التناظر في النباتات

                                                                            غسان عياش

أنماط التناظر في النبات

التناظر في ترتيب الأوراق على الساق

التناظر في الأزهار

النسبة الذهبية وعلاقتها بالأحياء

يُعرَّف التناظر في النباتات symmetry in plants  بأنه توزع وترتيب متوازن لأعضاء النبات المتشابهة بالنسبة إلى بعضها البعض؛ سواء كانت هذه الأعضاء أزهاراً أم أوراقاً أم سوقاً أم ثماراً وغيرها. كما يوصف التناظر في معظم الكائنات الحية بأنه ترتيب وضع الأعضاء أو الأجزاء المكوِّنة لها بالنسبة إلى محاور وهمية تقسمها إلى مناطق متماثلة أو غير متماثلة بحسب نمط التناظر المنوط بالعضو المدروس؛ فقد يكون التناظر شعاعياً أو كروياً أو ثنائي الجانب، وقليل من الكائنات تكون عديمة التناظر. اشتُقَّ مصطلح التناظر من اللاتينية symmetria الذي جاء من اليونانية sym وتعني مع وmetron وتعني قياس.

أنماط التناظر في النبات

 من الصعب تمييز الاختلافات في مجال دراسة التناظر في الأحياء؛ لاسيما أن هذه الظاهرة متطورة جداً عندها. وعموماً تتصف أجزاء النباتات بوجود أربعة أنماط رئيسة من التناظر:

 - التناظر الشعاعي radial symmetry: هو الذي يُحدد جزأين متشابهين تماماً لدى قطع العضو النباتي بأي محور وهمي يمر من مسطحه قطرياً diameter، حيث يبدو كل جزء كصورة في المرآة للجزء الآخر. يصادف هذا النموذج من التناظر في معظم الأزهار وفي المقاطع العرضية للسوق وفي بعض الثمار.

- التناظر ثنائي الجانب l symmetrybilatera: يتمثل بترتيب أجزاء الجسم باتجاه اليمين واليسار، وبذلك يتصف بتشكيل جزأين متشابهين لدى قطع العضو النباتي بمحور وهمي واحد يقسمه قسمين فقط. يُصادف هذا النمط في بعض الأزهار والأوراق وسوق الصباريات.

التناظر الظهري البطني  symmetrydorsiventral: يشبه هذا النمط التناظر ثنائي الجانب، لكن المحور الوهمي يقسم العضو قسمين متناظرين على مستوى البطن – الظهر، وينطبق ذلك على مستوى الجانب الأيمن - الأيسر من العضو. يُلاحظ هذا النموذج عند بعض الأزهار مثل نباتات الفصيلة الشفوية Labiatae ومعظم مقاطع الأوراق النباتية.

التناظر الحلزوني helical/spiral symmetry: يشير التناظر الحلزوني في النباتات إلى ترتيب أجزاء النبات في نمط حلزوني حول محور مركزي. يلاحظ هذا النمط من التناظر في ترتيب الأوراق على طول الساق phyllotaxy، وكذلك في التفاف المحلاق tendrils وقرون البذور seed pods  كما يُلاحظ في ترتيب بتلات بعض الأزهار وطريقة التفاف بعض السوق النباتية (الشكل 1).

الشكل (1) أنماط التناظر في بعض الأعضاء النباتية.

يرى الناظر إلى الأحياء النباتية والحيوانية دلائل كثيرة تؤكد وجود حالات من التناظر عند الكثير منها. فمثلاً لأحد أنواع أشجار التين Ficus مظلة عريضة من الأوراق ومجموع جذري واسع مرتبطان بجذع ضيق (الشكل 2-أ)، وهذا ما يُلاحظ في بعض الأشجار الخشبية woodytrees (الشكل 2-ب) التي تُذَكِّر بشكل الساعة الرملية sandglass  القديمة المنتفخة في نهايتيها والمخصَّرة  في وسطها (الشكل 2-ج).

الشكل (2) التناظر في الأشجار بين المجموع الفارعي والمجموع الجذري.

 يُلاحظ عند النباتات ذات الجذاميرrhizomes  - مثل بعض السراخس والزنجبيل والسوسن وغير ذللك- تماثل جانبي تقريباً؛ إذ يتنامى الجذمور أفقياً وباستمرار داخل التربة باتجاه المنطقة المرستيمية النامية، في حين تنمو الأوراق أو البراعم الورقية على الوجه العلوي والجذور العَرَضية adventitious roots على الوجه السفلي للجذمور الشكل (3).

الشكل (3) نمط التناظر في الجذمور النباتي.

 ومن أكثر الأمثلة إثارة في مجال التناظر النباتي ما يُلاحظ في الترتيب الثنائي للأوراق لبعض أشجار النخيل Palm trees التي تبدو بهيئة تاج ضخم على شكل المروحة ذات التناظر الجانبي؛ وهذا ما يُشاهد في نوع يدعى المدغشقرية المعروفة باسم شجرة المسافر أو النخيل المسافر Ravenala madagascariensis (الشكل 4).

الشكل (4) شجرة المدغشقرية ( النخيل المسافر).

التناظر في ترتيب الأوراق على الساق

تُشكل ظاهرة ترتيب الأوراق على الساق  phyllotaxisأو phyllotaxy أحد نماذج التناظر النباتي. جاء هذا المصطلح من اليونانية القديمة phyllon  تعني ورقة وtaxis تعني ترتيب.

يُلاحظ في أنواع المملكة النباتية ثلاثة نماذج من ترتيب الأوراق على الساق؛ هي: المتقابل والِسواري والمتناوب (الشكل 5).

الشكل (5) النماذج الرئيسية لترتيب الأوراق في النباتات.

1-  ترتيب الأوراق المتقابل opposite phyllotaxis: تنمو كل ورقة على الساق مع نمو ورقة مقابلة لها لتشكلا زاوية مقدارها º180، وبالمجمل يتشكل ترتيب مزدوج متقابل الصفوف distichous مثل الذرة؛ أو تتوضع الأوراق المتقابلة بشكل مزدوج متقابل متصالب decussate، بحيث تتعاكس كل ورقتين متقابلتين مع ما يماثلهما على الساق مثل أنواع جنس كوليوس coleous (الشكل 6).

الشكل (6) الترتيب المتقابل للأوراق على الساق.

2-  ترتيب الأوراق السواري whorled phyllotaxis: تتوضع الأوراق على الساق بهيئة دُوارات من الأوراق تتوزع بالتساوي حول الساق ولا تقل عن ثلاثة، حيث تتنامى من القمة باتجاه الأسفل (الشكل 7).

الشكل (7) الترتيب السواري للأوراق على الساق.

3-  ترتيب الأوراق المتناوب alternative phyllotaxis: يشمل ما يزيد على 250000 نوع نباتي؛ أي يشكل الوضع السائد في المملكة النباتية. تنمو فيه ورقة بِدْئِية primordial leaf  واحدة في كل عقدة، كما يمكن أن تنمو فيه ورقتان بدئيتان أو أكثر من العقدة ذاتها؛ لتتوزع بالتساوي حول الساق، وتحدد كل مجموعة من الأوراق الأولية زاوية انحراف ثابتة مقدارها ^º137,5 عن مجموعة أوراق العقدة السابقة لها (الشكل 8).

الشكل (8) الترتيب المتناوب للأوراق على الساق، النمط الحلزوني.

وعموماً يمكن تمييز نمطين رئيسين في مجال وضع الأوراق على عقد الساق هما: وجود ورقة واحدة على كل عقدة، أو وجود أكثر من ورقة على العقدة (الشكل 9). 

الشكل (9) أنماط ترتيب الأوراق على العقد.

 التناظر في الأزهار

 تمثل الزهرة العضو الذي يحمل أعضاء التكاثر الجنسي في النباتات الزهرية، وتُبنى الزهرة الكاملة من أربع دُوارات وهي أوراق طرأت عليها تحويرات لأداء وظائف مختلفة، وهي: السبلات للحماية، والبتلات لإعطائها الألوان الجذابة بهدف جلب الحشرات للتلقيح، والأسدية أعضاء التذكير، والأخبية أعضاء التأنيث (الشكل 10).

الشكل (10) بنية الزهرة في مغلفات البذور.

    تُبدي العديد من الأزهار في الطبيعة أنماطاً مختلفة من التناظر. ويؤدي كُم الزهرة  perianthدوراً مهماً في تحديد نمط تناظرها. يتميز تويج الزهرة باختلاف واضح في البتلات petals؛ وهي إما ملتحمة بقطعة واحدة sympetalous، أو منفصلة (عديدة) polypetalous؛ يختلف عدد قطعها (3 أو4 أو5)، وكذلك قياسات القطع قد تتساوى أو تتفاوت؛ وهذا كله يحدد حجم الزهرة وشكلها وطبيعة تناظرها. وعموماً يمكن تحديد نمطين من التناظر الزهري: أزهار منتظمة شعاعية التناظر actinomorphic (radial symmetry)، وأزهار جانبية أو وحيدة التناظر zygomorphic (bilateral symmetry)، حيث يُعطى للزهرة المتناظرة- في الصيغة الزهرية- الرمز (O أو *)، في حين يُعطى للزهرة وحيدة التناظر الرمز (. .)؛ علماً أن قليلاً من الأنواع النباتية لا تملك أزهارها أيّ نمط من التناظر  asymmetrical flowers  (الشكل 11).

الشكل (11) أنماط التناظر في الأزهار النباتية.

     توصف الزهرة بأنها متناظرة symmetric flower  (تُسمى أيضاً  شعاعية radial أو نجمية التناظر actinomorphic أو متعددة التناظر polymorphic أو منتظمة regular) إذا أمكن تقسيمها نصفين متماثلين بأكثر من قطاع طولي يمر بمركزها. تتكون كل دُوارة في الزهرة المتناظرة من عدد متساوٍ من الأجزاء؛ فقد تمتلك نظاماً خماسي الأجزاء pentamerous بقطع الكأس والتويج والأسدية والكرابل carpels أو مضاعفات هذا العدد. وقد تكون الأزهار- من حيث عدد قِطعها- إما ثنائية تناظر الأجزاء dimerous (وهي نادرة)، وإما ثلاثية trimerous ، وإما رباعية tetramerous، وقد لا يتوافق أحياناً عدد القطع في دُوارة الكرابل مع عدد القطع في باقي أجزاء الزهرة، ومع ذلك تبقى مثل هذه الأزهار متناظرة شريطة أن تكون الدُوارات الأخرى طبيعية. وعموماً تصادف الأزهار ثلاثية التناظرفي النباتات أحاديات الفلقة Monocotyledons، في حين توجد الأزهار الخماسية بكثرة في النباتات ثنائيات الفلقة Dicotyledons؛ إضافة إلى الأزهار الرباعية. من أمثلة الأزهار شعاعية التناظر خماسية الأجزاء أنواع أجناس البتونيا Petunia والحوذان Ranunculus والورد Rosa، ومن ثنائية الأجزاء الفربيون Euphorbia، ومن ثلاثية الأجزاء التوليب Tulipa clusinosa والمكحلة Tradescantia، ومن رباعية الأجزاء كوريا الأبيض Correa alba (الشكل 12).

الشكل (12) نماذج مختلفة من الأزهار شعاعية التناظر.

    توصف الزهرة بأنها ثنائية الجانبbilateral flower  (تسمى أيضاً وحيدة التناظر monosymmetric, أو zygomorphic flower) إذا أمكن تقسيمها نصفين متماثلين بقطاع طولي واحد فقط، وشكل الزهرة في مثل هذا النمط يُغري الحشرات المختلفة لزيارتها وتلقيحها؛ ومن أمثلة التناظر الجانبي السحلب Orchid وفم السمكة Antirrhinum majus (الشكل 13-أ).  وتوصف الزهرة بأنها عديمة التناظر asymmetric flower أو غير منتظمة irregular إذا استحال تقسيمها إلى قسمين متماثلين بأي قطاع كان؛ نظراً للاختلاف الموجود في حجم الدُوارات الزهرية وشكلها مثل الكنّا الهندية Canna indicia (الشكل 13-ب).

الشكل (13).

قد تحدث بعض الأخطاء أو الصعوبات في أثناء تحديد التناظر الزهري وذلك لعدة أسباب منها:

- من الصعب أحياناً تمييز الزهرة الشعاعية من الزهرة جانبية التناظر في حال وجود البتلات المنفصلة، أو إذا تفاوتت قياسات قِطعها بين الطول والقصر بسبب ارتباطها بكرسي الزهرة، وقد تبدو إحدى القطع التويجية مندفعة إلى الأمام في الزهرة الشعاعية لتشبه الأزهار جانبية التناظر.

- في بعض النَوْرات inflorescence-مثل أنواع الفصيلة النجمية  Asteraceae(المركبة Compositae )- تتزاحم الأزهار الأنبوبية الموجودة في مركز النورة، مما يُصعِّب تمييزها كأزهار إفرادية شعاعية لوجود مهماز (لسينه ligule) فتبدو كأنها جانبية التناظر. بالمقابل قد يكون لبعض الأزهار قرصاً أنبوبياً يوحي بأنها شعاعية في حين هي جانبية التناظر.   

-  قد يتبدل نمط التناظر في أثناء التنامي development الزهري من متعدد التناظر إلى وحيد أو غير متناظر. وقد تبين أن هذا الأمر يخضع لجينات دورية cycloidea  تعمل في المراحل المبكرة من تنامي الزهرة؛ وتؤدي إلى أزهار شاذة تسمى peloric flowers.        

النسبة الذهبية وعلاقتها بالأحياء

اكتشف العالم الإيطالي الشهير ليوناردو فيبوناكسي Leonardo Fibonacci سلسلة رياضية عُرفت باسم سلسلة (متتالية) فيبوناكسي Fibonacci series تكون أرقامها من الشكل (1، 1، 2، 3، 5، 8، 13، 21، 34، 55، 89، 144........). ويمثل كل رقم من أرقام هذه السلسلة حاصل جمع الرقمين السابقين له؛ أي: 1+1=2 , 2+1=3 , 3+2 =5 ... وهكذا. والمثير في هذه السلسلة أن حاصل تقسيم كل رقم من أرقامها مع الرقم السابق له يحدد نسبة ثابته هي (1.618) تقريباً، وهي التي تُعرف باسم النسبة الذهبية golden ratio.

 تلاحظ سلسلة فيبوناكسي عند جميع أجزاء النباتات, فمثلاً يكون عدد الأوراق ثابتاً وترتيبها على الجذع أو الفرع منتظماً؛ إذ تظهر كل ورقة في المكان ذاته العائد إلى الورقة التي فوقها. كما توجد نسبة واضحة تماماً بين مكونات الورقة من ذيل ونصل من جهة وبين النظام البنائي الذي تتشكل على أساسه باقي الأجزاء، مما يوفر مرور أشعة الشمس إلى جميع أجزاء النبات. يخضع ترتيب أوراق بعض الخضراوات مثل الملفوف لأرقام هذه السلسلة، كما أن أعداد قطع التويج في الأزهار(الواردة سابقاً) توافق أرقام السلسلة: 2، 3، 5 بتلة، وكذلك الحال فيما يخص مقاطع الثمار مثل الموز (3) والتفاح (5).

 غالباً ما يُشَبِّه الباحثون نماذج النمط متعدد التغضنات في الترتيب المتناوب للأوراق على الساق (انظر الشكل 8) بالنمط الحلزوني المسمى باراستيكي parastichy؛ وهو الذي يُحدد عدداً من  الخطوط الحلزونية الافتراضية غير المرئية تربط قواعد الأوراق على الساق وتخضع لسلسلة فيبوناكسي.  فمثلاً لدى جنس أونيوم Aeonium (3،2) من الخطوط الحلزونية، وبذلك فإن الرقم (1) هو القاسم المشترك الوحيد لهما ويُكتب على النحو 1 (3،2) (الشكل 14).  ويزداد عدد الحلزونات (الدوامات) عندما تكون سلاميات الساق قصيرة مثل بعض أنواع الصباريات، وكذلك الحال في مخاريط الصنوبر حيث يتبدل القاسم المشترك بينها؛ فمثلا لدى جنس جيمنوكاليسيوم Gymnocalycium (10- 16) خطاً حلزونياً، وبذلك يكون الرقم (2) هو القاسم المشترك لهما (k=2) ويُكتب على النحو 2 (5 ،8). (الشكل 15).

الشكل (14) الخطوط الحلزونية الافتراضية في جنس أونيوم.

الشكل (15) جنس جيمنوكاليسيوم من الصباريات حيث تتوضع الأوراق الشوكية على الساق بشكل خطوط حلزونية افتراضية (الأحمر 16 والأزرق 8 خطوط ).

يتشكل الخط الحلزوني من تعاظم أرقام فيبوناكسي ليكون منطلقاً إلى الأشكال الحلزونية في كثير من حالات توضع الأوراق على الساق وفي تجمع الأزهار ضمن نورات قرصية وفي مجالات أخرى حيوية وغير حيوية (الشكل 16).

الشكل (16) توافق بين أرقام فيبوناكسي مع الأشكال الحلزونية، ملاحظة الأشكال الحلزونية في الحيوان والنبات والمجرات والدنا.

 يشير عدد الخطوط الحلزونية التي يشكلها تجمع الحراشف المؤنثة حول محور مخروط الصنوبر إلى وجود 8 حلزونات صاعدة تتماشى مع عقارب الساعة و13 حلزوناً صاعداً بعكس اتجاه عقارب الساعة (الشكل 17)، وقد يكون عدد الحلزونات أكبر من ذلك بكثير (89.55). إن عدد الحلزونات في نورة قرصية من الفصيلة النجمية (زهرة الربيع) هو (34) خطاً حلزونياً تسير باتجاه عقارب الساعة و(21) خطاً بعكس اتجاه عقارب الساعة (الشكل 18)، وجميع الأرقام المذكورة في هذه الأمثلة تتبع سلسلة فيبوناكسي.

    تؤدي أرقام سلسلة فيبوناكسي مع النسبة الذهبية الناجمة عنها- والتي تُلاحظ في جميع المخلوقات - إلى إضفاء الجمال والرونق المميز لهذه الكائنات؛ حيث تبدو مريحة للناظر إليها والمتأمل بتناسق أجزائها وتناظر مكوناتها، ممّا يؤكد وحدانية ضوابط التناظر التي تربط جميع كائنات الكرة الأرضية ومكوناتها وما حولها.

الشكل (17) الخطوط الحلزونية التي يشكلها تجمع الحراشف المؤنثة حول محور مخروط الصنوبر.

الشكل (18) العدد الكبير من الحلزونات في نورة قرصية من الفصيلة النجمية.