تكيف لوني
Homochromy -



التكيف اللوني

نذير خليل

عناصر التكيف اللوني

دوام التكيف اللوني

آليات التكيف اللوني

 

التكيف اللوني homochromy نمط من التكيف adaptation لدى بعض الأحياء، تتمكن بوساطته من التلاؤم مع ظروف الوسط الذي تعيش فيه، واستغلال موارده بكفاية، وزيادة  قدرتها على البقاء والتكاثر. ويُعرَّف بأنه قدرة بعض الكائنات الحية على مجانسة ألوانها مع ألوان الوسط المحيط بها، حيث يوفر للحيوانات التخفي عن أنظار أعدائها؛ لتجعلها في منأى عن الخطر المحدق بها، شريطة بقائها ثابتة من دون حركة، أو تستخدمه الأنواع المفترسة متخفية لاقتناص فرائسها. ويكون بوسائل عدة: إما بمعيشتها على مرتكز له اللون ذاته؛ وإما بتغيير لونها بتأثير الأشعة الضوئية في أصبغتها الجلدية؛ وإما بابتلاع مواد غذائية ملونة تنتشر في أجسامها.

عناصر التكيف اللوني

ينشأ لون الجسم لدى الحيوانات من الأصبغة الموجودة في الجلد نفسه أو في مشتقاته مثل الحراشف والريش والشعر وغيرها، ويبدي هذا التلون لديها أحياناً علاقة تكيفية مع ما يحيط بها؛ ليجعل رؤيتها أكثر صعوبة.

  يمتلك كثير من الحيوانات خلايا جلدية ملونة تعرف بحاملات الصبغة chromatophores، تمنحها اللون المميّز الذي يمكن أن يتغير تبعاً لتوزع حبيبات الصبغة فيها (الشكل1). وتؤدي الإحساسات اللمسية والبصرية دوراً رئيساً في تغير هذه الألوان. وقد يكون للحيوان أكثر من نمط من خلايا التلوين. تحيط بخلية الألوان عضلة تستطيع الانقباض والارتخاء يجري التحكم بها عصبياً. فعندما تنقبض العضلة؛ يندفع اللون إلى الجزء العلوي من الخلية، ويظهر على الجزء الخارجي للحيوان. وعندما ترتخي العضلة يعود اللون إلى الجزء السفلي منها، ويختفي عن السطح الخارجي للحيوان.وهكذا يستطيع الحبار –مثلاً- أن يبدل لون جسمه بالاستعانة بانقباض العضلات. وتتبدل في بعض اللافقاريات الألوان ببطء نسبي بسبب التحكم في ذلك هرمونياً.

يُلفى لدى بعض الأحياء أكثر من طبقة في جلدها تختص بتغيير اللون. ففي جلد الحرباء مثلاً ثلاث طبقات: طبقة سفلى داكنة تحتوي على الميلانين لا تسمح بمرور الضوء، وطبقة وسطى تحوي الغوانين، تعكس اللون الأزرق عندما تتعرض للضوء، وطبقة عليا فيها اللونان الأحمر والأصفر (الشكل 1). وفي حالة ازدياد حجم الخلايا الصفراء على الحمراء في الطبقة العليا- مع اقترانها باللون الأزرق الذي ينعكس من الطبقة الوسطى- تظهر الحرباء بلون أخضر. وهكذا مع بقية الألوان؛ لدى الحرباء ألوان أساسية تستطيع استخدامها لتغيير لونها.

الشكل (1) حاملات الصبغة في الجلد لدى الحرباء.

تعمل بعض مكونات الجسم لدى أحياء محددة كما لو أنها موشور بحيث تعكس تكوينات لونية معينة. فالدب القطبي مثلاً يظهر بلون أبيض على الرغم من أن له جلداً قاتم اللون، وذلك لامتلاكه شعراً شبه شفاف، فعندما يسطع الضوء على الشعر تحرفه كل شعرة قليلاً؛ مما يؤدي إلى ظهور اللون الأبيض.

دوام التكيف اللوني

تكون بعض التكيفات مؤقتة، تُمَكِّن الكائن الحي من التلاؤم مع تغير أوساطه بسرعة، مثل تغير لون الحرباء والحبَّار وسمك موسى flounder. وتكون بعض التكيفات دائمة، مثل الدببة القطبية التي يظهر لونها الأبيض طوال العام، وكذلك بومة الثلج بريشها الأبيض وغيرها. وتكون بعض التكيفات فصلية تتغير بحسب ظروف الطقس، مثل أرنب الثلج الذي يقطن المناطق الشمالية المثلجة له فراء أبيض كثيف في الشتاء، يصير في الصيف أقل كثافة وبلون بني. وكذلك الثعلب القطبي الذي يعيش في القطب الشمالي، لونه بني وأسود في الربيع والصيف؛ لينسجم مع البيئة من حوله، لكنه يتحول إلى اللون الأبيض في الخريف والشتاء؛ لكي يتناسب مع الثلج الذي يغطي منطقته (الشكل 2).

الشكل (2) بعض الحيوانات المتكيفة لونياً مع وسطها.

 آليات التكيف اللوني

تتباين طرائق المطابقة اللونية مع الوسط المحيط من كائن حي إلى آخر، ويتوقف تكيفه هذا على بيئته وسلوكه وفيزيولوجية جسمه. وتميز ثلاث آليات، هي:

1- التجانس اللوني البسيط مع الوسط: يستطيع كثير من الأحياء حماية نفسها أو تَرَصُّد فرائسها بأن تختار العيش في أوساط لها لون الجسم نفسه؛ إذ يصعب تمييز الألوان الغامقة من الخلفية ذات اللون الداكن؛ والألوان الفاتحة من الخلفية ذات اللون الفاتح. فالعثة رمادية الجناح لا يمكن تمييزها إذا بقيت ساكنة على جذع شجرة رمادي اللون، كما يصعب تمييز الضفدع palmataParadoxophyla  بلونه البني والأصفر على أرضية تماثله (الشكل 3). وتنسجم بعض أنواع السحالي بلونها الأخضر مع النباتات المحيطة بها. وكذلك حال بعض الحشرات التي تعيش على الأوراق، تكون خُضْراً يصعب رؤيتها، مثل العديد من أنواع الجراد والبق الأخضر وغيرها.

الشكل (3) الضفدع Paradoxophyla palmata.

ويماثل لون بعض الحيوانات لون التربة مثل دودة الأرض التي يقترب لونها من لون الأرض التي تكون عليها. ولبعض الحيوانات الصحراوية لون يماثل لون الرمال كالجربوع الفراتي. وفي الأماكن القطبية حيث تكون الثلوج هناك الدببة القطبية والثعالب القطبية وحجل الثلج وبوم الثلج، التي تكتسي أجسامها بلون أبيض.

ولا بد من الإشارة إلى أن كثيراً من الحيوانات المائية السابحة تكون أجسامها شفافة تماماً، أو ذات لون أزرق خفيف. ولهذا السبب يتعذر رؤيتها في ماء البحر. وتنطبق هذه الحالة على اليرقات والقشريات الصغيرة، وعلى عدد كبير من الأحياء البحرية مثل قناديل البحر. كما أن للأسماك التي تتمدد على القاع لوناً يقارب كثيراً لون ذلك القاع. ويلاحظ أن الأسماك التي تعيش في مستنقعات قاعها طيني أكثر قتامة من تلك التي تعيش في مياه صافية.

يتكامل لدى كثير من الأحياء التكيف اللوني مع محاكاة بالشكل لعنصر من عناصر الوسط الذي تعيش فيه، وتنطبق هذه الحالة على أنواع من فرس النبي التي تماثل شكل بعض الأزهار وألوانها. وتماثل بعض الحشرات العيدانية أغصان النباتات الجافة بشكلها ولونها، وتشابه الحشرات الورقية أوراق بعض النباتات لدرجة مذهلة (الشكل 4). كما تتنكر سمكة الفريالة السامة على شكل حجر، حيث تستلقي في قاع البحر محاطة بصخور ونتوءات بارزة، تتمكن من خلال هذا التمويه الخاص من التخفي في قاع البحر من دون أن يراها أعداؤها، وإذا اقتربت منها إحدى فرائسها تغرس فيها أشواكها السامة؛ لتسقط أمامها وجبة شهية.

الشكل (4) اقتران التكيف اللوني مع التكيف الشكلي والمحاكاة.

 ويمكن أن تُظهر أحياء أخرى عملياً محاكاة أو تقليداً لشيء مخيف أو خطر، فلفراشة البومة طريقة ذكية في الدفاع عن نفسها ضد الأعداء المفترسين، فعندما تشعر بالخطر تقوم بإظهار جناحيها؛ ليرى عدوها عينين تشبهان عيني البوم، فيخاف ويبتعد (الشكل 4).

2- التبديل اللوني: يقتصر هذا التكيف على الحيوانات التي تغير ألوانها إرادياً؛ تبعاً للوسط الذي تعيش فيه، حيث تمتلك خلايا صباغية خاصة (حاملات الصبغة). يعود تبدل لونها إلى سرعة انتقال الأصبغة في خلاياها الصباغية، وذلك كرد فعل على المنبهات الخارجية. والحرباء هي المثال الأكثر شهرة لهذه الظاهرة، ومع ذلك فإنها ليست الوحيدة التي يمكن أن تغير لونها، فالعديد من الأحياء المائية لديها هذه القدرة أيضاً. ولا تُستخدم هذه التغييرات في اللون دائماً للتمويه، ففي كثير من الأحيان تستخدم كرسائل إلى أفراد النوع نفسه أو للتحذير أو لجذب الشريك، ويذكر هنا الحبار والسمك المفلطح وغيرهما. فالسمكة المفلطحة مثلاً تستقبل منبهات خاصة عن طريق العين؛ لتقوم الإشارات العصبية الناجمة عن وجود المنبهات بِحَثّ الخلايا الصباغية على إعادة ترتيب الأصبغة الموجودة فيها؛ ليصبح لونها أكثر قتامة أو أكثر شحوباً؛ مما ينجم عنه تكون أنماط لونية مختلفة.

ويبدو أن آلية التكيف الصباغي لدى القشريات Crustacea تخضع تماماً لسيطرة هرمون يحدد انتقال الحبيبات الصباغية في الاستطالات المتشعبة للخلايا حاملة الصبغة. كما في القريدس (الجمبري) الصغير- من عشاريات الأرجل Decapoda- الذي يعيش في شواطئ المحيط الأطلسي ومناطق أخرى من بحار العالم، ويدعى بالقريدس الحرباء لقدرته الكبيرة على التطابق مع ألوان الوسط المحيط به (الشكل 5).

الشكل (5) القريدس الحرباء.

ويُعدّ الحبار والأخطبوط - وهما من الرخويات رأسيات الأرجل Cephalopoda - من الأمثلة المشهورة بقدرتها على التبديل اللوني، سواء استجابة للون الوسط حيث يتلون كل منهما بلون القاع الذي يعيش عليه؛ أم بتأثير منبهات مختلفة المنشأ. ولكن ما يثير الدهشة هو تغير اللون بسبب الانفعالات كالغضب والخوف.

وتبدي الضفادع عديمات الذنب تبدلات لونية واضحة، إذ تخضع هذه التبدلات لديها لتأثير عدة عوامل خارجية كالحرارة والضوء والاضطرابات التنفسية؛ إضافة إلى المنبهات اللمسية والبصرية.

3- التكيف مع لون الغذاء: تماثل ألوان بعض الأحياء لون غذائها أو فرائسها تماماً. فقد لوحظ أن بعض الرخويات اللاحمة من عاريات الغلاصم Nudibranchia التي تعيش على الإسفنجيات أو المرجانيات أو الكأسيات زاهية الألوان، وتتغذى بها؛ يكون لها ألوان غذائها، ويذكر هنا مثلاً النوع Tritonia nilsodhneri (الشكل 6)، الذي يعيش في البحر المتوسط جنوب فرنسا، وفي المحيط الأطلسي جنوب إنكلترا وغرب إيرلندا وشمال إسبانيا، فعندما يتناول غذاءه من فوق مرجان بلون معيّن؛ فإن لون هذا المرجان يبرز من خلال جسده الشفاف، ويستمتع بالغذاء الذي يستخلصه من المرجان وهو متخفٍّ تماماً عن غيره من الأحياء.

الشكل (6) الرخوي Tritonie nilsodhneri على أحد أنواع المرجان.

بالمقابل فإن إنتاج اللون يستخدم لأغراض أخرى غير التخفي أو التمويه، فمنها استخدامه للتحذير أو كرسائل إلى أفراد النوع نفسه، أو لجذب الشريك. ولا بد من الإشارة إلى أنه في عالم النبات يجري الاستفادة من الأصبغة اللونية المنتجة في توفير فرص أكبر للتكاثر والبقاء، حيث تشاهد بعض أمثلة المحاكاة أو المجانسة اللونية والشكلية معاً والتي تستخدم في خداع أنواع من الحشرات من أجل تسخيرها في نقل حبات الطلع. فمثلاً لزهرة مرآة النحل (الحاجبية) أوفريس speculumOphrys  حافة لها شكل أنثى النحل ولونها مع القدرة على طرح الفرمون pheromon لجذب ذكور النحل (الشكل 7). وكذلك حافة زهرة أوركيد التنين التي تشبه أنثى الدبور (الزنبور) عديمة الأجنحة؛ لدرجة أن ذكر الدبور فقط ينجذب إليها، فيحاول التزاوج معها بعد هبوطه الآمن في أخفض منطقة من الزهرة، وفي أثناء ذلك يلتصق غبار الطلع بجسمه؛ لينتقل معه إلى زهرة أخرى.

الشكل (7) أوفريس مرآة النحل O. speculum وخداعها لذكور النحل Dasyscolia ciliata.

مراجع للاستزادة:

A. Portmann, Animal Camouflage, Hassell Street Press 2021.

- G. Miller, S. E. Spoolman, Living in The Environment, the National Geographic Society and Cengage Learning, North Carolina, 2014.

M. Stevens, S. Merilaita, Animal Camouflage: Mechanisms and Function, Cambridge University Press, 2011.

 


- التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا) - النوع : علم الحياة (البيولوجيا) - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1