س عند البقر الهندية، و29° س عند البقر الأوربية.

مراجع للاستزادة:

-        M. W. Ansari, Anil Kumar Singh et al., Global Climate Change and Plant Stress Management,Wiley 2023.

-        A.S. El-Beltagy, R. Lal et al., Climate Change and Sustainable Agro-ecology in Global Drylands,CABI 2024.

-        N. Haigh, Scenario Planning for Climate Change: A Guide for Strategists,Routledge 2019.

 


- التصنيف : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية - النوع : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1