logo

logo

logo

logo

logo

الترقيم (منظومات-)

ترقيم (منظومات)

Numeral systems - Systèmes numéraux

 الترقيم

الترقيم (منظومات-)

أسس الأعداد 

منظومات الترقيم البدائية

منظومة الترقيم المسمارية

تصنيف منظومات الترقيم

 

تُعرّف منظومة الترقيم (الأرقام) numeral (number) system بأنّها منظومة رموز كتابية تهدف إلى التعبير عن الأعداد باستخدام قواعد محدّدة لكتابة العدد، أو بعبارة أخرى هي مجموعة رموز تمثل الأعداد الصغيرة (البسيطة) إضافة إلى تمثيل الأعداد الكبيرة وفق قواعد معينة بحيث تكون مفهومة في أوساط المجتمع الذي يتعامل بها. فعلى سبيل المثال يسمح التمثيل العشري للأعداد الطبيعيّة بالتعبير عن كل عدد بطريقة وحيدة تميّزه من باقي الأعداد بسلسلة منتهية من الأرقام؛ في حين أنّ التعبير عن الأعداد المُنْطَقة -بوجهٍ عام- لا يكون بسلسلة منتهية من الأرقام ولا يكون بطريقة وحيدة؛ فالعدد 2,31 يمكن التعبير عنه كتابة 2,310000 أو 2,3099999999.

جرت أول محاولات تمثيل الأعداد كتابة بعد زمن طويل من تعلم الناس كيفية العد، ولعل أول طريقة لتسجيل حساب أو عدد ما كانت باستخدام العيدان أو الحصى لحصر العدد. وبناء على الطرائق التي ما زالت الأقوام البدائية تتبعها إلى اليوم- إلى جانب النقوش الأثرية- فإن الأرقام في أول عهدها كانت مجرد أثلام أو علامات بسيطة محفورة على عصا أو قطعة حجر أو آجر أو ما شابه، وهي ما يسمى "عصا الحساب" tally system. ولم يكن البشر في حاجة إلى إجراء حسابات كبيرة أو تسجيل الأعداد الكبيرة حتى بدايات عصر التدوين. وكان لكل رقم أو عدد بسيط اسم يعرف به قبل أن يوجد له رمز يمثله بزمن طويل.

أسس الأعداد

عندما استدعت الضرورة حساب أشياء يتجاوز عددها العشرة (عدد أصابع اليدين) توجب ابتكار طريقة بسيطة لتعدادها، وكان الحل بإيجاد واحدات للمجموعات العددية، هي الوحدة أو الأساس، على النحو المتبع اليوم؛ إذ يمكن مثلاً التعبير عن المقدار بيضة بثلاث واحدات، مقدار كلّ منها بيضة (دزينة) يضاف إليها بيضات؛ فيكون المجموع: . فالعدد يمثّل أساساً لأشياء كثيرة: فالسنة مؤلفة من شهراً، والقدم feet الواحدة في القياس الإنكليزي تساوي إنشاً (بوصة) inches، والرطل الإنكليزي pound يزن 12 أونصة ounces (في الأوزان الصيدلانية apothecariesweight). غير أن الرقم 10 كان الأساس الذي فرض نفسه عبر التاريخ للتعبير عن الأعداد بطريقة يُستخدم فيها الواحد المفرد وقوى العشرة المتوالية: 1، 10، 100، 1000 ... للدلالة على أي عدد، وكان أول ظهور لمثل هذه الأرقام في مصر القديمة (3400 ق.م) وفي بلاد الرافدين (أوائل 3000 ق.م) وقبل زمن كبير من ظهور أول رموز معروفة تمثل أرقاما في العالم، كالصين (1600 ق.م) وجزيرة كريت (1200 ق.م) والهند (300 ق.م).

ثمة رموز أخرى كان لها دور عند بعض الشعوب البدائية، كما في بعض قبائل أستراليا القديمة وغينيا الجديدة وأمريكا الجنوبية، أساسها العدّ الزوجي مثلاً: "واحد، اثنان، اثنان وواحد، اثنان واثنان، اثنان واثنان وواحد وهكذا..؛ بل ثمة قبائل بدائية أخرى في أمريكا الجنوبية تعتمد منظومة عدٍّ ثلاثية أو رباعية. أما منظومة العد الخماسية فهي قديمة جداً، ولعل أساسها أصابع اليد الواحدة، وهي تدخل في منظومة العدّ العشرية decimal والمنظومة العشرينية vigesimal system في مناطق كثيرة. ومثل ذلك الأساس ستة المجرد الذي يبدو أنه انطلق من شمالي إفريقيا، ويستعمل اليوم في جملة المنظومة الاثني عشرية system duodecimal التي تعتمد الأساس 12 أو الدزّينة dozen ومضاعفاتها gross measure by twelves.

منظومات الترقيم البدائية

كانت أول الأرقام البدائية مجرد خطوط شاقولية تدل على عدد ما، من قبيل وهكذا (الشكل1)، كتلك التي عثر عليها في مصر وبلاد اليونان، أو خطوط أفقية متراكبة إلى آخره. كتلك التي وجدت في شرقي آسيا، وكل منها كانت تلبي احتياجات الناس البسيطة.

الشكل (1) منظومة أرقام بدائية تمثل العدد بخطوط شاقولية.

ومع تطور المجتمعات وتعقّد الحياة احتاج الأمر إلى مجموعات أعداد أكبر، مع إعطاء اسم لكل عدد من واحد إلى عشرة، ثم تبعتها أسماء أعداد خاصة. ومنها ما لا يخضع لمنظومة معينة كما هو شأن قبائل اليوكاغير Yukaghirs في سيبيريا؛ حيث يعدّون : واحد، اثنان، ثلاثة، ثلاثة وواحد، خمسة، ثلاثتان، ثلاثتان وواحد، أربعتان، عشرة ناقص واحد، عشرة.

منظومة الترقيم المسمارية

نقش البابليون نصوصهم بالحروف المسمارية cuneiform على الرُّقُم الطينية clay tablets ، واستعملوا النظام الستيني ورموزاً لستين عدداً بطريقة قريبة من منظومة الترقيم الهيروغليفية؛ بالنسبة للقوى والإشارة والمسافات، يختلف شكل الرموز بحسب قلم الكتابة على الطين؛ فإذا كان قلم الكتابة مستدق الرأس pointed end جاء الرمز مخدداً مستقيم الحواف كالأثر الذي يتركه المسمار، أما إذا كان القلم مدوراً مدبب الرأس circular end فيكون الرمز دائريَّ الحواف (الخط المدور (curvilinear writing) (الشكل 2). ويبدو أن ثمة فارقاً في استعمال الشكلين؛ فقد استخدم الشكل المسماري للأعداد الدالة على السنة أو عمر حيوان فقط؛ في حين استعملت الأرقام المدورة في تسجيل الأجور والحسابات المستحقة والمدينة.

 

الشكل (2) منظومة الترقيم المسمارية البابلية.

والمثال على ذلك يكتب العدد 3756 بالكتابة المسمارية كما في الشكل (3).

 

الشكل (3) مثال على الكتابة المسمارية.

تصنيف منظومات الترقيم

يمكن أن تصنّف منظومات الترقيم في أربعة أصناف رئيسة:

1- المنظومات التجميعيّة additive systems

ثمة ثلاثة أنماط من منظومات الترقيم التجميعيّة، أبسطها تلك التي تعطي اسماً خاصاً للأعداد الصغيرة، وللأساس ، وللقوى المرفوع إليها ، ، وغيرها. حتى القوة الكبيرة؛ بحيث تمثّل كلَّ الأعداد تقريباً. يمثِّل كلَّ عدد في هذه المنظومات مجموعةٌ من الرموز لكل منها قيمة مستقلّة عن موقعه في تركيبة العدد، وتكون قيمة العدد مساوية لمجموع قيم الرموز المكوّنة له. ومن ثم تتكون الأعداد المتوسطة من جمع الرموز بحيث يتكرر كلُّ رمز عدة مرات بحسب العدد المطلوب؛ فمثلاً يكتب العدد 23 في منظومة الأرقام الرومانية كالآتي:.

أ- المنظومات التجميعيّة من النمط الأوّل: للعدد في هذه المنظومة وللقوة ومضاعفاتها رموز مستقلّة خاصّة بها. من هذا النمط -على سبيل المثال- منظومة الترقيم المصرية القديمة التي تعتمد الرموز الهيروغليفيّة للتعبير عن قيم المراتب العشريّة المكتوبة على الحجر والمبينة بالشكل (4). يبدو أن أول مجموعة مرمّزة كانت المنظومة الكهنوتية المصرية القديمة Egyptian hieratic system، وقد دعيت بهذا الاسم لأن كهنة المعبد كانوا الوحيدين الذين يتوفر لهم الوقت والمعرفة لاختزال الأعداد الهيروغليفية الكبيرة. وقد عثر في العام 1855م على عمل حسابي مصري على ورق البردي papyrus يستخدم الأرقام الكهنوتية عرف باسم بردية رايند بابيروس الرياضية Rhind mathematical papyrus نسبة إلى من اشتراها، وتعدّ مصدراً رئيسياً للمعلومات المتعلقة بمنظومة الترقيم هذه. وثمة منظومة ترقيم مصرية متأخرة تعرف بمنظومة الترقيم الشعبية demotic، وهي منظومة مرمّزة أيضاً.

 

الشكل (4) منظومة الترقيم الهيروغليفية المصرية.

ب- المنظومات التجميعيّة من النمط الثاني: في هذا النمط من المنظومات تعطى رموز خاصّة للأعداد: ، ، ، ،... إلى جانب رموز خاصّة بالأعداد ، ، ،...، ومنها منظومة الترقيم الرومانية التي يعبّر فيها عن الأعداد بالحروف الأولى لأسماء الأرقام الكبيرة كما هو مبيّن في الشكل (5). وقد كان للنفوذ الروماني الطويل الأمد دوره الكبير في سيادة هذه المنظومة في أوربا ومحافظتها على مكانتها طوال ألفي عام تقريباً بفضل التقاليد والتجارة والكتابات العلمية والدينية والأدبية.

 

الشكل (5) منظومة الترقيم الرومانية.

 والأمثلة على ذلك:

 

ج- المنظومة التجميعيّة من النمط الثالث: تُستخدم في هذا النمط حروف الأبجديّة رموزاً للأعداد. والمثال على هذا النمط منظومة الترقيم الأبجديّة اليونانيّة التي اقتبست من الأبجدية الفينيقية، وتعرف اليوم بالأرقام الأتيكية Attic numerals؛ إذ عثر على أول تسجيل لها في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي أكثر مواءمة لنظرية الأعداد theory of numbers؛ مع أنها صعبة على طبقة التجار. وهي منظومة مرمّزة تستعمل فيها الحروف التسعة الأولى من الألفبائية اليونانية (الإغريقية) للأرقام التسعة الأولى، وتسعة الحروف التالية للأعداد من 10 إلى 90، والحروف التسعة الثالثة للأعداد من 100 إلى 900، ويشار إلى العدد 1000 بوضع خط أفقي صغير إلى يسار الرقم المناسب (الشكل 6).

 

الشكل (6) منظومة الترقيم الأبجديّة اليونانيّة.

والمثالين عليها:

ح- المنظومات التجميعية المضاعفة أو الهجينة multiplicative or hybrid grouping systems

يقصد بها المنظومات التي تستخدم مبدأي الجمع والضرب معاً في ترميز الأعداد، وتعطي أسماء خاصة للأرقام 1، b، ، وهكذا، و كذلك للأرقام 2، 3، ...، b-1، وتستعمل رموز هذه المجموعة الثانية بدلاً من التكرار في المجموعة الأولى. وعليه إذا أشير إلى 1، 2، 3، ...، 9 بالطريقة العادية وأُحِلَّت الحروف X و C و M محل 10 و100 و1000 على التوالي؛ فإن المنظومة التجميعية المضاعفة تكتب العدد 7392 كما يلي: 7M3C9X2. والمثال الرئيس من هذا القبيل موجود في منظومة الأرقام الصينية، ولها أشكال ثلاثة منها على سبيل المثال المنظومة الوطنية الحديثة الموضحة في الشكل (7).

 

الشكل (7) منظومة الترقيم الصينية.

والمثال عليها معطى في الشكل (8).

 

الشكل (8)

2 - منظومات الترقيم المرمّزة ciphered numeral systems

في المنظومة المرمّزة لا تعطى أسماء للرقم 1 وقوى الأس b فحسب؛ بل لمضاعفات تلك القوى. وعليه انطلاقاً من المثال السابق في منظومة التجميع المضاعف يمكن أن يحصل المرء على المنظومة المرمّزة إذا أعطيت أسماء لا رابط بينها للأعداد 1، 2، ...، 9؛ X، 2X، ...، 9X ؛ C، 2C، ...، 9C؛ M، 2M،...، 9M. وهذا يتطلب تذكر رموز مختلفة كثيرة، ولكنه يجعل التسجيل مختصراً. غير أن المنظومة المرمّزة بالحروف الأبجدية غير صعبة الاستعمال في أغراض الحوسبة لأن المستخدم يستطيع تذكر معنى (قيمة) كل حرف منها، وثمة منظومات كثيرة من هذا القبيل استعملت في لغات مختلفة كالمنظومة القبطية والهندية البراهمية والعبرية والسريانية والعربية القديمة المعروفة باسم "حساب الجُمَّل" Abjad numerals.

- منظومة الأرقام المرمّزة العربية (حساب الجُمَّل)

استعمل العرب في الجاهلية والإسلام الترقيم المرمّز كغيرهم من الأمم، وأعطوا اسماً لكل رقم من الأرقام العشرية الأولى. واستعملوا حروف الأبجدية العربية في الترقيم،  وسمّوه «حساب الجُمَّل».  وثمة بعض الخلاف بين عرب المشرق وعرب المغرب في ترتيب حروف الأبجدية، وفي دلالتها الرقمية، فحروف الأبجدية العربية المشرقية مرتبة كما يذكر الخوارزمي في "مفاتيح العلوم: "أبجد، هوَّز، حُطّي، كَلَمُن، سعفص، قُرِشَت، ثَخَذٌ، ضَظَغٌ، وهذا ما يستعمله المنجمون والحسّاب، فإما على ما تعرفه العرب فهو: أبوجاد، هواز، حطي، كلمون، سعفص، قرشات". وأما ترتيب الأبجدية عند أهل المغرب فهو: أبجد ، هوز، حطي، كَلمُن، صَـعْـفَـض، قَـرَسَـت، ثَـخَـذْ، ظَـغـش (الجدولان 1و2)

الجدول (1) - حساب الجُمَّل عند أهل المشرق العربي

الآحاد

1

2

3

4

5

6

7

8

9

أ

ب

ج

د

ه

و

ز

ح

ط

العشرات

10

20

30

40

50

60

70

80

90

ي

ك

ل

م

ن

س

ع

ف

ص

المئات

100

200

300

400

500

600

700

800

900

ق

ر

ش

ت

ث

خ

ذ

ض

ظ

غ = 1000


الجدول (2) - حساب الجُمَّل عند أهل المغرب العربي

الأحاد

1

2

3

4

5

6

7

8

9

أ

ب

ج

د

ه

و

ز

ح

ط

العشرات

10

20

30

40

50

60

70

80

90

ي

ك

ل

م

ن

ص

ع

ف

ض

المئات

100

200

300

400

500

600

700

800

900

ق

ر

س

ت

ث

خ

ذ

ظ

غ

ش = 1000

والجدير بالذكر أن العرب بعد استقرار الدولة رتبوا حروف اللغة ترتيباً آخر، وسموها حروف الهجاء أو حروف المعجم، مراعين فيه تشابه الشكل مع اعتبارات أخرى، ولا علاقة للحساب به، ومع ذلك ثمة خلاف بين المشرق والمغرب في هذا الترتيب أيضاً.

ظل الترقيم بحروف الجُمَّل مستخدماً عند عامة المسلمين قروناً ولاسيما في التأريخ وأبحاث الفقه حتى بعد أن شاع استعمال الأرقام الهندية العربية.  وقد شرح الخوارزمي تركيب الأرقام بحساب الجُمَّل بقوله: " فإذا ركبت منها اثنين أو ثلاثة فإن سبيلك أن تقدم الأكثر وتؤخر الأقل، مثال ذلك: يب = اثنا عشر، وكذلك قكج = مئة وثلاثة وعشرون". ويلاحظ هنا أن الكلمات المركبة من الحروف لم يكن لها معنى؛ غير أن بعض المتأخرين استعملوا هذه المنظومة في تأريخهم فجعلوها ذات معنى وإن لم يلتزموا بالترتيب التنازلي. فإذا أُريد الرقم 1240 كتبوا "مرغ" وإذا أرادوا كتابة 1720 مثلاً كتبوا " كذغ"؛ فمن ذلك أن أحد المؤرخين سجل فتح القسطنطينية -وكان سنة 857 هـ- بعبارة مفيدة: "بلدة طيبة".

3- منظومات الترقيم المراتبيّة positional numerical systems

تعدُّ منظومة الترقيم العشرية المثال الأول للمنظومة المراتبية التي أعطيت الأرقام 1، 2،...b-1 فيها أسماء خاصة بعد تبني الأساس b، وتكتب كل الأعداد الأكبر منها بتعاقب تلك الأرقام. وهذه هي المنظومة الوحيدة التي يمكن استخدامها لكتابة الأعداد الكبيرة، لأن كلاً من المنظومات الأخرى تعطي أسماء خاصة مختلفة للأعداد الأكبر من b، وكلُّ عدد N يمكن أن يكتب بأسلوب خاص على الشكل المعطى بالعلاقة (1).

حيث محارف رقمية من المجموعة 0 ، 1، ...، 1-b، ومن ثمَّ فإن N حتى الأس b يمكن أن تمثل بتعاقب تلك الرموز. وهذا هو المبدأ الذي بنيت عليه منظومة التجميع المضاعف، ويمكن تبين العلاقة بين هذين النوعين من المنظومات من المثال السابق ؛ فمنظومة الترقيم المراتبية مشتقة من منظومة التجميع المضاعفة بعد حذف أسماء القوة إلى آخره، اعتماداً على ترتيب المحارف الرقمية بحيث يؤدى المعنى المطلوب. ومن هذا المنطلق يغدو من الواجب استعمال رمز يمثِّل الصفر ليدل على وجود أي خانة فارغة. وقد طُوِّرت هذه الفكرة بادئ الأمر من الرهبان الهندوس؛ فهم أول من استعمل الصفر بهذه الطريقة، ورمزوا إليه بنقطة أو دائرة صغيرة، يسمونها بالسنسكريتية "سونيا" sunya ومعناها "شاغر أو فارغ"، وسماها العرب المسلمون "صفر" ṣifr بدءاً من القرن الثاني للهجرة/القرن الثامن الميلادي من دون أي تغيير في المعنى، وانتقلت التسمية إلى اللاتينية نحو 1200م لفظاً من دون المعنى، وطرأت عليها تعديلات مع الزمن حتى صارت تكتب في اللغات الأجنبية cipher وzero.

- منظومة الأرقام الهندية العربية

الأرقام العربية Arabic numerals، أو الأرقام الهندية العربية Hindu or Indo-Arabic numerals عشرة أرقام تبدأ بالصفر وتنتهي بالرقم تسعة هي: 0، 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، وهي أكثر الرموز الدالة على العدد انتشاراً في العالم إلى اليوم. تستعمل الأرقام العربية اليوم لتمثيل هذه المنظومة الرقمية الهندية العربية، وتقرأ الأرقام المتعاقبة مثل " 975" على أنها عدد بذاته، وتدل على القيمة التي يمثلها هذا العدد.

يبدو مصطلح "الأرقام العربية" غامضاً ومحيراً للمتكلمين بغير العربية؛ فهو يدل عندهم على منظومة الأرقام المستعملة في أوربا والأمريكتين فقط؛ لذلك وتجنباً لسوء الفهم يطلقون عليها في الغرب في قائمة الترميز العالمية الموحدة اسم "الأرقام الأوربية". ثمة ادعاءات متعددة حول أصل هذه الأرقام العربية، ولكل منها قدرُه من الحقيقة. ويشير معظمها إلى أن أصولها ترجع إلى العرب المسلمين والهنود، ومن غير المستبعد أن يكون للتبادل التجاري دوره في انتقال رموز هذه الأرقام من بلد إلى بلد، بحيث تبلور شكلها على النحو المعروف اليوم. أول إشارة وردت إلى هذه الأرقام العشرية في نص للأسقف سيفيروس سيبوخت Severus Sebokht الذي عاش في منطقة الرافدين نحو العام 650 م، تكلم فيه عن "علامات الترقيم التسع" ويبدو أنه لم يكن يعرف الصفر. والأرجح أن هذه المنظومة الرقمية قد تبناها علماء الحساب من المسلمين في الهند، وانتقلت غرباً إلى العالم العربي. وثمة دليل يوحي أنها- في صورتها المطوّرة- مقتبسة من الحروف العربية، كما تكتب في المناطق الغربية من الوطن العربي، وتسمى الأرقام العربية الغبارية. والواقع أن الأرقام العربية هو الاسم التقليدي لأسرة متكاملة من المنظومات الرقمية العربية الهندية، ومنها المنظومة الرقمية التي يستعملها العرب في المشرق العربي، وتسمى الأرقام العربية المشرقية Eastern Arabic numerals أو الأرقام الهوائية Aerial numerals الجدول (3)، ويتميز شكلها الحالي من الأرقام الغبارية السائدة في المغرب العربي. ويزعم بعضهم أن هذه الأرقام سميت غبارية لأنها كانت تكتب في القديم على طاولة أو على لوحة تكسوها طبقة خفيفة من الرمل أو الدقيق، ويرى آخرون أن أصل التسمية -الغبار- مشتق من كلمة غَبَرَ بمعنى مضى، ولهذا يسمى خط الغبار أو خط الجناح. أما الأرقام الهوائية فقد سميت بهذا الاسم لأنها كانت تُـعدّ وتُـحسب ذهنياً.

الجدول (3) مقارنة بعض منظومات الترقيم الحديثة.

 

وفي أواخر القرن الثاني للهجرة /الثامن الميلادي تُرجمت في بغداد بعض الجداول الفلكية الهندية إلى اللغة العربية، واستعملت فيها هذه الأرقام التي كانت شائعة بين العلماء العرب. وفي عهد الخليفة المأمون ألّف محمد بن موسى الخوارزمي (164-253هـ) كتاباً صغيراً عن هذا الموضوع عنوانه "حساب الجبر والمقابلة"، وتُرجم هذا الكتاب إلى اللاتينية نحو سنة 1120 بعنوان "كتاب الخوارزمي للأرقام الهندية" Liber Algoritmi de numero Indorum. أما أقدم مخطوط أوربي معروف يشتمل على الأرقام العربية كما عرفها الغرب فقد كتب بالإسبانية سنة 976. ويعدّ الراهب الإيطالي فيبوناتشي Fibonacci أول من أدخل الأرقام الغبارية أوربا عن طريق مدينة بجاية Bejaia في الجزائر، ومن هناك انتقلت إلى جميع أنحاء العالم بوساطة التجارة والكتب والاستعمار.

تمتلك منظومة الأرقام المراتبية المعدلة ميزات كثيرة جداً، وهذا ما جعل منظومة الأرقام الهندية العربية والأساس 10 هي السائدة في كل مكان؛ بل يمكن أن تكون أول خطوة في الوصول إلى لغة عالمية بين البشر؛ فهي تُستعمل اليوم في المؤلفات والمنشورات العلمية الصينية واليابانية والروسية وكل اللغات الأوربية. وفي هذه المنظومة تستعمل الأرقام: 0، 1، 2،....،9 في كتابة صيغة أي عدد، حيث يحدد موقع الرقم وخانته في الكتابة مرتبته. فمثلاً:

ويُلاحظ هنا أنّ استخدام الصفر ضروريٌ، ولا يمكن الاستغناء عنه في هذه المنظومة.

ويرى الدارسون أن أصل الأرقام الغبارية العربية مبني أساساً على عدد الزوايا في كل رقم من الأرقام التسعة الأولية؛ إذ يضم رسم كل رقم عدد الزوايا التي تقابل عدده؛ فالرقم 1 يمثل زاوية واحدة ، والرقم 2 يمثل زاويتين ورسمه الأصلي شبيه الحرف Z، والرقم 3 فيه ثلاث زوايا وهكذا دواليك حتى الرقم 9 المكوّن من تسع زوايا كما هو مبيّن في الشكل (9)، ويستثنى من هذه الأرقام الصفر (0)؛ فقد رمز إليه بدائرة لأنه ليس رقماً ولا عدداً ويدل على الفراغ أو الخانة التي ليس فيها رقم. وقد أدخل كثير من التحوير والتعديل في صورة هذه الأرقام وحلت الاستدارة محل الزوايا لسهولة الكتابة وجمال الشكل.

 

الشكل (9) الأرقام العربية الغبارية مبنية على أساس الزوايا.

4- المنظومة الاثنينية

ثمة مجال لم يعد لمنظومة الترقيم العشرية السيادة فيها هي الحوسبة الإلكترونية؛ حيث احتلت منظومة الترقيم الاثنينية (الاثنانية) binary numeral system مكان الصدارة . تمتاز هذه المنظومة التي أساسها العدد 2 بأنها تستخدم محرفين رقميَّين two digits فقط هما: 0 و 1. حيث يُمثَّل العدد اثنان بالرقم 10 لأنه يؤدي الدور نفسه الذي يؤديه العدد عشرة في المنظومة العشرية، ويبين الجدول (4) الأعداد الاثنينية الأولى في المنظومة:

الجدول (4) الأعداد الاثنينية.

 

والعدد الاثنيني أطول عموماً من مثيله العدد العشري؛ وسبب طول الأعداد الاثنينية أن لأرقامها احتمالين هما 0 و1؛ في حين تُميّز الأرقام العشرية بعشرة احتمالات، أو بعبارة أخرى، أن المعلومات التي يشتمل عليها الرقم الاثنيني أقل من الرقم العشري، ولهذا السبب سمي الرقم الاثنيني «بت» bit المنحوتة من كلمتي binary digit بالإنكليزية، ويقصد بها المعلومة القليلة التي يمكن الحصول عليها من الحاسوب حول أحد خيارين فقط. ومن ثمّ يغدو من السهل بكثير تصميم مكنة (آلة) تميز بين احتمالين فحسب وليس عشرة احتمالات، وهي الميزة التي يتفوق فيها الأساس 2. والأهم من ذلك أن البت يستعمل في آن معاً لتقديم معلومات رقمية ومنطقية للمسألة المطروحة. أي إن المكنة (الحاسوب) تحافظ على النقيضين: نعم و لا، صح وخطأ، حقيقي ومزيف؛ بالطريقة نفسها التي تحافظ فيها على 0 و 1؛ ومن ثمّ فإن كل شيء يُختصر في الحاسوب إلى تعاقب هذين الرقمين (الشكل 10).

الشكل (10) القيمة العددية للرقم في المنظومة الاثنينية.

نبيه عودة، محمد وليد الجلاد

مراجع للاستزادة:

- G. Flegg, Numbers: Their History and Meaning,Courier Dover Publications, 2002.

- G. Ifrah, The Universal History of Numbers: From Prehistory to the Invention of the Computer, Wiley, 1999.

- C. Varga, The History of Numerals and Number-Writing Paperback, CreateSpace Independent Publishing Platform, 2012.

 


التصنيف : تقانات الفضاء والفلك
النوع : تقانات الفضاء والفلك
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1102
الكل : 40609272
اليوم : 139087