التنقيب الجيوفيزيائي
تنقيب جيوفيزيايي
Geophysical prospection -
جهاد البريدي
استخدامات طرائق التنقيب الجيوفيزيائي
يُعدّ التنقيب الجيوفيزيائي geophysical prospection جانباً تطبيقياً لعلم الجيوفيزياء، ويَستخدم الطرائق السطحية لقياس الخواص الفيزيائية لطبقات الأرض تحت السطحية ومحتوياتها الطبيعية والصنعية؛ محدداً الشاذات anomalies للخصائص الفيزيائية لاستكشاف مسبباتها المختلفة، مما يخدم تحديد المكامن الفلزية المعدنية واللامعدنية والمصائد النفطية وخزانات المياه الجوفية ومناطق الشاذات الحرارية والدفائن الصنعية على اختلافها، ويساهم في تعرّف التراكيب الجيولوجية؛ وتحديد نطاقات عدم التجانس تحت السطحية؛ والتكهفات في الطبقات المختلفة؛ إضافة إلى تطبيقات أُخرى متعددة.
ويمثل التنقيب الجيوفيزيائي التطبيق العملي للطرائق الجيوفيزيائية المختلفة؛ التي منها الطريقة الاهتزازية الأرضية (السيزمية) seismic، وطريقة الجاذبية gravitational، والطريقة المغنطيسيةmagnetic ، والطريقة الجيوكهربائيةgeoelectrical ، والطريقة الكهرطيسية electromagnetic. تقيس الطرائق الجيوفيزيائية الخصائص الفيزيائية للمكونات تحت السطحية، وتعتمد تلك الطرائق على التباين في الخصائص الفيزيائية للمكونات المختلفة في معرفة مكوناتها. وعلى سبيل المثال تختلف الخواص الكهربائية للمكونات تحت السطحية المحتوية على فلزات معدنية كثيراً عن تلك التي لا تحتوي على تلك الفلزات، حيث تزداد فيها الناقلية الكهربائية؛ مما يُخفض المقاومية الظاهرية apparent resistivity المقيسة خفضاً كبيراً، كاشفةً عن وجود الفلزات المعدنية وذلك في ضوء المعرفة الجيولوجية للمنطقة.
تقسم الطرائق الجيوفيزيائية المستخدمة في التنقيب الجيوفيزيائي شقين رئيسيين، وهما: التنقيب الفعال active prospection والتنقيب المنفعل passive prospection، حيث يُستخدم في التنقيب الفعال مصدر خارجي للطاقة يرسلها عبر طبقات الأرض، ويقاس رد فعل تلك الطبقات على الطاقة المرسلة لمعرفة مكوناتها الصخرية، وقد تكون تلك الطاقة كهربائية (تيار مستمر أو متناوب)؛ أو طاقة كهرطيسية ببث أطياف كهرطيسية مختلفة تبعاً للطريقة المستخدمة؛ أو طاقة اهتزازية على شكل قطار من الأمواج بتردد معيّن. في حين يُقاس في التنقيب المنفعل رد فعل الطبقات والتشكيلات تحت السطحية على حقول كمونية موجودة أصلاً كالحقل الجاذبي والمغنطيسي والتلّوري telluricوالحقول الحرارية والحقول الإشعاعية والحقول الطيفية الكهرطيسية المستخدمة في تقنيات الاستشعار من بعد، والحقول الكهرطيسية الراديوية غير المخصصة للتنقيب الجيوفيزيائي. ويمكن تقديم تقنيات طرائق التنقيب الجيوفيزيائي كالتالي:
· الطرائق الاهتزازية الأرضية الزلزالية (السيزمية) seismic methods:
هي من الطرائق الفعالة، ومثالها الطريقة الاهتزازية الانعكاسية reflection seismology والانكسارية الاهتزازية seismic refraction والاهتزازية التصويرية الطبقية (الطموغرافيا) seismic tomography. وتعتمد الطرائق السابقة على ناقلية صخور القشرة الأرضية للأمواج الصوتية، حيث يُقاس زمن ارتحال الموجة الصوتية الاهتزازية من المنبع الصوتي (المرسل) إلى موقع المستقبل (اللاقط)، إما مباشرة وإما بعد انعكاسها أو انكسارها ضمن الطبقات الصخرية المختلفة، وتُسجل تغيُّرات السعة أو التردد أو الاختلاف في الطور التي طرأت على تلك الأمواج. وتحظى الأمواج الطوليةP-wave بالاهتمام الأكبر لكونها تخترق جميع الأوساط الصلبة والمائعة. أما الأمواج العرضية فإنها تخترق الأوساط الصُّلبة فقط، وتتلاشى في الأوساط المائعة، ولهذه الأمواج تطبيقات جيوفيزيائية واسعة؛ على خلاف الأمواج السطحية التي لا تخترق الطبقات الأرضية؛ مثل أمواج رايلي Rayleighوأمواج لوڤ Love التي تمثل الضوضاء في القياسات الاهتزازية. تتباين سرعة الأمواج الاهتزازية في الصخور تبعاً لاختلاف كثافتها وتركيبها ومساميتها ونفوذيتها، وتصل سرعتها في الرمال الجافة المفككة إلى نحو 300م/ثا، وتصبح في الرمال المشبعة بالماء نحو 1500م/ثا. وتزداد في الغضار والغضار الصُّفيحي shale لتراوح ما بين 1800 و2200م/ثا، وتصل مُعدلاتها في الحجر الرملي أو الكلسي أو الدولوميتي إلى أكثر من 3000م/ثا. وتُوَلَّد الطاقة الزلزالية بالطَّرْق اليدوي على سطح الأرض بثقل،أو بالصدم المتكرر من خلال رجّاجات آلية ضخمة،أو بتفجير شحنات على سطح الأرض أو تحتها،أو تحت سطح الماء. أما اللواقط فهي محولات للطاقة transducers حسّاسة، تحول الطاقة الميكانيكية الناتجة من صدم الأمواج المرتدة لها إلى تيارات كهربائية يسهل تسجيلها وتضخيمها.ويُستحصل من الطريقة الانعكاسية على سجل اهتزازي seismogram يحوي عدداً من الآثار الزلزالية يساوي عدد محطات القياس، وفيها تُلْتَقَط الأمواج التي تنعكس عن السطوح الفاصلة بين الطبقات الصخرية المختلفة بحيث تَحصُل تغطية متكررة لقياس الإشارات الاهتزازية في كل نقطة من نقاط السطح العاكس، وتراوح التغطية بين 12 و48 مرّة، وتكدّس تلك الإشارات للتخلص من الضوضاء؛ مما يسمح بالحصول على صورة مجسمة لما تحت الأرض؛على شكل مقطع اهتزازي ثنائي البعد؛ أو مجسم ثلاثي الأبعاد للطبقات الأرضية تحت السطحية، وهي غنية بالمعلومات؛ ولكنها باهظة التكاليف، ولا تُستخدم إلا في مساحات محدودة ولحل مسائل بنيوية تفصيلية في المصائد النفطية. تخزن الإشارات الاهتزازية بصيغة رقمية، وتعالج باستخدام برامج حاسوبية، للحصول على صورة للسطوح الفاصلة بين الطبقات الأرضية؛ وأشكال البنى الجيولوجية إلى أعماق قد تصل إلى عشرة آلاف متر أو تزيد.ويُستحصل من الطريقة الانعكاسية على مخطط بياني تظهر عليه المسارات التي تسلكها الإشارة من المنبع إلى محطات الالتقاط بعد انعكاسها عن السطوح الفاصلة بين طبقات متفاوتة السرعة، وبهذه الطريقة يمكن تحديد سرعة الأمواج الاهتزازية في كل من الطبقات المختلفة ومعرفة خواصها الصوتية.
· طريقة الثقالة (الجاذبية) gravity method:
تقيس هذه الطريقة تغيرات حقل الجاذبية الأرضية الذي ينحرف عن شكله النظامي بسبب تفاوت كثافة الفلزات أو الصخور المكونة للقشرة الأرضية. ويستخدم لقياس هذه التغيرات مقاييس الثقالة gravity meters التي تعتمد واحدات قياس تسمى الغال gal وهي تقابل تغير في تسارع الجاذبية الأرضية يساوي 1 سم/ثا2. وتُرجع القيم المقيسة إلى مستوى سطح البحر حيث يجرى عليها تصحيح تأثير التضاريس المُحيطة وتصحيح بوغير Bouguer وتصحيح خطوط العرض وتصحيح الهواء الحر؛ لتُرسم على خرائط بمقياس مناسب تُظهر الانحراف عن السلوك الجاذبي النظامي حيث يُستنتج منها التباين في الكثافة التي قد تعود إلى جسم فلزي كثيف موجود داخل صخور أقل كثافة؛ كالأنابيب dykes وكتل الصخور النارية المندسة في الطبقات الرسوبية، أو تعود إلى مركب منخفض الكثافة ضمن صخور أكثر كثافة؛ كما هي الحال في القباب الملحية، ويمكن تقدير حجم تلك الأجسام وعمقها. وكذلك يمكن أن يُستنتج من هذه الطريقة التماس بين نوعين من الصخور متفاوتي الكثافة تفصلهما صدوع وفوالق؛ أو نهوض لسطح الركيزة البلورية crystalline uplift، وهذا ما يساعد على تحديد المصائد النفطية ومواقع الانقطاعات الصخرية والفوالق والمكامن الفلزية والكهوف والمغاور. كما أنها تفيد في معرفة شكل البنى الجيولوجية تحت السطحية، ويتم ذلك ضمن إطار المعرفة الرياضية لتحليل المعطيات الجاذبية والمعرفة الجيولوجية للمنطقة لتفسير تلك المعطيات.
· الطريقة المغنطيسية magnetic method:
تُعدّ هذه الطريقة من الطرائق المنفعلة؛ فهي تدرس تأثير المكونات تحت السطحية في الحقل المغنطيسي الأرضي محددة بذلك الصفات المغنطيسية لتلك المكونات. وتستخدم هذه الطريقة لقياس الانحرافات أو الشاذات التي تسببها الفلزات والصخور للحقل المغنطيسي الأرضي في مواقع وجودها، ويستخدم في ذلك الأجهزة المغنطيسية التي تقيس القيمة الإجمالية للحقل المغنطيسي Fأو أحد مركّباتها الشاقولية Zأو الأفقية H مقدرة بواحدة تسمى تسلا tesla أو غاما gamma. وتنفذ القياسات على شبكات أو على خطوط يتباعد بعضها عن بعض بما يتناسب مع الغرض من الدراسة.وتُنفذ القياسات إما على سطح الأرض وإما من الجو بوساطة طائرات أو مروحيات مزوّدة بأجهزة الكشف المغنطيسي المناسبة؛ كجهاز الطنين البروتوني proton magnetometer؛ وجهاز النوى المشبعة saturated kern n وغيرها. تعرض القيم المقيسة، بعد معالجتها على خرائط بمقاييس مناسبة لغرض المسح حيث تظهر فيها الشاذات على شكل انحرافات عن السلوك العام للحقل المغنطيسي النظامي دالة على وجود أجسام مغنطيسية (فلزية أو صخرية أو صنعية)، ومن خلال كِبر هذه الشاذات واتساعها وشكلها يقدِّر الجيوفيزيائي أعماقها وأحجامها وأشكالها، ويَستنتج كيفية توضعها بين الصخور المحيطة في ضوء المعرفة الجيولوجية للمنطقة المدروسة، فيحدد بناءً على ذلك مواقع الآبار أو الحفر اللازمة للكشف عن تلك الأهداف.
· الطرائق الكهربائية electrical methods:
تنتمي بعض الطرائق الكهربائية إلى الطرائق الفعالة وينتمي بعضها الآخر إلى الطرائق المنفعلة، فهي تقيس رد فعل الأجسام تحت السطحية على التيار الكهربائي الصنعي أو الطبيعي. ومن الطرائق الفعالة: الطريقة الكهربائية المقاوميةelectrical resistivity ؛ والمقاومية الطبقية التصويرية (الطموغرافيا) electrical tomography، حيث تعتمد على تفاوت المقاومة (أو الناقلية) الكهربائية للفلزات والصخور، وتُقاس هذه الصفات بإيصال التيار الكهربائي إلى الأرض عن طريق مسارٍ معدنية، ومن ثم قياس فرق الكمون بين مسارٍ أُخرى مرتبة بحسب تشكيل محدد، حيث تُحسب المقاومية الظاهرية بناءً على ثابت التشكيل المتعلق بالأبعاد الهندسية بين المساري مضروباً بفرق الجهد الكهربائي المقيس والمقسوم على شدة التيار المرسل، ويجري في هذه الطريقة زيادة البعد بين مساري التشكيل المختلفة لاختراق طبقات أعمق - كما هي الحال في طريقة السبر الجيوكهربائي الشاقولي Vertical Electrical Sounding (VES)- التي تعد من الطرائق المهمة في التنقيب عن المياه الجوفية. وتستخدم الطريقة الطموغرافية المبدأ السابق ذاته، ولكنها تتميّز بترتيب منظم للقياسات لتغطي مساحة عمقية محددة وبعدد مضاعف من القياسات- كما هي عليه الحال في القياسات السيزمية الانعكاسية- وتفيد على نحو فعال في استكشاف البُنى الرسوبية والآثار الدفينة وفي حل المسائل الجيوهندسية، وإظهار حالات عدم التجانس للطبقات تحت السطحية. كما أن طريقة التحريض الاستقطابي induced polarization- التي تقيس قابلية الشحن chargeability- تستخدم التشكيلات الهندسية السابقة لدراسة الخواص الكهربائية للطبقات تحت السطحية، ولكن بإيصال الحقل الكهربائي المتناوب إلى الأرض تحريضياً بوساطة وشائع تجري فيها تيارات كهربائية متناوبة. ومن الطرائق المنفعلة التي تستفيد من الحقول والتيارات الكهربائية الطبيعية الطرائق التلورية telluricوطريقة الكمون الذاتي self-potential، حيث تقيس فرق الجهد لهذه الحقول للدلالة على التشكيلات تحت السطحية للطبقات أو لمعرفة وجود مياه تحت سطحية، وتكون هذه الطرائق ضعيفة الموثوقية.
· الطرائق الكهرطيسية electromagnetic methods:
تقيس رد فعل الطبقات تحت السطحية على الحقول الكهرطيسية الطبيعية والصنعية، ومثالها الطريقة التلورية المغنطيسية magnetotelluric التي تقيس تأثير التيارات التلورية المغنطيسية لمعرفة الطبقات تحت السطحية. وثمة طرائق كهرطيسية تعتمد على حقول كهربائية مغنطيسية صنعية موجودة أساساً ولم توّلد لها خاصة؛ مثل طريقة الترددات المنخفضة جداً التي تستخدم الحقول الكهرطيسية الراديوية؛ والتي تقيس فرق الطور في الحقول الكهرطيسية لتعرف الأجسام المعدنية وحساب عمقها.
وثمة طرائق كهرطيسية تقيس زمن الارتداد للأمواج الكهرطيسية والتغير الذي طرأ عليها؛ مثل الطريقة الجيورادارية ground penetrating radar- وهي من الطرائق المهمة في الدراسات الجيوهندسية- وتحديد حالات عدم التجانس تحت السطحية، ودراسة التكهفات ودراسات المعالم الأثرية المطمورة. ويصل عمق اختراق هذه الطريقة إلى عشرات الأمتار بموثوقية عالية. كما توجد طرائق أُخرى كثيرة ولكن لأعماق ضحلة كالتي تُستخدم في الكشف عن المعادن المطمورة قرب سطح الأرض.
· الطرائق الجيوفيزيائية البئرية borehole geophysics:
تدعى أيضاً بالقياسات البئرية well logging؛ وتستخدم فيها قياسات بئرية لجميع الطرائق الجيوفيزيائية المعروفة في عمليات المسح التي تُجرى من على سطح الأرض؛ إضافة إلى عدد كبير من التقانات التي لا تصلح للاستخدام من على سطح الأرض، فيجري إنزال مجسات أو مسابر داخل البئر؛ وإرسال النتائج بوساطة كبل كهربائي متعدد القنوات إلى أجهزة تسجيل وتضخيم موجودة في عربة القياس قرب فوهة البئر؛ ليستفيد منها الجيوفيزيائي والجيولوجي ومهندس النفط ومهندس الإنتاج وغيرهم.
· تقنيات الاستشعار من بعد والصور الفضائية الفائقة الأطيافhyperspectral imaging :
تُعدّ تقنيات الاستشعار من بعد remote sensing techniques من الطرائق الجيوفيزيائية، وتستخدم فيها الأمواج الكهرطيسية بأطياف متعددة من الطيف المرئي إلى الأطياف الحرارية والراديوية والرادارية، وتُعدّ الشمس المزود الرئيسي بالطاقة الكهرطيسية؛ إضافة إلى إمكان بث حزم من الأمواج في الدراسات الرادارية، حيث يُسجل رد فعل الأجسام السطحية على الأمواج وفقاً لحزم محددة على شكل قنوات استقبال لتلك المعطيات التي تُسجل بشكل رقمي وتبث بوساطة الأقمار الصنعية إلى مراكز الاستقبال، وتُعالج المعطيات الرقمية لتعرُّف الأجسام السطحية بالاعتماد على مكتبات البصمة الطيفية.
ثمة طرائق أُخرى كثيرة، ومنها الطريقة الجيوحرارية التي تُستخدم للبحث عن مصادر الطاقة الحرارية الأرضية ولتحديد مناطق النشاط التكتوني في القشرة الأرضية. وهي تعتمد على قياس فروق الناقلية الحرارية، وتحديد الشاذات في قيم التدرج الحراري الطبيعي. وأيضاً الطريقة الإشعاعية التي تعتمد على قياس الإشعاعات الطبيعية للصخور كأشعة غاما؛ والتمييز بين طيوف طاقتها بقصد التمييز بين أنواع الفلزات المشعة (يورانيوم، ثوريوم، بوتاسيوم)، ويستخدم فيها أجهزة قياس إشعاعات غاما مثل عداد غايغر وعداد الوميض الطيفي scintillometer.
استخدامات طرائق التنقيب الجيوفيزيائي
للتنقيب الجيوفيزيائي استخدامات كثيرة - كرسم خرائط البنى تحت السطحية - لتوضيح التراكيب الصخرية وتوزع الطبقات الصخرية، وتحديد المعالم البنيوية كالفوالق والطيات وأماكن النهوض والهبوط في الطبقات وشكل الطيات وأماكن اندساس الصخور النارية والقباب الملحية، وتفيد كذلك في الكشف عن التوضعات المعدنية والآفاق النفطية والحوامل المائية، كما تستعمل في دراسة التغييرات البيئية ومراقبتها؛ ودراسة المواقع الأثرية ومعرفة أماكن الأجسام المطمورة؛ وكذلك في وضع خرائط التملح وتحديد أماكن اجتياح المياه المالحة لليابسة، وتساهم أيضاً في الدراسات الهندسية الإنشائية الصغيرة منها والكبيرة كالبنى التحتية للدولة؛ وذلك بمعرفة الخصائص الجيوهندسية للتربة؛ وتحديد أماكن عدم التجانس التحت سطحية. ويمكن استعراض أهم استخدامات طرائق التنقيب الجيوفيزيائية بحسب الوظيفة كمايلي:
1- التنقيب عن المعادن: تُستخدم الطريقة المغنطيسية لتحديد الخامات المعدنية بتعرُّف الشاذات لتلك الخامات بطريقة مباشرة أو بدراسة الفلزات المرافقة لها بطرائق غير مباشرة. من أهم الخامات التي تُدرس بهذه الطريقة خامات الحديد التي لها مغنطيسية عالية، حيث يمكن الدلالة عليها بسهولة من خلال شاذاتها الواضحة؛ كما يمكن دراسة أماكن تركيز الخامات الهدروحرارية بتعرُّف شاذات خامات الحديد المرافقة لها مثل الماغنتيت magnetite والهيماتيت hematite والبيريت pyrrhotite. وتفيد طريقة الثقالة في الكشف عن الخامات المعدنية لكونها عالية الكثافة، ويمكن فرزها عن محيطها من الصخور بسهولة من ناحية الكثافة، وقد جرى الكشف عن تركيز خامات الحديد في وادي المسيسبي بهذه الطريقة. وتُعدّ الطريقة الإلكترومغنطيسية من أهم الطرائق في الكشف عن الخامات المعدنية، وعلى وجه الخصوص خامات الكبريتات المعدنية metal sulphides، وذلك بدراسة شاذات الناقلية التي تشكل هالات بالقرب من الخامات الكبريتية تحت السطحية، كما تستخدم الطريقة السابقة في استكشاف خام الألماس الموجود في العروق الكمبرليتية kimberliteالتي تكون أقل مقاومية من محيطها الصخري.
2- التنقيب عن النفط والغاز: تبدأ الدراسات الأولية في التنقيب عن المصائد الهدروكربوناتية باستخدام تقنيات الاستشعارمن بعد والصور الفضائية، وذلك بغرض تفسير تلك المعطيات؛ لاستنتاج القسمات الخطية والبنى الحلقية لتحديد شكل التراكيب تحت السطحية من خلال بصمتها السطحية. وتفيد الصور الفضائية الفائقة الأطياف في دراسة الانبعاث الغازي الناتج من وجود تلك الخامات في المنطقة المستهدفة من خلال دراسة البصمة الطيفية لأماكن الانبعاث الغازي، ومن ثم تستخدم الطريقة المغنطيسية والجاذبية لتحديد البنى تحت السطحية؛ وما فيها من نهوض أو هبوط في الأحواض الرسوبية؛ وأماكن الفوالق والطيات وأماكن اندساس الصخور النارية وأماكن وجود القباب الملحية؛ وذلك بدراسة تغيرات الكثافة في المنطقة ودراسة المعطيات المغنطيسية وشاذاتها. وتأتي الطريقة الاهتزازية الانعكاسية الغنية بالمعلومات لتركز الدراسة في مناطق مختارة كنتيجة لتفسير الطرائق السابقة، ولتضع المقاطع الاهتزازية الزمنية والتي تتحول إلى مقاطع توضح شكل الطبقات الصخرية مع العمق؛ وذلك بتحليل السرعة للمقاطع الزمنية؛ محددة بذلك البنى تحت السطحية والتراكيب المختلفة نموذجاً تحت سطحي عالي الموثوقية يفيد في تحديد أماكن وجود المصائد النفطية. وتساند الطريقة الاهتزازية القياسات البئرية التي يُعتمد عليها في ربط المقاطع الاهتزازية وتحديد السرعة الصوتية في الطبقات الصخرية المختلفة على نحو موثوق، كما تُربط المعطيات البئرية بعضها ببعض لتعطي تصوراً صخرياً عن الطبقات المختلفة في المنطقة، وبتكامل طرائق التنقيب الجيوفيزيائية والمعرفة الجيولوجية يمكن أن ترتفع موثوقية التنقيب النفطي ودقته.
3- التنقيب عن المياه الجوفية: تُعدّ طريقة السبر الجيوكهربائي الشاقولي أكثر الطرائق شيوعاً في التنقيب عن المياه الجوفية؛ إذ يُستخدم فيها تشكيلات هندسية مختلفة لتباعد مساري قراءة الجهد وحقن التيار الكهربائي. وأكثر التشكيلات استخداماً هو تشكيل شلومبرغر Schlumberger، وتقاس بهذه الطريقة المقاومة الظاهرية للصخور تحت منتصف التشكيل مع العمق تبعاً للتباعد بين المساري المختلفة، ثم يُرسم منحني المقاومة الظاهرية ويُحلل بطريقة يدوية باستخدام منحنيات مساعدة؛ أو بطريقة آلية باستخدام الحاسوب وببرامج خاصة للوصول إلى مقطع المقاومة الحقيقية مع العمق الذي يمكن بوساطته تحديد أماكن الحوامل المائية وأعماقها.
4- التنقيب عن الآثار: تستخدم لهذا الغرض الطريقة الجيورادارية على نطاق واسع؛ وذلك برسم مقاطع تحت سطحية تشير إلى أماكن وجود المقابر أو مواقع المباني الأثرية المدفونة أو أماكن الأجسام المعدنية المطمورة، كما يستخدم في هذا المجال الطريقة الكهربائية المقاومية الطموغرافية الدقيقة بتباعد صغير للمساري وبتشكيل مناسب بحسب غرض الدراسة كتشكيل شلومبرغر أو وينر Wennerأو بتشكيل مصمَّم بطريقة خاصة، ويجري ذلك برسم مقاطع تحت سطحية مقاومية ثنائية وثلاثية البعد؛ لتفصح عن الأجسام المختلفة من اختلاف خصائصها الكهربائية. ويستخدم السونار sonar في الكشف عن حطام السفن القديمة الغارقة تحت سطح المياه.
5- في دراسات الهندسة المدنية والبنى التحتية: تستخدم طريقة الجيورادار في هذه الدراسات لتحديد أماكن عدم التجانس؛ وتعرُّف خصائص الصخور والتربة المختلفة في منطقة التخطيط لتنفيذ الإنشاءات الهندسية المختلفة والبنى التحتية؛ والتي تتمثّل بتحديد أماكن الحفر لأنابيب مياه الشرب والمياه العادمة وأنفاق الاتصالات ومواقع إنشاء السدود والطرق. كما تستخدم الطريقة الاهتزازية الانكسارية في تحديد المعاملات الجيوتقنية للمواقع الهندسية. وتستخدم الطريقة الكهربائية المقاومية لمعرفة توضع الطبقات تحت السطحية ودراسة حالات عدم التجانس ووجود التكهفات، كما تستعمل تقنيات الاستشعار من بعد في رسم الخرائط الطبوغرافية وتقييم الأثر البيئي لمناطق الإنشاءات الهندسية.
6- في دراسة التملح تحت السطحية: من أهم الطرائق الجيوفيزيائية في التنقيب والمستخدمة في دراسة التملح تحت السطحية هي الطريقة الكهربائية المقاومية؛ وذلك بسبب الانخفاض الكبير في المقاومة الكهربائية للطبقات الصخرية التي تحتوي على شوارد (إيونات) ملحية؛ لأن الشوارد تسبب زيادة كبيرة في الناقلية الكهربائية للطبقات الصخرية عن تلك التي لا تحوي تلك الشوارد؛ مما يُمكّن من فرز الطبقات المحتوية على المياه المالحة بدقة عالية، كما تستخدم هذه الطريقة في معرفة أماكن تدفق مياه البحر المالحة عبر طبقات اليابسة المجاورة لها (تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية).
7- استخدامات أُخرى: هناك العديد من الاستخدامات للتنقيب الجيوفيزيائي التي لم تُذكر والتي تعتمد على الخواص الفيزيائية للصخور والفلزات تحت السطحية؛ وعلى تقنية الطريقة المستخدمة كاستخدام الطريقة الإشعاعية، والتي يُقاس بها شدة النشاط الاشعاعي لتحديد أماكن تركيز الفلزات المشعة لمعدن اليورانيوم مثلاً؛ والطريقة الحرارية التي تدرس أماكن تغيّر درجات الحرارة بحسب الهدف من الدراسة، فهي يمكن أن تدل على أماكن نشاط الحرارة الجوفية الهدروحرارية hydrothermal؛ أو لتدل على وجود تركيز الخامات الكبريتية؛ أو على أماكن النشاط التكتوني لتكشف عن التراكيب تحت السطحية؛ أو لتدل على الاختلاف في تركيب الصخور تبعاً لسعتها الحرارية. وتجري تفسيرات الطرائق السابقة في ضوء المعرفة الجيولوجية للمنطقة المدروسة والهدف من استخدام الطرائق الجيوفيزيائية المختلفة والخواص الفيزيائية للأجسام المستهدفة.
|
مراجع للاستزادة: - هــ. ميليتسر، ف. فيبر ، وآخرون، الجيوفيزياء التطبيقية: الطرائق العلمية في استكشاف باطن الأرض، ترجمة فارس شقير، دمشق 1991. - C. Cuenca-Garcia et al., World Archaeo-Geophysics Integrated Minimally Invasive Approaches Using Country-based Examples, Springer International Publishing2024. - W. Lowrie , Fundamentals of Geophysics, Cambridge University Press, 2020
|
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :