تقانات حيويه تناسليه
Reproductive Biotechnologies -

 التقانات الحيوية التناسلية

محمد الصالح

إنتاج الأجنة خارج الرحم

حفظ الخَلايا البَيضِيَّة والأجنة بالبرودة

الاستنساخ عن طريق النقل النووي

الإجراءات المطبقة على الأعراس والأجنة

تحاليل الـدنا

 

تُعرف التقانات الحيوية التناسلية reproductive biotechnologies بأنها مفاهيم وأدوات أو وسائل تُستعمل لزيادة الكفاءة التناسلية والأداء الإنتاجي للحيوانات الزراعية. يُعد التلقيح الصنعي artificial insemination أولاها، وتبعه طرائق كشف الشبق وتوقيته  estrus detection and synchronization، والإباضة المتعددة multi-ovulation، كما أصبح بالإمكان تعظيم الاستفادة من الأمّات المرغوبة بتحريض الإباضة الفائقة ونقل الأجنة  multi-ovulation and embryo transfer، والتنسيل (الاستنساخ) cloning. لم يقتصر الأمر على الأمّات الحية غير الحامل وإنما تعداها إلى الاستفادة من الإناث المرغوبة خلال حياتها الإنتاجية كاملة، حتى بعد تنسيقها أو نفوقها أو ذبحها من خلال تطبيق تقانة إنتاج الأجنة خارج الرحم (في الزجاج)embryo In vitro . كما أثبتت بعض التقانات التناسلية المساعدة فاعليتها في إنتاجية أنواع كثيرة من الحيوانات مثل تقانة تحديد جنس السائل المنوي والأجنة sexing of semen and embryos، وتقانة التوالد الذاتي، وتقانة حقن النطف في سيتوبلاسما البويضة Intra-Cytoplasmic Sperm Injection (ICSI) ، وبعض إجراءات التشخيص المطبقة على الأعراس والأجنة.

إنتاج الأجنة خارج الرحم:

 وهي إحدى التقانات التناسلية المساعدة المطبقة لتجاوز عقبات إخفاق الإخصاب داخل الرحم، وتساعد على تعظيم الاستفادة من مخزون الأنثى الوراثي عن طريق استرداد الخَلايا البَيضِيَّة oocytes من الأمّات المانحة الحية بطريقة الالتقاط ovum-pick up خلال مراحل فيزيولوجية مختلفة (قبل البلوغ -مرحلة البلوغ- خلال أشهر الحمل الأولى) باستخدام جهاز خاص، أو عن طريق استردادها من المبايض مباشرة بعد الذبح بطريقة الشفط absorption أو التقطيع  slicing، ثم اختيار المناسب منها وإنضاجها maturation، يبين الجدول (1) المعايير المتبعة في تقدير نوعية الخَلايا البَيضِيَّة لدى الأبقار. ويتم على التوازي تهيئة النطف capacitation لإخصابها، ولاحقاً تنميتها ضمن أوساط زرع ملائمة للانقسام cleavage لتصل إلى مرحلة التطور المطلوبة. يتضمن إنتاج الأجنة الخطوات التالية:

الجدول (1) المعايير المتبعة في تقدير نوعية الخَلايا البَيضِيَّة البقرية.

الرتبة

الرُكْمَة المَبيضِيَّة (COC)Cumulus-Oocyte Complex

1

متعددة الطبقات متراصّة وفاتحة وشفافة، وسيتوبلاسما الخَلِيَّة البَيضِيَّة متجانس.

2

متعددة الطبقات متراصة وعاتمة وقليلة الوضوح، وسيتوبلاسما الخَلِيَّة البَيضِيَّة متجانس ولكنها خشنة المظهر مع وجود منطقة أقتم حول محيط الخَلِيَّة البَيضِيَّة.

3

أقل تراصَّ وأكثر دكانة من الرتبة 1 و2، وسيتوبلاسما الخَلِيَّة البَيضِيَّة غير منتظم مع وجود تكتلات داكنة.

4

ممتدة، تتناثر الخلايا الركامية في تجمعات داكنة وغير منظمة، وسيتوبلاسما الخَلِيَّة البَيضِيَّة غير منتظم مع وجود تكتلات داكنة.

1-    صلاحية الخَلِيَّة البَيضِيَّة:

تُلاحظ بعد عمليات جمع الخَلايا البَيضِيَّة نسبة لابأس بها غير صالحة للإخصاب، ويُعد اختيار المؤهلة منها العامل الحاسم في نجاح هذه التقانة، ولهذا يُخَصُّ فيما يلي توضيح لأهم العوامل المؤثرة في صلاحيتها:

أ‌-  عمر الحيوان: يمكن القول عموماً إن الخَلايا البَيضِيَّة للإناث الفتية أصغر قطراً وأقل كفاءة تطورية من نظيراتها في الحيوانات الكبيرة نظراً لوجود اختلاف كبير في النشاط الاستقلابي وتركيب البروتين ونوعيته. تُظهر الخَلايا البَيضِيَّة للعجلات كثافة أكبر في الزُغيبات على سطحها وعدداً أكبر من حويصلات الالتقام والمتقدرات الحيوية، وتحتوي الخلايا الركامية المحيطة بالخَلِيَّة البَيضِيَّة قطيرات ليبيدية أكبر مقارنة مع البقرات البالغة، كما أنها أقل حساسية لمشابهات (ناهضات) محررات الكلسيوم calcium-releasing agonists، ويخفق جزء كبير منها في متابعة التطور بعد اختراق النطف. يرجع ضعف أهليتها التطورية إلى نقص بعض العوامل الضرورية للتطور في سيتوبلاسماها، وتُعدّ هذه المكونات أساسية في الإخصاب والانقسام والتطور اللاحق. تتصف الأجنة الناتجة من الخَلايا البَيضِيَّة للإناث الفتية بارتفاع معدل التوقف التطوري قبل مرحلة الخلايا الثماني ووجود طور أطول يسبق البداية الرئيسة لتعبير المجموعة الوراثية الجنينية.

ب‌-   مرحلة دورة الشبق: تكون نوعية الخَلايا البَيضِيَّة أفضل عندما تؤخذ من مبايض عليها جسم أصفر، وقد تبين أن معدل تطور الخَلايا البَيضِيَّة المخصبة لتصل إلى الكيسَة الأُرَيمِيَّة blastocyst كان الأعلى عند جمعها بين الأيام 14-16 من دورة شبق البقرة. كما أن قدرتها التطورية عندما تؤخذ من جريبات في طور النمو الجريبي، تكون أفضل من مثيلاتها في طور السيادة الجريبية. يفيد تقييم المبايض شكلياً في التنبؤ عن الأهلية التطورية اللاحقة للخَلايا البَيضِيَّة مخبرياً مما يؤكد أن البيئة الداخلية للمبيض يمكن أن تؤدي دوراً مهماً في تحديد الأهلية التطورية للخلايا البيضية.

ج- التغذية وحالة الجسم: تؤثر حالة الجسم تأثيراً كبيراً في عدد الخَلايا البَيضِيَّة ونوعيتها، إذ ينتج من البقرة ضعيفة الجسم عدد قليل من الخَلايا البَيضِيَّة جيدة النوعية. كما تؤثر التغذية في نضج الخَلِيَّة البَيضِيَّة وتطور الجريب من خلال التأثير في البيئة الدقيقة للقناة التناسلية.

2-  إنضاج الخَلِيَّة البَيضِيَّة مخبرياً:

يتضمن تهيئة مختلف الظروف التي تؤدي إلى استئناف الانقسام المنصف الأول بحيث تصل الخَلِيَّة البَيضِيَّة في أوساط إنضاج ملائمة إلى مرحلة الانقسام التالي الثاني، ممايجعلها مؤهلة للإخصاب خارج الرحم. تراوح مدة الحضن بين 24 و28 ساعة، وأهم العلامات الدالة على اكتمال الإنضاج مخبرياً واستئناف الانقسام المنصف هو انحلال الغشاء النوويGerminal Vesicle Breakdown (GVBD) ، وطرد الجسم القطبي الأول polar body  (الشكل1)، وتشكّل مغزل الانقسام المنصف الثاني لاحقاً وتمدد الخلايا الركامية. يحدث خلال الإنضاج المخبري إعادة توزيع مكثف للعضيات داخل الخلية، إذ تهاجر المتقدرات لتحيط بالنواة، كما تهاجر الحبيبات القشريةcortical vesicles  نحو الخارج لتتوضع مباشرة تحت المنطقة الشفافة zona pellucida.

الشكل (1) خَلِيَّة بَيضِيَّة مكتملة النضج (وضوح الجسيم القطبي الأول تحت المنطقة الشفافة).

3- الإخصاب خارج الرحم:

لنجاح الإخصاب fertilization توضع الخَلايا البَيضِيَّة مع النطاف في ظروف ملائمة. يُحضَّن عادة 5-40 خلية بيضية مع 510 نطفة في 50-400 مكرولتر من وسط زرع ملائم، وتُراوح المدة اللازمة للإخصاب بين 6 و24 ساعة. ولرفع معدل الإخصاب تُضاف إلى وسط الحضن خلايا من قناة البيض التي تُزود الوسط ببعض عوامل نمو تسهم في استمرارية تطور الخَلِيَّة البَيضِيَّة المخصبة. كما يُمكن رفع نسبة الإخصاب بتوظيف تقانة حقن النطفة ضمن سيتوبلاسما الخَلِيَّة البَيضِيَّة (ICSI). وتستخدم هذه التقانة عند عدم نجاح الإخصاب بالطريقة التقليدية أو عدم توفر الأعداد المطلوبة من النطف لنجاحها. كما تُعدّ هذه التقانة على درجة كبيرة من الأهمية لتعظيم الاستفادة من النطاف المُجنَّسة (محددة الجنس).

4- أوساط التنامي والزرع:

يمكن أن تنضوي أوساط الزرع تحت صنفين: يعتمد الأول على وسط زرع  ممزوج بالخلايا الجسمية، أما الثاني فتستخدم فيه أنظمة كيميائية موصوفة بدقة وخالية من المصل أو المكونات الخلوية. وقد وُظّفت أوساط عديدة في إنضاج الخَلايا البَيضِيَّة للحيوانات الزراعية وإخصابها وتنميتها مخبرياً تندرج بالآتي:

أ‌-  الأوساط البسيطة: وهي أنظمة مُعَدّلة بالبيكربونات، تحتوي أساساً على محلول ملحي فيزيولوجي مع إضافة البيروفات واللاكتات والغلوكوز. تكمن الاختلافات الرئيسة بين مختلف أشكال الأوساط البسيطة في اختلاف تراكيز الإيونات ومستويات مصادر الطاقة. يُضاف إليها عادةً المصل والألبومين والصادات الحيوية (بنسلين، ستربتومايسين، جنتامايسين).

ب‌- الأوساط المعقَّدة: تحتوي إضافة إلى المكونات الأساسية للأوساط البسيطة على الحموض الأمينية والفيتامينات والهرمونات وعوامل النمو والسايتوكينات ومواد أخرى، وتكون بالتراكيز ذاتها الموجودة في المصل.

حفظ الخَلايا البَيضِيَّة والأجنة بالبرودة

نشأت فكرة حفظ الأجنة لتبسيط برامج نقلها، ولاسيما في حال عدم توفر أعداد كبيرة من الأمات المستقبِلة recipients، ولأنه لا يمكن في كثير من الأحيان التنبؤ بالأعداد المطلوبة من الأمات المستقبِلة لتلائم أعداد الأجنة الناتجة في برامج الإباضة الفائقة. طُوِّرت طرائق عدة لحفظ الخَلايا البَيضِيَّة والأجنة؛ يمتد بعضها لفترات محدودة، وبعضها الآخر لفترات طويلة الأمد بالتجميد  العميق(الحفظ بالبرودة). يجب ألا تقل نتائج الحمل للأجنة المجمَّدة عن نتائج نظيراتها الطازجة بأكثر من 10%، ويُعتقد أن مخاطر نقل الأمراض في الأجنة المجمدة أعلى قليلاً مقارنة مع الأجنة الطازجة، إذ تساهم المنطقة الشفافة السليمة بتأمين وقاية أفضل ضد المُمْرِضات، ولكنها يمكن أن تتشقق أحياناً في أثناء عمليات التجميد والإذابة.

تقسّم طرائق تجميد الخلايا البَيضِيَّة/الأجنة بحسب سرعة خفض درجة الحرارة إلى:

أ‌-     التجميد البطيء (الطريقة القياسية): يخرج خلالها الكثير من ماء الخلية إلى خارجها، وينجم عنه أضرار خلوية نتيجة التراكيز المرتفعة من المواد الواقية من البرودة cryoprotectants داخل الخلية قبل التجميد. تتطلب هذه الطريقة تبريد الخلايا البيضيَّة/الأجنة ببطء (0.3-0.5°س/د) بمساعدة آلة تجميد مبرمَجة في محلول يحتوي تراكيز منخفضة (1-2 مول/ل) من مواد واقية نفوذة لتصل إلى -35°س ثم تُغمس في الآزوت السائل. وتبين أن تشكل البلّورات الجليدية في محلول الحفظ يؤدي إلى تكوّن بلّورات داخل الخلايا مسببة تخريب بنيتها، مما يقلل من فرص نجاح تجميد الأجنة.

ب‌- التجميد فائق السرعة (التزجيج) vitrification: يعتمد على تعريض الأجنة لتراكيز مرتفعة من المزججات (المواد الواقية) لفترات زمنية محدودة قبل الغمس المباشر في الآزوت السائل، مما يسمح بتصلّب الخلايا من دون تشكل بلّورات جليدية الشكل (3). فقد تبين أن اللزوجة المتزايدة لهذه المزججات تؤدي إلى تخفيض نسبة تطور البلّورات الجليدية وحركيتها بصورة لا يمكنها الاندماج في تجمعات أكبر، فيتكون وبسرعة فائقة جسم ثابت شبيه بالزجاج من السائل اللزج المبرد موصلاً محتويات الخلية إلى مرحلة التزجيج.

ويوضح الشكل (2) مقارنة بين طرائق التجميد.

الشكل (2) مقارنة بين طرائق التبريد المستخدمة.

 

الشكل (3) جنين مجمد بطريقة التزجيج.

 

عُرفت القشات الفرنسية الصغيرة (0.25 مل) وسيلة تعبئة للأجنة، وتسمح بتبريدها بمعدل يصل إلى نحو 2000°س/د، وحديثاً طُوِّرَت القشة الممطوطة المفتوحةOpen Pulled Straw (OPS)  لتعبئة الأجنة وتزجيجها (الشكل4)، وتسمح بمعدلات تبريد أكبر(< 20000°س/د). تتضمن هذه الطريقة تحميل الأجنة في قشات صغيرة 0.25 مم3 سبق أن تم تحميتها ومطّها لتصل إلى نصف قطر القشة الفرنسية الأساسية ونصف سماكتها، ثم تُقطع من المنتصف للحصول على قشتين. وهي فعّالة وتسمح بالاستغناء عن المُجَمِّدات المُبَرْمَجَة الغالية الثمن، وتكون عملية تعبئة الأجنة وتفريغها بسيطة ولا تتطلب أدوات معقدة، ويمكن صنعها خلال دقائق، وإجراء التخفيف بخطوة واحدة ونقل الأجنة بصورة شبه مباشرة، كما تعتمد على معدلات تبريد تلائم أجنة كثير من أنواع الثدييات وفي مراحل تطورية مختلفة. ويمكن تزجيج جنين أو أكثر في قشة واحدة خلال دقائق معدودة مقارنة مع عدة ساعات مطلوبة بطريقة التجميد القياسية، ووجد تفوق في معدلات الحمل الناتجة من نقل الكيسات الأريمية المجمدة بطريقة OPS بدرجة كبيرة على الطريقة القياسية (82% مقابل 40% عند المعز).

الشكل (4) القشة الممطوطة المفتوحة OPS.

 

 ولنجاح عملية التجميد استُعْمِلَت أنواع مختلفة من المُزجّجات، بعضها ذات وزن جزيئي صغير، وتنفذ إلى جميع خلايا الجنين كالغليسيرول والإتلين غلايكول وثنائي متيل أكسيد الكبريت Me2SO، وأخرى غير نفوذة ذات أوزان جزيئية كبيرة كالسكروز وحمض الهيالورونيك وألبومين مصل البقر وتتطلب أن تُستخدم على شكل مزيج وبتراكيز عالية.

الاستنساخ عن طريق النقل النووي

يعني مصطلح النقل النووي للخلايا الجسمية (SCNT)Somatic Cell Nuclear Transfer  نقل نواة خلية جسمية إلى خلية بيضية منزوعة النواة لإنتاج مجموعة كبيرة من النسل متطابقة وراثياً (الشكل5)، وعادة يتم في معظم الطرائق نقل مكونات الخلية الجسدية كلها، وليس النواة فقط. وقد وصف العالم الدنماركي ولادزن  S.M. Willadsen (1986) ولادة أول حَمَل ناتج من النقل النووي باستخدام قُسَيمات أرومية، في حين استخدم العالم البريطاني وِلموت I. Wilmut  وزملاؤه (1996) الأرومات الليفية الجنينية fetal fibroblast وخلايا من غدة الضرع  بوصفها خلايا جسمية مانحة لإجراء عملية النقل النووي. وقد ولدًت نتيجة هذه التجارب عام 1996 النعجة الشهيرة دولّي Dolly التي تُعدّ أول حيوان ثديي استُنسخ من خلية متمايزة (خلية ظهارة الضرع). وأمكن تكرار عملية الاستنساخ في البقر لستة أجيال، ولكن كانت أعداد العجول المولودة تنخفض مع تقدم الأجيال في عملية الاستنساخ. وارتفعت نسبة النفوق الجنيني (70-90% بعد أجيال الاستنساخ الثالثة والرابعة) مع كل دورة استنساخ إضافية نظراً لعدم إجراء عملية إعادة البرمجة بصورة كاملة.

الشكل (5) النقل النووي باستخدام الخلايا الجسمية المتمايزة أو الخلايا الجنينية.

 

ويتطلب نجاح هذه التقانة تحضير الخلايا المانحة التي تختلف بحسب نوع الخلية المانحة والنوع الحيواني، ويجب أن تُختار خلايا تكون مجموعتها الوراثية قابلة لإعادة البرمجة وفي مرحلة محددة من الدورة الخلوية G0)،G1 أو M). أما الخلايا في طور G2 وS فهي أقل ملاءمة لإنتاج الأفراد المستنسخة. ويبقى السؤال ما التأثير في النتائج فيما لو كانت نوى خلايا جنينية أو خطوط خلايا تمتاز بقدرتها الكاملة على التشكيل (التحول إلى كائن حي كامل) totipotent أو خلايا جسمية متمايزة؟

1- الخلايا الجنينية: الشرط الأساسي للاستخدام الناجح لنقل النوى من الخلايا المانحة الجنينية في الحيوانات الثديية (الغنم والبقر) هو استخدام كامل القُسَيم الأَرومِيّ blastomere، وهذا يعني النواة إضافة إلى السيتوبلاسما. يمكن عزل القُسَيمات الأرومية المانحة بسهولة من أجنة في مراحل 8 حتى 32 خلية (التويتة) لكون الوصلاتjunction   بين الخلايا لم تتمايز تمايزاً كاملاً. ويمكن استخدام خلايا من كُتْلَة الخَلاَيا الدَّاخِلِيَّة (ICM) Inner Cell Mass بنجاح في عملية النقل النووي. ونظراً إلى تكاثرها الشديد تكون النسبة العظمى من الخلايا الجنينية في طور S، وفي هذا الطور تكون الظروف غير ملائمة للنقل النووي؛ لهذا يجب إعادة برمجتها لطور السكون G0 ليصبح استخدامها ممكناً في النقل النووي.

  2- الخلايا الجذعية الجنينية: يمكن استخدام الخلايا الجذعية في عملية النقل النووي بصورة مماثلة للخلايا المأخوذة من أجنة في مراحل تطورها الأولى. وبهذا الخصوص تُعزل من الكيسات الأرومية وتبقى تحت ظروف الزرع مدة من الزمن غير متمايزة وقابلة للتقسُّم.

  3- في الخلايا الجسمية المتمايزة: استخدمت الخلايا المتمايزة لإجراء النقل النووي والأرومات الليفية  fibroblasts بوصفها خلايا مانحة، وكانت كفاءتها أدنى من الأرومات الليفية الجنينية والخلايا الجنينية.

العوامل المؤثرة في نجاح النقل النووي:

طراز النسيج: يتطلب النقل الناجح لنوى خلايا متمايزة إعادة برمجة reprogramming  تختلف صعوبتها بحسب طراز النسيج. وبهذا الخصوص تتلاءم الأرومات الليفية مع النقل النووي جيداً، خاصة وأن الحصول عليها وزراعتها أمر سهل.

- عمر الفرد المانح: تُعدّ الخلايا المأخوذة من الأجنة والمواليد حديثة الولادة أكثر فعالية للنقل النووي مقارنة بتلك المأخوذة من حيوانات بالغة، في حين لا تظهر اختلافات كبيرة بين الحيوانات البالغة بأعمار مختلفة. أمكن بنجاح استخدام الأرومات الليفية من أبقار مانحة بعمر 15 سنة في عملية النقل النووي، ولكن يمكن في كثير من الأحيان ملاحظة شذوذات صبغية وتَبَدُّل فوق الوراثي  epigenesisأكثر عند استخدام الخلايا المانحة من حيوانات بالغة.

طور الدورة الخلوية للخلية المانحة ومدى تزامنها مع البويضة المستقبلة: تُعدّ الأطوار G0 و G1 و M ملائمة للنقل النووي.

تأثير واسمات  فوق وراثية للخلايا المانحة خلال الزرع: إذ يمكن أن تؤثر ظروف زرع الخلايا الملائمة في التَبَدُّل فوق الوراثي، فهي يمكن أن تدعم عملية إعادة البرمجة وبالتالي تزيد من نجاح النقل النووي.

- عدد الأُقسومات الأرومية وطول مدة الزرع الملائمة (أكثر من 1-2 تقسُّم خلوي في الفئران، 4-8 تقسُّمات خلوية في الخنازير، و8-16 في المجترات) من أجل التنشيط الكافي للمجموعة الوراثية للخلية المانحة.

استخدام مواد كيميائية لإحداث تحويرات كروماتينية: تُعامَل الخلايا المانحة في أثناء عملية الزرع بمواد كيميائية تساعد على إعادة برمجة الخلية المانحة، فقد ثبت نجاح استخدام التريكوستاتين - أA   trichostatin  و5- آزا دزوكسي سيتيدين   من أجل زيادة أستلة الهستونات أو من أجل تفادي مَتْيَلَة الـدنا. ولكن حتى الآن تؤدي التراكيز الضرورية لأغراض الاستخدام تغيرات سلبية وأخرى سامة.

تحضير الخلايا المستقبلة واندماج الخلية المانحة والخلية المستقبلة:

يمكن استخدام البويضات الناضجة في الرحم أو خارجه (في المختبر) على أنها خلايا مستقبلة شريطة أن تكون في طور الانقسام التالي الثاني metaphase-II ومؤهلة للإخصاب وقد طُرد الجسم القطبي الأول. يُمكن نزع الصبغيات من خلال شفط صفيحة الانقسام التالي عن طريق تنصيف البويضة أوبتخريب الصبغيات باستخدام الأشعة فوق البنفسجية. أظهرت طريقة الشفط من دون مراقبة مجهرية أنها ملائمة لكون صفيحة الانقسام التالي تتوضع بالقرب من الجسم القطبي ويسهل تحديدها. تُحضّن البويضات قبل نزع نواة الخلية في سايتوكالاسين – ب cytochalasin B من أجل إزالة بلمرة depolymerization زغابات الأكتين التي تشكل جزءاً مهماً من هيكل الخلية، مما يساعد على المحافظة على القدرة التطورية للبويضة. توضع الخلية المانحة غالباً باستخدام ماصة مجهريةmicromanipulator  (مناول مجهري) في الحيز المحيط بالمح للبويضة المستقبلة التي انتزعت صبغياتها مسبّقاً. ومن أجل عملية دمج الخلايا يُعرّض الغشاء البلاسمي لنبضات كهربائية قصيرة متساوية بحيث أن الغشاء البلاسمي لكل من الخلية المانحة والبويضة ينصهران موضعياً وتُفتح الأغشية المتجاورة، ويتم احتواء الخلية المانحة في سيتوبلاسما الخلية المستقبلة.

زرع الخلايا المندمجة:

تُنشّط البويضة في أثناء عملية الإخصاب نتيجة اختراق النطفة. ويحدث خلال هذه العملية تحريض الكثير من العمليات التي تُحفز التطور الجنيني. ويجب في البداية تنشيط تنظيم الدورة الخلوية، ويستخدم لهذا الخصوص معقد من سايكلين المعتمد على الكيناز1 Cyclin Dependent Kinase-1 (CDK-1) ويسمى M-Phase Cyclin-cdk Complexes (M-Cdks) الذي كان يسمى العامل المحفز للنضج (MPF) Maturation Promoting Factor. إذا فقدت الخلية الجسمية المانحة قدرتها على تنشيط البويضة يجب عندئذٍ استخدام المواد المساعدة. يمكن تنشيط بويضات الثدييات عن طريق التحريضات الكيميائية (التحضين لفترة قصيرة مع الإتانول)، أو الفيزيائية (صدمات كهربائية أو حرارية). تُستخدم غالباً نبضات كهربائية متساوية الشدة، مثلاً تستخدم النبضات 1-5 كيلو فولط/ سم مدة 20-30 مكرو ثانية في حالة الخلايا البيضية البقرية. يمكن في معظم الحالات ملاحظة تنشيط البويضة المستقبلة من خلال انتباج النواة المنقولة نتيجة حلّ تكاثف كروماتين الخلية المانحة وتضاعف الـدنا. وتُزرع الخلية المندمجة، إما ضمن رحم أم مستقبلة، وإما خارجه حتى تصل إلى مرحلة التطور المرغوبة. من الأهمية بمكان لنجاح النقل النووي توقيت الدورة الخلوية في الخلية المانحة والخلية المستقبِلة. ينجم عن اندماج خليتين غير متطابقتين في الدورة الخلوية أضرار صبغية و/أو انحرافات صبغية؛ لأن تضاعف الـدنا يؤدي إلى أخطاء في توزيع الصبغيات. يجب أن تُجرى عملية إعادة البرمجة لنواة الخلية المانحة بعد اندماج الخلية البيضية المستقبِلة مع الخلية المانحة المتمايزة من أجل متابعة التطور بنجاح، وثمة تفاعل بين سيتوبلاسما الخلية البيضية المستقبِلة ونواة الخلية المانحة بحيث تُنقل المورثات إلى حالة تنشيط تُمكّن التنامي الجنيني. يجري مثلاً في أثناء التنامي الجنيني في الثدييات خلال المراحل الأولى عملية نَزْع المتيل demethylation لكامل المجموعة الوراثية ذات الأهمية الكبيرة للتنامي الطبيعي للأجنة خلال المراحل الأولى إضافة إلى لصق تكرارات الجسم الطرفي. من الأدلة على التنامي الجنيني الناجح تَكَوُّن البروتينات خلال مراحل التقسُّم الخلوية الأولى. تجدر الإشارة إلى إمكان التجميد العميق للأجنة بعد النقل النووي. إن استخدام الخلايا المستقبِلة والمانِحة المجمدة تسهل إجراء النقل النووي لكون الخلايا المخزنة متاحة في أي وقت. ثبت نجاح تكرار علمية الاستنساخ باستخدام خلايا من تويتة أو كيسة أرومية سبق استنساخهما بوصفهما خلايا مانحة في دورة نقل نووي لاحقة، ولكن تنخفض الكفاءة بشدة مع تقدم دورات التنسيل.

الإجراءات المطبقة على الأعراس والأجنة

1- التشخيص والانتخاب قبل الإخصاب:

يجرى تشخيص النطاف والخَلايا البَيضِيَّة بهدف تحديد أنماطها الوراثية قبل التلقيح بغية التحكم بالطرز الوراثية للأجنة التي تنتج بعد الإخصاب. تتوفر طرائق تحافظ فيها الأعراس على حيويتها بعد التشخيص يمكن استخدامها لاحقاً للإخصاب، مثلاً يمكن فرز النطاف sperm sorting الحاملة للصبغي X أو Y قبل الإخصاب باستخدام عداد الخلايا الانسيابي flow-cytometry بغية تحديد جنس المولود. ولأن الخلية البيضية في الثدييات تملك فقط الصبغيX ، فإن الجنس يمكن تحديده من خلال تحديد النطاف المحتوية على الصبغي X أو Y وتطبيق التلقيح الصنعي بعد عملية فرز النطف.

يجري تشخيص الخلايا البيضية عن طريق التحاليل التي تجري على الأجسام القطبية، ويمكن بالتالي تحديد نمط الخَلايا البَيضِيَّة من دون إجراء معاملات مباشرة عليها. تُطرد الأجسام القطبية في أثناء نضج الخَلِيَّة البَيضِيَّة ولا تستخدم في عمليات التنامي الجنيني، فالجسم القطبي الأول يُطرد خلال الانقسام المنصف الأول لحظة الإباضة. ويمكن الوصول تجريبياً إلى معقد الركام - الخَلِيَّة البَيضِيَّة من أجل اختزاع الجسم القطبي قبل الإخصاب. يُطرد الجسم القطبي الثاني عند لحظة الإخصاب، ويطابق في نمطه الوراثي النمط الوراثي للبويضة. طُوِّرت طريقة التشخيص اعتماداً على الجسم القطبي في حقل الطب البشري لتشخيص إخفاق بعض المورثات، وطُبقت لاحقاً في مجال إنتاج أجنة الحيوانات الزراعية خارج الرحم.

2- التشخيص والانتخاب قبل الانغراس:

تُفحص الأجنة خلال مراحل تناميها الأولى عن طريق تحليل الـدنا والطرائق الكيمياوية الحيوية والمناعية. طُوِّرت لهذه الغاية تقانات حيوية فعّالة تحافظ على حيوية الجنين بحيث يتابع تناميه اللاحق من دون التأثر بالمعاملات المختلفة. يستخدم في التحليل أجنة، إما في مرحلة التُوَيْتَة morula أو الكيسَة الأُرَيمِيَّة blastocyst، ويمكن حفظها لفترات مطولة، كما يمكن استخدام نتائج التشخيص من أجل انتخاب الأجنة المرغوبة. يمكن إجراء الانتخاب لبعض الحالات الوراثية مثل تحديد الجنس والعطب أو الإخفاق  المورثي خلال الأسبوع الأول بعد الإخصاب.

تتوفر العديد من طرائق التحليل على الأجنة قبل الانغراس، ويمكن تصنيفها إلى:

أ- الطريقة غير الجراحية: تُختبر فيها بعض المواد التي يطرحها الجنين في وسط الزراعة أو التي يستهلكها مثل تحليل إنتاج الأنترفيرون تاو interferon-tau  من خلايا الأرومة المغذية trophoblast للجنين للحصول على إشارة عن كفاءة التنامي للجنين المقصود.

ب-الطريقة الصباغية: تستخدم بعض الخصائص الكيمياوية والحيوية والمناعية للجنين مثل تحديد إنزيم غلوكوز -6- فسفات دهدروجيناز (Glucose -6- phosphate dehydrogenase) الذي تعبر عنه مورثة محمولة على الصبغي X. فإذا حُضِّنت الأجنة مع مواد ملائمة لعمل هذا الإنزيم يمكن عندئذٍ تحديد نشاطه (بالصباغة بمواد معينة)، إذ تصطبغ الأجنة المؤنثة ((XX بصورة أسرع من الأجنة المذكرة (XY).

ج- الطريقة الجراحية: تُعد أكثر الطرائق أهمية وتطبيقاً ودقة؛ إذ تؤخذ خزعة جنينية (1-2) خلية بُغية استخلاص الـدنا وإجراء التحليل الملائم على المستوى الجزيئي. ثم تُجرى على الأجنة معاملات أخرى مثل الحضن ونقل الأجنة أو حفظها. وفي هذه الحالة يجب اختزاع الخلايا الجنينية بعناية فائقة، فالأجنة التي يتوجب تجميدها تتطلب سلامة المنطقة الشفافة لكونها يمكن أن تتضرر خلال بعض الإجراءات الخاصة. وتخزع الخلايا الجنينية كالآتي:

- القطع resection: يثبت الجنين على مسطح حامل ثم تُقطع عدة قسيمات أرومية (من التُوَيْتَة) أو بعض خلايا الأرومة المغذية (من الكيسَة الأُرَيمِيَّة) باستخدام مبضع مجهري وتحضن الأجنة بعد ذلك لعدة ساعات للترميم.

- الشفطaspiration : يتطلب وجود مناول مجهري (الشكل6) إذ يثبت الجنين بمساعدة ماصة ماسكة، في حين تشفط بعض الخلايا بوساطة ماصة الشفط (يمكن تحديد أعداد الخلايا المشفوطة بالضبط). تسمح هذه الطريقة بإجراء تجميد الأجنة إذ تبقى الأجنة محتفظة بكفاءة تناميها عند اختزاع القسيمات الأرومية بصورة صحيحة على الرغم من تخفيض أعداد الخلايا. لا تؤدي عملية الاختزاع وتجميد الأجنة إلى انخفاض كبير في نسبة الحمل ولكن تظل نسبة الحمل في الأجنة المختزعة أخفض منها في الأجنة غير المختزَعة.

الشكل (6) مناول مجهري لشفط الخلايا الجنينية.

تحاليل الـدنا:

ذُكر سابقاً أنه تتوفر أعداد قليلة جداً من الخلايا للاختزاع والتشخيص، ولهذا يُتوقع الحصول على كمية ضئيلة جداً من الـدنا، كما أن إجراء الاختبار التأكيدي على عينة جديدة من الجنين ذاته غير ممكن نظراً لضآلة أعداد الخلايا الجنينية المتاحة للاختزاع، إضافة إلى ذلك يتطلب التعامل مع الخلايا تقانات مجهرية وخبرات جيدة تمتاز بدقتها وحساسيتها العالية، و تساعد على  تحديد النمط الوراثي باستخدام كمية ضئيلة من الـدنا خلال فترة زمنية مقبولة. وبهذا الخصوص تؤدي الطرائق الدقيقة في أخذ الخلايا دوراً مهماً لكونها تُمَكِّن من المحافظة على الأجنة بحالة صالحة للنقل وبمعدلات حياة مرتفعة.

تجرى تحاليل الـدنا عند الأعراس والأجنة باستخدام "تقانة تفاعل البوليمراز المتسلسل" Polymerase Chain Reaction (PCR). يجب التفكير مسبقاً بمصادر الخطأ المرتبطة بتحديد النمط الوراثي للأعراس والأجنة بسبب ضآلة كمية الـدنا وتعدد الطرائق والمتطلبات  للوصول إلى نتائج دقيقة مثل:  تلوث مادة الاختبار بـدنا غريب، وعدم التضخيم المتماثل للـدنا بحسب المواقع والأليلات. وكما هي الحال في اختبارات الــ ـPCR يجب دائماً إجراء اختبار سلبي وإيجابي باستخدام وسط دَرْء  bufferخالٍ من الدنا وآخر يحتوي على دنا معروف.

 

مراجع للاستزادة:

 - J. Dascanio  P. McCueEquine, Reproductive Procedures, United Kingdom, Wiley, 2021.

 - Innovations in Cryoconservation of Animal Genetic Resources: Practical Guide. Italy, FOOD & AGRICULTURE ORG, 2023.

H. Niemann, C. Wrenzycki, Animal Biotechnology 1: Reproductive Biotechnologies, Springer, 2018.

 


- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد التاسع، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1