التنقيب الجيوكيميائي
تنقيب جيوكيميايي
Geochemical prospecting -
جهاد البريدي
استخدامات التنقيب الجيوكيميائي
يعتمد التنقيب الجيوكيميائي geochemical prospection على دراسة توزع العناصر الكيميائية في المحيط الصخري lithosphere والمحيط المائيhydrosphere والمحيط الهوائي atmosphereوالمحيط الحيوي biosphere؛ بهدف استكشاف التراكيز الاقتصادية للفلزات المعدنية واللامعدنية والخامات النفطية، وتُستخدم فيه طرائق كيميائية مختلفة تتناسب ونمط الدراسة المقترحة، فمنها ما يختص بدراسة العينات الصخرية، وأخرى تهتم بعينات المياه أو الهواء أو الوسط الحيوي وما يشتمل عليه من نبات؛ وذلك وفقاً لطبيعة العناصر المراد استكشافها هدفاً للتنقيب الجيولوجي.
يهتم التنقيب الجيوكيميائي بتحديد الخلفية الجيوكيميائية geochemical background للمنطقة المدروسة، حيث تُعبِّر الخلفية الجيوكيميائية عن المحتوى المحلي لمنطقة ما من العناصر الكيميائية الموجودة في صخورها أو تربتها أو مياهها أو الطبقة السطحية من هوائها، وتعرف أيضاً بالحدود النسبية الكيميائية للمنطقة، وتختلف من منطقة إلى أخرى تبعاً للتركيب الصخري ولمحتوى العناصر الكيميائية فيه، وهي تعطي انطباعاً عن العناصر المشكلة لصخور المنطقة وتربتها. يتغير محتوى العناصر الكيميائية المدروسة في منطقة ما على نحو منتظم وتدريجي في محيط التوضعات الفلزية المستهدفة مشكلاً تركيزاً للشاذات على شكل هالات، أو ما يسمى بإغلاقات لخطوط المناسيب الكِفافية (الكنتورية)؛ رئيسية وثانوية دالة على وجود الفلزات المستهدفة، حيث تتركز هذه الفلزات إما محلياً بنتيجة التجوية الكيميائية أو العمليات الهدروحرارية hydrothermal process مثل تركيز الذهب والنحاس في القبعات الهدروحرارية، وإما بنتيجة الهجرة من أماكن أُخرى وتركيزها وفقاً لظروف مواتية في هذه المنطقة، ومثالها النقل بالأنهار الجارية وتركيزها في أماكن يتناسب فيها كل من سرعة جريان المياه وكثافة العنصر المحمول؛ مثل ترسبات معدن الذهب، أو أماكن ازدياد تركيز هذه العناصر ومن ثم ترسبها.
تزداد هالات التركيز للعناصر الكيميائية المدروسة ازدياداً كبيراً في نطاق تغطية الفلزات المستهدفة ولاسيما إذا كانت هذه الفلزات قريبة من السطح، مما يساهم بنجاح عملية التنقيب الجيوكيميائي نجاحاً كبيراً.
وأكثر الصعوبات التي تواجه التنقيب الجيوكيميائي هي التقارب الكبير بين الخلفية الجيوكيميائية للمنطقة ومحتواها من العناصر الكيميائية المدروسة، حيث لا يختلف مضمون العناصر الكيميائية عن الخلفية المحلية للمنطقة إلا اختلافاً طفيفاً، مما يتطلب دقة عالية في قياس العناصر المستهدفة وضمن حدود حساسية الأجهزة المستخدمة، وقد تصل في التنقيب الجيوكيميائي عن الزئبق مثلاً إلى1/108؛ وتصل في التنقيب عن الذهب إلى 1/107، تعتمد تلك الحساسية على طبيعة الفلزات المدروسة ومحتواها في الخلفية الجيوكيميائية المقيسة في منطقة التنقيب الجيوكيميائي؛ وذلك من أجل فصل الشاذات في العنصر المدروس عن الخلفية المقيسة.
يجرى التنقيب الجيوكيميائي بطرائق منهجية لتحديد محتوى العناصر الكيميائية المدروسة في المنطقة المستهدفة؛ وذلك بتصميم شبكة قياسات تتناسب أبعادها وفقاً لغرض الدراسة، ومن ثم قطف عيّنات تبعاً لشبكة التنقيب المصممة من خلال أساليب تتفق والغرض من الدراسة، ثم يُحلل محتوى العناصر الكيميائية المستهدفة في العينة لتحديد النسبة المئوية للفلز المطلوب في العينة؛ وذلك باستخدام الطرائق الكيميائية أو الطرائق الطيفية تبعاً لهدف الدراسة.
تطورت أجهزة التنقيب الجيوكيميائي تطوراً كبيراً نتيجة للتطور الإلكتروني الهائل، حيث يوجد حالياً أجهزة محمولة على الطائرات أو المركبات تقوم بعمليات مسح جيوكيميائي آلياً وباستمرار، وهي مزودة بمنظومات تحديد الموقع الجغرافي GPS ويجري من خلالها قياس أثر عدد محدد من العناصر الكيميائية، مما يساهم في توفير المزيد من الوقت والجهد.وهناك أجهزة حقلية محمولة من قبل الأشخاص توضع في المكان المراد فيه تحديد أثر عنصر كيميائي، وتؤخذ منها القراءات الخاصة بذلك العنصر, كما هي الحال في أجهزة قياس النشاط الإشعاعي لمعرفة أماكن تركيز العناصر المشعة.
ثمة أربعة أنماط للتنقيب الجيوكيميائي وهي:
1- التنقيب الجيوكيميائي الصخري ( الليتوكيميائي): يستخدم هذا النمط على نطاق واسع في التنقيب عن التوضعات المعدنية، ويتم بأخذ عينات صخرية وترابية ناتجة من تجوية الصخور المدروسة وفقاً لشبكة كثيفة من المواقع في المنطقة المستهدفة لدراسة التوضعات المعدنية كالذهب والفضة والنحاس والمعادن النادرة كالبلاتين واليورانيوم؛ إضافة إلى التوضعات التي توجد في أسِرَّة الأنهار ومجاري السيول والتي لا يمكن دراستها بالطرائق الجيولوجية والجيوفيزيائية التقليدية، لذلك تدرس وتستكشف بطريقة المسح الجيوكيميائي الليتولوجي.
2- التنقيب الجيوكيميائي المائي (الهدروكيميائي): يُدرس فيه مُركّبات السطح الطبيعية والمياه الجوفية باستخدام الطريقة الجافة لمعرفة العناصر الفلزية من خلال التحليل الطيفي أو الكيميائي للعينات المأخوذة، حيث تعبّر درجة الحموضة (الباهاء pH) المنخفضة للمياه الجوفية وارتفاع نسبة شاردة السلفات
في المياه الجوفية عن وجود توضعات سلفاتية في المنطقة، والتي ترافق المعادن مثل الذهب والنحاس.
3- التنقيب الجيوكيميائي الهوائي: يستخدم هذا النمط للتنقيب عن توضعات الغاز الطبيعي والنفط، وفيه تحدد نسبة انبعاثات الغازات الهدروكربونية في الهواء ومحتوى الهدروكربونات في عينات التربة وصخور المنطقة؛ لتحديد أماكن الأمل النفطية والغازية.
4- التنقيب الجيوكيميائي الحيوي (جيوبيوكيميائي): يدرس من خلال هذا النمط الأثر للفلزات المعدنية في النباتات، ويتم عن طريق ترميد النبات المدروس وتحليل العناصر المستهدفة باستخدام أجهزة قياس الطيف.
يعد نمطا التنقيب الجيوكيميائي الحيوي والمائي من الأنماط غير الملائمة لاستكشاف التوضعات الفلزية، وهو منخفض الموثوقية في كثير من الأحيان وذلك تبعاً لظروف المنطقة المدروسة وللفلز المراد استكشافه.
ونتيجة للمسح الجيوكيميائي ترسم خرائط وبيانيات جيوكيميائية تعبّر عن نسب تركيز العناصر الكيميائية على شكل نطاقات في المنطقة المدروسة؛ وباستخدام طرائق رياضية لاستحصال خرائط تَساوي المنسوب (الخرائط الكنتورية)، ومن ثم يتم تفسير هذه الخرائط لتحديد الشاذات الجيوكيميائية ومعرفة أماكن وجود الفلزات المستهدفة؛ وذلك بربطها بالمعطيات الجيولوجية والجيوفيزيائية وصور السواتل لتحسين أداء هذه الطريقة الحساسة.
استخدامات التنقيب الجيوكيميائي
يستخدم التنقيب الجيوكيميائي على نطاق واسع في دراسة:
- التوضعات المعدنية للمعادن الثمينة كالذهب والفضة والنحاس وذلك باستخدام التنقيب الجيوكيميائي الصخري؛ بأخذ عينات من صخور المنطقة وتربتها وتحليل محتوى الأثر لهذه العينات في ضوء الخلفية الجيوكيميائية للمنطقة.
- التنقيب عن الخامات المشعة كاليورانيوم وذلك من خلال دراسة نسبة النشاط الإشعاعي وأماكن تركيز هذا النشاط.
- البحث عن الخامات اللامعدنية كالأحجار الكريمة - ومنها الألماس- وذلك بتحديد نسبة وجود المرافقات الفلزية لهذه الخامات الاقتصادية.
- التنقيب عن الخامات الهدروكربونية كالغاز الطبيعي والنفط وذلك بدراسة محتوى الأثر للعناصر الهدروكربونية في صخور المنطقة وتربتها وهوائها.
وعلى العموم هناك القليل من الدراسات الجيوكيميائية التي أفادت بوجود توضعات فلزية اقتصادية، حيث يتطلب تفسير الشاذات الجيوكيميائية وتقييمها، والتدقيق الشديد في ظروف تبعثر العناصر الكيميائية وتركيزها بالاعتماد على المفاهيم والقوانين النظرية للكيمياء، وفهم الطرائق الرياضية المستخدمة للتخلص من الارتياب الرياضي، الذي يرافق عمليات المعالجة الرياضية للمعطيات الجيوكيميائية. ويستخدم الحاسوب في تحليل نتائج التنقيب الجيوكيميائي ومعالجتها وذلك باستخدام برمجيات متطورة لهذا الغرض.
تزداد كفاءة التنقيب الجيوكيميائي عندما ينفذ جنباً إلى جنب مع الطرائق الجيولوجية والجيوفيزيائية والدراسات الحقلية بالحفر الاستكشافي والآبار الاستكشافية، إضافة إلى فهم ظروف المنطقة الجيولوجية ومعرفة الفلز المدروس وسلوك العناصر الكيميائية المرصودة حيال طبيعة المنطقة المدروسة وظروفها.
|
مراجع للاستزادة: - مصطفى محمود سليمان، التنقيب الجيوكيميائي عن الثروات المعدنية والبترول، دار الكتاب الحديث 2010. - W.K. Fletcher, Analytical Methods in Geochemical Prospecting, Elsevier Press 2015. - J. C. Van Loon, R. R. Barefoot, Analytical Methods for Geochemical Exploration, Kindle Edition, 2013. |
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :