التمييع
تمييع
fluidization -
يمن الأتاسي
عملية السرير الثابت مقابل عملية السرير المميع
التمييع fluidization هي آلية مشابهة للتسييل liquefaction؛ إذ يجري تحويل مادة حبيبية granular material من حالة ساكنة شبيهة بالصلبة إلى حالة ديناميكية شبيهة بالمائعة. وتحصل هذه الآلية عندما يمرّ مائع ما (سائل أو غاز) خلال مادة حبيبية.
![]() |
|
الشكل (1)مبدأ التمييع. |
عندما يُرسل تيار غازي خلال حبيبات صلبة (السرير) من الأسفل باتجاه الأعلى؛ فإن الغاز يتحرك ضمن السرير خلال الفراغات ما بين الجسيمات الشكل (1)، فإذا كانت سرعة الغاز منخفضة يكون السحب الهوائي الديناميكي (ديناميك الهواء aerodynamic ) منخفضاً؛ أي إنّ السرير يبقى في حالة شبه ثابتة، ومع زيادة السرعة فإنّ قوى السحب الأيروديناميكية تبدأ بمعادلة القوى الثقالية؛ ممّا يسمح للسرير بالتمدد حجمياً فتبتعد الجسيمات بعضها عن بعض، وتؤدي الزيادة الإضافية في السرعة إلى الوصول إلى قيمة حدية critical value؛ فيقال عندها: إنّ السرير أصبح مميعاً fluidized bed؛ أي إنه سوف يسلك سلوكَ مائعٍ. ومع ازدياد سرعة الغاز تستمر الكثافة الإجمالية bulk density للسرير بالانخفاض، ويصبح تميُّعه أكثر شدة، بحيث لا تشكِّل الحبيبات بعد ذلك سريراً؛ بل ينقلها تدفق الغاز عالياً.
وهكذا تتصرف الجسيمات الصلبة المكونة للسرير عند تمييعه تصرف المائع؛ أي تسلك سلوك السائل أو الغاز. وتماماً كما يشغل الماء حجم الوعاء الذي يملؤه ويأخذ شكله؛ فإنّ السرير يتوافق مع حجم الحجرة وشكلها. ومن جهة أخرى تطفو الأجسام التي كثافتها أخفض من كثافة السرير على سطحه قافزة نحو الأعلى، وإلى الأسفل إذا دُفعت نحو الأسفل؛ في حين تغرق الأجسام ذات الكثافة العليا في أسفل السرير. يسمح السلوك المائعي للجسيمات بأن تُنقَل تماماً كالموائع؛ أي بأن تُمرَّر عبر الأنابيب، ولا تحتاج إلى نقل ميكانيكي (على سير ناقل conveyor belt).
من النماذج المبسَّطة من الحياة اليومية عن السرير المميّع، من النمط غاز-صلب، مفرقع "الفوشار" popcorn popper؛ إذ يجري تعليق حبيبات الذرة - المنتظمة بالشكل والحجم نسبياً - ضمن الهواء الحار المندفع من أسفل الحجيرة. وبفضل المزج الشديد للحبيبات - المشابهة لسائل في حالة الغليان - تكون للحبيبات على امتداد الحجيرة درجات حرارة منتظمة، وهذا ما يخفّض من كمية حبيبات الذرة المحترقة. وبعد فرقعتها تواجه حبيبات "الفوشار" زيادة في السحب الأيروديناميكي الذي يدفعها إلى الخروج من الحجيرة نحو وعاء التخزين.
![]() |
|
الشكل (2) مخطط تمثيلي لمفاعل سرير مميع. |
يظهر الشكل (2) مخططاً تمثيلياً لأحد أهم تجهيزات التمييع، ألا وهو السرير المميع الذي يضم المسحوق الصلب المكون للسرير. أما الموزِّع distributorفهو صفيحة مثقبة في أسفل السرير يمر خلالها الغاز أو السائل المضغوط باتجاه الأعلى؛ ممّا يدفع بالحبيبات الصلبة إلى أن تصبح معلقة.
يُحصل على السرير المميّع عندما يتدفق مائع ما -عادة غاز- خلال سرير من جسيمات صلبة ذات مقاس مناسب، وذلك بسرعة عالية تكفي كي تتطاير الجسيمات الصلبة وتتغلب على قوة الثقالة ويصبح لها مظهر شديد الاضطراب، مشابه لذلك الذي يشاهد في سائل عند الغليان. يجب أن تقع سرعة المائع بين تلك التي تسمح برفع الجسيمات للوصول إلى معلّق منتظم؛ وتلك التي تسمح بنقل الجسيمات إلى خارج الحجيرة. وبهذا يحقّق السرير المميع تماساً قوياً بين المائع والصلب.
تقع أبعاد الجسيمات الصلبة في المجال 30 - 125 مكرومتراً، ويمكن أن تصل إلى 6 مم أو أكثر. أما مجال سرع الغازات فهو بين 0.3-0.006م/ثا، وذلك يتوقف على عوامل عدة مثل كثافتي الغاز والصلب النسبيَّتين، وحجم الجسيمات الصلبة وشكلها، وعدد الجسيمات في واحدة الحجم (كثافة السرير).
يتسبب التداخل الكبير بين ميكانيك الماء hydromechanics وانتقال الحرارة وانتقال الكتلة في السرير المميع بتشابك عدد كبير من العوامل التي يجب فهمها عند التحليل الرياضي والفيزيائي للجملة المميّعة وتصميمها. كما أنّ العديد من التفاعلات الكيميائية تصبح أيضاً ممكنة - بفضل التماس الشديد الذي يتحقق ضمن شروط هذه الأسِرّة المميّعة - وذلك إما بين الحبيبات الصلبة والغاز وإما بين صلبين مميَّعين وإما بين أحد غازات مزيج غازي مع الجسيمات الصلبة التي تؤدي دور المحفز. في واقع الأمر تجاوزت التطبيقاتُ العملية لهذه الجمل - ضمن منشآت صناعية بلغت تكلفتها بضعة ملايين من الدولارات - الفهمَ الدقيق للتداخل بين المتغيرات الفيزيائية والكيميائية المتشابكة. بل إنّ الكثير من التطوير المستمر على هذه السيرورة ضمن المنشآت الصناعية هو من طبيعة تجريبية بحتة أكثر منه قائماً على التصميم المحسوب والمدروس.
أصبح التمييع بفضل إمكان حصول الانتقال الكتلي والانتقال الحراري ما بين الصلب والموائع؛ أداة فعالة في تطبيقات مهمة مثل التجفيف والشَّي وغيرهما.
وبسبب التماس الممتاز بين الجسيمات الصلبة فيما بينها من جهة، وبينها وبين الغاز من جهة أخرى؛ فإنّ أي اختلاف في درجات الحرارة يتسبب بتدفق ممتاز للحرارة بين الجسيمات فيما بينها من جهة؛ وبين الجسيمات الصلبة والغاز من جهة أخرى. ولهذا فإن الاستعمال الأبسط للسرير المميع هو المبادل الحراري البسيط.
وبصورة مشابهة لما سبق هناك فرصة كبيرة لانتقال الكتلة بفضل الانتثار الجزيئي من الجسيمات الصلبة والطور الغازي أو إليهما. ومن أمثلة ذلك حركة المواد المتفاعلة في الطور الغازي إلى سطح الجسيمات الصلبة التي تؤدي دور المحفزات، ثم الحركة العكسية لنواتج التفاعل من سطح المحفزات إلى الطور الغازي.
كما تستفيد تطبيقات أخرى للتمييع من واحدة أو أكثر من المميزات الآتية للأسرّة المميعة:
1- سهولة نقل المواد الصلبة المميعة بين المفاعلات.
2- المزج الشديد ضمن السرير المميع؛ ممّا يضمن درجة حرارة منتظمة في أرجائه كلها.
3- الانتقال الحراري الممتاز بين السرير المميع والمبادلات الحرارية heat exchangers المغمورة في السرير.
قرابة عام 1920 جرى تطوير عملية (معالجة) وينكلر Winkler process لتحويل الفحم إلى غاز باستعمال الأكسجين؛ لكنها لم تنجح تجارياً. غير أنه مع تطوير العملية وفهمها تحسّنت التجهيزات المعتمدة على هذه العملية وتنوعت، وهي تستعمل حالياً لتغويز الفحم والنفايات أيضاً.
أما أكبر إنجاز تجاري في هذا المجال فهو عملية التحطيم التحفيزي المائعي Fluid Catalytic Cracking (FCC) في أربعينيات القرن العشرين، والذي ساهم في تحويل قطفات النفط الثقيلة إلى غازولين. ويترسب فحم الكوك coke الغني بالكربون على حبيبات المحفز ويبطل فعاليته بأقل من ثانية واحدة. يجري نقل حبيبات المحفِّز المميعة بين مفاعل السرير المميع وحرّاق السرير المميع، حيث يجري حرق ترسبات الفحم؛ مما يولّد حرارة لازمة لتفاعل التحطيم الماصّ للحرارة.
وفي الخمسينيات من القرن المنصرم استُعملت تقانة السرير المميع في عمليات التعدين مثل التجفيف والتكليس وشيّ الكبريتيدات.
أما في الستينيات من القرن العشرين فقد خفّضت سيرورات الأسرة المميعة تكلفة العديد من المونوميرات (الموجودات) الداخلة في صناعة البوليمرات. ومن أمثلة ذلك عملية سوهيو Sohio process لتحضير الأكريلونتريل وعملية الأكسدة والكَلْورة التي تسمح بتحضير كلوريد اﻟﭭﻴنيل. إن جميع هذه التفاعلات الكيميائية ناشرة للحرارة، ويسمح التمييع بالوصول إلى انتظام في درجات الحرارة؛ مما يقلل من التفاعلات الجانبية غير المرغوبة، كما يضمن انتقالاً حرارياً فعالاً إلى أنابيب التبريد؛ مما يسمح بدوره بالوصول إلى مردود مرتفع.
خفضت عملية السرير المميع في السبعينيات من القرن العشرين من تكلفة إنتاج البولي إتلين ذلك البوليمر بالغ الأهمية، وقد ساهم هذا في جعل استعمال البولي إتلين في العديد من التطبيقات أمراً اقتصادياً؛ إذ من المعروف أن تفاعل البلمرة يولّد حرارة؛ ولكن المزج الشديد الذي يصاحب التمييع يمنع من تكون بقع حارة hot spots تنصهر عندها حبيبات البولي إتلين. وتُستعمل تقنية مشابهة في تحضير البولي بروبلين.
وتستعمل الأسرّة المميعة حالياً في معظم العمليات التي جرى تطويرها للإنتاج الصناعي لألياف الكربون النانوية.
وهناك تطبيق جديد واعد لتقنية التمييع هي الاحتراق وفق حلقات كيميائية chemical looping combustion، إذ إنّ أحد الحلول لتخفيض التأثير الممكن لثنائي أكسيد الكربون الناتج من احتراق الوقود (على سبيل المثال داخل محطات الطاقة) في رفع درجة حرارة الأرض يكون بعزل ثنائي أكسيد الكربون. يقود الاحتراق المألوف بوجود الهواء إلى انطلاق ثنائي أكسيد الكربون ممزوجاً بغاز الآزوت؛ لكون الآزوت المكون الرئيس للهواء (نحو 78%حجماً). يحدّ انطلاق ثنائي أكسيد الكربون الممزوج بالآزوت من الجدوى الاقتصادية لعزله. يقوم مبدأ الحلقات الكيميائية على استعمال أكاسيد المعادن على أنها حامل صلب للأكسجين؛ أي إنّ هذه الأكاسيد المعدنية تحل محل الهواء (وبالتحديد أكسجين الهواء) خلال تفاعلات الاحتراق مع وقود صلب، أو سائل، أو غاز ضمن سرير مميع؛ مما يعطي حبيبات معدنية صلبة ناجمة عن إرجاع الأكسيد المعدني، ويتشكّل مزيج من ثنائي أكسيد الكربون وبخار الماء؛ لكونهما الناتجين الرئيسيين لأي تفاعل احتراق. يجري تكثيف بخار الماء؛ مما يترك غاز ثنائي أكسيد الكربون نقياً يمكن عزله. يجري نقل حبيبات المعدن الصلبة إلى سرير مميع آخر لتتفاعل مع الهواء (أكسجين الهواء تحديداً) وفق تفاعل ناشر للحرارة، وتتحول من جديد إلى أكاسيد معدنية يُعاد إدخالها ثانية في مفاعل الاحتراق ذي السرير المميع.
للتمييع الكثير من التطبيقات عند استعمال حبيبات التبادل الإيوني لتنقية العديد من التيارات السائلة في الصناعة ومعالجتها؛ إذ يستعمل العديد من الصناعات التبادلَ الإيوني خطوة أساسية في معالجة المنتجات، يُذكر من هذه الصناعات: الصناعات الغذائية والمشروبات، والتعدين المائي hydrometallurgy، وتليين الماء water softening، والتحفيز.
عملية السرير الثابت مقابل عملية السرير المميع
على الرغم من صعوبة تحويل كل التفاعلات الغازية المحفزة وفق عملية السرير الثابت إلى سيرورة السرير المميّع؛ فإن لكلٍ من العمليتين مزاياها ومساوئها. وأهم مزايا السرير المميع هو المزج الأفضل للمكونات وما يصاحب ذلك من تحسين في انتقال الحرارة والكتلة، وخاصةعند استعمال سرير مميع متحرك. وهذا ما ينعكس بالضرورة على تحسين مردود التفاعل وضياع أقل للمحفز. كما تسمح عمليات الأسرة المميعة بسهولة إضافة الجسيمات الصلبة إليها؛ ممّا يضفي على العملية مرونةً في التصميم والعمل. من جهة ثانية قد تتداخل ضمن السرير المميع المواد الأولية مع النواتج ما لم يتلافَ الأمر بالاستعانة بمفاعلات متعددة الأسرة. كما يحصل أحياناً اهتراء في حبيبات المحفز وضياع لها.
|
مراجع للاستزادة: - J. P. Guyer, An Introduction to Fluidized Bed Boilers, The Clubhouse Press El Macero, California, 2020. - A. Prince, A. Bassi, C. Haas, Biotechnology Progress, AIChE, Wiley Online Library 2012. - G. P. Rangaiah, A. Bonilla, Petriciolet, Multi-Objective Optimization in Chemical Engineering: Developments and Applications, Wiley, 2016.
|
- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

